|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
[IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age002.jpg[/IMG]
|
|
|
|
|
ملف الاخوان المسلمين
(49)
|
|
|
|
|
|
|
|
[IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age003.gif[/IMG] |
الإمساك بالسلطة بعد تاريخ من الإخفاقات
ملف رقم (49)
|
|
[IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age004.jpg[/IMG] |
الإخوان المسلمون
الإمساك بالسلطة بعد تاريخ من الإخفاقات
استهلال:
ولدت حركة الإخوان المسلمين من رحم دعوات برزت في المنطقة العربية بعد انهيار الخلافة العثمانية، كان أبرزها دعوة الأفغاني وتلميذه محمد عبده ومن تابع بعده رشيد رضا.. لكن دعوة الإخوان التي بدأت على ضفاف قناة السويس في الإسماعيلية وبدعم من الإدارة الإنجليزية للقناة أثارت وفجرت العديد من علامات الاستفهام.. هل هي مجرد حركة إحياء ديني.. أم كيان نشأ بدوافع سياسية مثيرة للريبة.. ريبة تعززت عبر ارتباطات مع القصر أحيانا ومع قوى الاحتلال أحياناً أخرى.. وازدادت الشكوك بسبب موقفها من القوى الوطنية التي كانت تسعى آنذاك إلى تحرير الوطن من الاحتلال..
في هذه الدراسة نحاول أن نقرأ مسار الحركة.. ومواقفها الملتبسة وعلاقاتها التي تنسج شباكها بليل.. وكان لابد أن توضع الحركة تحت الضوء الكاشف.. خصوصا بعد أن قفزت بفعل ثورات الربيع العربي ـ التي التحقت بها متأخرة ـ إلى سدة الحكم في أبرز بلدان ذلك الربيع!
مسار مثير للشكوك
لأسباب متعددة، في مقدمتها الموقع والثروات التي تفجرت من باطن أرضه، أصبح العالم العربي في العصر الحديث مطمحا للقوى العظمى.. تعرضت بعض بلدانه للغزو والاحتلال وبعضها الآخر للوصاية..
وكان لابد لقوى الاحتلال والسيطرة أن توثق علاقاتها بحلفاء محليين متوكئة على وعود بالمساعدة بتمكين هؤلاء الحلفاء من تحقيق بعض طموحاتهم في الوصول إلى الحكم وتحقيق دعواتهم في إقامة الخلافة التي تنكست راياتها في اسطنبول.
جرى ذلك واضحاً في الدعم الواسع التي قدمته بريطانيا لمملكة آل سعود التي تمددت في الجزيرة العربية مزيحة للهاشميين..
وكان لابد من الالتفات إلى مصر البلد المركزي في الإقليم فجرى توثيق التحالفات مع الحركة الجديدة التي بدت على ملامحها مسحة من وهابية المملكة الجديدة في أرض الحجاز.
وكان على القوى الوطنية أن تحارب على جبهتين؛ الوقوف ضد الاحتلال ومناهضة حلفاءه الجدد الذين ساعدهم في ذلك التمدد التدين الفطري في المنطقة التي شهدت أرضها بزوغ الأديان السماوية الثلاثة.
حمل المحتل عصاه على ظهره ورحل ـ أو هكذا توهمت القوى الثورية في المنطقة ـ فبقيت مصالحه ورغباته في استمرار نهب خيرات المنطقة والسيطرة عليها بعد تغيير الشكل والخطط..
وفي ظل توازنات الحرب الباردة والثنائية القطبية بين الغرب والاتحاد السوفييتي السابق أمكن للقوى القومية من السيطرة على الحكم في العالم العربي.. لكن الإخفاقات التي أجهضت الطموحات تحت وقع الضربات المتلاحقة إضافة للنزوعات التسلطية التي لازمت حكم تلك القوى كان ولابد أن توفر المناخ الملائم والبيئة المواتية للقوى الملتحفة بعباءات الدين لتسد الفراغ الذي مكنها عندما تحركت الأعاصير وتوالي سقوط الأنظمة أن تقفز إلى العربة الأولى في قطار الربيع العربي.. هل سوف تنجح في قيادته بأمان أشك في ذلك.. فسكة القطار مفككة المفاصل..والقائد الجديد تنقصه الخبرة والدراية.. كما أن غير الرحلة التي عاش عليها طويلا مخالفة للرحلة التي ركب من أجلها الركاب قطار الربيع..
الإخوان من التأسيس إلى سدة الحكم!
حسن البنا، المعلم الأولي، الذي أسس جماعة الإخوان المسلمين بمصر عام 1928م. في ذروة اصطدام الإرادات في مصر بصفة خاصة وبلدان العالمين العربي والإسلامي بصفة عامة.
ولدت الجماعة وقت إعادة ترتيب المنطقة بعد أفول الخلافة العثمانية. عبر تخطيطات أولية على رمال الصحراء المتحركة كانت الأساس لمعاهدة “سايكس بيكو” السرية التي تم توقيعها سراً في العاصمة موسكو عام 1915م، وأصبحت مصر ضمن نطاق الإمبراطورية الإنجليزية.
ومع توقيع الاتفاقية تأجج الحماسة الوطنية والدينية لمواجهة المحتل.. في ظل هذا المناخ العاصف ولدت الجماعة، ساعدها التدين الفطري لدى الشعب المصري وقبوله السريع لأي دعوة تتوكأ عليه.
وكان على الجماعة الجديدة أن تظهر بقدر أو بآخر توافقها مع دعوات الوقوف ضد المحتل الأجنبي.. وقوف عند الأسقف الواطئة.. في مخادعة تحفظ الحد الأدنى من التوافق مع الرغبات الشعبية دون إضرار بالتحالفات التي تعقد في الغرف المغلقة مع القصر وممثلو الاحتلال.
مبكراً انتبه مركز المخابرات البريطانية في الشرق الأوسط للجماعة وتقدم بطلبٍ إلى الحكومة البريطانية لإقامة “علاقة قوية غير رسمية مع حسن البنا”، لأنه ـ كما يذكر عبد الله آل هيضة – «زعيم ثاني الجماعات الأكثر تمثيلا للشعب، فهم أفضل الجماعات تنظيما بعد الوفد وقد يحلون محله كحزب أغلبية، فالوفد لم يقدم برنامجا للمستقبل ولا يقدر على تبني أية حركة إصلاحية كالإخوان، رغم أنهم يمثلون خطرا متطرفا داهما».
ويذكر “هيوارث دن” أن من أهم العوامل التي ساعدت البنا في اجتذاب جموع كثيرة من الناس هي “جمود قادة الإسلام السني المتمركز في الأزهر. وثانيها قصور الخبرة والفهم والاهتمام لدى القادة السياسيين وأحزاب المدنية. وثالثها عدم رضا الطبقة الكادحة فيما يتعلق بواقعهم الاجتماعي والاقتصادي”.
ذكر رضوان السيد معلقاً على كتاب “الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة” للمؤلف: هيوارث دَن: “إن الذي أراه أن البريطانيين والأميركيين قرروا في أواخر الأربعينات، وبعد تردد، اختيار الجيش للتغيير بدلا من البيوريتانية الإخوانية على أثر تصرفات «الإخوان» في حرب فلسطين، وقتل رئيس الوزراء المصري، والانغماس في أحداث العنف والحرائق. والمعروف أن الأميركيين سلكوا المسلك نفسه في عدد من الدول العربية والإسلامية، ودول أميركا اللاتينية، بمعنى أنهم آثروا الجيش على الزعامات الشعبية الكارزماتية التي سرعان ما كانت تتجه إلى التحرر من قبضتهم، والانغماس في شعبويات تتجه نحو الاتحاد السوفياتي. ولأن العلاقات بين «الإخوان» والثورة المصرية كانت لا تزال حسنة أو واعدة بعد عام على قيام الثورة، ولا يزال «الإخوان» أقوياء ومنظمين. وفي قوله ما يظهر الدور الذي لعبته الحركة في مناهضة الاحتلال الأجنبي للبلاد.
إلا أن دخول الحركة الإسلامية المعترك السياسي صاحبه أحداث دموية التصقت بالجماعة، جعلت الحراك الشعبي يعيد النظر في موقفه منها بين التحالف والإدانة لوقوفها في صف الملك الفاروق، وكذلك موقفها من الرئيس أنور السادات بعد معاهدة السلام مع إسرائيل، وقبل ذلك موقفها عام 1958 م المعادي للوحدة بين مصر وسوريا “الجمهورية العربية المتحدة”.
ترجمت ردة الفعل الشعبية إزاء أفعال جماعة الإخوان عملياً في إزاحتهم المتكررة من الوصول إلى السلطة ومحاولة منعهم من خوض المعترك السياسي. وكان ذلك في عدد من البلدان العربية كما في مصر. ففي مصر تم اعتقال قادتها ومحاكمة وإعدام وتصفية البعض الآخر. أما في سوريا فبعد أن حصل الإخوان عام 1961م على 10 مقاعد في انتخابات البرلمان، أطاح حزب البعث بهم مجدداً. لكنهم صعدوا مرة أخرى، ووفقوا مجددا موقفا مناهضا للنظاموخصوصاً عندما انتُخب حافظ الأسد عام 1971 م رئيساً لسوريا. وفي تحول غير مسبوق وغير متوقع؛ أظهر الإخوان رفضهم للعلويين، وفي عام 1979م قتل 83 علوي سوري في كلية في حلب. كما أنهم أعلنوا الجهاد إثر تصريح الأسد دعمه للموارنة في الحرب اللبنانية الأهلية. فشهدت الساحة على أيديهم حملة من الإضرابات والاغتيالات. وتعرضت الجماعة للعصف بها في سوريا بعد مجزرة “حما” التي الأسد ضدهم لاستئصال شوكتهم إثر محاولة فاشلة من قبل تنظيمهم لاغتياله في 25/6/1980م.
أما في الأردن، فما أن سمحت القوانين التي سنها الملك حسين الإخوان من خوض المعترك السياسي؛ حتى تمكنوا من حصد 25 مقعد من أصل 80 مقعد في البرلمان. ولا زالت أعداد مقاعدهم تتزايد إلى أن أصبحوا يشكلون في انتخابات عام 1993م أكبر مجموعة في البرلمان.
والأمر عينه في الجزائر، وقريب منه في الصومال، وفي عدد من البلدان العربية والإسلامية.
وهكذا استمر الصراع فيما بين الإخوان والأنظمة الحاكمة. فعلى الرغم من إقصائهم المتكرر فإنهم سرعان ما يعودون إلى واجهة الأحداث، ومؤخراً وبعد الربيع العربي وصلوا إلى سُدّة الحكم. فكيف ينجح الإخوان على الرغم من الرفض الداخلي والحذر الخارجي من دورهم وطموحاتهم.
هنا يجدر الإشارة إلى كتاب يعتبر من أهم الكتب التي كتبت حول الإخوان المسلمين. هو كتاب “الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة” – للمؤلف: “هيوارث دَن”، ترجمه للعربية: أحمد الشنبري، تقديم وتعليق: علي العميم: «دار جداول للنشر» بيروت، 2013. وقد استعرضه الأستاذ “رضوان السيد” مبيناً أهم ما ورد فيه حول الإخوان. صدرت بعده عدة كتب، ونشرت عدة مقالات ونشرات حول نفس الموضوع، أبرزها كتاب “سر المعبد.. الأسرار الخفية لجماعة الإخوان المسلمين” للمؤلف “ثروت الخرباوي” أحد أفراد التنظيم المنشقين. وقد قدّم فيه جوانب أخرى لجماعة الإخوان وأسرار لم تكشف من قبل من خلال رؤية خبير بها درسها وعايشها لسنوات.. لا بهدف التجريح أو الإساءة ولكن لفهم ما يحدث الآن وظروفه وملابساته، وتأتي أهمية كتاب الخرباوي من موقفه السابقة كعضو قيادي في الجماعة.
أما عن كتاب “هيوارث دَن” فقد وقف الأستاذ “رضوان السيد” عند عنوان الكتاب والذي حمل ما يشير إلى الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة، إلا أنه أفرد الحديث عن الإخوان المسلمين. وتأتي أهمية الكتاب من أن السبب مؤلفه قد تم تكليفه من جهات استخباراتية بمتابعة «الإخوان» منذ عام 1939. وقد ذكر في كتابه: “وعندما قتل حسن البنا في فبراير شباط عام 1949، جمع بسرعة من تقاريره ما يمكن نشره، وكتب لها مقدمات سريعة أفاد فيها من آدامز وغب، وكتب لها بعض الحواشي (مثل الحاشية الطويلة في الثناء على سيد قطب)، وأصدرها في نشرة خاصة أنفق عليها بنفسه، وخرجت عام 1950 عندما كان لا يزال هو وسيد قطب بالولايات المتحدة”.
يعتبر كتاب “هيوارث دَن” أول دراسة تحصي التنظيمات والجمعيات الدينية، والتي بلغ عددها – وفق المؤلف – حتى عام 1947م (135 تنظيما وجمعية)، صنفها إلى ستة أصناف، ما بين (دينية، وسياسية، واجتماعية، وتعاونية، ومهنية، وخيرية).
ويشير عبد الله آل هيضة إلى قراءة علي العميم – المتخصص في قراءات ورصد لحركات الإسلام السياسي – والتي تظهر أن الإخوان المسلمين “كانوا غير راضين عن الكتاب وحتى لا يلفتوا نظر القراء إليه لم يهاجموه، واكتفوا بإنكار معرفتهم بالمؤلف ومعرفة المؤلف بهم أمام من يعرف خبر الكتاب. لكن بعد أن توفي هيوارث شن عليه محمد قطب حملة تكذيب، دفاعا عن أخيه سيد قطب”.
كما كشف “آل هيضة” في تناوله للكتاب عن جوانب من التناقض في أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين، والتي تكشف عن جوانب تخالف ما كانوا يظهرونه، مما انخدع به أتباعهم. ومن ذلك: ففي الوقت الذي كان فيه البنا يرفض “أموال الكفار” كان وثيق الصلة مع البريطانيين وزيتلقي مساعداتهم، ولمدة استمرت 12 عاماً؛ – وفق ما ذكر هيوارث دن في كتابه – أشار “آل هيضة” إلى ما ذكره “العميم” حول سعي البنا مع نشأة الجماعة في الإسماعيلية، حين كانت مجرد جماعة دينية دعوية خيرية، لا صلة لها السياسة، للحصول على تمويل من شركة قناة السويس لبناء مسجد ومدرسة ودار لجماعته. وتحقق له ذلك سريعا، إذ منحته الشركة عن طريق وكيلها الأعلى البارون دي بنوا مبلغا قدره خمسمائة جنيه.
كما أشار إلى ما ذكره وكيل الجماعة أحمد السكري في مقال له، وتناوله عبد الرحيم علي في كتاب له عن الإخوان ما يفيد بتسلّم البنا لمبلغ كبير تبرع به التاجر اليهودي “حاييم درّة” في حفل بكازينو النزهة في الإسكندرية، لمساعدة الإخوان.
لا يمكن الزعم بتقديم تفسير يجيب على التساؤل السابق في أسطر محدودة. وكل ما يمكن تقديمه هو ومضات سريعة تقف بالمهتم بهذا الملف على أبرز الخطوط العريضة التي تعينه على الاقتراب من سر بروز جماعة الإخوان المسلمين ونهوضها من جديد بعد كل تعثر على الطريق.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الحركات الإسلامية التي عرفت “بالصحوات الإسلامية” ظاهرة تولدت من الأزمات السياسية والاجتماعية والدينية التي شهدها العالم الإسلامي. رفضت تلك الحركات الإسلامية ـ ظاهرياً ـ التبعية للغرب والاحتلال، وبحثت عن بدائل اقتصادية وثقافية وسياسية، خاصة بعد فشل النماذج القومية في حل مشاكل المجتمعات العربية والمسلمة. وتعكس التقارير التي وردت في الكتاب المذكور أعلاه تطورات الفكر الإسلامي، والتوجهات الثقافية والشعبية الإسلامية بمصر خلال الفترة الممتدة ما بين الثلاثينات والخمسينات من القرن الماضي. كما يبين الكتاب كيف بدأت تلك الجماعات بالتكون والتحول إلى أحزاب بالتدريج منذ أواخر العشرينات.
ومما يلاحظ أيضاً على تلك التنظيمات الإسلامية أن أغلب المنتمين إليها ينتمون إلى فئة الشباب، المصنفين ضمن الطبقة المتوسطة، تراوحت أعمارهم ما بين العشرين والأربعين، وأكثرهم خريجو جامعات في تخصصات متميزة، وبعض هؤلاء، مثلوا الجيل الأبرز في عائلاتهم من حيث التحصيل الأكاديمي، وانتقلوا للعيش في المدن الكبيرة، بعد أن خرجوا من القرى الصغيرة. وما كان “البنّا” إلا واحدا ممن يصنفون ضمن تلك الفئة والطبقة. فقد ولد في إحدى قرى البحيرة في مصر، وتخرج من دار العلوم سنة 1927م وعُين مدرساً في الإسماعيلية الواقعة على قناة السويس والتي كانت مركزاً للاحتلال الإنكليزي المدني والعسكري، إذ كانت المعسكرات الإنكليزية تحيط بها من كل جانب، مما أدى إلى زيادة دوافع وحوافز الحركة الدعوية لديه، فأخذ يظهر بين الناس ويتردد على أماكن تجمعاتهم كالمقاهي، بعدها بدأ يذهب إلى المساجد بهدف التوعية بالإسلام بشكل موسع، وسرعان ما استجاب جمهور الإسماعيلية لهذه الدعوة التي لا تبتغي غير ((مرضاة اللَّه عزّ وجلّ))، وبذا أثر في مستمعيه، كما لعبت شخصيته دوراً هاما في مسيرته وتقبل الناس له، فشخصية البنا كداعية وأسلوبه الخطابي الذي اشتهر بالفصاحة وقوة الحجة وحسن اختيار الألفاظ، والتواضع المحبب، جعلته مقبولا لدى العامة.
وقد تمكن “حسن البنا” من جذب العديد من طلاب المعاهد الدينية ذوي العمائم. وبحلول الحرب العالمية الثانية تمكن حسن البنا من تأصيل وجوده القيادي بالقاهرة، بل وأسس حوالي 500 فرع في كافة أنحاء مصر. وفي القاهرة تمكن “حسن البنا” من جذب الاهتمام من خلال اتصاله بالسياسيين على كافة المستويات، وأسس فروعا للجماعة ووكلاء في الأقطار الإسلامية من خلال معلمين تم استقطابهم من قبل وزارات التربية والتعليم في الدول العربية المختلفة ـ حسب إشارة عبد الله آل هيضة ـ.
ويرى “صامويل هنتنجتون” صاحب نظرية صراع الحضارات في أن التنظيمات الإسلامية التي ظهرت في فترة مطلع التسعينيات من القرن العشرين قد نجحت في سد الفراغ الذي جاء بسبب فشل وتقاعس الحكومات المتعاقبة في مجالات تقديم الخدمات للشعب المصري، من خدمات صحية، وأخرى تعلقت بالرفاه الاجتماعي. وضرب مثالاً على ذلك بالزلزال الذي ضرب مصر عام 1992م، حيث سبقت تلك التنظيمات الحكومة في توزيع الأطعمة والأغطية للمنكوبين. كما مثل بإخوان الأردن الذين زاد دورهم، مطلع التسعينيات من القرن العشرين. حيث سعوا في محاولة تطوير الأسس الاجتماعية والثقافية. وقد نجحوا في إدارة أربعين مدرسة إسلامية، ومائة وعشرين مركز لتعليم القرآن، بالإضافة إلى إدارتهم لمستشفى كبير، وعشرين عيادة طبية. كما وصلت جهودهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة؛ حيث أداروا منظمات شبابية، واتحادات طلابية، وجمعيات دينية واجتماعية، وتعليمية، ومؤسسات تعليمية وأكاديمية، بدءاً من رياض الأطفال إلى جامعات إسلامية. ومثل كذلك بانتشار الجماعات الإسلامية في إندونيسيا في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، وعلى رأسها المنظمة المحمدية، التي بلغ عدد أعضائها زهاء ستة ملايين عضو. فكانت بمثابة دولة دينية داخل الدولة العلمانية.
كما أشار إلى اعتبار الهوية الإسلامية جاءت كطوق نجاة لبعض القادة والمفكرين والمصلحين في العالم الإسلامي والعربي، في عالم تتجاذبه المصالح الدولية. فكل قوة تحاول جذب العالم إلى ساحتها؛ فارضة نماذجها الأيديولوجية والثقافية والاقتصادية. وقد رصد بعض الغربيين تنامي الدعوات المنادية بالتمسك بالهوية الإسلامية كبديل للثقافة الغربية. ومن أبرز الذين قرؤوا ذلك التنامي على ذلك الوجه؛ الكاتب نفسه صاحب نظرية “صراع الحضارات”. حيث ربط من حيث المظهر السياسي ما بين الانبعاث الإسلامي والمذهب الماركسي ـ حسب تعبيره ـ من عدة أوجه، أهمها قداسة النص، مثالية المجتمع، والتطلع إلى تغيير جذري، ورفض القوى الكائنة. بل وقد اعتبر تجاهل تنامي انبعاث التأثير الإسلامي على العالم السياسي الشرقي في أواخر سنوات القرن العشرين مساوي لتجاهل تأثير حركة الإصلاح البروتستانتية على السياسة الأوروبية في السنوات الأخيرة من القرن السادس عشر الميلادي.
وقد تم استحسان ذلك التنامي من قبل السياسيين والقادة، مما أغراهم بدعم المؤسسات والممارسات الإسلامية، الأمر الذي أعقبه التأكيد على الهوية الإسلامية لتلك الدول والمجتمعات. وهو ما انعكس في تعبير ملك الأردن الملك “حسين” عندما أظهر الحاجة إلى “ديموقراطية إسلامية” كبديل للعلمانية في العالم العربي. أو إظهار ملك المغرب الملك “الحسن” اقتداءه بالرسول ومكانته كأمير للمؤمنين. أو تعريف سلطان “بروني” لنظامه بما أسماه “مملكة ملايو المسلمة”. ومحاولة الرئيس التونسي “زين العابدين بن علي” استمالة الإسلاميين في خطبه التي أكثر فيها من التضرع إلى الله. وفي الهزة التي تعرضت لها العلمانية التركية في تسعينيات القرن العشرين. وكذلك في إندونيسيا حيث تم تغليف الشريعة الإسلامية في قانون علماني. أما في ماليزيا ـ ذات الأغلبية غير المسلمة ـ فقد شرعت نظامين قانونيين أحدهما إسلامي، والآخر علماني. ويظهر ذلك الأثر أيضاً في سعي باكستان، في زمن “ضياء الحق” في جعل القانون والاقتصاد إسلاميين.
لم تكن الشعوب العربية والإسلامية أو المفكرين والقادة العرب والمسلمين وحدهم من انجذب إلى سحر ذلك التحرك الإسلامي؛ حتى المستعمر الغربي الذي لم ترق له تلك الحركات والتنظيمات الإسلامية، حاول التكيف معها واستمالتها بل وراهن البعض من السياسيين على إمكانية احتوائها وتوجيهها بمجرد وصولها إلى السلطة. ويعلّق “علي العميم” المتخصص في قراءات ورصد لحركات الإسلام السياسي على ذلك باحتمالية أن يكون هذا ما يفسر توجه الإخوان المسلمين بعد وصولهم للسلطة اليوم إلى التعامل السري مع الدول الغربية، بعد أن أوهموا الناس برفض التقرب من الدول المعادية للشعوب، وعلى رأسها إسرائيل.
ومقابل ذلك يتساءل “عبد الله آل هيضة” ما يُستشفّ من كتاب “هيوارث دَن” وهو: ماذا لو تسلّم الإخوان السلطة؟ وهو السؤال الذي وإن تم التكهّن بالإجابة عنه بما ينطبق على تلك الفترة؛ فإنه يمكن إسقاطه على أي فترة يمكن أن يحكم فيها الإخوان. وقد تم استعراض التغيير السياسي والاجتماعي والتشريعي والاقتصادي والتعليمي والثقافي في المجتمع المصري، بالإضافة إلى المصاعب التي ستواجه الأجهزة الحكومية والمؤسسات التي لا ارتباط لها بالتجارة الغربية، وكذلك أنظمة التعاملات البنكية. وهو ما سينعكس على الأجانب والطبقة الراقية والنساء المتحررات. وسيصل التغيير إلى الحانات والمطاعم والمسرح والسينما والمدارس الأجنبية. لا غرو وأن “حسن البنا” قد رفض ما جاء به الدستور المصري آنذاك، رغم أن المادة 149 منه تنص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، ودعا إلى استبداله بحكومة إسلامية، كما نادى بالإمامة للأمة. وبالمثل يرصد للبنا انتقاده للسلوك الاجتماعي لأعضاء الحكومة وكبار مسئوليها ودبلوماسييها معتبرا أنهم يعملون بخلاف تعاليم الإسلام، وطالب بإلغاء كافة الحفلات المختلطة، وكذلك رفض تعليم الطالبات من قبل معلمات أجنبيات.
ومع القراءات السابقة هاهم الإخوان في سُدّة الحكم في عدد من البلدان التي مستها رياح التغيير بعد الربيع العربي. وإن كانت الأحداث قد أوصلتهم إلى الحكم وبالمعايير الديمقراطية، فليس لأنهم الأكفأ كما تفصح الأصوات المطالبة بالتغيير مجدداً، وإنما بسبب اقترابهم من الشارع عبر العمل الاجتماعي، وسط غياب الأحزاب الأخرى، وأيضاً بسبب قدراتهم التنظيمية والعمل بتكاتف أكثر من نظرائهم. ولأن البدائل المتاحة بدت مشغولة بالصارع على المصالح، وتصفية الحسابات فيما بينها، وانصرافها عن هموم المواطن ومشاكله. فلم يعد أمام المواطن إلا القبول بالبديل المتاح الذي ربما يلتفت إلى همومه. وهكذا تتكرر الحكاية فمرة تسير العربة خلف الحصان وأخرى أمامه في مشهد درامي ساخر. فكما تصاعد دور الإخوان المسلمين في السابق بسبب فشل النظام السياسي في مصر، عادوا للنجاح مجدداً بعد سقوط مبارك لنفس الأسباب.
انكشاف الغطاء.. وإضاعة الثمرة
لكن الأخطاء البارزة التي وقعت فيها التيارات الإسلامية في مجملها وعلى الأخص الإخوان المسلمين في تعاملهم مع الواقع الجديد، واكتشاف قلة خبرتهم في إدارة شؤون الحكم ورغبتهم في إقصاء الآخرين.. يرى المتابعون أنها بداية السقوط المحتم لتيار ناضل طويلا لقطف الثمرة.. لكن عندما صعد إلى قمة الشجرة وأمسك بالثمرات الناضجة تدحرجت من بين يديها إلى سفح الوادي..