في عناق الانتفاضة وذكراها الملهمة
بقلم إبراهيم المدهون عن الرسالة نت
نعيش اليوم ذكرى انتفاضة الحجارة المشتعلة في 8-12-1987. وسميت لحظتها بثورة المساجد؛ لدور المسجد في هذه الهبة الجماهيرية العفوية المفاجئة، فصدمت العالم وحركت القضية بعد سنوات من التيه والهزائم، وأسست مدرسة في الثورات الحديثة ونشرت الوعي الثوري وشكلت الوجدان العربي الرافض للاحتلال.
قبل الانتفاضة تركز العمل الفلسطيني المقاوم خارج أرض فلسطين التاريخية، ففي لحظة اشتعال ساحات الأردن ولبنان ومن ثم تشتت القوى الفلسطينية بعد حرب بيروت كانت الساحة الداخلية تشهد هدوءا وتعايشا، وإن كان الحس الثوري لم يتوقف من غير فعل، وبدأت تتململ بالبروز القوي للتيار الإسلامي بعد تأسيس المجمع والمؤسسات المختلفة وظهور نشاطات الشيخ أحمد ياسين.
بدأت الانتفاضة في مخيم جباليا وامتدت لتشمل قطاع غزة ومن ثم انتقلت للضفة الغربية بما فيها القدس عبر مراحل متلاحقة، وتركزت سبل المواجهة على رجم الجنود ومعسكرات الجيش بالحجارة والزجاجات الحارقة.
أبدعت الانتفاضة في أشكال المقاومة منها الاضرابات، والمتاريس، والكتابة على جدران المنازل، وتعليق الأعلام الفلسطينية، والمسيرات الحاشدة التي تحتك بالجيش وتعلي الصوت الفلسطيني، بالإضافة لانتشار الفن الوطني الملتزم الذي ألهب الجماهير.
انتقلت وسائل المقاومة والمواجهة نقلة نوعية من الحجارة للسكاكين التي فجرها البطل عامر ابو سرحان بقتله ثلاثة إسرائيليين في القدس انتقاما لمجزرتي الاقصى وعيون قارة، فأبو سرحان الهب الخيال الفلسطيني وشجع عشرات الشباب المتحمس من استخدام السكين للإثخان بالعدو.
بدأ العمل المسلح يبرز رويدا رويدا وتم تأسيس كتائب القسام ومجموعات النسر الاحمر وصقور فتح والفهد الأسود، وأصبح عشرات من الشباب في الضفة وغزة يحملون السلاح ويشكلون مجموعات مسلحة، يتوارون عن الانظار نهارا ويخرجون فجأة فينفذون العمليات المباغتة، وقد شكل تطور الانتفاضة قلقا حقيقيا للاحتلال وبدأ يتكبد خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات، وقد تميز الشهيد عماد عقل الذي تنقل بين غزة والخليل ونفذ عمليات نوعية بارزة قتل خلالها وأصاب عشرات من جنود ومستوطني الاحتلال، وأدت عملياته المكثفة مع إخوانه لشن الاحتلال حملة ابعاد لأكثر من 400 قيادي في حركتي حماس والجهاد الاسلامي.
بعد ازدياد العمل العسكري المسلح وتطور الأداء المقاوم لجأ الاحتلال للحيل السياسية، فما فشل بأخذه بالقوة أخذه بالسياسة، فرفع شعار مؤتمر السلام وخدع القيادة الفلسطينية باتفاقية اوسلو التي قَسمَت الفلسطينيين ما بين مؤيد ومعارض، لتدخل السلطة بقيادة المرحوم ياسر عرفات وتنهي الانتفاضة الفلسطينية التي تميزت بالتالف والتآخي والوحدة والهدف المشترك.
ولولا عملية السلام واتفاقية أوسلو لحققت هذه الانتفاضة أهداف وتطلعات الشعب الفلسطيني، إلا أن استفراد المرحوم عرفات بالقرار والتوقيع على اتفاقية أوسلو أثر سلبيا على أنبل ظاهرة فلسطينية عرفها التاريخ، وأربك الحسابات الداخلية وقيد الشعب بسلطة والتزامات أمنية، تقوم على اساس اغراق القيادة بالامتيازات مقابل التخلي عن الدور الوطني.
ما زال العمل السياسي يحبط تطلعات شعبنا، ويكبح تقدمه ويخدعه ويقلل من إنجازاته ويهدر ويبدد طاقته، لهذا إن انتفاضة القدس وحالة الاشتباك مع العدو هي الضمان لاستعادة الحقوق، ولوقف التغول الإسرائيلي على أرضنا ومقدساتنا، فلقد أثبتت التجارب التاريخية أن الاحتلال ينكمش في لحظة المقاومة، وينبسط وينشط ويتغول ويكتسح لحظة الهدوء والمبادرات التسووية والسلمية.
ميلاد وتأبين
بقلم وسام عفيفة عن الرسالة نت
تتزامن الذكرى السنوية لانطلاق فصائل فلسطينية في شهري ديسمبر الجاري ويناير المقبل، وهي أعياد ميلاد فصائلية وطنية، تتجلى فيها المهرجانات والمسيرات كجزء من الطقوس الاحتفالية، لكنها تعطي أيضا مؤشرات للتنظيم داخليا وخارجيا، فهي مناسبة لاستعراض القوة في العلن، أما خلف الكواليس فإنها فرصة لإجراء فحوصات ومراجعات، لأن الذكرى تفرض قراءة الجدول البياني لمؤشرات الصعود والهبوط أسوة بمخطط رسم القلب، للاطمئنان على صحة الفصيل وعافيته.
ربما مع مرور الوقت وتقدم العمر التنظيمي تصبح ذكرى الانطلاقة بالكاد تحوز على اهتمام القواعد التنظيمية فما بالنا بالمؤيدين والمناصرين والشرائح الأخرى الغارقة بهومها اليومية، لكن المفارقة المثيرة هنا هي قدرة حماس على الحشد والتفعيل رغم أنها محاصرة بالألغام من الأعداء والأشقاء، ومع كل مناسبة سنوية لذكرى انتفاضتها، يبرز سؤال التحدي: هل لا يزال قلب حماس ينبض بقوة كافية يجعلها قادرة على تخطي مخاطر الضغط والتوتر والأزمات؟
وللحصول على إجابة يضعها الخصوم والأعداء تحت المراقبة والتحليل، يرصدون حركاتها في كل انطلاقة، لعلهم يجدون تراجعا في خطواتها، وثقلا في لسان خطابها، أو أعراض جلطة تنظيمية بسبب الإرهاق، لكنها تنجح في الاختبار رغم أن معطيات البيئة السياسية المحلية والإقليمية والدولية تدفع باتجاه الكآبة والصدمة ووصولا للانهيار كما يحدث مع آخرين.
وعلى ذكر الانهيار، فإنها مفارقة لها دلالاتها، فبينما تتهيأ حماس في ذكرى انطلاقتها لخوض غمار مرحلة جديدة بالتزامن مع انطلاق انتفاضة القدس تتزايد التحذيرات محليا ودوليا من انهيار السلطة الفلسطينية بعد انهيار مشروع التسوية الشريان المغذي لها خصوصا في الضفة الغربية، السلطة تعاني فيما يبدو من خلايا سرطانية فاسدة تنخر في جسدها منذ زمن، لكن الأعراض باتت تظهر اليوم بوضوح، لهذا تتجه الحلول العلاجية نحو إطالة عمرها قدر المستطاع ضمن معادلة كيميائية يطلقون عليها الخطة "ب" أطرافها: أمراء الأجهزة الأمنية + حيتان المال= شبكة مصالح.
ولأن القدرات العلاجية الفلسطينية ضعيفة وتعتمد على التحويلات الخارجية، فإن مخاطر موت السلطة يدفع قيادتها كالعادة باتجاه المطالبة بتدخلات خارجية لإنقاذها، حتى إسرائيليا يتحضرون لسيناريوهات سقوطها، بينما الفصائل مغيبة، وينتظرون دعوتهم فقط عند التأبين.
في الذكرى 28 لانطلاقة حركة "حماس"
بقلم القيادي بحماس جمال عيسى عن المركز الفلسطيني للاعلام
تحديدا في الرابع عشر من شهر ديسمبر كانون ثان من العام 1987م.كانت فلسطين على موعد الإعلان عن ولادة حركة المقاومة االاسلامية حماس .
في الوقت الذي ظن البعض أن هذا الوليد الجديد لن تكتب له الحياة والبقاء في ظل إنكار ورفض للاعتراف بكينونته وخصوصيته ، كان هناك آخرون يطنون أنه لن يكون أكثر من مجرد إضافة عددية في قائمة المجموع الوطني لفصائل الثورة الفلسطينية .
لقد كان الإعلان عن ولادة حركة حماس من رحم الإنتفاضة الأولى بمثابة قرار استئناف الحركة الاسلامية في فلسطين للإنخراط والمشاركة مجددا في مربع العمل الوطني ، بعد تغييب قسري فرض عليها في المنطقة العربية منذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي .
كان مفاجئا لمن لا يدركون حقيقة وطبيعة الشعب الفلسطيني ،وعمق انتمائه لأمته ومدى اعتزازه بهويته الحضارية العظيمة، أن تحقق هذه الحركة الوليدة خلال فترة الإنتفاضة الأولى (مرحلة إثبات الذات )، ولتحقق في سنوات الإنتفاضة الثانية (مرحلة التميز والريادة ) في الأداء الجهادي العسكري على الأرض الفلسطينية المحتلة ، وهو ما مكن لشعبنا في غزة أن يفرض على العدو الصهيوني أول انسحاب عسكري لجيشه ، وتفكيك كامل المستوطنات في غزة الأبية ، دون قيد أو شرط.
ومن خلال موقعها القيادي والسياسي في الحكومة العاشرة السلطة الفلسطينية ، قدمت الحركة كامل الغطاء السياسي والإعلامي والمعنوي لقوى المقاومة الفلسطينية ، لأعلى تجليات وإبداعات المقاومة والتي تمثلت بأسر جنود صهاينة ، وإبرام صفة الافراج عن أبطالنا في صفقة وفاء الأحرار ، ومواجهات عسكرية ضد الجيش الصهيوني ، فاجأت العدو الصهيوني وحلفاءه .
لقد استخدم ضد الحركة وخاصة في مرحلة رئاستها للحكومة الفلسطينية العاشرة ، كل الأدوات التي يمكن أن تستخدم في الصراع ضد الدول, فعمليات استهداف الرموز والقادة بالاغتيال والاعتقال والإبعاد كان المبتدأ ، ثم بعدها سلسلة عمليات الشروع بتنفيذ أول ( إنقلاب ) عسكري مكتمل الأركان ضد الحكومة الفلسطينية ، وبإشراف غرفة عمليات مدعومة من أطراف أقليمية ودولية، فيما حاول البعض تفجير الوضع الداخلي عبر موجة فلتان أمني في القطاع من خلال حركات " تمرد" أو استنساخ واستدعاء تنظيمات التطرف الإسلامي، وصولا إلى محاولات تحريض البيئة المجتمعية الحاضنة للمقاومة عبر إحكام الحصار السياسي والاقتصادي ، وقطع شريان الحياة بإغلاق وإغراق الأنفاق ، وحرمان القطاع من وقود محطات الكهرباء ، وأخيرا التحلل من الالتزامات الوطنية فيما يخص حقوق موظفي السلطة الفلسطينية ، وتعطيل الإعمار ، ورفض تشغيل معبر رفح.
رغم كل ما سبق ، فقد صمدت حركة حماس ، وازدادت تجذرا ، بل وأسقطت كل رهانات الأطراف المحلية والاقليمية والدولية، بإنكسارها أو عزلها أو استئصالها ، لتصبح اليوم عنوانا وطنيا كبيرا،لا تنقطع الوفود الدولية والشخصيات السياسية عن التواصل معها ، وبعيدا عن شروط الرباعية البائسة ـ فيما تتمدد الحركة في محيطها الاقليمي والاسلامي والدولي ، عببر شبكة علاقاتها الشعبية والسياسية والدبلوماسية.
إن حركة فلسطينية بهذا الأداء الوطني المتميز ، وبهذا الحضور العربي والاسلامي والدولي ، وبما قدمته من إنجازات وطنية، ليس هنا موضع تسويقها ، يجعل منها وبكل أمانة وموضوعية ،إضافة نوعية لرصيد الثورة الفلسطينية ،وسندا قويا يطمئن إليه شعبنا الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الصهيوني ومشاريعه المشبوهة .
من هذا الموقع الوطني الذي تمثله حركة المقاومة الاسلامية حماس ، فإنها تعتقد أن طبيعة التهديدات الصهيونية التي تطال الوطن بكل ما فيه من انسان ومقدسات وأرض وسيادة وهوية، وكانت السبب الرئيس لاندلاع الإنتفاضة الثالثة ، أنتفاضة القدس ، وفي ظل حالة السيولة السياسية التي تغرق منطقتنا العربية بأمواجها العاتية،وتسنزفها وتهدد مستقبلها ، كل ذلك يفرض على الجميع ، وحماس في المقدمة منهم ، أن نتقدم جميعا في خطوة جريئة وقوية وسريعة،لاعتماد استراتيجية وطنية موحدة ، تحقق الشراكة الوطنية الكاملة للجميع في إدارة القرار الفلسطيني ، بما يحقق على الأرض فرض الإرادة الوطنية الفلسطينية على العدو الصهيوني .
إن خطوة كهذه لا يمكن أن تنضج دون لقاء وطني قيادي للإطار القيادي المؤقت للمنظمة ، وعلى قاعدة الاستعداد المسبق لتقديم الأطراف المعنية كافة الالتزامات الوطنية الواجبة ، بعيدا عن أية حسابات حزبية أو فئوية أوجهوية تسيء للوطن أو تنال من صمود شعبنا العظيم .
فشل سياسة ردع الانتفاضة
بقلم أيمن أبو ناهية عن فلسطين اون لاين
إن ما يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية من قمع للمنتفضين والقتل المتعمد وهدم بيوت الشهداء والأسرى من أساليب الردع كما يزعم قادته، واعتبارهم أن عمليات الانتشار الواسع لجيشهم في المدن والقرى الفلسطينية وشوارعها العامة، ومواجهاتهم اليومية مع الفلسطينيين المنتفضين، وما يتعرضون له من احتمالات الطعن والدهس المفاجئين، بأنها أنشطة اعتيادية تأتي ضمن البرامج والدورات التي يتدرب ويتأهب لها جيش الاحتلال، بل إن الكثير من الأطباء النفسيين والمشرفين الاجتماعيين في الجيش، وكلهم من الضباط المختصين علمياً في هذه المجالات، يرون أن ما يتعرض له الجنود شيء خطير للغاية، ولا يستطيع الجندي أن يتعايش أو يتكيف مع هذه الأخطار، فالهجوم بالسكاكين والأدوات الحادة شيء مرعب ومخيف، ويترك صدمة نفسية على حالة الجنود، مما يحدث الذعر والهلع في صفوفه، وقد رأينا ذلك أكثر من مرة بإطلاق النار على بعضهم نتيجة عدم التركيز وإطلاق النار عشوائيا، فضلاً عن أن عائلات الجنود والعناصر الأمنية يبدون تخوفاً أكثر من الجنود، ويرفضون أن يكون مصير أبنائهم القتل بنيران صديقة.
وهذه شهادة بعض الضباط في جيش الاحتلال أن المواجهة مع الفلسطينيين لا تقوم على أساسٍ من التفوق والسيطرة والردع، إذ إن القوة لا تحمي، والاستعدادات الهائلة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية لا تجلب الأمن، ولا تحقق السلامة، بدليل أن العمليات نفسها تتكرر كل يومٍ في الأماكن نفسها أو في أماكن ومناطق جديدة، والمنفذون قد يقتلون أو يعتقلون ولكن غيرهم يحل مكانهم بسرعةٍ، وتكون الدوافع عند المنفذين الجدد أقوى، والعزيمة أكبر، والرغبة في الانتقام والثأر أكثر وضوحاً، ويزيد من توتر الجنود والمستوطنين الإسرائيليين تصريحات قيادتهم التي تقول، إننا لا نستطيع أن نمنع شخصاً يريد أن يموت.
والحقيقة أن الفلسطينيين تفوقوا بذكاء شديد في تحييد القوة العسكرية للجيش والأجهزة الأمنية، فأقصى سلاح يمكن استخدامه هو المسدس، بدليل أن الفصائل الفلسطينية لسبب أو لآخر لا تزال لم تدخل على خط الانتفاضة، ولم تستطع أن تترك بصماتها عليها، فلا مشاركة لها في التخطيط، ولا تقوم بعمليات المساندة والحماية، ولا تمول المنفذين، ولا تشرف على عملياتهم، ولا تنصحهم أو توجههم، ولا تنتقي لهم أهدافاً أكثر دقة وأضمن نتيجة، بل تركتهم وحدهم يخططون وينفذون، ويجتهدون ويقررون، ولذا بإرادةٍ أو عن غير قصدٍ منهم، فقد انسحبوا من المواجهة، وسحبوا الذرائع من الجيش للفتك بهم، وتركوا المعركة قائمة بين جيشٍ مكفوف اليد وبين شعبٍ ماضٍ بأقل ما يملك وأبسط ما يستطيع أن يقاتل به، فلا أبسط من سكين المطبخ، ولا أكثر وفرةً من السيارات الخاصة، وكلاهما بات متوفراً بين أيديهم، ولا يمكن حصارهم لمنعهم من حيازة سكين أو قيادة سيارة، وبذا جعل الفلسطينيون سلاح المعركة في حده الأدنى، فلا قوة تقمعهم، ولا سلاح يخيفهم، ولا قدرة للجيش على المبادرة باستخدام سلاحه الفتاك في مواجهة طفلة تحمل سكيناً، أو صبيٍ يتجول قرب مستوطنة، أو على الطريق العامة التي يسلكها المستوطنون، الأمر الذي جعل الفلسطينيين يطمئنون إلى أن التفوق العسكري الإسرائيلي تعطل، وأنه لن يدخل المواجهة، ولن يحسم المعركة ولم يحدث أي نوع من الردع.
فبعد هذه المدة التي قضتها الانتفاضة الثالثة واستمرارها بدخولها الشهر الثالث على التوالي، والتي خالفت توقعات قادة جيش الاحتلال، بالعمل على إخمادها سريعا، بدأ القلق والخوف الشديدان في الشارع الإسرائيلي على المستويين الشعبي والرسمي، فالإسرائيليون يسألون حكومتهم بكثير من الضيق والتبرم والغضب والسخط، عن مآل الأحداث ومصير الأوضاع في المناطق، ولا يوجد في الأفق ما يدل على قرب التوصل إلى حل بشأنها، إذ لم تجد المساعي السياسية التي بذلها وقام بها وزير الخارجية الأمريكية جون كيري، كما يبدو أن الاستعدادات والحيطة والحذر غير قادرة على إخماد الانتفاضة، أو التخفيف من فعالياتها اليومية التي تزداد ولا تنقص، وقد بدا أن ذوي الشهداء أكثر من ينبري للثأر والانتقام، بدليل أن العديد من منفذي عمليات الطعن والدهس أقارب وأشقاء، وكأن الحزن يمنحهم المزيد من الطاقة، والألم يولد عندهم المزيد من القوة والأمل.
يخطئ من يظن أن الاحتلال الإسرائيلي مرتاح وغير قلقٍ، وأنه لا يواجه خطراً حقيقياً ولا مأزقاً حرجاً، وأن العمليات التي يتعرض إليها كل يومٍ لا تؤثر فيه ولا تهز كيانه، ولا تضعف قوته ولا تشتت صفه، ولا تصدع جبهته، وأنه على العكس من ذلك، يقتل كل يومٍ عدداً من الفلسطينيين الشبان، ويطالب المجتمع الدولي بالاعتراف بحقه في الدفاع عن نفسه، ويدفعه لوصف عمليات المقاومة الفلسطينية بأنها عمليات إرهابية، لكن هذا لم يلق آذانا صاغية كما توقع الاحتلال فهذا رئيس وزراء السويد الذي خرج عن صمته ورفض أن تكون عمليات إرهابية، مما جعل المسؤولين السياسيين وقادة الجيش والمؤسسات الأمنية الإسرائيلية في حيرة من أمرهم، فلا الأول يستطيع أن يجلب حلاً سياسياً سحرياً يهدئ الأوضاع، رغم أنه يتمنى ويأمل، ويستعين بمن يستطيع ويقوى، ولا الثاني قادر على أن يلبي طلبات حكومته وأماني شعبه في قمع الانتفاضة، وإجبار الفلسطينيين على أن يعودوا إلى بيوتهم ومزاولة أعمالهم، رغم القوة التي يملكون، والسلاح الذي يحوزون.
والفلسطينيون ماضون في خيارهم، ومصممون على نهجهم، فلا يوقفهم دمٌ، ولا يخيفهم قتلٌ، ولا يمنعهم عدوٌ من الإصرار على المطالبة بحقوقهم، والحفاظ على وجودهم.


رد مع اقتباس