في هــــــذا الملف:
2016: هدوء غزة و"انتفاضة الستمائة"
بقلم: أحمد جميل عزم عن الغد الأردنية
اليوم الموعود!
بقلم: حلمي الأسمر عن الدستور الأردنية
اسرائيل بديل عربي عن واشنطن !!
بقلم: ماهر أبو طير عن الدستور الأردنية
كيـــري... والتحذير الأخير لنتانياهو!
بقلم: حسين عطوي عن الوطن القطرية
جدلية الأقصى.. والتمهيد للهدم
بقلم: عبد الناصر سلامة عن المصري اليوم
هكذا غابت فلسطين عن فضائيات العرب
بقلم: محمد عايش عن القدس العربي
إسرائيل وداعش وهجمات باريس
بقلم: علاء الترتير عن العربي الجديد
من الخليل.. إلى الانتصار
بقلم: صالح عوض عن الشروق الجزائرية
أشرف فياض والقضاء الخفي
بقلم: أحمد عدنان عن العرب اللندنية
2016: هدوء غزة و"انتفاضة الستمائة"
بقلم: أحمد جميل عزم عن الغد الأردنية
بحسب الصحافة الإسرائيلية وتحليلاتها في الأيام الماضية، فإنّ العام 2015 هو أكثر الأعوام هدوءا في قطاع غزة منذ خمسة عشر عاماً. وبحسب تحقيق صحفي، واعتمادا على تصريحات ضابط إسرائيلي كبير، فإنّ عدد المشاركين في المواجهات الانتفاضية هم نحو 600 شخص، وهو تصوّر يهرب من الحجم الحقيقي للانتفاضة. لكن الحدثين (الهدوء والانتفاضة) يشكلان جزءا أساسياً من مؤشرات "الاستراتيجية" الفلسطينية الممكنة في المقاومة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، ومؤشرا على السيناريوهات الممكنة قريباً.
بشكل عام، يُعد هدوء غزة في مصلحة انتفاضة الضفة الراهنة، كما أنه في مصلحة قطاع غزة؛ لأنّه من دون هذا الهدوء كان سيتكرر سيناريو العام 2014، عندما تحولت الأنظار من هبّة كانت تتبلور بعد حرق الفتى محمد أبو خضير، إلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وما رافقها من دمار وضحايا.
إلا أن هذا الهدوء يعكس أيضاً تسليم القائمين على المقاومة في غزة بضرورة تفادي مواجهة عسكرية غير متوازنة، والتركيز على الردع والهدوء. يضاف إلى ذلك أن عدم القيام بعمليات مقاومة عسكرية في الضفة، منذ بدء الهبّة الراهنة حالياً، يشير لتطور في الموقف يعطي الهبّة الشعبية فرصتها الكافية، فضلا عن تجنب رد الفعل الإسرائيلي التدميري المتوقع في غزة، لو تحركت "حماس" أو "الجهاد الإسلامي" عسكرياً في الضفة.
من السطحي والتضليل الحديث عن أنّ الهبّة في الضفة الغربية تقتصر على بضع مئات؛ فحتى لو صح أنّ من يقوم بالمواجهات في مناطق التماس يوميا هم بضع مئات، فإنّ الحقيقة أيضاً أنّ هناك عشرات الآلاف وأحياناً أكثر، يتضامون في جنازات الشهداء والمظاهرات المطالبة بجثامين الشهداء.
فضلا عن تطور حالة شعبية مهمة، من نوع "نواطير القرى" وحراسها، من لجان شعبية تحمي القرى من اعتداءات المستوطنين، وهو ما خلق ردعا، نسبيا على الأقل، أو فرض قواعد مواجهة جديدة، مع المستوطنين، وقد يقطع الطريق على مخطط التطهير العرقي الذي كانوا ينفذونه.
ولعل من مؤشرات سطحية وتهافت اختزال الحديث عن الانتفاضة إلى بعض مئات من المشاركين الفلسطينيين، هو اضطرار الجيش الإسرائيلي لاستدعاء وحدات وكتائب احتياط إضافية ونشرها في الضفة الغربية، ويتوقع أن يبلغ عدد هذه القوات مطلع الشهر المقبل 8 كتائب، ما يوضح جزئياً تداعيات الانتفاضة.
يريد الزعم بأن المشكلة هي فقط "الستمائة مشارك"، تقليص حجم المشكلة، لدرجة القول إنّه باعتقال هؤلاء، أو اعتقال وإصابة وقتل أغلبهم، تُحل المشكلة.
والواقع أنّ هناك سيناريو آخر، يشير إلى أنّه حتى لو لم تتطور الانتفاضة لحالة شعبية شاملة، فإنّها قد تنجح، وربما نجحت بالفعل، في تقديم نموذج مقاومة (أو استراتيجية) ستستقطب مع الوقت المزيد من المشاركين، خصوصاً مع حالة الاحتفاء الشعبي بالمقاومين. والواقع أنّ الجيش الإسرائيلي قال إنه يستعد لوضعية يصبح عدد المشاركين فيها 6 آلاف شخص.
لكن الأهم من هذا في الواقع، أنّ استمرار المواجهة يخلق روحا وعقلية جديدتين، وبالتالي حتى لو افترضنا استمرار الفجوة بين جيل الشباب والأجيال الأكبر سناً، فإنّ المناخ العام يتطور باتجاه حفز المزيد من الشباب للنشاط المقاوم، الذي قد يتعدى نطاق المواجهات أو حتى العمليات الفردية المختلفة، إلى التفكير بأنماط مقاومة جماهيرية وشعبية جديدة، داخل المدن والقرى وليس فقط في نقاط التماس.
بموازاة بطء تحول المواجهات الراهنة مع الاحتلال إلى حالة شعبية واسعة، فإنّ استمرار المواجهات والعمليات يعكس حالة متجذرة قد تتسع أفقياً لشرائح أكبر، وعمودياً لتطوير بنى تنظيمية، وأنماط مواجهة ومقاومة مختلفة تعمل في داخل المجتمع الفلسطيني.
ينقل الهدوء في غزة الكرة للملعب الفلسطيني والعربي لحل مشكلتي الحصار والانقسام في غزة. لكن في المقابل، يبدو تحييد القطاع عسكريا (جزئياً بفضل الردع الذي تؤمّنه المقاومة)، سبباً ومؤشرا على تكرس خيار الانتفاضة غير المسلحة (باستثناء السلاح الأبيض) كخيار يستقطب الدعم.
إلى ذلك، فإن عدم تطوير الفصائل لخطاب وبرنامج مواجهة شامل في الضفة الغربية، واضطرار حتى شبان هذه الفصائل للنضال الفردي وبآليات يحددونها هم، قد لا يشكلان عائقاً أمام استمرار الانتفاضة وتطورها واتساعها أفقيا بضم شرائح وأنماط جديدة، وعموديا بتطوير بنى قيادية وتنظيمية مستقبلا، وبما يتجاوز الفصائل لأطر تنظيمية أخرى، أو لإصلاح هذه الفصائل.
اليوم الموعود!
بقلم: حلمي الأسمر عن الدستور الأردنية
نحن أمام تحولات جارية في المنطقة العربية، ففي الوقت التي تحارب فيه أنظمة عربية كل نَفَس ديني، وتلاحق أصحاب العقيدة، تُفسح إسرائيل المجال لاحتضان المتدينين، وتسلمهم أرفع المناصب الخطيرة، خاصة في قطاع الأمن والجيش!
وكما يقول الكاتب الفلسطيني الدكتور صالح النعامي، في الوقت الذي تحذر فيه إسرائيل العالم من صعود الإسلاميين وتوليهم مقاليد الأمور في العالمين العربي والإسلامي، فإنها نصّبت متدينين متطرفين على رأس أهم أجهزتها الاستخبارية والأمنية.
وقد جاء تعيين الجنرال يوسي كوهين رئيسا لجهاز الاستخبارات والمهام الخاصة «الموساد» أخيرا، خطوة إضافية تعكس تغلغل المتدينين الصهاينة في سلم الهيئات القيادية في الجيش والأجهزة الأمنية. وعلى الرغم من أن كوهين لا يعتمر القبعة الدينية بسبب طابع عمله الاستخباري في الخارج، فإنه معروف بتطرفه الديني، حيث إنه تلقى تعليمه في مدرسة «أور تسيون» الدينية، التي يديرها الحاخام حاييم دروكمان، أحد أبرز المرجعيات الدينية اليهودية وأكثرها تطرفا. صحيفة «يديعوت أحرنوت» كشفت أن كوهين يحرص على إلقاء المحاضرات أمام طلاب مدرسة «أور تسيون»، علاوة على تصميمه على تلقي «النصائح» من الحاخام دروكمان بين الفينة والأخرى. وقد جاء تعيين كوهين بعد أسبوع على مراسم تعيين المتدين الجنرال روني إلشيخ قائدا للشرطة، حيث إنه كان نائبا لرئيس المخابرات الداخلية «الشاباك».
إلشيخ تباهى في كلمته في حفل التعيين بأن أكثر شخص أثر عليه هي الحاخامة كرميت غيرمان، التي كانت تدير المدرسة الدينية التي كان يدرس فيها في طفولته. وقد اشتهر إلشيخ بـ»ابتكاراته» في مجال طرائق تعذيب الأسرى الفلسطينيين من أجل نزع الاعترافات منهم.
قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة، قالت أن إلشيخ يعكف على زيارة الحاخام شمؤويل ليسكبند، الذي يقود إحدى الجماعات المتطرفة لتلقي النصح والإرشاد. وفي الوقت ذاته، فإن رئيس «الشاباك» الحالي يورام كوهين هو متدين صهيوني، معروف بعلاقاته الوثيقة مع الحاخامات.
وقد أكد روني دانئيل المعلق العسكري في قناة التلفزة الثانية، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ينوي تعيين جنرال متدين من داخل الشاباك خلفا ليورام كوهين الذي سينهي أعماله بعد شهر. وكان الصحافي أمير أورن، قد كشف في تحقيق نشرته صحيفة «هآرتس» في عددها الصادر بتاريخ 12 أيار/ مايو 2014، أن معظم قادة المناطق في «الشاباك» من المتدينين الصهاينة. وعلى صعيد الجيش، فقد كشفت صحيفة «معاريف» في عددها الصادر بتاريخ 8 أيلول/ سبتمبر 2015، النقاب عن أن المتدينين الصهاينة يشكلون حوالي 40% من الضباط القتاليين في الجيش، على الرغم من أن تمثيل التيار الصهيوني لا يتجاوز الـ10% من تعداد المستوطنين.
تخيلوا معي رئيس جهاز أمني، يخرج علينا بتصريحات كتلك التي أطلقها أخيرا يوسي كوهين رئيس «الموساد» حين قال: «يعود فضل قيام دولة إسرائيل إلى مساعدة الله. كان ذلك صحيحا حينذاك - واليوم أيضًا نحن بحاجة إلى مساعدة الخالق».. ماذا سيقول عنه العلمانيون والمثقفون المتفيهقون واللادينيون العرب؟
إسرائيل ترعى التدين، وتربيه، والرسميون في بلادنا يحاربونه ويطاردونه ويخرجونه عن «القانون»، ولكنه متغلغل في نفوس الملايين طبعا، ولا تستطيع قوة في هذا العالم أن تمنع أصحاب العقيدة من إعداد أنفسهم لذلك اليوم الموعود الذي يستعد له متدينو صهيون!
اسرائيل بديل عربي عن واشنطن !!
بقلم: ماهر أبو طير عن الدستور الأردنية
تخضع المنطقة العربية لأسوأ عملية اقتسام للنفوذ في تاريخها، والواضح ان هناك ثلاثة محاور تتصارع على ترسيم المنطقة واقتسام النفوذ فيها، ولكل محور او معسكر توابعه وادواته.
نحن امام المعسكر الايراني وتوابعه على المستوى الشعبي او التنظيمي او الرسمي في بعض الدول، وفي هذا المعسكر نجد دولا مثل روسيا والعراق ولبنان وغيرهما، بالاضافة الى حركات واحزاب مقاتلة مثل حزب الله.
ثم المعسكر التركي وتوابعه ايضا شعبيا وسياسيا ورسميا، وهذا المعسكر له تأثيراته في المنطقة ومعه جماعات واحزاب وشركاء في الحكم في عدة دول.
ثم المحور الاسرائيلي وتوابعه السرية والعلنية في هذه المنطقة، وهي توابع لا تجاهر بعلاقاتها على الاغلب وتعتقد ان اسرائيل ستكون بديلا عن اميركا خلال العقدين المقبلين ولابد من التحالف معها، خصوصا، في وجه المحورين الايراني او التركي، وهذا رأي سائد وغير معلن في مراكز القرار العربية التي تتحدث عن الحاجة الى « بديل آمن» عن الولايات المتحدة التي تتراجع الى الظلال، ولا يجد هؤلاء الا اسرائيل للاسف الشديد.
وسط هذه المثلث تتعرض المنطقة العربية لأسوأ عملية تقاسم وتطاحن في تاريخها، والذي يقرأ مواقف الولايات المتحدة الاميريكية يجدها على صلة ايجابية سرية وعلنية بالمحاور الثلاث، بما في ذلك المحور الايراني، خصوصا، بعد الاتفاق النووي، اذ لا تعادي اليوم واشنطن اي محور من هذه المحاور، ايا كانت اللغة السياسية المباعة اعلاميا.
سابقا كان الانتماء الى المعسكر الاميركي من جانب دول عربية يعني بالضرورة نتائج محددة، لكن هذه الايام يكتشف العرب ان التنسيق مع الولايات المتحدة لا يعني بالضرورة تحييد واشنطن، وابعادها عن اي محور من المحاور الاخرى، اذ لواشنطن مصالحها، وهي هذه الايام على صلة بهذه المعسكرات لانها تريد ان تحافظ- ولو مرحليا- على قدرتها بإدارة المنطقة.
يقال هذا الكلام حتى نؤشر على ما هو اخطر، اذ كل المحاور العربية الواسعة انهارت، فلا يمكن ان نعتبر ان لدينا اي محور عربي خالص، سواء معسكرات الاعتدال او التطرف، او ما بينهما، وتجهد الدول العربية اليوم، لمقاومة الاستقطاب، والانجذاب القهري لمراكز قوة اخرى، وهي على الاغلب لا تنجح في ذلك.
سيؤدي الصراع بين ثلاثة محاور على المنطقة، الى نتيجة واضحة لا يمكن تجنبها، فعلى الاغلب سوف يعاد ترسيم المنطقة العربية، ومواقع النفوذ السياسي والاقتصادي والشعبي، وسيخرج محور من المحاور الثلاثة من اللعبة، نهاية المطاف، لصالح الصراع بين محورين، لن يجدا امامهما الا التفاهم بالسلم او الحرب من اجل اقتسام المنطقة العربية، والوصول الى تسوية بينهما.
يبقى السؤال: لماذا لا يتمكن العرب حتى الان من اعادة بناء معسكر سياسي جديد، يقاوم كل هذه التجاذبات، ويتخلص من التبعية، من حيث الواقع او النتيجة.
الارجح ان القدرة غائبة، وان العرب يفضلون دوما الارتباط بمركز قوة دولي او اقليمي، وهنا، فإن اسرائيل على ما يبدو ستصبح بديلا عن واشنطن، في وجه اي محاور اقليمية يخشاها العرب، وهذا البديل ينتظر الوقت فقط، لاشهاره علنا، بدلا عن سريته.
كيـــري... والتحذير الأخير لنتانياهو!
بقلم: حسين عطوي عن الوطن القطرية
بعد نحو أكثر من أسبوع على آخر محاولة أميركية لإقناع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو بإبداء مرونة في الموقف من حل، الدولتين، والدخول في مفاوضات جادة مع السلطة الفلسطينية لبلوغ هذا الحل أطلق وزير الخارجية الأميركية جون كيري ما يشبه التحذير الأخير لإسرائيل في حال قررت ضم الضفة الغربية قائلاً: «كيف سيكون بوسع إسرائيل أن تبقى يهودية ديمقراطية من دون غالبية يهودية بين نهر الأردن والبحر المتوسط؟».
وأوضح «إذا استمر الوضع الراهن فان هناك خطراً حقيقياً من انهيار السلطة الفلسطينية.. فمن دون السلطة الفلسطينية ستغدو إسرائيل مسؤولة عن السيطرة المدنية في الضفة الغربية، وسيضطر الجيش الإسرائيلي لنشر عشرات الألوف من جنوده».
غير أن نتانياهو رد على كيري معلنا أن إنهاء النزاع سيتم أولاً مع الاعتراف الفلسطيني بـ «الدولة اليهودية» نافياً السير نحو دولة ثنائية القومية.
هذا الموقف الأميركي، ورد نتانياهو طرحاً تساؤلات عديدة.
ـ هل أن كلام كيري يعبر عن انحياز أميركي إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني، أم ينطلق من قلق واشنطن المتزايد على مستقبل إسرائيل، وبالتالي الحرص عليها ؟
ـ ماذا يعني انهيار، أو تفكك السلطة الفلسطينية بالنسبة لإسرائيل ؟.
ـ ماذا يعني إصرار نتانياهو على اعتراف السلطة الفلسطينية بإسرائيل دولة يهودية كشرط مسبق للموافقة على إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح؟.
أولاً: في مغزى الموقف الأميركي:
يعتبر كلام كيري بهذا الشكل ومن منبر دولي، أول تحذير أميركي رسمي علني لإسرائيل من خطورة الامعان في سياسات رفض حل الدولتين والسير في حل الدولة الواحدة، وهذا يأتي من منطلق تعلية الصوت، وممارسة الضغط على حكومة نتانياهو لدفعها إلى الاقلاع عن مواصلة سياساتها المتشددة الهادفة إلى تدمير الحل السياسي لان ذلك يقود إلى نتيجتين ليستا في مصلحة إسرائيل وهما:
النتيجة الأولى: وهي نتيجة مباشرة وداهمة وتتمثل بخطر انهيار السلطة الفلسطينية، وما يعنيه ذلك من إنهاء الاحتلال المقنع، للضفة الغربية، والذي تحول بموجب اتفاق أوسلو إلى أرخص احتلال في التاريخ، وبالتالي عودة إسرائيل إلى تحمل كامل أعباء احتلالها للضفة الغربية، اقتصادياً واجتماعياً، وعسكرياً وأمنياً وضرب ما يسمى أميركياً بتيار الاعتدال الفلسطيني لصالح تعزيز التيار الراديكالي الرافض لنهج أوسلو، والداعي إلى اعتماد نهج المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، وسيؤدي ذلك إلى صب الزيت على نار الانتفاضة الفلسطينية المتجددة، وتوسيع حجم المشاركة الشعبية والفصائلية وصولاً إلى زيادة عمليات المقاومة، واحتمال تطورها إلى هجمات يستخدم فيها الأسلحة الحديثة، وليس فقط السكين والدهس بالسيارات، كما هو حاصل حتى الآن.
ومثل هذا المآل للأوضاع سيكون له أيضاً نتيجة سلبية على صورة إسرائيل في العالم حيث سيزيد من عزلتها الدولية وحجم المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية في أوساط المؤسسات الغربية غير الحكومة لها من ناحية، وسيعزز من التضامن مع الشعب الفلسطيني في مواجهته سياسات القمع والإرهاب والاستيطان والتهويد من ناحية ثانية.
وعلى الرغم من أن هذا السيناريو المتوقع من انهيار السلطة الفلسطينية، يحظى بتأييد وزراء في الحكومة الإسرائيلية، لاسيما وزراء البيت اليهودي، وغيرهم من المتطرفين، إلاّ أن هذا السيناريو بدأ يقلق قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ويشكل كابوساً لهم، خصوصاً وأن عملية تفكك السلطة بنظر محلل الشؤون الفلسطينية في موقع «واللا العبري» آفي يسخاروف، قد بدأت حقاً مستشهداً بعملية إطلاق النار التي نفذها مازن العريبة، وهو ضابط في الأمن الفلسطيني، حيث استشهد على أثرها برصاص جنود الاحتلال، وقام صائب عريقات، ممثلاً للسلطة، بتقديم العزاء لعائلته الأمر الذي يؤشر إلى أن السلطة لم تعد قادرة على معارضة العمليات ضد جنود الاحتلال والمستوطنين، وأن قدرتها على ضبط قواعدها بدأت تتقوض في ظل الانتفاضة، وإصرار حكومة نتانياهو على مواصلة سياساتها التي تقفل الأبواب أمام الحل السياسي، وتؤدي إلى إضعاف السلطة.
ولهذا يرى يسخاروف «أن أمد وقف السلطة الفلسطينية للتنسيق الأمني بات قصيراً جداً، ويمكن أن يتوقف متى قررت إسرائيل فرض عقوبات على السلطة، أو وقف تحويل أموال الضرائب لها، وهذا مطلب الكثير من أعضاء اليمين، وفي حال تأزم الوضع الاقتصادي يمكن أن يتنازل أبو مازن عن السلطة ويترك الكرة في الملعب الإسرائيلي أي احتلال إسرائيلي للضفة الغربية بالكامل».
جدلية الأقصى.. والتمهيد للهدم
بقلم: عبد الناصر سلامة عن المصري اليوم
فى قول الله سبحانه وتعالى (وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة) ما يضع حداً للجدل، حول ما إذا كان المسجد الأقصى قد تم بناؤه منذ ما قبل الميلاد، أم أنه حديث البناء فيما بعد ظهور الإسلام، وذلك لأن المقصود بالمسجد هنا، هو المسجد الأقصى، والمعلوم هو أن دخول المسجد فى المرة الأولى كان عام ٥٨٦ قبل الميلاد.
وقد سُئِل الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن تاريخ بناء المسجد الأقصى، فقال: بعد أربعين عاماً من بناء المسجد الحرام، فى أحاديث صحيحة لا تقبل التأويل، رواها أبوذر الغفارى- رضى الله عنه- إضافة إلى الأحاديث الأخرى التى تؤكد فضل الصلاة فيه، ناهيك عن أن قِبْلة المسلمين الأولى كانت جهة المسجد الأقصى، واستمرت كذلك نحو ١٧ شهراً إلى أن جاء الأمر الإلهى بتحويلها تجاه الكعبة، فهو بذلك أولى القبلتين، وثالث الحرمين، منذ ما قبل الفتح الإسلامى للقدس، وقد كان الصحابة يكثرون من سؤال الرسول عن المسجد الأقصى، فيما يشير إلى أنه لو كان على مقربة منهم، ما كانوا فى حاجة إلى ذلك.
فى كتاب الفلسطينى بسام جرّار (زوال إسرائيل عام ٢٠٢٢: نبوءة أم مصادفة رقمية؟)، الذى أعده خلال عملية النفى الشهيرة إلى مرج الزهور، على الحدود اللبنانية، عام ١٩٩٢، جاء ما نصه: «قبل الهجرة النبوية بسنة، كانت حادثة الإسراء والمعراج، فكانت زيارة الرسول- صلى الله عليه وسلم- للأرض المباركة، المسجد الأقصى الذى بارك الله حوله، وانطلق الرسول من (للذى ببكة مباركاً) إلى المسجد (الذى باركنا حوله)، من أول بيت وضع للناس، إلى ثانى بيت وضع للناس، فى ذلك الوقت كانت القدس محتلة من قبل الرومان، وكان المسجد الأقصى مجرد آثار قديمة ومهجورة، وعلى الرغم من ذلك فقد بقيت له مسجديته، التى ستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وفى هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أنه لم يكن لليهود وجود يُذكر فى القدس منذ عام ١٣٥ ميلادية، عندما دمَّر (هدريان) الرومانى الهيكل الثانى، وحرث أرضه بالمحراث، وشرد اليهود وشتتهم فى أرجاء الإمبراطورية الرومانية، وحرَّم عليهم العودة إلى القدس والسكنى فيها، وعندما أُسْرِى بالرسول كان قد مضى على هذا التاريخ ما يقارب الـ٥٠٠ عام، وهى مدة كافية كى ينسى الناس أنه كان هناك يهود سكنوا الأرض المقدسة.
(كما دخلوه أول مرة)، تكون نهاية كل مرة بدخول المسجد الأقصى، وفى الأولى دُمرت دولة يهوذا، وسقطت فى أيدى الكلدانيين، أما اليوم فقد اتخذ الإسرائيليون القدس عاصمة لهم، ولا شك أن سقوط العاصمة، التى هى رمز الصراع، سيكون أعظم حدث فى المرة الثانية، التى وصفتها الآيتان بـ(الآخرة)، بما يشير إلى أنها الأخيرة.
السؤال هو: ما علاقة الطائف، أو حتى شعوب الجزيرة العربية عموماً بكل ذلك؟ وهل سكان الطائف أو الجزيرة العربية مازالوا من اليهود الذين نزلت بشأنهم هذه الآيات؟ وما هى المرة الأولى، أو الثانية، بالنسبة لمسجد فى الطائف، أو حتى فى أى مكان آخر بالعالم، بخلاف المسجد الأقصى؟ وأين هو الصراع الأزلى حول مسجد الطائف أو غير الطائف؟ وهل هناك أرض مقدسة، أو ورد بشأنها ما يجعلها مقدسة أو مباركة، بخلاف مكة والمدينة، والمسجد الأقصى (الذى باركنا حوله)؟ يؤكد ذلك أيضاً ما جاء فى سورة المائدة على لسان سيدنا موسى عليه السلام (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة).
قد يكون مقبولاً أن يدّعى أحد ذلك على مسجد قرطبة بإسبانيا، أو حتى مسجد بابرى بالهند، أو أى مسجد من المساجد التى يدور حولها خلاف من أى نوع مع أصحاب الملل الأخرى فى أى مكان بالعالم، إنما لا العقل، ولا النقل، ولا المنطق يجيز لنا أن نُفسر ما جاء بالقرآن الكريم من صراع دموى، يرقى إلى صراع الوجود، على أنه يتعلق بأحد المساجد المحاطة بالسلام والإسلام من كل جانب، وعلى امتداد آلاف الكيلومترات.
على أى حال، فإن أصحاب الحملة الإعلامية التى تُمهد وتُسَوِّق للمخطط الإسرائيلى بهدم المسجد الأقصى كان على أصحابها أن يعوا جيداً أن زوال دولة إسرائيل، وعد إلهى قطعى، (فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً)، لاحظ تكرار الوعد مرتين فى الآية الواحدة، فسواء هدموا المسجد الأقصى أم لا، قتلوا، نهبوا، سرقوا، احتلوا، استعمروا، عاثوا فى الأرض فساداً، فعلوا ما فعلوا، نحن أمام وعد إلهى، تاريخ الزوال محدد سلفاً، اجتهادات تتحدث عن عام ٢٠٢٢، وأخرى ٢٠٢٧، الحقيقة الوحيدة المؤكدة هى أن نصر الله قريب.
الغريب أن هناك بين الحاخامات اليهود من يعى ذلك جيداً، وبين الرهبان البروتستانت من يدرك هذه الحقيقة، أما وقد اعتدنا الانبطاح والهزيمة، فمن الطبيعى أن يكون بيننا من يشكك فى ذلك، حتى لو كان قد ورد فى نصوص قرآنية.
هكذا غابت فلسطين عن فضائيات العرب
بقلم: محمد عايش عن القدس العربي
تنشغل معظم القنوات العربية بقضايا الحروب والثورات في المنطقة، بينما ينشغل الشعب الفلسطيني بكتابة قصص جديدة لشهداء جدد ينضمون إلى سجل الشرف العربي بعيداً عن أضواء الاعلام وبعيداً عن اهتمام الفضائيات التي ضجرت من مشاهد تشييع أطفال ملفوفين بالعلم الفلسطيني.
ينشغل الفلسطينيون بإشعال انتفاضة فلسطينية جديدة، فثمة جيل جديد يدخل المعركة، لكنَّ أخبار الانتفاضة شبه غائبة عن وسائل الاعلام العربية والفضائيات، كما أنَّ بعض الصحف العربية لم تنشر منذ شهور ولو خبراً واحداً عن الحدث الفلسطيني على صفحاتها الأولى، والبعض الآخر يغيب الخبر الفلسطيني حتى عن صفحاته الداخلية، فالمسجد الأقصى والاعتداءات الاسرائيلية عليه والشهداءُ الذين يتساقطون من حوله لم يعودوا أكثر أهمية من خبر ولادة كيم كارديشيان أو تبرعها بألف حذاء، أو خبر صدور ألبوم غنائي للفنانة جيسيكا سمبسون.
لم يتغير الحدث، فالفلسطينيون هم أنفسهم لم يتغيروا ولم يتبدلوا منذ عام 2000 عندما اندلعت أم الثورات وأم الانتفاضات، لكنَّ وسائل الإعلام العربية هي التي تغيرت، والبوصلة هي التي باتت تؤشر إلى مكان آخر، فأخبار الانتفاضة الفلسطينية التي كانت تهيمن على ساعات البث والصفحات الأولى عام 2000 والأعوام الثلاثة التالية، أصبحت تظهر بالكاد عام 2015، ولم يعد المسجد الأقصى ولا الأرض المقدسة ولا الدم الفلسطيني أولوية بالنسبة لكثير من الإعلاميين العرب ومؤسساتهم.
أما الأدهى والأمرّ، فهو أن وسائل الاعلام الغربية أصبحت أكثر اهتماماً بالشأن الفلسطيني من تلك الناطقة بالعربية، فجريدة «التايمز» البريطانية (وهي صحيفة محسوبة على اليمين خلافاً لـ»الغارديان» مثلاً المتعاطفة مع بعض القضايا العربية) نشرت 16 مادة صحافية تتعلق بالموضوع الفلسطيني خلال الأسابيع الثمانية الماضية (خلال شهري أكتوبر ونوفمبر)، أي بمعدل مادتين أسبوعياً، بين تقرير وخبر ومقال، وهو ما يعني أن الصحيفة البريطانية تفوقت على العديد من الصحف العربية في تغطية الشأن الفلسطيني خلال الفترة المشار اليها.
التجاهلُ العربي للدم الفلسطيني لا يتوقف على وسائل الإعلام وإنما يمتدُ الى كافة المستويات الرسمية والإعلامية، وحتى الشعبية، فتظاهرة تنديد بالاحتلال أمام السفارة الاسرائيلية في إحدى العواصم العربية لم تعد تستقطب سوى العشرات من رافعي الرايات واللافتات الذين أصبحوا كمن يُغرّد خارج السرب، والاعتداءات على المسجد الأقصى التي كانت تدفع بمئات الآلاف إلى الشوارع في العواصم العربية لم تعد تستفز العرب ولا تستنفر هممهم للخروج بتظاهرة.. وفي دولة مثل مصر نجد أن العشرات من شبيحة النظام الإعلاميين الذين يدافعون اليوم عن حصار قطاع غزة، ويطالبون إسرائيل بإعادة قصفه، كانوا بالأمس القريب يتاجرون بالقضية الفلسطينية ويتظاهرون بأنها همَّهم الأول، لنكتشف بأنهم كانوا كذلك لأن «الموضة» حينها كانت «القضية الفلسطينية»، ولأنهم لم يكونوا يرتبطون بأي مصالح مع نظام مبارك، وإنما كانت مصلحتهم في التطبيل فقط للفلسطينيين!
أما على المستوى الرسمي فقد تركت الأنظمة العربية الفلسطينيين وقالت لهم بوضوح: «إذهب أنتَ وربكَ فقاتلا إنا هاهنا قاعدون»، ليظلَّ قطاعُ غزة تحت حصار عربي اسرائيلي مشترك، بينما تظلُ السلطة الفلسطينية رهينة للاحتلال، لا بل يروج بعض العرب اليوم في العالم بأن الرئيس محمود عباس فشل في تحريك عملية السلام، ويقومون بالتحريض ضده في المحافل الدولية، أي أن النظام الرسمي العربي أصبح معادياً للفلسطينيين على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم وانقساماتهم!
التجاهلُ الإعلامي العربي للفلسطينيين، مع التواطؤ الرسمي العربي ضدهم، يؤكد أن ثمة قرار عربي اسرائيلي مشترك لإجهاض أي انتفاضة أو تحرك ولو كان سلمياً، فاسرائيل لا تريد مزيداً من الفضائح على المستوى الدولي، كما لا تريد احتجاجات قد تدفعها للتراجع عن مشاريع التهويد والاستيطان وتغيير الواقع والديمغرافيا.
أما الأنظمة العربية، فبعضها يخشى من أن تؤدي الانتفاضة الى إنهاء الحرب الطائفية التي تأكل المنطقة، وهي الحرب التي تغذيها أنظمة عربية بعينها بكل ما أوتيت من قوة، وأن تعيد الانتفاضة ترتيب الأولويات في الشارع العربي، فيما تخشى أنظمة عربية أخرى من الحرج وهي التي تقيم علاقات حب وصداقة مع الاسرائيليين، وتجد أنظمة أخرى نفسها مشغولة في همها المحلي ومشاكلها الداخلية وليست في وارد تقديم الدعم للفلسطينيين في أي مواجهة.
خلاصة القول، إن الفلسطينيين وحدهم في المعركة بعد أن تخلت عنهم الأنظمة العربية ووسائلُ إعلامها، أما غياب أخبار الانتفاضة الفلسطينية عن نشرات الأخبار فلا يعني مطلقاً أنها غير موجودة، وعدم الاكتراث العربي بما يجري ليس معناه أن الحدث لم يعد مهماً، وما يمكن استنتاجه اليوم أن وسائل الاعلام مؤثرة فعلاً في الحدث الفلسطيني لكنها ليست المؤثر الوحيد كما كان يظن البعض في السابق.
إسرائيل وداعش وهجمات باريس
بقلم: علاء الترتير عن العربي الجديد
إبّان انشغال العالم أجمع بضحايا الهجمات الإرهابية في باريس وبيروت وسيناء وأماكن أخرى، كانت إسرائيل مشغولة ومُسْتهلَكة بأمور أخرى: كيف تجني ريع هذه الهجمات، وتستخدمها لمصالحها على المستويات: العالمي والإقليمي والمحلي؟ تعرف إسرائيل تماماً، وهي ممارسة ضروس للإرهاب منذ إنشائها، كيف تستفيد من أوجاع الآخرين، وتستحدث منها فرصاً اقتصادية وسياسية على المستويات الثلاثة.
عالمياً، استخدمت إسرائيل الهجمات في باريس، خصوصاً، من أجل إبراز وإظهار بل واستعراض "قدرتها الاستخباراتية وذكائها"، فقد ادّعت مخابراتها تزويدها الدولة المعنية بمعلومات استخباراتية مهمة ودقيقة عن الهجمات المحتملة. وكان هذا "الاستعلاء الاستخباراتي" محط احتفاء الصحف اليومية الإسرائيلية اليمينية واليسارية. والقضية، هنا، أن هذه القضية ليست أمنية أو استخباراتية وحسب، وإنما، بالدرجة الأولى، "قضية تسويق"، (تشبه تسويق الشركات لعلاماتها التجارية) من أجل وضع إسرائيل في موقع أكثر تقدماً وقوة في قائمة الدول المحاربة للإرهاب على المستوى العالمي، في عالم تسوده المعايير المقلوبة، فلا عجب في طرح هذه المحاججة.
الاستماتة في الدفاع عن "القضية التسويقية" هذه، وادّعاء دول عربية إرسال معلومات استخباراتية إلى فرنسا، سمحت لمراسل من صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن يكتب أن "الغرب لا يثق بالمعلومات الاستخباراتية العربية، فهم يشكون بارتباطات الأنظمة العربية بالمجموعات الإرهابية". وهذا مثال واحد من أمثلة عديدة للإشارة إلى أهمية "الاستعلاء الاستخباراتي" لإسرائيل، واستخدامه لترويجها عالمياً.
أضف إلى ذلك أن إسرائيل، وهي رابع مصدّر للأسلحة دولياً، وأكبر مصدّر للأسلحة عالميا مقارنة بعدد سكانها، استخدمت هذه الهجمات من أجل ترويج إضافي لصناعتها العسكرية والافتخار بها، وبأنظمة التحكم التي تمارسها وتصنعها. ويتم تجريب هذه الأسلحة وتقنيات التحكم والرقابة على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، في أثناء تطويرها وقبل تصديرها. وتمر هذه التجارب التي تقوم بها إسرائيل من دون عقاب أو محاسبة، بل بصمت الحكومات المختلفة في الشمال والجنوب وتواطؤها.
وبالتالي، تود إسرائيل مشاركة العالم برسالة واحدة، مفادها أن هذا العالم يحتاج إلى المزيد من الأسلحة من أجل محاربة الإرهاب. ولكن، في حقيقة الأمر، يحتاج هذا العالم إلى أسلحة أقل، ليصبح عالماً أكثر سلماً وأماناً، وليس العكس. فالمنطق يقول إنه كلما كثرت الأسلحة بين أيدي البشر ازدادت احتمالات اندلاع أعمال العنف والحروب واستخدام هذه الأسلحة لعنونة المشكلات السياسية التي يختلقها البشر أنفسهم.
على المستوى الإقليمي، ستستخدم إسرائيل هجمات باريس، من أجل لوم الإدارة الإقليمية على اتفاقها وتسويتها مع إيران، في ما يخص الملف النووي. ولكن، على قدر أكبر من الأهمية، تلعب إسرائيل دورين متوازيين في الحسابات الإقليمية؛ إذ إنها "الضحية" المحتملة "للإرهاب" الإيراني من جهة، لكنها، في الوقت نفسه، العنصر القوي والفاعل والجاهز لمواجهة الإرهاب الإقليمي. وفي منطقة تتصف بالتغيرات والتقلبات السريعة وغير المتوقعة، تجيد إسرائيل التنقل بأريحية بين الدورين. ومثالاً، طلبت إسرائيل من الإدارة الأميركية مزيداً من الأسلحة والدعم العسكري من أجل "الدفاع عن نفسها" ضحية أو ضحية محتملة "للإرهاب".
وفي الوقت نفسه، عرض رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، المساعدة والتنسيق في ما يخص سورية، وتم الاتفاق على جملة من الترتيبات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية بهذا الخصوص. وبالتالي، تلعب إسرائيل، هنا، دور المدافع والمهاجم في "الحرب ضد الإرهاب".
والتناقض والتوتر هنا واضحان، فلا يعقل أن يكون كيان ما ضحية للإرهاب، وفي الوقت نفسه، محارباً شرساً إقليمياً ودولياً لهذا الإرهاب، لكن هذا التناقض الصارخ يصل إلى حد السخرية المفرطة، عندما يكون هذا الكيان ممارساً للإرهاب منذ ما قبل تأسيسه ضد الفلسطينيين القابعين تحت استعماره واحتلاله العسكري وإرهابه.
محلياً، استخدمت إسرائيل هجمات باريس، من أجل الاستمرار في الانقضاض على الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وغزة وفلسطين كلها، خصوصاً على أصحاب التوجهات الإسلامية، فقد أقدمت على تجريم الحركة الإسلامية-الفرع الشمالي؛ ومثلت هجمات باريس اللحظة المواتية لإسرائيل لتنفيذ سياساتها "مسح العدو عن الوجود".
وأعلن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشين بيت)، مستخدماً هجمات باريس ذريعة، عن اعتقال سبعة مواطنين من قرية فلسطينية في الشمال المحتل، كانوا يخططون للانضمام إلى داعش في سورية. وصرح قيادي في حزب الليكود لمجلة مونيتر الإلكترونية بأن هجمات باريس شكّلت الغطاء المناسب لتجريم الحركة الاسلامية؛ وقال "كانت اللحظة المناسبة والصحيحة، فالعالم أجمع منشغل بالهجمات الإرهابية، ولا أحد يركّز علينا الآن".
ويشير هذا الإدراك إلى أهمية "اللحظة الباريسية" إلى النهج والنظام الدموي والتجريمي الذي تقوم عليه إسرائيل. فبلمح البصر، أقدمت إسرائيل على تجريم جسم سياسي-اقتصادي-اجتماعي، 17 مؤسسة خيرية تابعة له، باستخدام قانون طوارئ عسكري سنّه الإنجليز، إبّان استعمارهم فلسطين.
ويهدف هذا الاستخدام الإسرائيلي المعتاد والدوري للقوانين الطارئة والأوامر العسكرية إلى تهديد وجود الكل الفلسطيني على أرضه التاريخية، ويشكل إحدى الأدوات لزيادة السيطرة على الفلسطينيين وإدامة الاحتلال العسكري والظرف الاستعماري.
وعلى الرغم من اعتراض رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، يورام كوهين، على قرار تجريم الحركة الإسلامية، فضّلت الحكومة الإسرائيلية البُعد الدولي على البُعد المحلي، بمعنى أنها استخدمت ظرفاً عالمياً من أجل الفعل المحلي. ربما سرعان ما تندم على هذا القرار، إذ إنه قد يزيد شعبية الحركة الإسلامية، ويحوّل عملها إلى عمل "تحت الأرض"، وبمستوى أعلى من الراديكالية. فالممنوع يصبح مرغوباً أكثر. ولكن، يبدو أن إسرائيل فشلت، مرة أخرى، بالتعلم من الدروس العديدة على مدار العقود الماضية، أو أنها تستمتع بحلقات العنف والصراع المفرغة وتحتفي بها.
وبغض النظر عن موقف المرء تجاه الحركة الإسلامية في إسرائيل ومبادئها وأيديولوجيتها (يمكن الاختلاف معها جملة وتفصيلا، وخصوصاً في ما يتعلق بالسياسة الداخلية الفلسطينية وحقوق ودور المرأة ودور الدين في الحياة اليومية)، فإن استخدام "اللحظة الباريسية" للاعتداء عليها وتجريمها هو اعتداء على قطاع واسع من أبناء الشعب الفلسطيني، وبالتالي، هو اعتداء على الوجود الفلسطيني. ويشارك في هذا التوجه الجُل الأعظم من القيادات والأحزاب الفلسطينية والعربية في إسرائيل.
من الخليل.. إلى الانتصار
بقلم: صالح عوض عن الشروق الجزائرية
إنها "الخليل" أيها السادة، وما أدراكم ما الخليل؟ هي موطن أبيكم إبراهيم عليه السلام، وهي بيعة الاستثناء لرسولكم عليه وآله الصلاة والسلام.. إنها الخليل لا أحلى ولا أبهى ولا أنبل.. وقوفا أيتها الأمة العظيمة، فها هو واحد من مواقعك العظيمة يشرئب بعنقه إلى السماء اقتدارا وقوة وصوابا، فحيا الله حراس مقام إبراهيم وإرث الأنبياء عليهم السلام المجبولين عزة وكرامة وعنادا أسطوريا، حياهم الله وقد رمى بهم العنصريين الصهاينة.
وهكذا تتزود ثورة فلسطين بيقينها وبالعزيمة كلها نحو الانتصار كاملا.. فها هو الخليل برحيق عنبه وصلابة صخره وبعراقة نسبه وكريم أصله يستلم راية الكفاح ليقود شعب فلسطين إلى الحرية والاستقلال.. من الخليل -الرمز والواقع- إلى القدس الرمز والروح يلخص شعب فلسطين ثورته..
حياكم الله شباب فلسطين وأنتم تتقاذفون على الصهاينة قدرا جميلا مزودا بالموت الزؤام.. حيا الله شباب فلسطين وهم يكسرون الحواجز والمعيقات التي ظنها العدو مانعة لأجيال فلسطين من الوثوب نحو وعد الله باسترداد فلسطين.. حيا الله شباب فلسطين وهم يدخلون المشهد بلغة جديدة وروح جديدة وبرنامج حيوي عملي واقعي بعد أن تكلست البرامج وتيبست المفاهيم وتجمدت عقول رهط من القوم في ماضوية عبثية.
الإعلام العربي مشغول بحروب الفتنة، وسياسيو العرب يتحسسون الأرض تحت أقدامهم تخوفا من زوابع الربيع العربي ومؤامرات العم سام بعد أن أفرغوا أموالهم في المعارك الحرام، واندفعوا بعنفوان في قتل بعضهم بعضا، يتناخون في ساحات العار واللهو القاتل.. ويراد من هذا أن يفرض على الثورة العظيمة في فلسطين ستائر التجاهل والتغافل.. ولكن أنى لهم ذلك، فلقد أدرك هؤلاء الشباب قانون المرحلة أنه الموت الانتخابي.. يرافقون الموت، وينبعثون للحياة في مشهد يصبح هو المشهد الحقيقي في المنطقة، ويصنعون بفعلهم الحضاري الإنساني الراقي دربا للخروج من مقت السياسيين وتحجر الأنانيين، ويعلنون من جديد أن مصير شعب فلسطين لا يتوقف على وجود الفصيل الفلاني أو العلاني، ولا يلتزم إلا بروح فلسطين، ويلقي بكل الأوراق التي وقعت في ظل ظروف استثنائية من الضعف وأمعن العدو في استهتاره بالتملص منها إلى حيث تلقى الأطمار البالية.
باختصار نحن الآن إزاء تجدد الشعب
والثورة.. بأشخاص جدد وأفكار جديدة وروح جديدة وبرنامج عمل يزيح من المشهد تلك البرامج المرحلية والمعوجة والهزيلة.. نحن الآن مع أبطال من نماذج أسطورية "مهند وبهاء والحروب وأشرقت..." ويدرك الشعب الفلسطيني أن التسول ليس طريقا لاسترداد الحقوق وأن التشكي والبكاء لن يقنع القريب والبعيد بجدارتنا للحياة بل لابد من الفعل القوي والمدوي.. فكانت ثورة السكاكين والدهس.
وانتم أيها السادة المحترمون من إعلاميين وسياسيين وعرب ومسلمين وبشر تقفون في هذه اللحظات أمام مسؤولياتكم وأمام فرصتكم بتجديد انتمائكم لقوميتكم وإسلامكم وإنسانيتكم.. اكسروا الحصار الإعلامي، واصرخوا في وجوه اللهاة من المليشيات والحكام: إن فلسطين أشرعت لكم باب العزة والكرامة لتقضوا على الغدة السرطانية التي تهدد أمنكم واستقراركم وتخترق أمنكم وتثير في ساحاتكم الفتن.. وفروا أموالكم، واحقنوا دماء شعوبكم، وتعالوا إلى هنا، فلقد رفع الخليل راية القدس من إبراهيم عليه السلام إلى معراج محمد صلى الله عليه وآله وسلم، تكتمل المعجزة والخطوة العملاقة.. فها هي فلسطين كلها من جنين وحيفا وقلقيلية ونابلس والناصرة والعفولة ويافا وغزة وبئر السبع تقف على بوابات الانتصار وعرس الحرية.. حياكم الله يا من اعد تالينا الروح وأزحت عن قلوبنا الهم والغم.. تولانا الله برحمته.
أشرف فياض والقضاء الخفي
بقلم: أحمد عدنان عن العرب اللندنية
انشغل السعوديون في الأيام الماضية بأحداث ثقيلة، منها قضية الشاعر الفلسطيني المقيم في المملكة (أشرف فياض) الذي صدر بحقه حكم الإعدام نظير جريمته المتمثلة في إصدار ديوان شعري “التعليمات بالداخل”، وهذه فرصة لتعزية الشاعر وأسرته في وفاة والدهم متأثرا بجلطة سببها الحكم القضائي.
جرت مياه كثيرة تعليقا على هذه القضية ومنها ما اهتم كثيرا بالتفاصيل، كحيثيات الحكم القضائي المضحكة المبكية، لكن الجوهر كان غائبا أو مغيبا.
قبل سنوات طوال طرح الأمير خالد الفيصل قضية حساسة، دعم بعض المعلمين للإرهاب وانغماسهم في التطرف، اجترح الفيصل آنذاك مصطلحا شغل الصحافة والإعلام لزمن واسع، “المنهج الخفي”، ولا أذكر إن سبقه أو تلاه د. عبدالله الغذامي حين تحدث أمام الملك عبدالله عن تسلل الغلو إلى مناهج التعليم نفسها، وهذا ما يجب أن نطرحه اليوم على هامش قضية فياض وغيرها، ومن ذلك قضية رائف بدوي التي تحدثت عنها كل أصقاع الأرض تقريبا، نحن بحاجة إلى تسمية الأشياء بأسمائها، فالأجهزة الأمنية والعدلية بحاجة إلى دراسة أمينة عن تسلل التطرف إلى السلك القضائي، خصوصا بعد أن رأينا مؤشرات شكلت عبئا على العدل والناس وسمعة البلاد.
الجهاز القضائي جزء من المجتمع وليس مستولدا من كوكب آخر، وبالتالي هو معرض للأمراض المجتمعية كغيره من القطاعات، لا نتهم القضاء بالتطرف أو بالعوار والعياذ بالله، ولكننا نسلط الضوء على “القضاء الخفي” المتمثل بقلة تخدم التطرف والغلو ضد الدولة الوطنية والعدل الذي أراده صاحب القرار لمواطنيه.
هناك أحاديث تدور عن نزاع سبق القضية بين أشرف فياض وبين عناصر في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن صح ذلك فالأمر يستوجب تحقيق المقام السامي ووزارة الداخلية الموقرة، فنحن نتحدث عندها عن مستويين من الاختراق، اختراق هيئة التحقيق والادعاء العام ثم اختراق السلك القضائي لتمرير حسابات كيدية، فلا علاقة لقضية فياض بكفر وإسلام، إنما هي قضية حرية الإبداع والتعبير والضمير أمام غلواء التطرف وبطشه، هي قضية العدل ضد الكيدية والأدلجة، ويحضرني هنا ما قاله رئيس المجلس الأعلى للقضاء سابقا الشيخ صالح اللحيدان للزميل مصطفى الأنصاري “القضاء نصير جهاز الهيئة” مع أنه يجب أن يكون خادما للحق والعدل.
هل هناك تفسير آخر لقضية أشرف فياض؟ هناك تفسير أسوأ، إنه الجهل، وهذا واضح من حيثيات الحكم، ومنها “قوله (الشمس ترقد في الفراش لأن حرارتها مرتفعة) فيها سخرية من الشمس وهي آية من آيات الله”، والحدود تدرؤها الشبهات ولا تقيمها، وإذا كنا اكتشفنا جهل قاض بحكم قضية تسرب إلى العلن، فماذا عن القضاة والقضايا الغائبة عن الإعلام؟ ومن المسؤول عن تسليم رقاب الناس إلى جاهل؟ أو بصياغة أخرى: كيف وصل جاهل أو متطرف، بكل سهولة، إلى منصب حساس واستمر فيه؟
ينظر القضاء السعودي يوميا إلى آلاف القضايا، ومن حسن الحظ، أن مواقع الجدل معدودة ومحدودة، مما يبشر، نظريا، أننا أمام مشكلة يسهل حلها، وأن الأجهزة العدلية بحاجة إلى دعم بشري وإداري وسياسي وأمني لتطهير نفسها من العناصر المغرضة، وقضية فياض وقبلها قضايا رائف بدوي وحمزة المزيني ومحمد السحيمي وغيرهم، تكشف لنا أننا أمام عناصر قليلة العدد لكنها خطيرة الأثر وفاحشة الصدى. لا أعلم من الأساس كيف تصدى القضاء لقضية أشرف فياض مع العلم بأن كل قضايا النشر هي من اختصاص وزارة الثقافة والإعلام حصرا، لتكون أمامنا كارثة الحكم الجائر وكارثة تجاوز أنظمة الدولة ممن يفترض أن يحميها.
بلوى “القضاء الخفي” من الأساس ليست مشكلة أشخاص، إنما مشكلة عدم الاعتراف بقيمة “سيادة القانون”، وقبل السيادة عدم الاعتراف بقيمة القانون نفسه. تخجل الجامعات السعودية من مصطلح القانون مفضلة مصطلح “النظم”، وفي العالم كله يتجسد القانون كسفينة نجاة، لكن الثقافة الدينية الأحادية تراه كفرا وحكما بالطاغوت، ومشروع تقنين الشريعة أو تقنين الأحكام الفقهية لم ير النور، وهذا يعني أن القاضي يعود للمذهب الحنبلي بلا ضوابط ويمكن أن يجتهد أو يشط بلا ضوابط أو رادع، وهنا تحية مستحقة لرئيس المجلس الأعلى للقضاء ووزير العدل السابق محمد العيسى على دأبه في القيام بواجبات التفتيش القضائي وتطوير الأجهزة العدلية. لنسم الأشياء بأسمائها. الدولة الحديثة هي ابنة القانون والمؤسسات، ومن دون القانون لن تكون هناك دولة حديثة، وجهاز القضاء من العناوين العريضة لهيبة الدولة ونجاعتها، ولا يمكن أن نلوم خصومنا على تهجمهم علينا ومنا من “يهديهم” قضية أشرف فياض ومثيلاتها في ظل حربنا ضد الإرهاب وداعش اللذين يحاول الأعداء إلصاقهما بنا.
قضية أشرف فياض نموذج صارخ لأزمة “القضاء الخفي”، وحالة تشير لعبء التطرف والجهل في الأجهزة الرسمية على الدولة وشعبها، ومثل فاضح على مفاسد تغييب القانون وسيادته، والكرة في ملعب المقام السامي ووزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة الثقافة والإعلام لمعالجة “لا قضية” أصبحت بفعل فاعل كل القضايا وأمها، والأهم ضمانة عدم تكرر مثيلاتها مستقبلا.


رد مع اقتباس