في هــــــذا الملف:
الحدث الفلسطيني وغياب الرؤى والبرامج
بقلم: راسم المدهون عن الحياة اللندنية
التضامن مع انتفاضة الشباب الفلسطيني
بقلم: كاظم الموسوي عن الوطن العمانية
فلسفة السكين
بقلم: مازن حماد عن الوطن القطرية
خارطة جديدة بلا فلسطينيين
بقلم: حافظ البرغوثي عن الخليج الإماراتية
مكاسب "الحياد" الإسرائيلي في سورية
بقلم: أحمد جميل عزم عن الغد الأردنية
«الصديق الإسرائيلي» وأمن الخليج
بقلم: نصري الصايغ عن السفير اللبنانية
الحدث الفلسطيني وغياب الرؤى والبرامج
بقلم: راسم المدهون عن الحياة اللندنية
يحلو لكثيرين من المحللين السياسيين الفلسطينيين والعرب استخدام مصطلحات شتى لتوصيف ما يُجرى في فلسطين هذه الأيام من مواجهات شرسة ودامية مع المستوطنين وجنود الاحتلال الإسرائيلي. البعض يرى فيه انتفاضة ثالثة يهرع لاختيار أسماء وعناوين لها تكون غالباً من قاموس رغباته ورؤاه السياسية، فيما البعض الآخر يبدو أكثر تواضعاً فيطلق على ذلك تسمية هبَة شعبية.
لا أعتقد أن أزمة الفكر السياسي في تعامله مع أحداث فلسطين تكمن هنا، أو لنكن أكثر دقة فنقول إن فوضى التسميات ليست سوى التعبير المفهوم والمتوقع لفوضى التحليلات ذاتها والتي ترى الواقع بعين التمنيات فتتخيل ما تريده وتتمناه باعتباره حدث وأصبح حقيقة.
لا بد في البداية من رؤية أن ما يجري من مواجهات غير متكافئة ليس نزوة إسرائيلية تقوم بها مجموعات من المستوطنين المسلحين بالبنادق والحقد بدعم من جنود الاحتلال لإشباع رغبتهم في تهويد أكبر مساحة ممكنة من الأرض الفلسطينية وحسب. فما يجري هو قراءة إسرائيلية حكومية رسمية للواقع السياسي في فلسطين والمنطقة والعالم.
هم يرون بأمهات أعينهم وهن أسلحة المواجهة بين أيدي الفلسطينيين ليس بالمعنى العسكري، ولكن أساساً بالمعنى الشامل الذي يعني كافة وسائل المواجهة، وهي حالة ربما لم تحدث للمرة الأولى لكن ما يميزها اليوم أنها تحدث في ظل موازين قوى مختلة بصورة كاملة تقريباً.
الأمر هنا يتعلق بموقع فلسطين كقضية وكحياة يومية في السياق السياسي والشعبي العربي الذي بات يعيش هموماً ومعضلات كبرى لا تسمح له بالالتفات جيداً لما يحدث هناك في فلسطين على نحو يسمح لدولة الاحتلال بأن تواصل نشاطها الاستيطاني المحموم والذي لم يتوقف أساساً منذ 5 حزيران (يونيو) 1967.
يزيد في فداحة هذا الخلل السياسي ما تعيشه الساحة السياسية الفلسطينية ذاتها من خراب شبه كامل تتوارى معه عوامل القوة. فتلك الساحة تقف على قدمين من قش حيث الفصائل والأحزاب تعيش حالات تآكل بنيوية تجعلها عاجزة عن اجتراح برامج واقعية تستطيع استثمار الجهد الشعبي وتوظيفه في الخط الصحيح والمنتج، مثلما تعيش حالات من القطيعة بين القيادات العليا والمتوسطة وبين مجموع الشعب بمن في ذلك قطاعات الشباب الذين ينهضون اليوم لمقاومة الاحتلال ومستوطنيه. وكل ما يجري، على رغم فداحة قسوته وخطورته، لم يحقق حتى اللحظة مقاربات سياسية أو فكرية في مستواه. هناك فوضى تحليلات تذهب نحو استخلاصات مختلفة وحتى متناقضة تفترض بالضرورة برامج مختلفة ومتناقضة.
ذلك كله يحدث وكأن الحالة السياسية الفلسطينية تعيش لحظة استرخاء لا تليق بما نراه ونسمعه عبر القنوات الفضائية ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من أحداث كبرى تضع قضية فلسطين في واحدة من أخطر مراحلها إن لم نقل الأخطر منذ 1948، ونفاجأ بأن القائمين على تلك القضية لا يرون ذلك أو أنهم يرونه في صور وأشكال أدنى من الحقيقة بكثير.
أعتقد أن ذلك كله يضع القوى السياسية على اختلافها، مثلما يضع الشعب الفلسطيني، في حالة من التيه السياسي عند محاولة تشخيص ما يحدث والخروج باستنتاجات وعناوين تمكن ترجمتها الى برامج سياسية واقعية تساعد في إثراء الحركة الشعبية وتستطيع أن توفر لها ما يلزم من دعم ومساندة، كما يمكنها أن تخلق لها الحلفاء على المستوى الدولي.
التضامن مع انتفاضة الشباب الفلسطيني
بقلم: كاظم الموسوي عن الوطن العمانية
انتفاضة الشباب الفلسطيني التي تستمر منذ أسابيع في أغلب المدن الفلسطينية تقدم بأساليبها ووسائل نضالها الجديدة استمرارا لصفحات الكفاح الشعبي الفلسطيني من أجل حقوق الشعب والتذكير بثبات المطالب العادلة والحقوق المشروعة لقضية الشعب الفلسطيني.
ماذا يجب أن تقدم الشعوب العربية وأحرار العالم لهذه الانتفاضة المقدامة؟. وماذا يلزم عربيا ودوليا، رسميا وشعبيا لدعم الانتفاضة؟. إن الجواب يطالب بالعمل التضامني الواسع والتأييد المتواصل لهذه الانتفاضة التي انطلقت بتضحيات شبابية تكاد أن تكون يوميا، وتستمر بعزيمة شبابية واضحة.
الأمر الذي يعني أن التواطؤ الرسمي ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية لم تمر ولن تستطيع أن تنجز ما تسعى إليه. كما أن دماء الشباب الفلسطيني التي روت أرض فلسطين لن تذهب هباء ولن تضيع قدرات الشباب وهمته واصراره على الانتفاض والنهوض التحرري الوطني.
التآمر الغربي والتواطؤ من البعض العربي يشكلان إعاقة للتضامن، وحاجزا مانعا حتى للتضامن ولو بالكلمة، أضعف الايمان. إلا أن هناك رغم كل هذا العمل العدواني الواضح والصارخ من يتمكن من أن يرفع صوتا ويندد بالسياسات الوحشية ضد الانتفاضة وتحركات الشعوب الأخرى، من بينها ما حصل ويجري في لبنان. حيث تم انعقاد المؤتمر العربي العام في دورته السادسة وتحت عنوان التضامن مع الانتفاضة وبحضور متميز من أكثر من ٢٧٥ شخصية عربية.
في بيروت الحرية والمقاومة، العروبة والصمود، اجتمعت هذه الشخصيات العربية وباسم المؤتمر العربي العام الذي دعا له المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الاسلامي والمؤتمر العام للأحزاب العربية وهيئة التعبئة الشعبية العربية دعما للانتفاضة الشعبية الفلسطينية وتضامنا معها ومع القضية الفلسطينية، القضية المركزية للنضال الوطني والقومي. وتأكيدا على أنها البوصلة التي تتحرك بموجبها اتجاهات التحرر والمقاومة والصمود.
ضمن كل الأوضاع والأجواء السياسية العربية والضغوط المختلفة أصدر المؤتمر العربي العام بيانا عاما وتوصيات مهمة ودعوات للانخراط العام والمشاركة الواسعة في الساحات والمواقع للتضامن مع الانتفاضة ودعمها بكل ما يمكن من الدعم والاسناد والمشاركة في حملات شعبية تقدم مواقف واضحة وصريحة من القضية الفلسطينية كقضية مركزية ومن الكفاح التحرري الوطني والقومي.
يمارس العدو الصهيوني أساليبه الوحشية في مواجهة هذه الانتفاضة. “فقد أخذ يعدم المارين والمارات بالشوارع بتهمة نيّة استخدام السكين، كما أصدر قوانين تحكم على الأطفال أربع سنوات بتهمة رمي الحجارة، وسبع سنوات بتهمة قذف زجاجات المولوتوف، وقد راح يعتقل الآلاف ويستخدم التعذيب بهدف الإرهاب والتخويف ووصل الأمر إلى هدم بيت كل من يقتل جندياً ولو بسكين أو حجر أو عجل سيارة.”
رغم هذا العسف المنظم واصل الشباب الفلسطيني انتفاضته وأحبط مشاريع الاحتلال وأعوانه وحلفائه وسياسات الغرب الصهيونية التي سعت الى تهميش القضية وتوفير كل الفرص لاستمرار الاحتلال وتسمينه وتعزيز قاعدته الاستراتيجية العسكرية في المنطقة. وهذا ما يعطي لهذه الانتفاضة الشعبية دورها الرئيس في اعادة القضية الى المشهد السياسي والنضال من أجل الحقوق المشروعة في الحرية والاستقلال وإنهاء آخر استعمار استيطاني في العالم.
انهى المؤتمر العربي العام بيانه بتوصيات مهمة ورئيسية توضح المهمات المطلوبة للتضامن مع الانتفاضة والمساهمة فيها بأي شكل من الأشكال النضالية. وأبرز ما أكد عليه هو “الدعوة العاجلة إلى إنهاء الانقسام وبناء الوحدة الوطنية على قاعدة الالتزام بمشروع وطني تحرري يقوم على الانتفاضة والمقاومة وتحرير كامل الأرض المحتلة.” و”تنفيذ قرار المجلس المركزي الفلسطيني في مارس 2015، بوقف التنسيق الأمني وتكريس كل الجهود للانخراط في الانتفاضة، ورسم استراتيجية كفاحية مستندة إلى الثوابت والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما يؤدي إلى إبطال اتفاقيات التسوية التصفوية.
و دعوة كل القوى الفلسطينية إلى الاحتضان الكامل للانتفاضة وتوفير كل سبل الإسناد السياسي والمعنوي والإعلامي والمادي لها باعتبارها تعبيراً أصيلاً عن توق الشعب العربي الفلسطيني إلى دحر الاحتلال وتحرير الأرض وعودة اللاجئين. مع التصدي لكل محاولات الالتفاف عليها واحتوائها والحفاظ على استمرارها حتى تحرير الأرض والإنسان.”
لخصت التوصيات والبيان وانعقاد المؤتمر التضامني مشاركة الشخصيات العربية وهم الشارع العربي وضرورة التحرك المنظم والواسع من قبل كل الهيئات والاتحادات والجمعيات والشخصيات والجهات العربية والاسلامية والدولية، واغتنام يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، انتصارا للانتفاضة ودعما لحق الشعب العربي الفلسطيني بدحر المحتل والاحتلال.
والتأكيد على تصعيد مستويات المقاطعة للكيان الاسرائيلي وتجريم التطبيع معه قانونيا والدعوة الى تركيز الاهتمام الإعلامي حول الانتفاضة ودعمها وتأييدها أخلاقيا وانسانيا وواجبا قوميا وفضح المتواطئين والمراهنين والمطبعين مع العدو. وليس أخيرا “السعي لإنجاح الدورة الثانية للمنتدى الدولي من أجل العدالة لفلسطين المقرر انعقاده في تونس في إطار فعاليات ذكرى “يوم الأرض” في 30/3/2016، وإجراء أوسع الاتصالات مع كل الشخصيات الدولية المناصرة لقضية فلسطين، واعتبار الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم أحد موضوعات المنتدى لإبراز العلاقة العميقة بين الصهيونية والاستعمار.”
أثبت المؤتمر العربي العام ببيانه أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الأساسية وحولها ولها يتوجب العمل والكفاح والمراجعة النقدية وتجاوز المراهنات الخاصة والحزبية والفئوية والتركيز على القضية كبوصلة واعادة النظر بكل الأخطاء والخطايا التي ارتكبت في ظروف وتحت ضغوط بالامكان تحملها أو مواجهتها واعتماد منهج المقاومة بكل أشكالها المشروعة وانهاء المناورات التي قادت بعض من انحرف عن القضية والبوصلة الكفاحية الوطنية والقومية إلى العودة الى الطريق الواضحة، التي أثبت التاريخ نجاعتها وصحتها والاعتبار من أن التاريخ يسجل ويشهد ويحاكم.
فلسفة السكين
بقلم: مازن حماد عن الوطن القطرية
لم يدرك الإسرائيليون بعد،أن باب الانتفاضة الثالثة المشرّع في وجوههم للشهر الثالث والباقي معهم وقتا طويلا قادما، يدخل إليهم ريحا عاتية تتزايد مع كل يوم يمر.
أما الفكرة التي تترسخ في الوجدان الدولي على وقع الدفاع الباسل عن النفس الذي يلجأ إليه حملة السكاكين والمفكات، فهي أن هؤلاء الفتية غير المنتمين لأحزاب أو منظمات هم منتمون فقط للأرض، وأنهم لا يطعنون اليهود لأنهم يهود كما يروج اليمين المتطرف، لكنهم يطعنونهم فقط لأنهم محتلون.
لقد أسقطت الانتفاضة كل الأقنعة ودحضت بالخط العريض مزاعم اليمين بأن استخام السكين عمل وحشي يليق بالحيوان، ليس فقط لأن الحيوان لا يجيد الطعن، ولكن لأن هؤلاء الأبطال اليافعين لا يملكون الرشاشات سريعة الطلقات التي وزعت على المستوطنين، بل وجدوا في أدراج أمهاتهم أدوات حادة لقتل لصوص منازلهم، وهي حجة يصعب تحديها. فالطاعن لا يستمتع بغرز نصله في جسد آدمي، وإنما يدافع عن نفسه عندما يغرز ذلك النصل في صدر الاحتلال.
ثم إن الاحتلال في عرف القانون الدولي إرهاب، والإرهاب لا يفله إلا إرهاب أشد وأكثر دموية، يبرره ويسهله قتل المحتلين خيار التفاوض وحل الدولتين. غير أن الاحتلال لا ينتهي إلا عندما يحس بالعجز عن دفع كلفة استمراره وبقائه في أرض غيره، مما يحتم على المنتفضين إحراق تلك الأرض تحت قدميه.
مثل هذه القضايا لا تحل في يوم وليلة، بل تحتاج لوقت طويل قد يستمر عقودا. لكن ما أنجزه الفلسطينيون منذ رفضهم السليم قرار تقسيم فلسطين عام «1947»، يشبه المعجزة، ويبرهن أن الأعزل من السلاح ليس أعزل من ابتكار وسائل للمقاومة، ولا أعزل من عشق الوطن، إذ أن عشق التراب غريزة، كالأمومة، لا ينطفئ إلا بزوال العاشقين.
وما يزعج القيادات اليمينية المريضة في إسرائيل، أكثر من أي شيء آخر، هو إقرار متزايد لدى المجتمع الإسرائيلي على وقع «فلسفة السكين»، بأن السلب والحرمان من الحقوق ينميان المقاومة العنيفة.
ونلحظ زيادة على ذلك، لهجة تمرد بين الإسرائيليين ملخصها أن زعماء دولتهم غير الشرعية، بفرضهم على مواطنيها العيش على نصل السكين إلى الأبد، يحاربون في الواقع.. قدسية الحياة، من خلال تحريض اليهود على قتل العرب، واستفزاز العرب لقتل اليهود.
وتفضح حرب السكاكين الحقيقة التي يسعى نتانياهو إلى إخفائها وراء فلل المستوطنين، وهي أن الضفة الغربية منطقة محتلة بنظر العالم كله، - وإسرائيل كلها محتلة في نظري أنا - وأن سياسة الليكود العدوانية والعنصرية هي المنتج الرئيسي للإرهاب الفلسطيني، حيث وظف فتياننا سكين تقشير البطاطا وفرم البندورة، لممارسة إرهابهم المبرر والمطلوب، رغم علمهم المسبق بأنهم سيستشهدون.
خارطة جديدة بلا فلسطينيين
بقلم: حافظ البرغوثي عن الخليج الإماراتية
بلغ عدد المعتقلين، منذ بدء الغضبة الشعبية ضد الاحتلال «الإسرائيلي» قبل ما يقارب الشهرين، قرابة 2400 معتقل؛ نصفهم من الأطفال.. وبلغ عدد الشهداء أكثر من مئة، أمّا الجرحى فهم بالمئات، ومع ذلك فإن الوزير الأمريكي جون كيري جاء إلى المقاطعة، حيث مقر الرئاسة الفلسطينية ليطلب التهدئة والعمل من أجلها، مع أنه يعلم أن المسبب لها هو الاحتلال واستفزازاته في القدس الشريف. وجاء كيري بعد أن فشل في إقناع رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو باتخاذ ما من شأنه تخفيف التوتر والممارسات التي أدت إلى غضب شعبي عارم مازال مستمراً.
السلطة الفلسطينية من جانبها أبلغت الوزير كيري بأنها لا تحرض ولا تدفع الناس إلى المواجهات، وأن الفصائل الفلسطينية لا تشارك، وكل العمليات التي تُجرى هي أعمال فردية ومبادرات فردية من شبان وأطفال تصرفوا بمفردهم من دون إيحاء من أحد، وأن العقوبات «الإسرائيلية» والقتل بمجرد الاشتباه زاد الأمر تعقيداً، فسياسة القمع هي التي تحثهم على الرد الفردي بأية وسيلة كانت.
في محادثاته مع الوزير كيري أراد نتنياهو انتهاز اللحظة، أي جمود السياسة الأمريكية، بسبب السنة الانتخابية؛ وأراد انتزاع اعتراف أمريكي بالكتل الاستيطانية الممتدة شرقي القدس، وبين بيت لحم والخليل، وجنوب نابلس، مقابل ما سماه وقف الاستيطان، لكن كيري رفض هذا العرض «الإسرائيلي» الذي يناقض السياسة الأمريكية المعلنة منذ عام 1967، والتي لا تؤيد الاستيطان.
من جانبهم تحدث مسؤولون فلسطينيون إلى الوفد الأمريكي عن أن نتنياهو إذا كان لا يريد التفاوض حول الدولة الفلسطينية، ويرفض حل الدولتين فلا ضرورة للتفاوض، من أجل التفاوض، وبوسعه فرض القانون «الإسرائيلي» على المنطقة من البحر إلى النهر، وأكد المسؤولون أن السلطة ماضية في الانضمام إلى المنظمات الدولية، وتقديم الملفات إلى المحكمة الجزائية واللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، مادام لا يوجد فيتو أمريكي في الجمعية العامة. كيري من جانبه حذر من عواقب ذلك على السلطة، وخروج الأمور عن السيطرة في حالة إقدام السلطة على ذلك؛ لكن أحد المسؤولين الفلسطينيين تحدث صراحة عن أن انهيار السلطة يعني، تلقائياً، أن «داعش» وإخوانه، هو البديل، وعلى «إسرائيل» أن تواجه المستقبل بهذه الصورة.
الحكومة «الإسرائيلية» التي حزمت أمرها بعدم الاعتراف بحل الدولتين أو التفاوض حول الدولة الفلسطينية، سارعت بعد فشل جولة كيري إلى عقد جلسة خاصة لمناقشة ما بعد السلطة، وتحدثوا عن سلسلة عقوبات جماعية كفرض منع التجول، وهدم منازل من ينفذون عمليات، وترحيل أسرهم إلى غزة وسحب تصاريح العمل، وتوسيع الاستيطان. فالوزراء في المجلس المصغر هم دعاة استيطان وحرب واستعرضوا سيناريوهات انهيار السلطة الفلسطينية بنظرة أغلبها إيجابي، بعكس ما كان عليه الأمر قبل ما يُسمى الربيع العربي، والفتن الدائرة في العالم العربي.
لكن تقديرات جيش الاحتلال وقادة أجهزته الأمنية تخالف ذلك لأن عواقب الفوضى والفلتان وانهيار السلطة يعني تجدد الأعمال العسكرية وزيادة مستوى سفك الدماء، وخروج الأمور عن سيطرة الاحتلال أيضاً، ومع ذلك فإن هذا السيناريو الدموي لا يقلق أغلب أعضاء حكومة نتنياهو، لأن الفرصة الدولية مواتية لتنفيذ مخططات استيطانية وترحيل وقتل جماعي، من دون ردود فعل؛ لا عربية ولا دولية، حيث بدأت نذر الصراع بين القطبين الروسي والأمريكي على ساحة الشرق الأوسط، ومن سيهتم مثلاً بمصير مليوني فلسطيني ونيف، في الضفة الغربية، وهناك ملايين تُهجر وتُقتل في الجوار العربي؟
ففي العقيدة الليكودية وأحزاب اليمين منذ بداية الثمانينات ما ورد على لسان إرييل شارون آنذاك، وهو بإمكان الكيان، وتحت إطار أي حرب أن يعمل على ترحيل الفلسطينيين من الضفة، وليس هناك الآن ما يمنع من تنفيذ هذه المخططات. فمع تفاقم الوضع في المنطقة نجد أن هناك مفارقة غريبة، وهي أن «الكيان» الصهيوني فقط يحتفظ بعلاقات مع كل الأطراف المتقاتلة، فهو ينسق مع روسيا في سوريا، وينسق مع حلف الأطلسي وواشنطن وله علاقات أقوى مما سبق مع تركيا، كما وصفها نتنياهو، مؤخراً، بقوله: إن علاقاتنا مع تركيا أقوى مما نحتمل تصوره.. وللكيان علاقات تنسيق مستمرة مع المعارضة السورية وجبهة النصرة، وبعض أجنحة الجيش الحر وبعض أمراء داعش في سوريا.
فكيف ستقدم «إسرائيل» أية إشارات عن رغبة في السلام مع الفلسطينيين؛ في وضع أنموذجي بالنسبة لها، خاصة أن هناك «معامل» جيوسياسية تعمل على إعادة رسم خارطة المنطقة بلا دول قائمة بل بدويلات جديدة.. قد لا يكون بينها دولة فلسطينية أو شعب فلسطيني.
مكاسب "الحياد" الإسرائيلي في سورية
بقلم: أحمد جميل عزم عن الغد الأردنية
لا مانع لدى إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، أن تهب روسيا لنجدة نظام بشار الأسد في سورية، ويمكن تنسيق الموضوع بسهولة، ومن دون حساسيات أو خوف من العواقب. هذا هو المشهد الواضح الآن تماماً في المنطقة؛ فبينما تتوتر العلاقة التركية الروسية على خلفية خرق روسيا للمجال الجوي التركي، وإسقاط طائرة روسية، يوم 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، هناك آلية واضحة تمنع حدوث ذلك في الحالة الإسرائيلية. وبحسب ما أعلن وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعالون، فقد دخلت طائرة روسية المجال الجوي "الإسرائيلي"، مؤخرا، وتم الاتصال بها وفق آلية اتصال متفق عليها سلفا، وخرجت.
هذا الدخول والخروج السلس، كما يؤكد يعالون قبل أيام، هو نتاج للتفاهمات التي أبرمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والقادة العسكريون الإسرائيليون، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ وبفضل "قناة الاتصال" التي فتحت بين البلدين "لمنع سوء الفهم" أثناء النشاطات الروسية في سورية. وأوضح يعالون أنّ روسيا تخبر الإسرائيليين عندما تكون عملياتها قريبة منهم.
يوضح الموقف الإسرائيلي البراغماتي متناهي المرونة في موضوع التدخل الروسي في سورية، رغم أنّ الإسرائيليين لا يتركون فرصة عادة للاعتراض على أي نشاط قريب من فلسطين، أنّ مسألة سقوط نظام بشار الأسد، ليست موضوع أولوية بالنسبة للإسرائيليين، وأنّ التعايش مع وجود هذا النظام ممكن جداً، كما كان دائماً. فعندما كان الإسرائيليون يحتلون جنوب لبنان، كان الجيش السوري ناشطا ويعمل في لبنان، وكان جزءاً من الحرب الأهلية، وجزءاً من الحرب على المخيمات الفلسطينية، ولم يكن هناك حتى مجرد تكهنات بأن الجيشين السوري والإسرائيلي قد يصطدمان. وكان المفهوم أنّ هناك ترتيبات ضمنية، على الأقل، توضح الخطوط الحمر بينهما.
مع التوتر التركي الروسي، سيزداد الحافز الإسرائيلي للتعامل بمرونة وتغاض وتساهل مع الروس وما يفعلونه في سورية. فالعقوبات الاقتصادية الروسية التي أعلنها الرئيس الروسي بوتين بحق تركيا، إذا ما طبقت فعلا، فإنّها قد تنفع الاقتصاد الإسرائيلي. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن للإسرائيليين توقع أن يحصلوا على نصيب من الأربعة ملايين سائح روسي يزورون تركيا سنوياً. بل إنّ إسرائيل تجد نفسها في سلة واحدة مع إيران، حليف نظام الأسد الأساسي، كمستفيد محتمل من الخلاف التركي الروسي. فمثلا، أعلن وزير الزراعة الروسي ألكساندر تكتشيف، أنّ بلاده قد توقف استيراد الخضار من تركيا وتستبدل ذلك بالاستيراد من إيران وإسرائيل والمغرب، وإن برر الوزير الخطوة بأسباب "صحية" وليس سياسية، ولكن توقيت التصريح بعد التوتر الراهن، يجعل من الصعب تقبل التبرير الصحي للاستبدال المحتمل، علماً أن استيراد روسيا من الخضار التركية يبلغ نحو 350 مليون دولار سنوياً.
هذا فضلا، طبعاً، عن أنّ التوتر بين موسكو وأنقرة، يعني أنّ الاتراك لديهم توتر آخر لينشغلوا به، بعيداً عن خطابهم التصعيدي ضد السياسات الإسرائيلية، وسيجعل موقف تركيا أقل قوة في الجدل مع نتنياهو وحكومته، وهو الجدل الذي حصل على خلفية اعتداءات الإسرائيليين في غزة، وبسبب اعتداءاتهم على أسطول الإغاثة والسفينة التركية المساهمة فيه والمتجهة لغزة، "مافي مرمرا"، العام 2010. وبحسب تحليل في صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، فقد تتحسن العلاقات التركية الإسرائيلية الآن، بسبب الترتيبات الروسية الجديدة.
نادرا ما يكون الإسرائيليون على الحياد في موضوع. والموقف مما يحدث في سورية، وزعم الحياد، هو نوع مما قد يسمى علميّاً "الحياد الإيجابي"؛ أي الحياد المؤثر في الأحداث، والمستفيد منها. فعدا عن أن الحرب الأهلية تستنزف سورية والسوريين، فإنّ حربا بالوكالة محتملة بين تركيا وروسيا في سورية، من نوع دعم الأتراك الآن للجيش الحر والتركمان، مقابل التدخل الروسي والدعم الموجه لنظام الأسد، يمكن أن تبدو مفيدة للإسرائيليين، وسيجري تسهيل المهمة الروسية بما في ذلك داخل المجال الجوي للطائرات وأنظمة الدفاع الإسرائيلية، مع توقع الاستفادة من الطرفين التركي والروسي، على السواء، اقتصاديا وسياسياً.
«الصديق الإسرائيلي» وأمن الخليج
بقلم: نصري الصايغ عن السفير اللبنانية
في كتاب الفنان البريطاني بانكسي، رسوم وزّعها على جدران المدن، وعلى جدار الفصل العنصري في فلسطين. جاءت الرسوم تعبيراً عن ألم وفتحة لأمل. من رسومه طفلة على جدار تلهو، برج مراقبة إسرائيلي عُلّقت به أرجوحة أطفال يلعبون، قطة بحجم حائط هو ما تبقى من بيت... وغيرها من الرسوم الغرافيتية المدهشة.
وفي الكتاب حوار بين الرسام وكهل فلسطيني. يقول الكهل: «أنت ترسم على الجدار فتجعله جميلاً». ظنّ بانكسي أن الرجل يمدح فنّه، فأجاب: «شكراً». فقال الكهل: «لا نريده أن يكون جميلاً. نحن نكره الجدار. إذهب من هنا».
«نكره الجدار... إذهب من هنا». لا تطبيع مع الجدار. تجميل الجدار يجعل من إسرائيل جميلة، يجعل من قصاصها منحة ومن جريمتها مكافأة. لا. يجب أن يظل الجدار قبيحاً. يلزم أن تبقى صورة إسرائيل في الجدار، «بلا رتوش».
بانكسي الفنان، في ظنّه، أنه يزرع الأمل. قد يكون ذلك طوباوياً ورائعاً، لكنه، إزاء إسرائيل، تحسين لصورتها.
ولقد أقدمت أنظمة عربية على ذلك. لم تعد إسرائيل ذئباً استعمارياً احتلالياً. باتت دولة، وتفرض «الواقعية النفعية» التعامل معها، كدولة معترَفٍ بها، ترتكب مخالفات، كغيرها من دول المنطقة، بل إن بعض دول الإقليم ترتكب ما هو أفدح. صورة إسرائيل الديموقراطية المتقدمة الناجحة، يلزم أن تُخفي أخطاءها وخطاياها، فيتناسى الإعلام «الخطيئة الأصلية» و «الجريمة الكبرى»، وما آلت إليه فلسطين والشعب الفلسطيني بعد ثلثي قرن من الأزمنة العربية البائسة.
«الموضوعية» و «الواقعية» و «الضرورات تبيح المحظورات» وإلى آخر التبريرات والتّرّهات، تقتضي تقديم صورة «إسرائيل» كجارٍ مفيد، يمكن الاعتماد في حاجات أمنية أو في أحلاف سرية ضد مخاطر وجودية، أنبتتها ورعتها عقيدة الخوف والتخويف من الجار العربي أو من الأخ العربي.
وهكذا تختفي صورة «إسرائيل» كدولة محتلة، تتراجع فجيعة بناء جدار الفصل، التي حوّلت فلسطين إلى جلجلة يومية، يتسلّقها الفلسطيني كل لحظة. لا تعود تذكر حروب «إسرائيل» على قطاع غزة، يمرّ الاستيطان الزاحف بصمت جارح، تسحب من القدس روحها، وليس مَن يصلّي لأجلها أو يُلفت النظر إليها. تُنسى مسألة اللاجئين، «بؤساء العرب» منذ ستة عقود ونيف. تُنسى الضفة المتآكلة ويهمل شعب يجرب المستحيل بلحمه وصدره وفلذات كبده، تُنسى الألوف المأسورة في السجون...
لا، يجب أن يبقى الجدار على بشاعته، شاهداً على الظلم الفائق، وعلى العار العالمي. وإذا صار الجدار جميلاً، وباتت إسرائيل دولة طبيعية، لأصبح الفلسطيني كقضية، مسألة تخصّ كوكباً آخر.
المشهد الخليجي غني. «إسرائيل» المفيدة (تعبير سياسي ناشط جداً) ضرورية. فعلاً، الثراء يُعفي من الأخلاق. يبرِّر التحلل من القضايا. يشتري بلا كفاف. يبيع بلا خجل. يحرص على الارتكاب بتبرير.
يستبدل الأصدقاء ويستضيف الأعداء. يؤجر فلسطين لغزاتها ويعامل الفلسطيني كخردة. يدفع نقداً أثمان حماية. لا تهمّه الملايين والأرقام الفلكية. لديه مما «رزقناكم» ما يكفي دهوراً من النفط والغاز و... يداوي خوفه بعباءة الأمن المستعار ولو كان إسرائيلياً.
آخر ما أوردته المعلومات والتسريبات، من دول الطاعة، قناعتها بأن أمنها مهدد من إيران، وأن أمنها آمن بالأمن الإسرائيلي. لا ضمانة تفوق ضمانة هذا «الصديق». ممالك وإمارات ومشيخات اكتشفت بأن أفضل تقنيات الحماية وأفضل وسيلة للأمن الممسوك، تسليم الأمن الخليجي للخبرات الإسرائيلية وتقنياتها. إسرائيل إذاً، حاجة خليجية، بل من ركائز الأمن الوطني والقومي الخليجي.
ليس هذا مستغرَباً. إذا أردت أن تبرر الحماية، فلا عليك غير أن تُشهِر خوفك وتعظّمه. التخويف من عدو أو من هيمنة، يبرر التكليف لإسرائيل. المفاضلة بين «إسرائيل» وإيران خليجياً مقنعة، لأنها مُقنَّعة بحجة الخوف. وهي حجة مثالية: «إيران تخيفنا لا إسرائيل. انظروا ما يحصل في اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
إسرائيل لا تهدّدنا، وهي بعيدة عنا. ليس خطأ الطلب من عدوّ لم يعتدِ علينا أن يساعدنا، لنقف في وجه عدو ينقضّ علينا من حولنا». هكذا هي الصورة. صورة إعلاء الخوف تبريراً لشراء الأمن من عدو (ربما هو لم يكن عدواً ولم ينظروا إليه كذلك، إلا لماماً).
ليس مستغرَباً كل هذا. سبق أن حذفت فلسطين من خريطة السياسات العربية الرسمية. أسقطت قبل اندلاع «الربيع العربي». فوِّضت أميركا بفلسطين، وأميركا تنازلت عن تفويضها، ففوَّضت «إسرائيل» بفلسطين. وسبق أن ارتفعت أصوات خليجية ضد النووي الإيراني في موازاة صمت مطبق إزاء النووي الإسرائيلي. وحدث ذلك قبل اندلاع الحرائق في الإقليم وعلى أطراف الخليج. إيران الثورة مدانة خليجياً مذ ولدت إيران الفلسطينية. دعمت حرب صدام ضدها. دُمِّر بلدانِ، بأموال خليجية. فماذا بعد؟
الخلاف مع إيران يُحلّ بتسويات. ملفات الخلاف لن تجد حلاً بالحروب أو بالتدخل أو بالعمليات الأمنية السرية. مآل الخلافات البينية هو الحوار، غداً أو بعد سنوات. إن إيقاظ شياطين الخوف والتخويف يستدعي «الاستعانة بعدو». ولقد حصل ذلك فعلاً من قبل في لبنان، في كردستان العراق، ويحصل حالياً في سوريا.
ظاهر المشكلة يخفي الحقيقة. أمن دول الخليج لم يتعرّض لاهتزاز بسبب إيران، بل بسبب الطموحات الخليجية الإقليمية. غامرت مع صدام ثم دفعت ثمن احتلاله للكويت. وهي خائفة اليوم، بسبب حربها في اليمن. والمشكلة الأعمق، أن للكثير من هذه الأنظمة مشكلات مع شعوبها، إما بسبب الاستبداد، وإما بسبب الاختلاف المذهبي، وتنامي شعور الأقليات وتفاقم خوف الأكثريات.
ليست دول الخليج وحدها في هذا التفلُّت والتراخي. فسياسة شيطنة الفلسطيني مزمنة. فالفلسطينيون يحملون مشكلات الأمة ودولها وكياناتها وشعوبها. كما يحملونه مسؤولية ضياع فلسطين وعدم استردادها. لسان حالهم واحد: «كان يجب أن يقبلوا التقسيم... كان يلزم أن يتشبثوا بأرضهم وأن لا ينزحوا عنها... «خطة دالت» لا تعني أنظمة العرب ولم يسمعوا بها. هم السبب في «النكبة» و «النكسة»، وهم المصيبة عندما حملوا السلاح، فاستحقوا مجازر الأردن والحروب اللبنانية. كان يلزم أن يكونوا مع أميركا. 99 في المئة من أوراق الحل بيدها. كان يجب أن يعادوا السوفيات، وكان يجب ألا يتدخلوا بالقضايا العربية وكان يجب ويجب...
في مقابل تحسين صورة إسرائيل، تُرسَم صورة مشوَّهة للفلسطيني. تلك هي المعادلة الجديدة. أما التكفيريون والجهاديون الإرهابيون فمتروك أمرهم لولاتهم ورعاتهم ومموّليهم من تركيا ودول الخليج.
تباً لهذا العصر. لا طاقة للأمة على هذا القهر.


رد مع اقتباس