أقلام وآراء
(738)
في هذا الملف...
مناورات نتنياهو المكشوفة
الكاتب: حازم مبيضين_ الرأي الاردنية
الفلسطينيون و«المسألة السورية»
الكاتب: عريب الرنتاوي_ الدستور الاردنية
منظمة التحرير نحو آفاق جديدة
الكاتب: طلال عوكل_ البيان الاماراتية
إنجاز المصالحة هو الرد الحقيقي
بقلم اسرة التحرير_ الوطن العمانية
فلسطين ليست غائبة عن ربيع العرب
الكاتب: هاني فحص_ السفير اللبنانية
الربيع العربي على الطريقة الفلسطينية
الكاتب: شحاتة عوض_ القدس العربي
مناورات نتنياهو المكشوفة
الكاتب: حازم مبيضين_ الرأي الاردنية
حين ترفض حكومة بنيامين نتنياهو استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين, بوجود ما تصفه بالشروط المسبقة, فإنها بذلك تلعب على الكلمات للتنصل من التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاقيات المبرمة مع السلطة الفلسطينية, والمؤكد والثابت أن الجانب الفلسطيني حين يتحدث عن وقف كافة أشكال الاستيطان غير الشرعي, والمرفوض فلسطينياً وعربياً ودولياً, فإنه لا يضع شرطاً, بقدر ما يطالب الدولة العبرية بالوفاء بالتزامها بوقفه, وباعتبار أنه يشكل عائقاً حقيقياً أمام التوصل إلى اتفاق منصف, يعيد للفلسطينيين بعضاً من حقوقهم المسلوبة, كما أن اعتراف الدولة العبرية بحدود عام 1967 باعتبارها حدود دولة فلسطين العتيدة, وبأن مرجعية المفاوضات على أساسها, إضافةً إلى الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين هي كلها التزامات إسرائيلية على تل أبيب أن تنفذها, وهي بكل المقاييس ليست شروطاً تزعم إسرائيل اليوم أن الفلسطينيين يضعونها, وكأن هؤلاء غير معنيين بإقامة دولتهم.
يعرف المجتمع الدولي, وخصوصاً اللجنة الرباعية الدولية, أن حكومة نتنياهو وحدها تتحمل مسؤولية تعطيل المفاوضات, بسبب استمرار الاستيطان، وهي أكدت تمسكها بهذه السياسة الشوهاء بقرارها الأخير بناء 130 وحدة استيطانية فى مستوطنة جيلو فى القدس الشرقية المحتلة, ويعرف الجميع أن التصعيد العسكري الأخير ضد قطاع غزة يستهدف قطع الطريق فعلياً على أي أمل بعودة حقيقية ومنتجة إلى مائدة التفاوض, وهاهو العقيد الإسرائيلي تال هيرموني يهدد بشن عملية عسكرية ثانية مؤلمة ضد القطاع المحاصر, على غرار عملية الرصاص المصبوب التي تمر هذه الأيام ذكراها الثالثة, ويتبجح بأنها حققت أهدافها، وهو في ذلك يردد أقوال رئيس أركانه الذي يؤكد أنه لا مفر من جولة قتال ثانية في غزة, ويصف الحرب التدميرية التي شنت ضد القطاع بأنها تمت بصورة مهنية وحازمة, وحققت ردعاً كبيراً، ولكنه يعترف بوجود تصدعات في الردع الإسرائيلي تجاه حماس، ولا مفر من جولة قتال أخرى في القطاع مستقبلا.
تسعى حكومة نتنياهو كعادتها إلى إشغال المجتمع الدولي بتفاصيل وهمية تخترعها, من قبيل البحث في مكونات اقتراح فلسطيني لم يتقدم به أي مسؤول فلسطيني, وهي هنا تتحدث بالتفصيل الممل عن أسباب رفضها لذلك الاقتراح, وتقول إنه غامض وأنه لا يوضح آلية استئناف المفاوضات بشكل كامل بعد الإفراج عن الأسرى، بحيث تعقد لقاءات بين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، أم أن إطلاق سراحهم سيؤدي فقط إلى اللقاء التمهيدي بين صائب عريقات ومستشار نتنياهو يتسحاق مولخو, وهي تستبق أي محاولة للعودة إلى طاولة التفاوض بإعلان نتنياهو الوقح, بأنه في حال ضم حماس لحكومة فلسطينية, فإن حكومته لن تجري مفاوضات مع السلطة الفلسطينية, وهو هنا يتدخل بشكل فج في أمور الفلسطينيين, وبما هو أكثر بكثير من حقه في التدخل في العديد من شؤون الحياة الحزبية في إسرائيل, ثم بعد ذلك يتباكى بأن الفلسطينيين يرفضون التفاوض مع حكومته.
لا نبتعد عن الحقيقة قيد أنملة ونحن نؤكد أن حكومة نتنياهو المغرقة في عنصريتها, بعيدة كلياً عن التفكير بالسلام, باعتباره خياراً استراتيجياً لشعوب المنطقة, التي ملت الحروب وشبعت من مآسيها وويلاتها, وهي تتطلع إلى مراحل في حياتها تتفرغ فيها للبناء والتمتع بالحياة بدل شن الحروب ضدها, ولا نبتعد عن الحقيقة ونحن نؤكد أن الحكومة الاسرائيلية تسعى لاستغفال العالم بإعلانها الرغبة في التفاوض, فيما هي تبذل كل جهدها لمنع أي مفاوضات جادة ورصينة وحقيقية, والمهم متى يدرك العالم هذه الحقائق, فيضع حداً لهذه السياسات قصيرة النظر, ويفرض على إسرائيل الانخراط في مفاوضات جادة, ليس هناك سبيل غيرها لإحقاق السلام في أرض السلام.
الفلسطينيون و«المسألة السورية»
الكاتب: عريب الرنتاوي_ الدستور الاردنية
بعد مصر، تأتي سوريا كثاني أهم ساحة من ساحات “الربيع العربي” بالنسبة للفلسطينيين...دولة طوق ومواجهة، ساحة رئيسة لما كان يعرف بمحور “المقاومة والممانعة”، فضلاً عن وجود أزيد من نصف مليون لاجئ فلسطيني على أرضها، وهي فوق هذا وذاك، دولة حاضنة لقيادات عدد من الفصائل الفلسطينية الأساسية...لذا كان طبيعياً أن تتجه أنظار الفلسطينيين إلى هذا البلد العربي الجار والشقيق، وأن تُحبس الأنباس بانتظار معرفة أين يتجه.
مسكونون بـ”هواجس” التجربة الكويتية و”كوابيسها”، جنح الفلسطينيون ممثلين بفصائلهم الرئيسة وممثلهم الشرعي الوحيد، للنأي بأنفسهم عن “التدخل في الشؤون الداخلية للأزمة السورية”....المنظمة والسلطة اللتان تفهمتا حاجة الشعب السوري للإصلاح والحرية والكرامة، لم ترغبا في اتخاذ أي مواقف، قد ترتد وبالاً على اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وترتب إضفاء مزيدٍ من التعقيد في علاقات المنظمة بالنظام.
حتى حماس، التي تجد نفسها تحت وابل من الضغوط الإخوانية، القطرية، التركية وغيرها، التي تستهدف إقناعها بـ”الانسحاب من سوريا” والتنديد بالنظام والانضمام لقائمة الداعين لإسقاطه، حتى هذه الحركة، نجحت في الحفاظ على مواقف متوازنة، تتبنى -من دون لبس- تطلعات الشعب السوري للحرية والكرامة، و”تحفظ الجميل” لنظام، تحمّل بدوره أشد الضغوط لطرد حماس من دمشق وإغلاق مكاتبها، من دون أن يرضخ لأي منها.
وحدها فئات على هامش الخريطة السياسية والفصائلية الفلسطينية، ذهبت بعيداً في هذا الاتجاه أو ذاك...فصائل محسوبة على دمشق، وتأتمر بإمرتها، تتطوع للقيام بدور “الشبيحة” دفاعاً عن النظام وفي مواجهة الانتفاضة والثورة السوريتين....ورموز في رام الله رأت في أحداث الرمل الجنوبي (مخيم اللاذقية) مدخلاً ومبرراً لتصفية حساب قديم جديد متجدد من النظام، وأصدرت من التصريحات ما يكفي لوضعهم في خانة واحدة، مع شبيحة المعارضة.
في جوهر المواقف، لا تُظهر معظم الفصائل الفلسطينية الرئيس امتناناً عميقاً للنظام السوري، بل أنها تميل لرفض هذا النظام ونبذه، ولو كان الأمر بيدها، لصوتت من دون تردد لصالح رحيله...فثمة سجل تاريخي من العداء والاحتراب ونزف الدماء...وثمة فصول دامية في العلاقة بين دمشق والقيادة الفلسطينية، لا تسمح على الإطلاق، بافتراض “علاقات خاصة ومميزة”.
كاتب هذه السطور، شاهد عيان على ثلاثة من أفظع فصول العلاقة السورية – الفلسطينية: التدخل السوري في لبنان ضد المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية (مذبحة تل الزعتر اقترفت بالرعاية السورية)....الانشقاق في منظمة التحرير والذي انتهى بمذبحة نهر البارد والبداوي وطرابلس، بدعم سوري ورعاية كاملة واشتراك مباشر في الحرب على ياسر عرفات، حتى إخراجه للمرة الثانية في غضون عام واحد إلى البحر (المرة الأولى فعلها شارون في حرب الاجتياح والحصار)...وحرب المخيمات التي شنتها حركة أمل (1985 – 1987)، بدعم سوري مباشر، وكانت مخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتيلا، من أبرز ضحايا ذلك الفصل الدامي.
الصراع على منظمة التحرير الفلسطينية، كان على الدوام واحداً من محددات العلاقة السورية – الفلسطينية، وفي مواجهة دمشق، أكثر من غيرها، أطلق الراحل ياسر عرفات، شعاره الشهير: استقلالية القرار الوطني الفلسطيني...فالنظام السوري، لم يترك وسيلة إلا واتبعها لإحكام سيطرته على منظمة التحرير والحركة الوطنية....والغريب حقاً، أن هذا الهدف جمع النظامين البعثتيين المختصمين في بغداد ودمشق، على الرغم من كثرة خلافاتهما وعمق اختلافاتهما...فأول ميدان لاختبار التقارب السوري العراقي في مفتتح ثمانينييات القرن الفائت، تجلى في فندق ميريديان – دمشق، عندما حاول طارق عزيز وعبد الحليم خدام، إحكام سيطرتهما على المجلس الوطني الفلسطيني الخامس عشر، والتحكم بمخرجاته وفرض الهيمنة المشتركة على هيئاته القيادية المنتخبة، قبل أن ينجح عرفات بالإفلات من براثن تلك المحاولة.
أما حماس، التي قيل ما قيل عن علاقاتها المميزة مع سوريا، فإن أحداً لا يمكنه أن ينكر حجم الفجوة التي ظلت قائمة ما بين الجانبين، والتي تملؤها أنهار من دماء الإخوان المسلمين السوريين، منذ حماة وحتى يومنا هذا، وربما لهذا السبب بالذات، لم يكن بوسع الحركة أن تصطف إلى جانب حزب الله، في مهرجانات الدعم والإسناد للنظام، وفي ظني أن للمسألة بعدا مذهبيا، إلى جانب أبعاده السياسية كذلك.
خلاصة القول: إن معظم الفصائل الفلسطينية، لن تلطم الخدود أو تذرف الدموع أسفاً على رحيل النظام السوري...لكنها معنية أساساً، بمعرفة هوية النظام البديل، ومواقفها واتجاهاته من المسألة الفلسطينية، والأهم من هذه وذاك، معرفة كيفية إنعكاس أي موقف تتخذه من الأزمة السورية، على مستقبل وحياة ومصالح، نصف مليون لاجئ فلسطيني، لا أحد يرغب في رؤيتهم يسجلون سطور “الهجرة الرابعة” في التاريخ الفلسطيني الحديث، بعد هجرتي 1948 - 1967 من فلسطين، و1990 - 1991 من الكويت.
منظمة التحرير نحو آفاق جديدة
الكاتب: طلال عوكل_ البيان الاماراتية
خطوة أخرى على الرغم من أبعادها الاستراتيجية، إلا أنها لم تبدد الشكوك بشأن إمكانية نجاح المصالحة الفلسطينية، فضلاً عن أنها لم تبدل مزاج الشارع الفلسطيني الذي لا يزال يبدي مشاعر اللامبالاة والتشاؤم، طالما لم تتشكل الحكومة الموعودة التي تتفهم الجماعات والفصائل الأسباب التي يوردها الرئيس محمود عباس، لتأجيل إعلانها إلى ما بعد السادس والعشرين من شهر يناير العام المقبل.
اجتماع الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية بحضور كل الأمناء العامين للفصائل، بما في ذلك وأساساً حركتا حماس والجهاد الإسلامي، يشكل مجرد بداية لمرحلة فلسطينية جديدة في ما يتصل بأهم مفاصل العمل الوطني والتي تتصل بالتمثيل والشرعية، وبناء الشراكة السياسية، بناء لمعادلات وتوازن قوى وآمال مختلفة.
منذ أن تأسست حركة حماس في الرابع عشر من ديسمبر 1987، وحتى قبل ذلك حين كانت لا تزال تعمل تحت يافطة المجمع الإسلامي، وهي لا تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، ذلك أنها طرحت نفسها كبديل للمنظمة من موقع الاختلاف الإيديولوجي والسياسي. وتجسيداً لتلك الوجهة، كانت حركة حماس خلال الانتفاضة الشعبية الكبرى التي اندلعت في فلسطين عام 1987، واستمرت نحو 6 سنوات، تعمل ضمن إطار منفرد موازٍ للقيادة الوطنية الموحدة التي كانت تضم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.
ويبدو أن ثلاثة عوامل أساسية أسهمت في إقناع أو دفع حركة حماس للقبول بمبدأ الانخراط في إطار منظمة التحرير، مع أننا نتحدث عن بدايات لا تزال تعترضها عقبات كثيرة، حتى تصبح الحركات الإسلامية جزءًا لا يتجزأ من المنظمة برنامجاً وإطاراً وآليات عمل.
العامل الأول يتصل بصمود منظمة التحرير الفلسطينية على الرغم من محاولات شطبها والأزمات التي عانت منها في المرحلة الممتدة من عام 1982، وحتى توقيع اتفاقية أوسلو في العام 1993.
وعلى الرغم مما اعترى المنظمة ودورها، وهياكلها وآليات عملها من تراجع وترهل وضعف خلال المرحلة التي تلت قيام السلطة الوطنية الفلسطينية في مايو 1994، إلا أن الأحداث المتلاحقة وفشل عملية السلام، جاءت لتؤكد وجودها كضرورة وطنية وتاريخية، ولكن لتؤكد أيضاً صعوبة، إن لم يكن استحالة، النيل من قوة وشرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني على مختلف الصعد.
وفي هذا الإطار يمكن القول إن فوز حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي في الانتخابات التي جرت في يناير 2006، وما تلا ذلك من أحداث داخلية وانقسام خطير، لم يسعف حركة حماس على تجاوز المنظمة، ذلك أنها على الرغم من مرور خمس سنوات على تلك الانتخابات، إلا أن الحركة لم تنجح في الحصول على الشرعية العربية والدولية.
العامل الثاني له علاقة بتغير موازين القوى الداخلية، فالفارق كبير بين أن تلتحق حركة حماس بمنظمة التحرير الفلسطينية، في ظل هيمنة حركة فتح على المنظمة ومؤسساتها، وبين أن تنخرط فيها وهي تملك قوى موازية تقريباً لقوة حركة فتح، وتشكل نداً قوياً وعنيداً لها، ووفق شروط أيضاً مختلفة لا تخضع لها من موقع الضعف، وإنما تشارك في صياغتها.
هذا يعني أن حركة حماس، قد اتخذت قراراً بخوض المنافسة مع حركة فتح، والفصائل الأخرى الموجودة تاريخياً في منظمة التحرير، على من يسيطر على المنظمة، واستناداً إلى آليات الديمقراطية والانتخابات. إذا صدقت النوايا، والتزمت كافة الأطراف بالنهج الديمقراطي لإعادة تطوير وتفعيل منظمة التحرير ومؤسساتها، وبرنامجها وخياراتها، فإن حركة حماس ستضمن لنفسها دوراً أساسياً وفاعلاً، وقد تنجح في أن تكون القوة الأكثر تأثيراً بما يمكنها من الاستيلاء على المنظمة بكل ما تمثل.
العامل الثالث له علاقة ببعض دروس الربيع العربي، إذ لم يعد ممكناً أو مقبولاً استمرار ظاهرة حكم الحزب الواحد. بعد النموذج التركي لحكم الإسلام السياسي، تقدم كل من تونس ومصر والمغرب تجارب جديدة في نظام الشراكة السياسية، التي تلعب فيها جماعات الإخوان المسلمين التي تنتمي إليها حركة حماس، دور الشريك الأكبر، والمستعد لتغيير الصورة والانطباعات النمطية للإسلام السياسي.
وإذا كانت هذه هي العوامل الأساسية التي تدفع حركة حماس للقبول بخوض "مغامرة" الانخراط في منظمة التحرير، وخوض المنافسة ديمقراطياً على الإطار الوطني الأهم في مرحلة التحرر، فإن هذه الخطوة تشكل من ناحية أخرى، ضربة قوية وتاريخية للمخططات الإسرائيلية التي راهنت منذ فترة طويلة على "وغذت" الانشقاق والصراع الفلسطيني حول مسألة التمثيل السياسي والشعبي والوطني
. إن إسرائيل التي تلاعبت بالانشقاق والخلاف الفلسطيني على التمثيل، لم تتمالك نفسها ولم تخف فرحها الشديد، بوقوع الانقسام والصراع في يونيو عام 2007، ذلك الانقسام الذي اعتبره رئيس دولة إسرائيل شمعون بيريز، واحداً من أهم ثلاثة إنجازات تاريخية حققتها إسرائيل.
ضربتان في الرأس توجعان، فاتفاق الفلسطينيين على إنهاء الانقسام، والتوجه نحو المصالحة، وإعادة، بناء الوحدة الوطنية، وبداية تكريس وتوحيد الفلسطينيين في إطار منظمة التحرير الفلسطينية كقيادة ومرجعية وكيان معنوي، وممثله الشرعي والوحيد، كل هذا يكفي لأن يستفز مشاعر الغضب والرغبة في الانتقام لدى القيادة الإسرائيلية المتطرفة.
الرد الإسرائيلي الفوري اتخذ اتجاهات عدة، إذ يناقش الكنيست مشروع قانون يتعلق باعتبار القدس عاصمة للشعب اليهودي، بعد أن كان الكنيست اتخذ قراراً في يوليو 1980، باعتبارها عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل، وفي الوقت ذاته تعلن الحكومة الإسرائيلية عن مخططات لبناء نحو 24 ألف وحدة سكنية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس.
ليس هذا فحسب، بل يعلن نتنياهو أن الرئيس الفلسطيني لم يعد شريكاً، وأن إسرائيل لن تتابع العملية السياسية في حال شاركت حماس في السلطة والمنظمة، هذا بالإضافة إلى تصاعد لهجة التهديد بارتكاب عدوان عسكري واسع ضد قطاع غزة. والحال هو أن على الفلسطينيين المتوجهين نحو المصالحة وإعادة بناء الوحدة عبر منظمة التحرير الفلسطينية، عليهم الإدراك، بأن تحقيق هذه الإنجازات .
وهي طبيعة تاريخية، يتطلب إظهار الاستعداد المشترك لدفع الثمن، الأمر الذي يستدعي الثبات على المواقف، وتمكين الإرادة الوطنية الجماعية، وتحصين عملية الصمود، ومجابهة التحديات الإسرائيلية الخطرة. إن تصحيح الأخطاء أو الخطايا الكبرى، لا يمكن أن يمر من دون أثمان، فقد يتسامح الفلسطينيون بين بعضهم البعض، ولكن لا يمكنهم انتظار التسامح من قبل عدو له خصوصية العدو الإسرائيلي.
إنجاز المصالحة هو الرد الحقيقي
بقلم اسرة التحرير_ الوطن العمانية
رويدًا رويدًا يكشف الكيان الإسرائيلي ما يخبئه من حقد دفين ومتأصل وكراهية غير محدودة تجاه الشعب الفلسطيني، لا سيما السلطة الوطنية الفلسطينية الممثل الشرعي له، بعد نجاح الرئيس الفلسطيني محمود عباس في تحقيق تقدم في ملف المصالحة، وإدخال حركتي حماس والجهاد الإسلامي في اللجنة الإطارية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي عقدت اجتماعها في الثاني والعشرين من ديسمبر الجاري بالقاهرة، بالإضافة إلى الاتفاق على إنهاء ملف المعتقلين بإشراف مصري، وموعد الانتخابات المقبلة.
فواضح أن الرئيس أبو مازن قد وجه صفعة قوية أخرى للمحتل الإسرائيلي بهذه الخطوات بعد رفض المفاوضات العبثية، ولذلك لا نستغرب أن يحاول الكيان الإسرائيلي خلط الأوراق، ويلجأ إلى عمليات التشويش والتلويح بالتهديد والوعيد ضد القيادة الفلسطينية لتمس بصورة مباشرة شخص رئيس السلطة، ومن بين هذه الوسائل التي يتبعها المحتل الإسرائيلي حاليًّا لإفشال أي مسعى يقوم به الفلسطينيون لترتيب بيتهم:
أولًا: المساس بمكانة مدينة القدس المحتلة، حيث تدرس اللجنة الوزارية لشؤون التشريع الإسرائيلية مشروع قانون يعتبر القدس عاصمة "لإسرائيل وللشعب اليهودي"، تحقيقًا للأحلام التلمودية بما يسمى دولة "إسرائيل اليهودية" وعاصمتها القدس الموحدة الأبدية. ثانيًا: تسريع وتيرة الاستيطان الذي تعلن حكومة الاحتلال بين الفينة والأخرى عن مشاريع استيطانية ضخمة، كان آخرها الإعلان أمس الأول عن مشروع استيطاني ببناء 130 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة جيلو وبناء مجمع سياحي في حي سلوان الفلسطيني في القدس الشرقية المحتلة.
ومعروف موقف المجتمع الدولي من الاستيطان الذي يمثل عقبة أمام أي تسوية وعائقًا لتحقيق السلام وحل الدولتين، فهو مدان دوليًّا. ثالثًا: التلويح باستهداف الرئيس محمود عباس شخصيًّا، حيث شن وزير الخارجية الإسرائيلي المتطرف أفيجدور ليبرمان الليلة قبل الماضية هجومًا عنيفًا على عباس، مطالبًا حكومة الاحتلال بمحاصرته في مقر المقاطعة بمدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة ومنع تنقله، وذلك بعدما وقع اتفاق المصالحة مع حركة حماس.
أما وزير المعارف الإسرائيلي جدعون ساعر اعتبر أن عباس "سيندب حظه بعد سيطرة حماس على منظمة التحرير كما سيطرت على السلطة عام 2006م"، زاعمًا أن "حماس حركة منظمة تشتغل بتخطيط، فهي لا تريد مصالحة وإنما تريد تطويق السلطة والسيطرة على مناطق الضفة ومطاردة فلول عباس". رابعًا: الاستهدافات الجوية والبرية اليومية ضد المدنيين في قطاع غزة تحت مزاعم وحجج كاذبة.
إن مثل هذه التهديدات والتلويحات والاستهدافات هي من أجل خلط الأوراق وإفشال المصالحة، لأن الواضح من تصريحات ليبرمان وساعر هو التركيز على المصالحة، فالإسرائيليون على يقين بأن عودة المياه إلى مجاريها، وعودة العلاقة إلى سابق عهدها بين فتح وحماس لن تتيح لهم فرص تغيير الوقائع على الأرض والاستفراد بالشعب الفلسطيني فصيلًا فصيلًا، بعد أن كان الانقسام قد وفر لهم غطاءً كبيرًا للنيل منهم وسرقة حقوقهم وأرضهم، والانقضاض على أي فرص لقيام دولة فلسطينية.
ولذلك فإننا نرى أن الرد الحقيقي لكل هذه التهديدات هو الإسراع الفوري والعاجل بإنجاز اتفاق المصالحة الفلسطينية، وأن تكون تلك التهديدات دافعًا للمضي في هذا الاتجاه، وترجمة ما تم الاتفاق عليه على الواقع، والعمل على إدخال كافة الفصائل الفلسطينية في منظمة التحرير كونها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وذلك لأن الظرف الدقيق الذي تمر به القضية الفلسطينية يحتاج إلى تكاتف وتضافر الجهود، وليس اليوم أدعى من إنجاز ذلك في ظل الإجماع الفلسطيني وتعالي الأصوات الفلسطينية المطالبة بالمصالحة وسرعة إتمامها.
فلسطين ليست غائبة عن ربيع العرب
الكاتب: هاني فحص_ السفير اللبنانية
قبل أسابيع لاحظ، بقلق، عدد من الأصدقاء في قيادة حركة (فتح) أن فلسطين تكاد تكون غائبة أو مغيبة عن الخطاب اليومي والسياسي لساحات التحرير وشوارع الشعوب في بلادي الربيع العربي الراهن والواعد.
من حق الفلسطيني ان لا يرى شيئا ولا أحداً إلا بعين فلسطين... ومن حقي وحقه عليّ أن أكون على مسافة منه، ولو وهمية، لأرى بعيني وأمنحه العين وما رأته من دون منة مني عليه، لأني فلسطيني أيضا.. لا بالعدوى... بل بالوجع والرجاء الذي لطول معاناته ومعايشته يدخل في خارطة الجينات.. لتصبح فلسطين خارطة العرب من أقصى الماء إلى أقصى الهواء.
من حقي أن أرسم المعادلة التالية، وهي أن كل الانقلابات العربية التي حدثت بعد النكسة، قد جاهرت بأن فلسطين هي السبب والغاية للانقلاب. ولم تنس الحرية في بياناتها الأولى ولا التقدم والوحدة. ما آل إلى مزيد من التخلف وإلى التفتيت الوطني بدل الوحدة القومية.. ثم عادت وسحبت الحرية من التعامل الإعلامي، بعد ما سحبتها من التداول العملي.. وجاهرت بأن كل ما فعلته وتنوي فعله من منكرات هو من أجل فلسطين التي حولتها إلى غطاء لموبقاتها وهكذا تم رفع شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» على حساب فلسطين لا لحسابها.. وتعطل العقل والقلب واللسان والفن والأدب والزراعة وفسد الماء والهواء برائحة الشواء وأنين المطمورين أحياء في المقابر الجماعية.
بعدما فرغت الجيوش بعدتها وعديدها للحاكم الفرد والفذ، ووضعت في إمرة أولاده وأصهاره، من رتبة رقيب وما دون، فإن ارتفع اللقب كان مزوراً أو مجوفاً أو بنيت في موازاتها أجهزة الأمن المتصارعة على النفوذ والسلب والنهب وبميزانيات عملاقة... وإذا كان الأمر قد تطلب أحياناً خوض معارك محددة الأهداف سلفاً، حتى لو كانت قدراتها تتخطى هذه الأهداف، فقد تحولت الانتصارات العسكرية الحقيقية لجهة المقاتلين والشهداء، إلى هزائم سياسية مكشوفة، لجهة الحكام.. لقد كانت إسرائيل منذ النكبة، تبدي قلقاً سطحياً من كل انقلاب، ولا تلبث بعد ان تقرأ سيرة زعمائه أو برامجهم، وتكتشف تناقضاتهم ومطامعهم المتقابلة أو المتقاطعة، فتجنح إلى الطمأنينة وترتاح لقدرة الخطابة العربية على ستر عورات الحكام. لقد سمع الصهاينة صوت أديب الشيشكلي، العقيد أيضا، وهو يقسم «أن لا نغمد سلاحنا حتى ننقذ فلسطين» بعد أشهر من فراره من مركز قيادته لكتيبة من الجيش السوري في صفد، دون أن ينسى أن يأخذ معه عدداً كبيراً من قطع السلاح الثقيل والخفيف والذخائر، ويسلمها إلى شقيقه صلاح ليبيعها لمن يشاء، حتى إسرائيل، في السوق السوداء يمعن هو قمعاً واضطهاداً وفساداً وإفساداً وكذباً على الأمة، بالتحالف المشبوه مع الزعيم القومي أكرم الحوراني.. سمعه الصهاينة فاطمأنوا، واستمرت الانقلابات العسكرية العربية لتزيدهم طمأنينة.
أما الآن فها هي إسرائيل، وعلى لسان نتنياهو، تتمنى عودة نظام حسني مبارك إلى مصر، معتبراً أن الثورات العربية زلزال، وأنها تقوم على العداء للغرب وإسرائيل، بعدما شاهد تمريناً للشعب اليهودي على الاحتجاج في اسرائيل متأثراً بالربيع العربي.. أما العداء للغرب فسببه إسرائيل.
ونحن لم نسمع من شباب الربيع العربي حتى الآن كلاماً عقائدياً عن العداء للغرب، بل هو كلام سياسي عقلاني وعميق مبني على الخوف والرجاء، بأن لا تعمد الدول الغربية إلى تلغيم المسار الديموقراطي لثورات الربيع العربي، وتعمل على إعادة إنتاج الاستبداد بالديموقراطية.. إذن فهو عداء طبيعي جاهز للتخفيف حتى آخر مدى، بالحوار والتفاهم والاطمئنان الموثق إلى مصداقية الغرب في انحيازه لحرية الشعوب العربية، علماً بأن في الشعوب الغربية مساحات فهم وتفاهم وتضامن متجدد وشجاع تغرينا بالتمييز بين الإدارة الغربية وشعوبها، هذا إلى ان هناك إدارات غربية مختلفة ومتفاوتة في فهمها لعدم منطقية تجاهل الواقع، وإعادة النظر في تعميماتها المغلقة حول العلاقة التبادلية مع العرب والمسلمين.
قبل ما يقرب من أربعين سنة، كنا نتحاور مع قيادات بعثية لبنانية، من خط العراق، طردت من الحزب بسبب صدقها في مواقفها من المقاومة الفلسطينية وإصرارها على عدم القطيعة والعداء لحركة (فتح) وأبي عمار خصوصاً.. وتورطوا، وهم مجمل القيادة القطرية وقيادة جبهة التحرير العربية، في أنهم جاهروا بأنهم لا يصدقون الأنظمة العربية التقدمية في دعواها الفلسطينية، لأنها لا تبدي حرصاً على تحقيق الحرية والديموقراطية لأحزابها وشعوبها، مؤكدين ان الحرية هي معيار الصدقية، وهي التي تؤهل أي شعب أو جيش أو نظام للمشاركة الحقيقية في المواجهة والتحرير... ولم تلبث فضيحة عمان وتصرفات الأنظمة وقيادات الجيوش العقائدية، أن أثبتت صحة نظرتهم. وعليه فإن أفضل وأدوم وأصدق وأنبل أشكال التضامن مع الشعب الفلسطيني، هو هذا الكلام القليل الذي يشبه الصمت البليغ، في المشهد العربي المستمر في تشكله والواعد المليء بالرجاء، لأنه محكوم بالضمير والمعرفة والطموح إلى مستقبل عربي مصري، وليبي وتونسي... و... و.. ولن يكون مستقبلاً حقيقياً وعصرياً وأصيلا، ما لم يكن عربياً في عمقه ومداه وأحلامه، ولم تكن عروبة الانتماء ثقافة وذاكرة وحساسية حضارية حوارية، وهي جامعه ودافعه إلى التواصل والتضامن والتكامل... وهنا تستريح فلسطين ولا تستعجل ولا تؤجل، ويستريح شعبها المعني أولا معنا لا من دوننا، لأنه صاحب الحق الذي يتصل بحقوقنا.. وهنا يكون الشباب قد اكتشفوا الشرط الفلسطيني لأوطانهم ومستقبلهم وحريتهم وتقدمهم واندماجهم في أوطانهم وأقوامهم وفي ظل دولهم المدنية العصرية الجامعة لهم تحت سقف الحق والقانون، مفتوحي العيون على فلسطين، متيحين لنا مرة ثانية الفرصة بالمجاهرة بأن فلسطين هي قضية قضايانا، وأنها المكان والمعنى الذي تجتمع فيه أجيالنا الآتية، وتشترك في تحرير مساحات المشترك بينها.
ولأنهم، أي شباب الربيع، مشغولون بتحقيق شروطهم الوطنية (الكيانية) من أجل أوطانهم المتفرقة، المجتمعة في العروبة والنهضة وفلسطين، فإنهم وإن قللوا من مفرداتها في كلامهم اليومي، فإننا نراها في حدقات عيونهم وقسمات وجوهم وثنايا أحلامهم التي تنطوي عليها.
أثناء العدوان الصهيوني عام 1978 كنت عائداً من مصر والتقيت الحكيم خليل الوزير في غرفة العمليات في صيدا، ومعه بعض من أهل الفكر والنضال يستشيرهم في كل شيء.. فقال خبرنا عن مصر.. فخبرته كثيراً... ولكن ظهرت على حالة من الضيق لأن المصريين دخلوا في حالة تعصب شديد لمصريتهم بعد كامب ديفيد، فرد أبو جهاد علي وعلى رفاقه الذين وافقوا على مشاعري بالقول، هذه عصبية وطنية تحمي مصر من الأعداء في النهاية.. ثم في أقرب فرصة تعود عواطف المصريين إلى نصابها العربي.. فلماذا هذا القلق وهذا الاستعلاء على الشعب المصري؟ وقد عرفنا لاحقاً أن القيادة الفلسطينية كانت تتلقى برقيات من ضباط مصريين كبار تطوعوا لمراقبة سير الاجتياح بدقة، وجنبوا الجانب الفلسطيني كثيراً من الخسائر، ومن دون الاستئذان من قياداتهم العليا والأعلى.
إن فلسطين التي تألقت في الأونيسكو هي فلسطين التي وصلت إلى وعي الشعوب ووجدانها وحركة انتاج المعرفة لدى مبدعيها ومفكريها، فاستجابت حكومات كثيرة متناغمة مع شعوبها، وكابرت الديناصورات متفارقة مع شعوبها.. ولكنه انتصاره وإن الانتصارات ولو كانت صغيرة، إذا تكاثرت تصبح انتصارا كبيرا كما كان يردد الصبور أبو جهاد.
لقد تزامن ذلك مع الخطاب التاريخي للرئيس محمود عباس، مؤشراً على أن فلسطين، سوف تستكمل خطوة أبي عمار في الأمم المتحدة في عام 1974 لتنتقل عاجلا أم آجلا من موقع المراقبة إلى العضوية الكاملة، بعدما صارت عضوا حساساً وفاعلاً في منظومة الثقافة الكونية. والسؤال.. هل كان لهذا الانجاز ان يتم بهذه الصورة ولهذا الرجاء ان ينعقد وكأنه آت لا محالة.. لولا ما فهمه العالم من معنى فلسطين في حركة الشباب العربي نحو الحرية؟
الربيع العربي على الطريقة الفلسطينية
الكاتب: شحاتة عوض_ القدس العربي
هناك من يرى أن إحدى أهم ثمار الربيع العربي على صعيد القضية الفلسطينية حتى الآن هو هذا الإختراق المهم الذي تحقق على صعيد المصالحة الوطنية وما توصلت اليه حركتا حماس وفتح من تفاهمات وإتفاقات في القاهرة قبل أيام بهدف إنهاء الانقسام الطويل عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء إنتخابات عامة جديدة وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بما يسمح بانضمام حركتي حماس والجهاد الاسلامي لعضوية المنظمة وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني. وبدا لافتا هذا التحول في لغة الخطاب بين قادة حماس وفتح وإنتقاله من مرحلة الحرب الكلامية إلى الغزل الرقيق. فإلى أي حد يمكن إعتبار التقارب بين فتح وحماس نتاجا أصيلا للربيع العربي، أم انه كان وبذات القدر ثمرة مراجعات عميقة في مواقف ورؤية الحركيتن للكثير من الإمور؟
في إعتقادي أن مرد ذلك هو الأمران معا وهذا ما يقر به المسؤولون في فتح وحماس الذين يعترفون سرا وعلانية بأن الانقسام الطويل في الصف الوطني ألحق أكبر الضرر بالقضية الفلسطينية وصورتها في الداخل والخارج، كما أنه ترك أثرا عميقا على الرصيد الشعبي للحركتين باعتبارهما العنوانين الأبرز لنضالات الشعب الفلسطيني.وقد إقترنت هذه القناعة مع المتغيرات الكبيرة والهائلة التي أحدثتها رياح التغيير التي هبت بقوة على المنطقة بفعل الربيع العربي إلى الدرجة التي دفعت طرفي المشكلة لأعادة قــــراءة الظرف الاقليمي الجديد.
فحماس رأت أن سقوط نظام مبارك في مصر أزال عقبة كبرى أمام تحقيق المصالحة الفلسطينية وفتح الباب واسعا أمام توقيع الورقة المصرية التي شكلت اساس هذه المصالحة، أما حركة فتح فقد أدركت بدورها أن اختفاء مبارك بعد ثورة 25 يناير أفقدها حليفا مهما صديقا مخلصا كان يمكنها الاعتماد عليه في مفاوضاتها أو حتى مناوراتها مع حماس وهنا كان على الطرفين أن يلتقيا ويصلا إلى تفاهمات وحلول للقضايا الخلافية.
وقد ساعد على هذا التقارب، وهذا عامل لا يقل اهمية، الانسداد الكامل في عملية التسوية التي وصلت لطريق مسدود ووصل معها محمود عباس وفريقه لقناعة بأنه لا جدوى من الرهان على تسوية لا تأتي وعلى وعود راع امريكي لا تتحقق، وحين وجده نفسه أمام الإختيار بين البقاء في قطار تسوية لا يتحرك أو التضحية بمقعده في هذ ا لقطار المعطل مقابل ان يسعى للتصالح مع حماس وإنهاء الانقسام، إختار مغادرة القطار، لكنه بطبيعة الحال لم يغادر المحطة أملا في إنطلاقه مجددا وإمكانية اللحاق به مرة أخرى.
حماس من جانبها بدت متفهمة لذلك وقبلت به لا سيما وأنها وجدت في مواقف عباس الأخيرة تحولا نوعيا في مواقفه الوطنية يمكن البناء عليها خصوصا معركة الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي خاضها بشراسة وشجاعة في مجلس الأمن رغم الضغوط الامريكية والاسرائيلية الهائلة ورغم إدراكه بأنه سيخسرها. حماس اشادت بهذه الخطوة وثمنتها ،ثم كانت خطوة الانضمام لعضوية منظمة اليونسكو التي أقدمت عليها السلطة الفلسطينية وفازت فيها رغم معارضة شرسة من واشنطن وتل أبيب.
لكن مواقف عباس 'الوطنية' الأخيرة كما وصفتها حماس، لا تكفي وحدها لتفسير هذا التحول في مواقف الحركة تجاه المصالحة مع فتح والسعي لتجاوز الخلافات، إذ لا يمكن إستيعاب هذا التحول بمعزل عن التطورات الإقليمية الراهنة وقراءة حماس لهذه المتغيرات. فحماس بدت جاهزة للتقارب مع فتح بعد أن أجرت تقييما عميقا للحظة الاقليمية والدولية الراهنة وما تحمله من إشارات لا تخطئها العين. وعلى ضوء هذه القراءة وجدت حماس في مواقف عباس الاخيرة فرصة ملائمة للبناء عليها للتوصل لاتفاق يخفف الضغوط عن كاهل الحركة ويحررها من بعض القيود السياسية والمادية التي تفرضها بعض التطورات ولا سيما الموقف في سوريا وما فرضه من موقف بالغ الحساسية والصعوبة على حماس. صحيح أن الحركة حافظت حتى اللحظة على موقف متوازن ومتماسك يحفظ لها علاقة مع النظام السوري الذي تدين له بالكثير من المواقف والدعم ،مع التأكيد على حق الشعب السوري الثائر في الحرية والديمقراطية. لكن هذا الموقف قد يزداد صعوبة وتعقيدا كلما زادت الضغوط على نظام بشار الاسد وكلما تصاعدت وتيرة الانتفاضة الشعبية السورية وعلاقة ذلك ربما بتراجع الدعم المالي الذي تقدمه إيران أحد أهم حلفاء نظام الأسد، لحركة حماس.
وكان أن صادفت حسابات حماس وقراءتها لمعطيات الواقع، تطورات إيجابية لدى الطرف الاخر ،فكانت ثمرة ذلك الاتفاقات الخاصة بالمصالحة الوطنية.
حماس حريصة على أن تنفي وجود علاقة بين الوضع السوري أو تقلص الدعم المادي من طهران وبين ما تحقق على صعيد المصالحة، وتؤكد دائما أن هذا ليس عاملا مؤثرا، لكن ذلك يبدو من باب الرغبة في التأكيد على أن تحركها صوب المصالحة جاء من باب القناعة لا الاضطرار أو الضغوط، فحقيقة الامر أن حماس تدرك جيدا أن المصالحة مع فتح وإنهاء الانقسام سيفتح أمامها افاقا اكثر رحابة ويخرجها من ضيق البدائل الاضطررية الى سعة الخيارات لا سيما في حال وجدت نفسها مضطرة للبحث عن مكان آخر لقيادتها غير دمشق وهو أمر يبدو واردا رغم أن الحركة تؤكد في الوقت الراهن أنه لانية لديها لمغادرة العاصمة السورية لاي مكان وأنها 'ليس لديها مشكلة جغرافية أو مكانية'.
خلاصة القول أن أهم ثمار الربيع العربي على صعيد القضية الفلسطينية هو أننا أصبحنا إزاء حماس أقل أيديولوجية و أكثر براغماتية وفتح أكثر واقعية وأقرب للمزاج الوطني الفلسيطيني العام .. فكلا الحركتين تبدو أكثر واقعية في قراءتها للواقع وإستحقاقاته وتحدياته وأكثر تواضعا وأقل غررورا مقارنة بفترة سابقة وهذا من شأنه أن يجعل التفاهم أكثر سهولة والاتفاق أقرب للانجاز. ومن هنا لم يعد مستغربا أن يتحول التلاسن العنيف بين الطرفين غزلا وكلاما معسولا، فحماس ترى في عباس قائدا وطنيا ،وعباس يعتبر حماس شريكا اصيلا، وخالد مشعل يتحدث عن المقاومة الشعبية لا المسلحة في مواجهة إسرائيل في التقاء لافت مع خطاب عباس، بل ويدعو العرب لتوفير شبكة أمان للرئيس الفلسطيني في مواجهة الضغوط الهائلة التي يتعرض لها نتيجة إقدامه على المصالحة مع حماس.
الربيع العربي في مجمله وكما يجمع الكثيرون ،سيصب في النهاية لصالح القضية الفلسطينية ونصرتها وإستعادة الحاضنة الشعبية العربية لهذه القضية، لكن هذا الأمر دونه الكثير من العقبات والعثرات كما أنه يبقى رهنا بنجاح الثورات العربية في إحداث النهضة المأمولة وهي نهضة قد تستغرق الكثير من السنوات التي ستنصرف خلالها الأنظار والإهتمام بالبناء في الداخل، فكل دول الربيع العربي مثل مصر وتونس واليمن وليبيا، أو تلك التي في طريقها للتغيير، ستكون بحاجة لسنوات طويلة لاعادة بناء ما خربته الانظمة السابقة، وبكل تأكيد سيكون ذلك كله على حساب الإهتمامات الخارجية وعلى رأسها القضية الفلسطينية .هذه الحقيقة التي يدركها القادة الفلسطينيون في هذه اللحظة، تشكل عاملا إضافيا ضاغطا لجعل طريق المصالحة والتفاهم أمرا لا بديل عنه إذا كانوا راغبين فعلا في الحفاظ على ما تبقى من فلسطين ومن صورة النضال الفلسطيني.
ما لا يقوله المسؤولون في فتح وحماس صراحة في هذا الصدد، أنهم وإن كانوا مدفوعين نحو المصالحة بفعل تأثيرات الربيع العربي، فإنهم ليسوا بعيدين عن هذا الربيع أو أن تطالهم رياحه، فالشعب الفلسطيني الذي يراقب الشعوب العربية تنتفض ضد حكامها المستبدين الفاسدين الذين قتلوا أحلامها وطموحاتها في مستقبل أفضل، قد يجد نفسه مضطرا للانتفاض على قادته سواء في فتح حماس في حال واصلوا هذا العبث بمستقبلهم ومصيرهم وإستمروا في خلافاتهم وصراعاتهم التي تنتصر لحسابات الفصيل على حساب الوطن والقضية. هذه القناعة التي ربما وصل اليها الجانبان تشكل في ظني عاملا بالغ الاهمية في تفسير ما يجري على صعيد ملف المصالحة الفلسطينية.
بيد أنه ورغم كل العلامات والعوامل التي تدعو للتفاؤل بإنجاز المصالحة وإنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، فان ذلك لا ينفي وجود تحديات ومخاوف حقيقية ومشروعة من إمكانية حدوث إنتكاسة في مسار هذه المصالحة، بالنظر إلى الكثير من التحديات والمخاطر سواء ما يتعلق منها بالطرف الفلسطيني والتي تتمثل في إستمرار الشعور بتضخم الذات لدى بعض الفصائل أو الاخفاق في معالجة جراحات ومرارات وتركة سنوات طويلة من الانقسام والتناحر فعلت فعلها في النسيج الوطني الفلسطيني. ولا تقل خطورة عن ذلك التحديات الخارجية المتمثلة في الضغوط الهائلة والتدخلات الخارجية التي ستتم لا محالة لافشال المصالحة سواء عبر وقف دعم السلطة الفلسطينية ماليا أو حصارها سياسيا وأمنيا. كما أن إسرائيل ربما لن تتورع عن إفتعال أزمة لتصعيد الموقف بما يمكنها من خلط الاوراق وإجهاض ترجمة تفاهمات المصالحة إلى إجراءات على الارض، ولعل في التصعيد العسكري الأخير ضد قطاع غزة دون مبرر واضح والذي يتزامن مع الذكرى الثالثة للحرب على القطاع، أو تحذيرات بعض القادة الاسرائيليين من إمكانية شن عمل عسكري كبير ضد غزة، رسالة بالغة الوضوح والدالالة لكل المعنيين بملف المصالحة الفلسطينية.


رد مع اقتباس