كيف سيؤثر الوضع الديمغرافي الفلسطيني على إسرائيل؟الكاتب

غازي السعدي

من الأوراق الهامة المتبقية لدى الفلسطينيين في صراعهم مع الاحتلال الإسرائيلي للحصول على حقوقهم المشروعة، "الورقة الديمغرافية" أو "المارد الديمغرافي"- حسب التسميات الإسرائيلية- والتي يصفها قادة إسرائيل بالقنبلة الموقوتة التي قد تنفجر في يوم من الأيام، ووفقاً لدراسات مختلفة فإن عدد اليهود في أرض فلسطين الانتدابية سيصبح في عام 2020 (6.7) ملايين يهودي أي( 48.2%) مقابل (7.2) ملايين فلسطيني أي ما نسبته ( 51.8%) ، ومع أن دراسات عديدة نُشرت بهذا الشأن، فإن نقاشاً يدور في وسائل الإعلام الإسرائيلية يؤكد تحول الفلسطينيين إلى أغلبية في المستقبل القريب، فالجدل الإسرائيلي يدور حول ضم الأراضي الفلسطينية للدولة العبرية، حيث يرى بعض الدارسين والمحللين الإسرائيليين، بأن مثل هذا الضم يشكل خطراً على التواجد اليهودي في الشرق الأوسط، وهناك من يؤيد حل الدولتين، للتخلص من "المارد" الديمغرافي الفلسطيني، إلا أننا لم نر أو نطّلع أو تصدر دراسة عربية علمية موثقة تؤكد أو تنفي هذا التصور، ومع ذلك فإن إسرائيل منذ قيامها، بل وأنها مستمرة حتى اليوم، تعمل وتقوم بإجراءات حثيثة لمنع الفلسطينيين من أن يصبحوا أغلبية في أرض فلسطين، وهذا الموضوع المسمى بـ "المشكلة الديمغرافية" من أكثر القضايا التي تقلق قادة الكيان الإسرائيلي، في المقابل علينا استغلال هذا المارد في صراعنا لتحقيق أهدافنا.

منذ عام 1948 وحتى اليوم تضاعف عدد الفلسطينيين ثمانية أضعاف، حيث وصل عددهم الإجمالي عام 2010 إلى (11) مليون نسمة، وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، نصفهم (5.5) ملايين يعيشون في فلسطين، والنصف الآخر مبعثرون في جميع أنحاء العالم، في المقابل فإن الخبير الإحصائي الإسرائيلي البروفيسور "ارنون سوفر"، يعتبر أن أعداد اليهود في إسرائيل يتناقص وفي حالة انخفاض، رغم المحاولات الصهيونية لتهجير يهود، أو يدعون أنهم من أصول يهودية إلى إسرائيل، ورغم هجرة حوالي مليون مهاجر يهودي روسي إلى إسرائيل خلال العقدين الماضيين، ووفقاً لـ"سوفر"، كانت نسبة اليهود في إسرائيل عام 1998 (79.2%)، وبلغت في عام 2010 (75.5%)، وستتراجع عام 2015 لتصل إلى (73.5%)، وفي عام 2025 إلى (70.3%)، ويتوقع "سوفر" انخفاض نسبة اليهود خلال العقدين القادمين لتصل إلى (42%)، الأمر الذي يعني -وفقاً لـ "سوفر"- نهاية الكيان الإسرائيلي، وهذا يؤكد أن "المارد الديمغرافي" حي، وأن كل من يتحدث عن محو أو تهجير مليون ونصف المليون فلسطيني من وطنهم حسب هذه النظرية، فإن هذه النظرية اليمينية أفلست منذ زمن طويل، لأن الفلسطينيين باقون هنا، والخلاصة التي وصل إليها "سوفر" أن من يعمل على إقامة دولة واحدة على أرض فلسطين التاريخية، سيحكم على يهود إسرائيل بالخراب، ولذلك فإنه مع حل الدولتين، "هآرتس 4/10/2010".

لقد جاء في الكتاب السنوي لوكالة الاستخبارات الأميركية، الـ "سي.آي.ايه" أن الميزان السكاني اليهودي-العربي بين البحر والنهر يكاد أن يصبح متساوياً، ففي إحصائية عام 2010، هناك ستة ملايين يهودي مقابل 7.5 ملايين فلسطيني، ووفقاً لهذا الكتاب، فإن عدد سكان إسرائيل عام 2010 بلغ (5.7) ملايين نسمة، منهم نحو مليون ونصف المليون فلسطيني، وفي الأراضي الفلسطينية- الضفة والقطاع- 4.2 ملايين، فمعدل النمو الطبيعي السكاني في القطاع يبلغ (3.2%)، وفي الضفة (2.1%)، أما في إسرائيل فإن هذا النمو لا يزيد عن (1.6%)، من جهة أخرى هناك انخفاض في أعداد المهاجرين اليهود لإسرائيل، خاصة من الولايات المتحدة وأوروبا، يشكل خيبة أمل لقادة إسرائيل، الذين أرادوا تجسيد مبادئ الحركة الصهيونية، التي تقوم على تجميع جميع يهود العالم في فلسطين، بينما ومنذ عام 1948 فإن أعداد الهجرة المعاكسة في ارتفاع، إذ أن نحو مليون يهودي هاجروا من إسرائيل إلى الخارج، وكانت وجهة معظمهم الولايات المتحدة، وأوروبا وكندا وأستراليا.

ضمن ما يعتبر خطراً على مستقبل إسرائيل، هناك محاولات ومساعٍ إسرائيلية، لدحض هذه المخاوف، ويحاولون إثبات أن عدد اليهود في فلسطين يفوق عدد الفلسطينيين بكثير، فالباحث الإسرائيلي "يورام اتينغر"، وضع دراسة ينفي فيها ما يطلق عليه بـ "المارد الديمغرافي" الفلسطيني الذي يهدد وجود اليهود في فلسطين، ويزعم هذا الباحث عدم وجود أغلبية فلسطينية بين البحر والنهر، وأن الفجوة بين عدد اليهود والعرب تزداد اتساعاً لصالح اليهود، فهو يزعم أن الإحصائيات الفلسطينية غير صحيحة، إذ أنها تشمل الأموات، كما تشمل الفلسطينيين الذين يعيشون في الخارج، رغم حملهم بطاقات الهوية الفلسطينية، مدعياً أن الفلسطينيين يضيفون ويكررون الأسماء ضمن إحصائيات لا وجود لها لرفع عدد الفلسطينيين بهدف إثارة الذعر في صفوف الإسرائيليين، وحسب دراسته، فإن الوضع الديمغرافي لا يشكل إزعاجاً لإسرائيل، "إسرائيل اليوم 9/10/2010".

هناك مجموعة من الطروحات الإسرائيلية، لحل الموضوع الديمغرافي، وفي بعض الأحيان فإن هذه الطروحات متباينة، فمن سياسة الترانسفير والترحيل، إلى سياسة الضم، فنائب الكنيست من حزب الاتحاد الوطني "يعقوب كاتس"، اقترح تشريع قانون لضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، إلا أن اقتراحه رفض ليس من حيث المبدأ، بل لأنه يسيء إلى سمعة إسرائيل أمام المجتمع الدولي، ويُظهر أن إسرائيل غير جادة في السعي نحو السلام، وتحن للعودة إلى الماضي القريب، ففي شهر تموز من عام 1967، طرح الوزير الإسرائيلي "يغئال ألون" على حكومته ضم الضفة الغربية لإسرائيل، وفي شهر أيلول 1967، نشر ايلون دراسة تحت عنوان " إسرائيل حدود دفاعية"، تطرق فيها لمصير الأراضي المحتلة بعد حرب عام 1967، والتي عرفت بمشروع "الون"، ووزير الدفاع السابق "موشيه آرنس"، اقترح بأن يسري القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية، أي ضمها، وقادت نائبة الكنيست "تسيبي حوطبيلي" في أيار 2009، حملة تحت شعار "البديل لحل الدولتين"، بمنح المواطنة للفلسطينيين بشكل تدريجي، وقد اعتبر النائب السابق "اوري افنيري" هذا الطرح للنائبة المذكورة بضم الضفة الغربية لإسرائيل بأنه أمر مقلق للغاية، وفي العودة إلى عام 1947، فقد وضعت الهيئة الاستشارية الصهيونية قبل إقامة الدولة "برئاسة دافيد بن غوريون"، خطة لطرد مليون فلسطيني من وطنهم، إذ أن مخططات التهجير سبقت إقامة الدولة الإسرائيلية.

وخلاصة القول، فإن ما أشرنا إليه من طروحات إسرائيلية غيض من فيض، من النوايا الإسرائيلية التي تريد الأرض دون السكان الفلسطينيين، فهذه النوايا – كما أشرنا- سبقت قيام إسرائيل، فبعد إقامتها شكل " بن غوريون" هيئة خاصة استعمل فيها مصطلح "التنظيف"، أي تنظيف البلاد من أصحابها الفلسطينيين، كما أن حرب عام 1967، والذرائع التي استندت إليها إسرائيل بشن الحرب لاحتلال الضفة الغربية، وخطط هذه الحرب جاهزة قبل القرار المصري بسحب قوات الأمم المتحدة من مضائق "تيران" التي كانت مبرراً للعدوان الإسرائيلي، فالنوايا والأهداف الإسرائيلية الحالية والمستقبلية واضحة وتنشر في أدبياتهم وأطماعهم ، وأن السلام يتناقض مع مخططاتهم.