ملف خاص

الدولة الفلسطينية- أليس من أفق لها؟

فلسطين كرونيكال/د. لودفيغ واتزال

ترجمة مركز الإعلام

(مقابلة مع المحامية الإسرائيلية السيدة ليندا براير. براير هي محامية في حقوق الإنسان متخصصة في قوانين الحرب والقانون الدولي. مثلت الفلسطينيين في محكمة العدل العليا الإسرائيلية لعدة سنوات، وتعيش في حيفا.)

منذ9/11 ونحن نواجه نوعا جديدا من الاستعمار القديم. القوى الإمبريالية والاستعمارية القديمة هي في كل مكان وتعيد استعمار بلد تلو الآخر، وما يطلق عليها المجتمعات المدنية الحساسة والمستنيرة تبقى هادئة أو حتى أنها تحيي مثل هذا النوع من العدوان السافر. فهل تستطيع أن تصف الإعداد الوطني والدولي لهذه العملية غير المسبوقة من الاستيلاء على المستعمرات القديمة؟

في الواقع بدأ هذا الاستعمار الجديد في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث وقعت حرب الخليج الأولى، لأن الولايات المتحدة لم تعد تخشى أي تدخل من السوفييت. الخلل في توازن القوى الموجود في العالم اليوم يبدو أنه يعود لحساب جميع المشاريع الاستعمارية الجديدة، وجميعها حدثت نتيجة للحاجة إلى جمع رأس المال. على الرغم من معرفتنا بأن رأس المال بلغ ذروته في بداية السبعينيات، إلا أنه منذ ذلك الحين يتم البحث عن طرق للحصول على الربح، والعولمة هي أحدث مظهر من مظاهر الرأسمالية الاحتكارية أو الإمبريالية. أنا لا أحب مصطلح "المجتمع المدني" على الإطلاق، حتى أنني لست متأكدة ما المقصود به، فعلى سبيل المثال، في فلسطين، يُستخدم لوصف المدنيين، في تمييز مغاير لمن هم؟ أو ماذا؟ لحماس؟ لمقاتلي المقاومة؟

إنه رأيي المدروس أن غسيل الدماغ في الغرب، الذي هو في الواقع استمرارا للحرب الدعائية منذ الحرب العالمية الثانية، هو السبب في صمت ما نطلق عليهم أحيانا "المثقفون". ولكن ربما ببساطة ليس هناك أي شخص مطلقا. فمن يقرأ الصحف الإسرائيلية وصحيفة نيويورك تايمز أيضا، في اعتقادي يجد إشارات مستمرة للمحرقة. وأعتقد أن ذلك لجعل الناس، في هذه الحالة الألمان، يعتقدون دائما "أنهم" الأشرار و"نحن" الأخيار. وكأنها قيم ثابتة. وهذا جزء من الدعاية التي استخدمها جورج دبليو بوش لوصف إيران والعراق كجزء من "محور الشر" حيث أن مصطلح "محور" بالطبع يشير بشكل غير مباشر إلى دول "المحور" في الحرب العالمية الثانية وإلى أهوال المحرقة. والناس في الغرب، والذي يشمل ألمانيا الآن، يعتبرون أنفسهم "الحلفاء"، "الرجال الأخيار". أن تكون "جيدا" يعني حالة، وليس وصفا للسلوك.

ولكن بشكل أساسي فإن السياسات الليبرالية كانت دائماً غطاءً للرأسمالية، وهذا هو المشروع السياسي الرأسمالي الذي يحافظ على بقاء همجية الرأسمالية خفية عن الأنظار. وبالطبع فإن الطريقة التي تم بها تحقيق ذلك هي من خلال الحط من قدر الاتحاد السوفييتي واضطهاد الشيوعيين والفوضويين والاشتراكين في الولايات المتحدة. وكان إجوين دبس، وهو زعيم اشتراكي في الجزء المبكر من القرن العشرين، مسجوناً، وتم إعدام ساكو وفانزيتي لأنهم كانوا فوضويون، وتم شنق إيثيل ويوليوس روزنبرغ لأنهم كانوا شيوعيين. ومحت حقبة ماركثي كل تفكير يساري في الولايات المتحدة.

في أوروبا، تعلمون عن العمليات الإرهابية السرية لوكالة المخابرات المركزية (عملية غلاديو إل.دبليو) التي نُفذت لنزع الشرعية عن الشيوعية. بالكاد يتم تدريس الفكر الماركسي اليوم في الغرب وبالتأكيد على الهامش فقط في الولايات المتحدة. إنه انعدام كلي للإدراك لدى الرأسمالية واضطهادها المستمر لأولئك الذين يقاومونها، وهذا هو ما أنتج "المجتمع المدني" غير الهام الذي ليس هو بمدني ولا بمجتمع.

يحاول الغرب تبرير سياسته الاستعمارية باستخدام عبارات مثل "الحرب على الإرهاب" أو التدخل "الإنساني" أو كما في حالة ليبيا "مسؤولية التصرف". كيف يمكن لهذه الشعارات أن تواجه القانون الدولي؟

إن هذه الشعارات لا تواجه القانون الدولي، وقد تم ابتكارها للتحايل على القانون الدولي وقدمت ما اصطلح على تسميته بالبربرية في العلاقات الدولية. والقوانين التي تحكم إطلاق الحرب وتحكم سلوكياتها وضعت جانباً وبشكل تام. ونحن نرى وأكثر من أي شيء آخر الفكر والممارسة لما هو مبتذل، وهذا يعني أن ذلك الجزء من السكان المدنيين العُزل الذين يشكلون الأغلبية العظمى، لم يعد الفئة المحمية من الناس. وهذا في حد ذاته هو الوحشية بكل معنى الكلمة.

هل تحاول كل من الولايات المتحدة وأعوانها الغربيون تدمير القواعد التي حكمت السلوك الدولي منذ 1648؟ هل يريدون الفوضى بدلاً من سيادة القانون؟

إن الخطاب السياسي الرأسمالي الذي لا يشير إلى قوة وزخم الرأسمالية هو أحد أعظم الأوهام في الغرب. يعتقد الناس أن الدين هو الذي يسبب الحروب: ليس الأمر كذلك. بل هي الرغبة في السيطرة على المصادر وطرق توزيعها، والذي يتطلب استخدام القوة التي تقود إلى الحروب. وما نطلق عليه نحن البشر "الفوضى" يعد رائعا بالنسبة لرأس المال. لأنه إذا سبب رأس المال الفوضى وسيطر عليها، فهذا يعني ممارسة القوة لمصالحه الذاتية، وعلى حساب أغلبية البشر بكل وضوح، ومن ثم فإن "الفوضى"كما تسمونها تحول دون إنشاء قوة أخرى. في بداية حرب الخليج الثانية على العراق، فهمت كيف أن تدمير النظام في العراق، وخلق الفوضى، خدم رأس المال، ولم يخدم الشعب العراقي بالطبع. وسوف نرى نفس الفوضى في ليبيا تخدم المصالح الرأسمالية الغربية ويدفع الناس ثمناً باهظاً للغاية.

في ضوء هيكل القوة الحالي في النظام الدولي، فهل هذا هو الوقت المناسب لمطالبة السلطة الفلسطينية الأمم المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطينية؟

ضمن النظام السياسي الحالي للسلوك غير المقيد للحكومة الأمريكية، فإن سيطرتها على الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي وعلى الاتحاد الأوروبي كما يبدو، نحن نشهد سيادة الدولة الفارغة المضمون، أطاحت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي حكم القذافي دون أي استفزاز على الإطلاق. ليبيا دولة ذات سيادة، إذن ماذا يعني هذا؟ حان الوقت للبدء بإسقاط بشار الأسد في سوريا، ونعلم أنها تنتظر للهجوم على إيران. كل هذه الدول الثلاث لديها الجيوش، ولكن كما رأينا في ليبيا لايمكنها الوقوف في وجه هجوم يشنه حلف شمال الأطلسي. ماذا يمكن أن تعني الدولة الفلسطينية اليوم؟ في حقيقة الولايات المتحدة وإسرائيل؟ أخشى أنه ليس الكثير.

ما يطلق عليها مفاوضات السلام لم تتقدم أية منذ عام 1993، ويبدو أن الفلسطينيين قد سئموا. ما هو تأثير الاعتراف الرسمي "بدولة فلسطينية" من قبل الأمم المتحدة على أرض الواقع؟ ما هي الحجج الفلسطينية التي يمكن أن تقنعكم؟

لا أعتقد أنه يمكن إقامة دولة فلسطينية ما دام هناك استيطان استعماري يهودي في فلسطين يسمى دولة إسرائيل. ويبدو أن 62 سنة من عدم وجود دولة وتوسع متزايد للاستعمار اليهودي يدعم هذه النقطة.

هناك نظرة متطرفة لا يمكنني أن أتفق معها. ولكن دعينا نضع الخلافات في الرأي جانباً: الولايات المتحدة وبقية دول الغرب كانوا مترددين في فعل أي شيء ضد احتلال فلسطين. ما هي الأسباب وراء مثل هذا التصرف؟ ألا تتناقض سياسة إسرائيل مع كل الخطاب الغربي حول ما يسمى بالقيم الغربية؟

الغرب والولايات المتحدة ليسوا مهتمين بالدولة الفلسطينية. في الحقيقة، إنهم, إلى جانب الإسرائيليين يأملون أن يختفي الفلسطينيون. الحصار على غزة هو شكل من أشكال الإبادة الجماعية وكل الممارسات التي مارستها إسرائيل ضد الفلسطينين كان الهدف منها إلحاق الضرر وتفتيت بل وحتى تدمير مجتمعهم. هذا شكل من أشكال الإبادة الجماعية- قتل شعب مقابل قتل أفراد. الخطاب الغربي هو مجرد أكاذيب. إنهم كاذبون.

هل إسرائيل أداة غربية مفيدة في الاستراتيجية الإمبريالية الغربية من أجل خلق توترات في الشرق الأوسط ولتقوية سيطرتها على مصادر النفط في المنطقة؟

أنا أعتقد أن إسرائيل موجودة في الشرق الأوسط للسيطرة على التوترات- وليس خلقها. تظهر التوترات نتيجة سرقة الإمبرياليين الغربيين لموارد الشرق الأوسط. ودعم الحكومات التي تحكم بما يناسب مصالح الإمبرياليين الرأسماليين وليس مصالح شعوبها، وهذا ما أدى إلى اندلاع الانتفاضات في مصر وتونس. وإسرائيل موجودة لمنع حدوث مثل هذا الشيء.

ما هي العقبات الأساسية أمام تقرير مصير الشعب الفلسطيني؟ هل هي الأيديولوجية الصهيونية أم إسرائيل وتعنت الولايات المتحدة الأمريكية؟

الرأسمالية. حق تقرير المصير قدمه الرئيس ويلسون لتدمير الإمبراطوريات التي كانت القائمة آنذاك – النمساوية- الهنغارية والعثمانية. لكن لم تكن عقيدة سياسية عالمية من حيث التطبيق والممارسة. الأيدلوجية الصهيونية هي أداة للرأسمالية.

أعتقد أن الكيانات السياسية للدول ليست هي مراكز القوة حيث تتخذ القرارات الكبيرة. إنها المراكز التنفيذية. تتخذ القرارات في أبراج الرأسمال – بين المصرفيين والرأسماليين الكبار – النفط، والمخاوف الكبيرة مثل شركة هاليبرتون. والسؤال يجب أن يكون كيف يمكننا تفكيك هذه الكيانات التي تتحكم بالعالم على حساب البشر.

بعد فشل جميع الاستراتيجيات ضد الإحتلال الإسرائيلي الغاشم، بدأ بعض الفلسطينيين وقطاعات كبيرة في المجتمع المدني ومختلف أنحاء العالم بحركة ( المقاطعة، سحب الاستثمارات والعقوبات). إنهم يستخدمون نفس الأداة التي أجبرت نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا على الخضوع. هل ستنجح هذه الحملة؟

أعتقد بأنه يجب أن يُنظر إلى منظمة المقاطعة بأنها هامشية، لأن منظميها ليس لديهم أي فهم عميق وجدي للمشاكل السياسية الفعلية التي يتعرض لها الفلسطينيون بالطريقة التي وصفتها. إضافة إلى ذلك، العقوبات ضد جنوب إفريقيا، النموذج الذي اعتمدوه، لم ينه نظام الفصل العنصري في إفريقيا. بل وافق المجلس الوطني الإفريقي والحزب الشيوعي لجنوب إفريقيا على استمرار النظام الرأسمالي النيوليبرالي مع عدم مصادرة الممتلكات أو إعادة توزيع الأراضي إلى أصحابها السود والمواطنين، وهو ما سمح بنهاية النظام العنصري بشكل علني. لم يتخذ أي إجراء من أجل نقل الأراضي، مثل دورات تدريبية للمزارعين السود، لمنع حدوث انخفاض في الإمدادات الغذائية (كما حدث في زيمبابوي) ولم يتم التدريب على الخدمة المدنية على النطاق المطلوب كما تقتضيه الظروف. في جنوب إفريقيا اليوم، تستمر الانقسامات الطبقية كالماضي، دون أن يكون هناك إطار قانوني للعنصرية المتعمدة في نظام الفصل العنصري. طبقة الأثرياء السوداء الحاكمة هي بمثابة ورقة التوت للتفاوت المستمر والعميق في الثروة والسلطة التي كانت قائمة في عهد الفصل العنصري، وهذه الظروف لم تتحسن أبدا. المفارقة المأساوية هو أن الشخص الأسود العادي هو أسوأ مما كان عليه في ظل النظام القومي الأفريكاني المكروه. يمكن مقارنة المفاوضين الفلسطينيين بالنخبة الثرية الحاكمة في جنوب أفريقيا، لأن كل ما لديهم لتقديمه، على ما أعتقد، سيكون فقط استمرارا لظروف الحياة القاسية في غزة والضفة الغربية، إن لم يكن أسوأ.

يدعو بعض المناصرين للتوصل لحل الدولة الواحدة لإسرائيل وفلسطين. تبدو هذه الفكرة في غير مكانها وفقا للعقلية الصهيونية. أنتي كمواطنة إسرائيلية، في أي فرصة يمكن أن تقدمي مثل هذه الفكرة؟ وكم إسرائيلي سيدعم هذه الفكرة؟

بدلا من ذلك أقترح، كجزء من المقاومة، محاولة جادة للنظر بعدم مشروعية الاستيطان الاستعماري الإسرائيلي في جميع أنحاء فلسطين. وعدم منحها وضع دولة ذات سيادة قانونية في أي جزء. ويجب اعتبارها كيانا سياسيا غير مشروع يقدم امتيازات لليهود الأجانب في فلسطين على حساب السكان المحليين الفلسطينيين بشكل متعمد.

يجب أن تكون مبادئ الحكم السياسي في الشرق الأوسط مستقبلا قائمة على مبدأ التوحيد. يجب أن يكون مفهوما بشكل واضح جدا أن التوحيد لا بد أن يكون نضال جميع السكان المحليين ضد الانقسامات التي فرضتها القوى الأجنبية الرأسمالية الإمبريالية في المنطقة. التوحيد يتصدى لشعار الإمبريالية "فرق تسد" مع " التوحد قوة!" إن ميولي السياسية الخاصة هي الدفع جديا لفتح النقاش حول مسألة سياسية، وهي -سورية الطبيعية، أو شمس بلدي – بلاد العرب السامية. يجب العودة إلى أراضي سوريا الكبرى الموحدة من أجل الشعب في هذه المنطقة قبل تجزئتها على يد القوى الإمبريالية في فرنسا وإنجلترا. إن تجزئة سوريا الكبرى ترتبت عليها آثار وخيمة على السكان الأصليين وأكثر تحديدا أعاقت بالتأكيد النمو والرفاه. وحرمت المنطقة من الثراء والاستفادة من طابعها العالمي كما كانت قبل الانقسامات وخاصة قبل عام 1948. القليل من اليهود سيدعمون هذه الفكرة في هذا الوقت. لكن أظن أن الشعوب العربية ستقدر ذلك.

عليّ أن أعترض مرة أخرى. ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في الأمم الأعضاء تعترف بدولة إسرائيل. كيف يمكن أن تكون غير شرعية؟ في كل الأحوال، ماذا يبقى عندما تفشل جميع هذه الاستراتيجيات في تحقيق قيام الدولة الفلسطينية؟ هل هناك قوة بديلة لنظام عباس، وهل سيتوجب عليهم إحداث تغيير في سلوك الطبقة السياسية الإسرائيلية؟

لا تسمح الولايات المتحدة وإسرائيل بقيادة مستقلة. المشكلة هي الولايات المتحدة وإسرائيل. لا يوجد هناك حل ما دامت القوة لديهم. يجب على الإسرائيليين، والفلسطينيين ومؤيديهم ممن يرغبون في الحرية والاستقلال والاشتراكية في الشرق الأوسط مواصلة القتال معا.

هل تعتقدين أن الثورات العربية ستساعد القضية الفلسطينية على المدى البعيد؟

إذا تمكنوا من إسقاط النظام الرأسمالي، نعم تستطيع. ولكن على المدى البعيد، يمكن للرأسمالية أن تنهار لأنها مثل البجع الذي يأكل أطفاله. من أجل مراكمة أرباحها لا بد من تدمريها- ونتمنى أن تدمر نفسها قبل أن تدمرنا.

السيدة براير، شكرا جزيلا على المقابلة.