الحلقة التاسعة عشر من مقالات الكاتب عضو المجلس الثوري لحركة فتح لؤي عبده
تعليق :
"تحدث في هذه المقالة عن العملية التحررية والصمود وما يلزم ذلك من عمل لإثبات الوجود، رغم أنف الإحتلال الذي يحاول بشتى الطرق افراغ هذه الأرض من سكانها الأصليين، مشيراً ضمنياً ان ترابط المجتمع يعتبر عنصر قوة في الثبات والمقاومة السلمية والشعبية، مما ينغص على الإحتلال مخططاته البغيضة".
لماذا أنا فتح / الحلقة التاسعة عشرة
المصدر : pal-freedom.com
بقلم عضو المجلس الثوري لحركة فتح / المحامي : لؤي عبده
التحول الديمقراطي في حياة حركات التحرر الوطني أمر هام، فهذا يعني تكريس الحداثة في العمل والمنهج، خاصة وأن كثيرا من الحركات الوطنية العالمية مارست مفاهيم العدالة الاجتماعية في مرحلتين؛ الأولى: أثناء حرب التحرير الشعبية، والثانية: في بناء مؤسسات المجتمع وتشريع قوانين الدولة ومأسستها.
فما بالنا وظروف وتاريخية حركة فتح التي امتازت بخصوصية تجريبية مختلفة، فالتحول الديمقراطي لحركة اتبعت قانون المركزية الديمقراطية لسنوات طويلة وضمن معطيات الاحتلال والشتات نعتبره انتصارا للإرادة الواعية المتفائلة.
وإن انعطاف المنهج ليمارس هذا الفكر في واقع الاحتلال الجاثم على صدر شعبنا في ظل مرحلة تحرر لم تنتهي بعد، وبناء مجتمع تحت شروط بالغة الصعوبة يزيد من فداحتها غياب الحرية والاستقلال وتحول اجتماعي واقتصادي بطيء معقد، أفرز في مرحلة ما قوى اجتماعية أثارت صراعا طبقيا غير مسبوق للحصول على المزيد من الامتيازات والفرص وتحقيق النفوذ، سواء بالمشاركة أو التفرد، مستفيدة من الحالة وتفاصيلها المتشابكة.
إن التحرر السياسي والبناء الوطني، وتشريع القوانين تجربة خاضتها حركة فتح من أجل تعميق ثقل العمل الفلسطيني وتنميته على خارطة الواقع، وتعاونت في ذلك مع قوى إقليمية ودولية كي يصبح حقيقة لا يمكن الانقضاض عليها، أو احتوائها مهما مر الزمن، مع العلم أن حجم الشروط المفروضة على هذه الصيغة و البنية تأخيرية لا تسمح بالوصول إلى الاستقلال دون تفكيك تلك الشروط دون خسارة المنجزات الديمقراطية المشار إليها.
بمرور سنوات التفاوض المتواكب مع إنجاز البنية الديمقراطية يتبين بأن الاحتلال يسعى تكريس تلك الشروط وتثبيت عجلة البناء كي لا يتجاوب بالشكل التام مع الدعوات الدولية من أجل إنهاء الاحتلال متذرعا بأمن دولته في تعطيله لحق تقرير المصير والاستقلال.
ودولة الكيان الاسرائيلي لا ترى بأنه من الممكن التعامل مع الطرف الفلسطينية "بالندية" طالما تتذرع بأمنها واستقراراها، فازدادت عنصرية وبطشا جعل نظرية السلام المدعو لها في مؤتمر مدريد وما قبله نظرية غير قابلة للحياة مع هكذا عدوان مستمر، وأفرغها من مضمون الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني أو التوافق مع حل الدولتين رغم كافة القرارات والمقترحات الدولية. فهي أضحت نظرية لا لا يمكن تحقيقها إلا إن اعتقدت القوى الدولية بانها نظرية ملحة، وهي لا تنظر – مع الأسف – إليها نظرة الحاجة الملحة بقدر ما تنظر إليها وسيلة للهو العالمي و تحقيق المكاسب على حساب الرأي العام العالمي.
حركة فتح تجاوبت بسياستها مع نهج التجربة الديمقراطية، بالرغم من كل العقبات والعثرات الناجمة عن الحروب السياسية والنفسية والاقتصادية المتتالية التي تهدف لإسقاط فتح في دوامة الإرهاق والتشتت على محاور وقضايا تفتقر إلى الحل الأساسي وهو تحقيق الاستقلال وبالطبع يأتي ذلك ضمن سياق الاحتواء وإزالة المشروع الاعتراضي "مشروع فتح" من أمام حلم إسرائيل الكبرى، الذي يشكل ضرورة للإمبريالية الأمريكية.
وضمن ذات الآلة المبرمجة في الهجوم على فتح تأتي فكرة العدو الخارجي، الذي يمنح إسرائيل المساحة للتحرك العدواني المبرر، وممارسة المزيد من استيطانها "استعمارها" للأرض، زحفا مدروسا في تحقيق مشروعها "الدولة الكبرى"، وهذه حقيقة يجب أن يراها كل الوطنيين الأحرار؛ لأنها جوهر الواقع وفلسفة التعاطي معه.
بالرغم من ذلك فإن القضية الفلسطينية ومع تجربة عشرات السنينن تؤكد على أنها قضية لا يمكن حرفها أو طمسها، فهي الباقية لشعبنا ونضالنا والتزامنا بالأرض والقدس.
وفصائل الكفاح الوطني وسائل وأدوات لدخول الصراع وخوضه، وتراجعها أو ضعفها لا يعني ضعف الفكرة والمنهج، فطالما بقيت مسببات وجود الفصائل – الأدوات – تبقى الحاجة لها قائمة تفرض التطور والتفاعل بجدية مع حيثيات الصراع ومصير شعبنا، فالصراع العربي – الإسرائيلي قد يمتد إلى أجيال وأجيال تستدعي السعي دون تراجع في طريق فرض الحقائق دوليا ومحليا، كما يجري منذ أكثر من نصف قرن من الزمن.
لذا يأخذ النضال الفلسطيني أشكالا عديدة، في مقدمتها بناء الوطن "وهذا لا يرضي الاحتلال بتاتا" وتطوير وسائل الحياة والعمل و الانتاج في مجتمع يهدف الاحتلال إلى تفكيكه وترحيله عن أرضه، وهذا السلوك الوطني نقيض عملي في آلية إبراز التناقض في فكرة الاحتلال -الذي لا يمكنه الاستمرار في حالة من عدم الانسجام مع ثقافة المنطقة العربية-، فتكريس الوجود الفلسطيني يشكل حالة مضادة لهيمنة القوة التي تسعى لتفريغ الأرض الفلسطينية من الكينونة العربية.
لذا يكون الصمود والتحدي والتمسك بكافة الأوراق والخيارات الشعبية إيمانا بالاستحقاق الوطني؛ هو الجدار المانع أمام العدوان الاسرائيلي بأشكاله ومحاوره على شعبنا وهويته الاجتماعية والحضارية، وللتاريخ لا يزال يثبت شعبنا الفلسطيني أنه قادر على خلق حياته مهما كان الأمر في سبيل مناوئة الوجود الاحتلالي.
إضغط هنا لتحميل الملف المرفق كاملاً


رد مع اقتباس