27/10/2013
حسن روحاني بين الولايات المتحدة والحرس الثوري!
وحدة البحوث بمعهد العربية للدراسات
يوم الأحد الموفق 28 أكتوبر سنة 2013 أصدرت بلدية طهران قرارا بإزالة الملصقات واللوحات المعادية للولايات المتحدة من شوارع طهران، وهو القرار الذي أعلنته بلديه طهران، حسب وكالة إيرنا الرسمية بهذا التاريخ، وهو ما يأتي في سياق عودة الحرارة للعلاقات الإيرانية الامريكية في عهد الرئيس حسن روحاني.
الذي يبدو أنه يجيد المبادرة والمراوغة في آن، فقد تسرب استعداده للتنازل عن منشأة فوردو النووية في سبتمبر الماضي، وهي الأكبر في الملف النووي الإيراني، قبل المكالمة الهاتفية مع الرئيس الأمريكي في نفس الشهر، ثم صرح آخرون محسوبون على النظام في أكتوبر باستبعاد ذلك، وبينما تنتشر الأخبار عن مطالبة الحرس الثوري بتخفيف حدته ونشاطه والتحول داخليا للمشاركة في التنمية وعلاج المشكلات الاقتصادية، تظل قياداته وعناصره ناشطة في الميدان السوري وغيره من مساحات التمدد الاستراتيجي الإيراني.
قرار إزالة الملصقات المعادية للولايات المتحدة وغيره من القرارات جزء من استراتيجية تلتزمها الإدارة الإيرانية لإبداء حسن النية، وتجميل صورة العلاقات الإيرانية الأمريكية في عهد روحاني، الذي يواجه منذ انتخابه في يونيو الماضي، معضلة ذات بعدين مرتبطين ومختلفين في آن واحد ألا وهو علاقته بالولايات المتّحدة وعلاقته بالحرس الثوري الإيراني.
يدرك روحاني أنّه يتعيّن عليه مواجهة خطر وتحدي العقوبات الاقتصادية الشديد على المجتمع والاقتصاد الإيراني، وأن عليه السعي لجذب استثمارات أجنبية إلى البلاد لتحسين هذا الوضع المتردي. لكنّ روحاني يدرك أنه لن يستطيع فعل ذلك إلا بالمرونة وأقناع الولايات المتّحدة، بطريقة أو بأخرى، بتخفيف العقوبات الإقتصادية المفروضة على إيران. ويتمتع الحرس الثوري الإيراني بنفوذ إقتصادي كبير في البلاد ولن يتنازل عن هذا النفوذ بسهولة للمنافسين الأجانب - على الأقل، ليس من دون الحصول على مكاسب في مقابل هذا التنازل. ولاسترضاء الحرس الثوري الإيراني، سيقدم روحاني إليه بعض التنازلات وسيضمن حماية مصالحه الإقتصادية ما لم تتعارض، مع أجندة السياسة الخارجية للبلاد.
وسيرا على طريق المراوغة ومحاولة صنع صورة التوازن بين دور وتمدد الحرس الثوري الإيراني داخليا وخارجيا في مناطق أخرى، كدوره المبرز في دعم نظام بشار الأسد القمعي في سوريا، دعا
دعا المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي الحرس الثوري الإيراني- أثناء اجتماعه بهم في 17 سبتمبر- إلى إلتزام الحياد إزاء السياسات الحزبية. وعندما تحدّث إلى الجمعية الوطنية العشرين للقادة والمسؤولين، قال خامنئي إن واجب الحرس الثوري هو حماية الثورة. وفي الكلمة التي ألقاها أمام الجمعية ذاتها، أعرب روحاني عن موقف مماثل لموقف المرشد الأعلى وحثّ الحرس الثوري على إستخدام موارده وخبراته لمساعدة الإقتصاد الإيراني، الذي تدهور بثبات منذ فرض الجولة الأخيرة من العقوبات في عام 2012.
ويستلزم تحسين الإقتصاد الإيراني إزالة هذه العقوبات، الأمر الذي يتطلب مفاوضات ناجحة مع الولايات المتّحدة. ولتعزيز موقعها التفاوضي، تحتاج طهران إلى تعاون الحرس االثوري الذي أصبح طرفاً رئيسياً في الإقتصاد الإيراني، وقد تعاظم النفوذ الإقتصادي للحرس الثوري بسرعة منذ عام 2000، عندما إضطرت طهران إلى إيجاد طرق مبتكرة للالتفاف على العقوبات الإقتصادية. وبفضل تجربته الواسعة في العمليات الخارجية، إستطاع الحرس الثوري مساعدة الحكومة في هذا المجال كما حقق لنفسه مكاسب كبيرة من خلال هذا الدور.
ومن خلال طلب مساعدة الحرس الثوري في إنعاش الإقتصاد، يسير روحاني على خطى الرئيس الإيراني السابق، هاشمي رفسنجاني، الذي أعطى الحرس الثوري دوراً أساسياً في جهود إعادة إعمار البلاد بعد الحرب العراقية - الإيرانية (1980-1988). مع ذلك، لا يعتزم روحاني السماح للحرس الثوري بالسيطرة التامة على الشؤون الإقتصادية للبلاد. فقد شكل فريقاً وزارياً مرموقاً من التكنوقراط المتمرسين في الأمور الإقتصادية والمالية، ولكن هل يستطيع روحاني سحب الدور الخارجي للحرس الثوري من سوريا والعراق ولبنان مثلا في هذه اللحظات، وما هو الموقف من حزب الله اللبناني.
من المتوقع أن يدفع هؤلاء المسؤولون باتجاه إدخال إصلاحات متسقة مع إقتصاد السوق، كعامل مكمّل لقدرة الحرس الثوري على الإلتفاف على العقوبات.
ومن شأن هذه الإصلاحات أن تساعد طهران عندما تتفاوض مع الولايات المتّحدة. ذلك لأن طهران ستبدو على الصعيد المالي أقوى مما يُعتقد عموماً. كما أنها ستُظهر لواشنطن أنها حققت تقدّماً ملموساً في قدرتها على زيادة الإيرادات عبر الإدارة المالية الكفوءة.
محاولة كبح نفوذ الحرس الثوري
لقد تآكلت سيطرة المؤسسات المدنية بصورة تدريجية. وبسبب دوره في حماية الدولة ضدّ المعارضة الداخلية - وبسبب دوره في الحرب العراقية - الإيرانية – تمكّن الحرس الثوري من السيطرة على بعض القطاعات الإقتصادية، بما فيها الصناعة والبناء والنفط. كما أن الفوضى التي اتسمت بها إدارة أحمدي نجاد ساعدت الحرس الثوري في التحول إلى أقوى كيان سياسي في البلاد.
ويريد روحاني كبح نفوذ الحرس الثوري، ليس فقط من خلال تقديم حوافز إقتصادية إضافية إليه، بل أيضاً من خلال إعادة التوازن بين المؤسسة الدينية والمؤسسات المنتخبة ديمقراطياً، خصوصاً السلطة التنفيذية. ويأمل روحاني بتعزيز نفوذ الحكومة المنتخبة من خلال العمل مع المؤسسة الدينية.
وتبذل إيران منذ فترة بعض الجهود لمنح المجتمع المدني مزيداً من الحريات ولتحسين الإقتصاد. لكن تحسين الإقتصاد الإيراني يتطلب تخفيف التوتر مع الولايات المتّحدة التي تبذل إيران معها، جهوداً دبلوماسية متواصلة حول برنامجها النووي والأزمة السورية.
واستناداً إلى انخفاض نبرة الخطاب الصدامي لقادته، يبدو أن الحرس الثوري الإيراني يدعم خطة روحاني حسب توجيه المرشد له، لتوحد الهدف، ومراوغة الولايات المتحدة بقيادة أوباما الذي توصف سياسته بالارتباك والتردد تجاه مختلف قضايا الشرق الأوسط والعالم، فالحرس الثوري يدرك مدى الحاجة إلى الدبلوماسية والإبتعاد عن المناكفات الداخلية الفئوية. كما يدرك أنّ إيران تحتاج إلى وقف التدهور الإقتصادي وتحقيق الإزدهار في النهاية، لأن الانتعاش الاقتصادي يخدم مصالح الدولة والحرس الثوري، على حد سواء.
ومن خلال علاقاته القديمة مع الحرس الثوري وتلك الجديدة التي يبلورها حالياً، نرى أن روحاني في موقع يمكنه بالفعل من إعادة التوازن إلى العلاقات المدنية – العسكرية في البلاد.
ونظراً إلى الظروف الإقتصادية المريعة التي تمر بها إيران، فإن الحرس الثوري سيتعاون أيضاً في المجال الإقتصادي. لكن الحرس الثوري سيحاول الحفاظ على نفوذه الإقتصادي حتى بعدما تبدأ الإستثمارات الأجنبية بالتدفق إلى إيران. لذا، فإن مشكلات روحاني لن تنتهي حتى في حال تحقيق بعض النجاح الدبلوماسي، النجاح المشروط بالمرونة الشجاعة التي لا تتنازل عن ثوابت الثورة الإيرانية وتظل مصرة على التمدد وتصدير الثورة حسب تعبيرات إمام الثورة آية الله الخوميني.


رد مع اقتباس