أقلام وآراء ( 225 )

أمن وأمان عبّاس ونعيم فيّاضد. صوت الاقصى ابراهيم الحمامي

قواتنا في تل أبيب! صوت الاقصى فايز ابو شمالة

هجرة اليهود العكسيَّة ودلالاتها فلسطين اون لاين صالح النعامي

اللجوء إلى المقاومة وليس الأمم المتحدة المركز الفلسطيني للاعلام معمر فيصل خولي

أردوغان وزيارة غزة فلسطين اون لاين مصطفى الصواف

أمن وأمان عبّاس ونعيم فيّاضد.

إبراهيم الحمامي

استوقفني اليوم ما كتبته الأخت الفاضلة لمى خاطر تحت عنوان " أين حرية التعبير يا سلام فيّاض"، وفيه تسرد قصة الطالبة الجامعية فاطمة الزهراء سدر مع تغوّل الأجهزة القمعية ومحاولات تكميم صوتها، ومنعها من ممارسة أبسط الحقوق في التعبير عن رفضها للظلم الواقع على أهلنا في الضفة الغربية.

قرأت القصة، وتذكرت ادعاءات الأمن والأمان والمؤسسات والحقوق وباقي الكلام فارغ المضمون الذي يردده فياض أثناء افتتاحه لمشاريعه الوهمية التي سقطت عند أول منعطف ليعلن أنه لا راتب وبأنه مديون "بكم مليار"، تذكرت عبّاس وهو يتنافخ زهواً بما حققه في الضفة الغربية المحتلة ازدواجياً، وتذكرت معايرة أزلامه وأتباعه الذين كلما ذكرنا جرائم الضفة تقافزوا متسائلين ماذا عن غزة.

ولأن كشف هذه الجرائم هو أول الخطوات في تعرية وفضح أكاذيب هذه الطغمة الفاسدة، وهو بداية سلسلة ستؤدي حتماً وفي يوم من الأيام لسقوط هؤلاء تحت أقدام الشعب لمحاسبتهم ومعاقبتهم عما اقترفوه ويقترفوه من جرائم، نسرد هنا قصة أخرى لعائلة فلسطينية تعيش في رخاء ونعيم وأمن وأمان عباس وفياض وباقي الطغمة.

هي عائلة من جنين يقبع رأسها أبو العبد – الوالد – في سجون الاحتلال منذ العام 2002 بمجموع سنوات سجن تجاوزت ال 15 سنة منها ما كان في سجون السلطة العتيدة ذراع الاحتلال الضاربة!

تناست أذرع الاحتلال الضاربة أن الوالد كان من أبرز القادة في مخيم جنين وخاض معركتها وأصيب بقرب القلب وبترت يده، ليقبع اليوم في العزل منذ سبع سنوات.

أما الوالدة أم العبد المصابة بالسرطان وبعد اعتقال اداري لدى الاحتلال لمدة تسعة أشهر في سجن الرملة، استلمها جهاز المخابرات قبل عام من اليوم لاستجوابها والتحقيق معها، لم يحترموا أنها امرأة ولم يراعوا أنها مريضة، ولم يشفع لها أنها زوجة أسير منذ سنوات، ولا حقيقة أن منزلها تم حرقه ثلاث مرات من قبل همج الاحتلال احداها أتت عليه بالكامل.

الابن الأكبر عبد السلام والذي كان بجوار والده في معركة مخيم جنين، وأصيب كما أصيب والده لكن كانت اصابته في العمود الفقري، فهو أيضاً لم يسلم من رخاء وأمن وأمان سلطة أوسلو وأجهزتها، فبعد سبعة أعوام قضاها في سجون الاحتلال بعد معركة مخيم جنين، تناوبت عليه كافة أجهزة القمع لسلطة عبّاس فيّاض، فاستضافته في رخائها وأمنها وبجميع أقسامها، اللهم إلا الدفاع المدني ليمضي في تلك الضيافة ثمانية أشهر!

أما عاصم وبعد اعتقال إداري لثلاث سنوات لدى الاحتلال، كان نصيبه الأمن الوقائي ليقضي فيه قرابة الشهرين، ليؤكد على سياسة الباب الدوار المعتمدة من قبل الاحتلال وأعوانه وأذرعه في سلطة أوسلو.

عماد الدين ليس بأفضل من أخيه، ذهب قبل أيام طامعاً في الحصول على "حسن السلوك" الذي وصفته الأخت لمى خاطر في مقالها بقولها: "ندرك أن الأجهزة الأمنية لا تملك حرمان الناس من ممارسة حياتهم رغم إيحائها لكل من يقع في دائرة تهديدها أنها قادرة على كتم أنفاسه وتحويل حياته إلى جحيم، ورغم أنها لا تتورع عن ابتزاز الناس بأحطّ الأساليب وتحاول تحويل قطاع كبير منهم للعمل عيوناً لها مستغلة حاجة كثيرين منهم لورقة (حسن السلوك) التي صارت مطلباً (قانونياً) لكل خطوة يتقدمها المواطن في حياته، وهو أسلوب رخيص وقذر يحاول (قوننة) القمع وتكميم الأفواه، واستغلال حاجات الناس لإخضاعهم وفرض معايير (الاحترام والسلوك الحسن) عليهم كما تقرّها حكومة فياض، والتي لا يرضيها سوى تحويل الناس إلى قطعان سائمة تنكر ذاتها وتسبح بحمد الفساد والتنسيق الأمني والتفريط".

المهم ولأن عماد الدين من عائلة سبق استضافتها لدى الأجهزة المحترمة جداً، ولأنه لم يسبق لهم أن استضافوه، فقد رحبوا به أيّما ترحيب، وبدلاً من ورقة "حسن السلوك" أبقوه لديهم معتقلاً، وتهمته أنه أراد أن يعمل سائقاً عمومياً واحتاج الورقة اياها.

الابن الأصغر، ولأنه الأصغر – والعمر قدامه والأيام الجايات أكثر من الرايحات- فكان نصيبه بضعة أيام فقط لدى جهاز الأمن الوقائي – بداية تعارف ربما.

المحامية بنان اعتقلت بدورها في مركز تحقيق الجلمة وأفرج عنها بعد أسابيع طوال!

هذه قصة ومأساة عائلة واحدة فقط من ألاف العوائل التي تقمع وتنتهك حقوقها ليل نهار باسم الرخاء الاقتصادي الفياضي والأمن والأمان العباسي، وما خفي أعظم.

قبل أيام كتبت شخصياً تحت عنوان "أما آن أواننا" متسائلاً متى ينتفض شعبنا في الضفة الغربية على الظلم والاحتلال المزدوج، واليوم تكتب السيدة لمى خاطر تناشد الجميع بفضح تلك الطغمة، وأختم بما ختمت به من رسالة للجميع لنبذ الخوف ونفض الخنوع لتقول:

"لا شك لديّ بأن فاطمة وأمثالها من الحرائر لن تنكسر فيهنّ إرادة الصمود وعنفوان التحدي، لكنني في المقابل أوجه النداء لكل مواطن تعرّض لأي شكل من أشكال التهديد بأن يبادر لفضحه وإشهاره، فما حكّ جلدك مثل ظفرك، ومن حسن حظّ المظلومين والمقموعين اليوم أن للإعلام عيوناً وآذاناً لا يقوى أي نظام أو أجهزة بوليسية على إغلاقها، فصفحات المنتديات والفيسبوك متاحة للجميع، وهي أبلغ أثراً وأوسع انتشاراً من وسائل الإعلام التقليدية التي تترصّدها الأجهزة الأمنية وتتابعها، أو تحرص على استمالتها وإلزامها بسياساتها.

وإن كانت أجهزة فتح تمتنع عن القمع العلني خشية أن تقطع آخر شعرة بين الناس وطاقتهم على الاحتمال، فإن قمعها الخفيّ في المقابل، وأساليب أجهزتها الرخيصة في ابتزاز الناس وتهديدهم بكل ما يخطر على بال المخبرين يجب أن يظل في دائرة الضوء وتحت المجاهر الإعلامية، فعهد العتمة ولّى إلى غير رجعة، ومن يريد طرق أبواب التهديد من خلف الكواليس عليه أن يسمع الجواب مدوّياً، وتحت الشمس، وعلى الملأ!"

لا نامت أعين الجبناء

قواتنا في تل أبيب!

د. فايز أبو شمالة

نشر المركز الفلسطيني للإعلام خبراً يقول: "إن جهاز أمن الرئاسة التابع للسيد عباس قرر إلغاء كتيبة من حرس الرئاسة تخضع لسلطته، وحولها إلى جهاز الأمن الوطني، وذلك بسبب فضيحة أخلاقية عصفتبالكتيبة التي يصل عدد أفرادها إلى مائة عنصر، فقد اكتشف مسئولو الجهاز ممارسات لا أخلاقية بين عدد كبير من عناصر الكتيبة على حد وصف المصادر، مما أدى إلى اعتقل ما بين 20-30 عنصرًا من الجهاز، أطلق سراح بعضهم فيما بعد، وظل البعض الآخر رهن الاعتقال والتحقيق".

انتهى الخبر الذي يشير إلى فضيحة أخلاقية قد تتواجد في كل تجمع بشري، ولعل وجود الرئيس الإسرائيلي "موشيه كتساب" في السجن خير دليل على ذلك، ولكن الغريب في الخبر أنه يصب في صالح حرس الرئاسة، الذي ظهر وكأنه شاشة بيضاء يلطخها أقل دنس، وأنه جهاز يطهر نفسه من كل شائبة، وهذا جميل طبعاً، لولا أن الخبر يشين إلى جهاز الأمن الوطني، الذي يظهر وكأنه جهاز تتجمع فيه مخلفات الأجهزة، ويحتوي على ما تساقط من أوراق جافة، وهذا أمر خطير جداً، لسببين:

الأول: يرفع من شان الشخص، ويوحي أن كل ما له علاقة بالرئيس عباس منزه عن الخطأ والخلل، ويتميز بالطهارة والنقاء؟

الثاني: يقلل من شأن الوطن، ويوحي أن كل ما له علاقة بالوطني، حتى لو كان جهازاً أمنياً هو عبء على الرئيس، الذي يتحمل ما تعبأ من الوهن والنمش في النفوس.

أزعم أن الخلل الذي ورد في الخبر يتجاوز عدة أفراد يعملون في جهاز أمني، الخجل في الخبر له علاقة بالبناء النفسي للفلسطيني الجديد، رجل الأمن الذي صار ممزقاً بين ما يرى من أخطاء المسئولين، وما يسمع من أحاديثهم السخيفة، وبين وجدان الفلسطيني الذي لا يصدق ما يقوم فيه من مهمات حقيرة أحياناً، هذا التمزق بين الواقع الأليم والحلم الرخيم هو الذي دفع رجال الأمن على الرذيلة والفحشاء لو صارت، ولو سمح لجهات محايدة بالتحقيق في الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك، لما ابتعد في النتيجة عما ذهبت إليه.سنة 1982، غرق المقاتلون الفلسطينيون بالحزن بعد خروجهم من بيروت، بكوا بمرارة على شتاتهم الجديد، وتمنوا لو أن الأرض ابتلعت أجسادهم دون الشتات، لقد حلموا بتحرير فلسطين، فإذا بهم بقايا قوات منفية ألاف الأميال عن حدود فلسطين، وزاد الطين بلة بعد ذلك إنهم صاروا يتسلمون نصف الراتب فقط.

فماذا جرى لهم؟قال الراوي: إن بعض المقاتلين الفلسطينيين الذي ضمهم أحد معسكرات المنفى في السودان، قد تعودوا على ترك معسكرهم، والذهاب ليلاً إلى مكان يسمى "تل أبيب" حيث تتكاثر هنالك بائعات الهوى، ويبدو أن الاسم "تل أبيب" يطفئ غل المقاتلين. حتى كانت ذات ليلة، اكتشف فيها الضابط المسئول أن معظم جنوده قد تسللوا خارج المعسكر. وذهبوا إلى بائعات الهوى. فذهب بعد منتصف الليل غاضباً ومسرعاً إلى قائد القوات ـ تولى القائد لاحقاً أرفع المناصب ـ

وأيقظه من النوم وهو يقول: يا سيدي، قواتنا في تل أبيب!.نهض قائد القوات الفلسطينية في السودان من نومه، وهو يسمع الخبر " قواتنا في تل أبيب"، فأصابته حالة من الذهول، وهو يقول: من الذي أعطى لهم الأوامر؟ وكيف وصلوا إلى تل أبيب؟ ومن أين حصلوا على السلاح؟ وهل احتلوا تل أبيب بالكامل؟ وماذا سيفعل الإسرائيليون؟ هل أبلغ أحدكم الأخ أبو عمار بهذا الخبر ؟خجل الضابط من نفسه، تراجع مع دمعته، وهو يقول: إنهم في تل أبيب السودان!.

هجرة اليهود العكسيَّة ودلالاتها

صالح النعامي

هناك عدة معطيات لافتة ومفارقة واحدة: يبلغ متوسط دخل الفرد في إسرائيل خلال العام حوالي تسعة عشر ألف دولار، وهو ما يعادل سبعة عشر ضعفًا لمعدل دخل الفرد في الضفة الغربيَّة وقطاع غزة، إسرائيل هي إحدى الكيانات السياسية القليلة في العالم التي نجت من تأثيرات الأزمة الماليَّة التي ألَمَّت بالعالم، تحسنت الأوضاع الأمنيَّة في إسرائيل خلال نصف العقد الأخير بشكلٍ واضح، ومع ذلك فإن قطاعاتٍ متزايدةً من الإسرائيليين تتجاهل هذه التطورات "الإيجابيَّة" وتصِرُّ تحديدًا على مغادرة إسرائيل ومحاولة البحث عن مستقبل وحياة جديدة في إحدى دول الغرب، فقد دلَّلت دراسة إسرائيليَّة حديثة على أن مليون إسرائيلي قد غادروا إسرائيل بالفعل خلال العقدين الماضيين، وهي نسبةٌ كبيرة حسب كل المقاييس، ومن المفارقات أن الإسرائيليين الذين يغادرون إسرائيل لم يعودوا يخجلون من ذلك، بل إنهم أخذوا في الآونة الأخيرة ينظِّمون مؤتمرات سنويَّة لهم، وحسب استطلاع للرأي العام أُجري في أوساط هؤلاء اليهود، فإن أغلبيتهم الساحقة تقول أن السؤال الذي يجب أن يُطرح "ليس لماذا غادرنا، وإنما لماذا بقينا كل هذه المدة قبل أن نغادر؟! وقد أظهر استطلاع للرأي أُجري في أوساط الشباب الإسرائيليين أن نصف المستوطنين الشباب يفضِّلون العيش في مكان ما في الخارج لو أُتيحت لهم الفرصة، وأكثر الأسباب التي يذكرونها كمبرِّر للرغبة في الهجرة أن الوضع في إسرائيل ليس جيدًا، على الرغم من المعطيات الإيجابيَّة التي تمت الإشارة إليها أعلاه، ومن المفارقة ذات الدلالة أن الأغلبيَّة الساحقة من الصهاينة يتجهون تحديدًا لألمانيا التي استندت الصهيونيَّة إلى ما قامت به حكومتها النازيَّة خلال الحرب العالميَّة الثانية لتسويغ اغتصاب فلسطين وإقامة إسرائيل فوق ترابها.

حمى الجواز الأجنبي

لا تتوقف مظاهر الهجرة العكسيَّة عند المليون صهيوني الذين غادروا بالفعل إسرائيل، بل إن الأمر بات يتصل بحقيقة أن الأغلبيَّة الساحقة من الإسرائيليين يعدون العدَّة للحصول على جواز سفر أجنبي، وحسب إحدى الدراسات المسحيَّة، فقد تبيَّن أن 60% من الإسرائيليين قد اتصلوا -أو عازمون على الاتصال- بسفارة أجنبيَّة ليطلبوا الجنسية أو جواز سفر، وقد كانت ألمانيا هي أكثر الدول التي تتجه معظم أنظار الصهاينة إليها للحصول على جواز سفرها، حيث أن حوالي 100 ألف إسرائيلي لديهم جوازات سفر ألمانيَّة، بينما يقدم المزيد طلبات لجوازات على أساس أنهم ولدوا لعائلات هاجرت من ألمانيا، وإن لم تكن هذه المعطيات كافية، فإن عددًا كبيرًا من الإسرائيليين يملكون جنسيَّة مزدوجة، حيث أن نصف مليون إسرائيلي يحملون الجنسيَّة الأمريكيَّة، بينما تنظر دائرة الهجرة في الولايات المتحدة ربع مليون طلب تقدَّم به الإسرائيليون للحصول على البطاقة الخضراء التي تؤهلهم للحصول على الجنسيَّة الأمريكيَّة.

أسباب الهجرة العكسيَّة وتداعياتها

على الرغم من الأوضاع الاقتصاديَّة الجيدة في إسرائيل، إلا أن معظم الراغبين في الهجرة يبرِّرون ذلك بالبحث عن شروط حياة أفضل، حقيقة أن 40% من الإسرائيليين مولودون في الخارج، فإنهم يعتبرون أن الهجرة ليست بالشيء الجديد والطارئ في حياتهم، في نفس الوقت فإن نسبةً كبيرة من الإسرائيليين الذين يغادرون إسرائيل يرون أن البيئة الأمنيَّة لا تسمح لهم بالبقاء في إسرائيل، وهناك من يقرُّ بأن الأوضاع الأمنيَّة قد تحسَّنت بالفعل، لكنه يؤمن بأن الاستقرار الأمني لن يدوم، وبالتالي فهو يبحث عن مكان أكثر استقرارًا وأمنًا.

واضح أن الحكومة الإسرائيليَّة تحرص على عدم الخوض في هذه القضية بشكلٍ علنيّ حتى لا تسلط الضوء على هذه القضية فتشجع بذلك قطاعاتٍ أخرى على الهجرة العكسيَّة والمغادرة، لكنها في الواقع تعِي خطورة هذه القضية وتسعى عبثًا لوضع حدٍّ لها.

تدرك القيادة الصهيونيَّة أن المشروع الصهيوني أُقيم على ركيزتين أساسيتين، وهما: الاستيلاء على الأرض الفلسطينيَّة وجلب أكبر عددٍ ممكن من اليهود لاستيطانها، ومن الواضح أن تعاظم الهجرة العسكيَّة في ظلّ الكثير من المعطيات التي تدلِّل على تراجع معدلات الهجرة الإيجابيَّة ينذِر بخسارة إسرائيل الصراع الديمغرافي مع الفلسطينيين.

ومن المؤكَّد أن الهجرة العكسيَّة ستجرُّ على إسرائيل خسائر اقتصاديَّة كبيرة، على اعتبار أن نسبةً كبيرة من الذين يغادرون إسرائيل هم تحديدًا من الكفاءات العلميَّة الكبيرة، لا سيَّما في مجال التقنيات المتقدمة، والذين كان يُفترض أن يلعبوا دورًا في تعزيز التفوق التقني الإسرائيلي الذي يعزِّز منَعَة إسرائيل الاقتصادية، مع العلم أن صناعة التقنيات المتقدمة تعتبر أحد مصادر الدخل "القومي" في إسرائيل وتدر سنويًّا حوالي سبعة مليارات دولار على الخزانة الإسرائيلية.

ومن نافلة القول أن النتائج السلبية المترتبة على هجرة العقول لا تتوقف على الجانب الاقتصادي، بل تتعداه إلى الجانب العسكري والأمني، فالتفوق الإسرائيلي في المجال الأمني والاستخباري يتوقف إلى حد كبير على التفوق في المجال التقني، وتعتبر إسرائيل ثاني أكبر منتج للطائرات بدون طيار، حيث تمكَّنَت من تطوير عدة أجيال من هذه الطائرات بفضل التقنيات المتقدمة، إلى جانب حقيقة أن التفوق التقني قاد إسرائيل إلى تطوير ردود على تحديات استراتيجيَّة ووجوديَّة، فبفضل التقدم التقني تمكَّنَت إسرائيل من تطوير فيروس ستاكس نت" الذي تؤكّد الكثير من التسريبات الإعلاميَّة أنه تمكَّن من تعطيل أجهزة الحاسوب التي تشغل أجهزة الطرد المركزي المسئولة عن تخصيب اليورانيوم في المشروع النووي الإيراني، ومن الواضح أن نزف العقول الصهيونيَّة سيجد تداعياته المؤكَّدة على الصعيد الأمني والاستخباري، وهو ما يمثل مصدر قلق للصهاينة.

فقد تبيَّن أن جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيليَّة "أمان" يعاني من ظاهرة تسرُّب الكفاءات التي تعمل في مجال التجسس الإلكتروني، حيث أن هذه الكفاءات تتجه للعمل في القطاع الخاص، لا سيما في خارج إسرائيل.

والسؤال الذي يطرح نفسه: لقد زعمت الأساطير الصهيونيَّة أن هناك مسوغاتٍ دينيَّةً وتاريخيَّة وأخلاقيَّة تبرِّر قيام إسرائيل، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا إذن يغادر الصهاينة على هذا النحو فلسطين؟

اللجوء إلى المقاومة وليس الأمم المتحدة

د. معمر فيصل خولي

وصل يأس السلطة الوطنية الفلسطينية من الشريك الاستراتيجي للسلام! الكيان الصهيوني وراعيه الاستراتيجي الولايات المتحدة الأمريكية محطته الأخيرة، حينما قررت القيادة الفلسطينية الذهاب في شهر أيلول القادم إلى الأمم المتحدة - وأشك في إصرارها على ذلك - للحصول على اعترافها بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وليس وفق قرار التقسيم عام 1947!، ستذهب القيادة الفلسطينية إليها، وكأن الشعب الفلسطيني المحتل تنقصه قرارات منها، للتأكيد على حقوقه المغتصبة من قبل الكيان الصهيوني من جانب والمفرطة بها من قبل منظمة التحرير الفلسطينية من جانب آخر.

فالأمم المتحدة في 29-11- 1947، أصدرت قرار رقم 181، أشارت فيه إلى تقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين، دولة يهودية ودولة عربية.

والمفارقة العجيبة أن قرار التقسيم خصص 43.53 بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية لقيام الدولة العربية عليها، في حين قبلت السلطة الوطنية الفلسطينية قيامها على 22 بالمئة، وهي ترى في ذلك منجزاً وطنياً وقومياً وإنسانياً تستحق عليه التقدير.

واستمرت أجهزة الأمم المتحدة المختلفة كمجلس الأمن والجمعية العامة إصدار العديد من القرارات التي تؤكد على سيادة الشعب الفلسطيني على أرضه وحقه في تقرير مصيره، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر، القرار الذي أصدره مجلس الأمن على خلفية العدوان الذي شنه الكيان الصهيوني على دول الطوق العربي في 5-6-1967 قراره رقم 242، أكد على عدم شرعية الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية بما في ذلك الأراضي الفلسطينية.

وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10- 12-1969 قرارها رقم 2535 أشارت فيه بشكل صريح إلى "شعب فلسطين" و"حقوقه غير قابلة للتصرف"، فقد كان هذا القرار الأول من نوعه الذي تشير فيه الجمعية العامة للشعب الفلسطيني بصفته "شعباً" له حقوق غير قابلة للتصرف. أما في القرار رقم 2672 الصادر في 18- 12- 1970، فقد ذكرت الجمعية العامة للأمم المتحدة أنها" تعترف لشعب فلسطين بالتساوي في الحقوق، وبحق تقرير مصيره بنفسه وفقاً لميثاق الأمم المتحدة".

وفي القرار رقم 3236 الصادر في 22- 11- 1974، راحت الجمعية العامة"... تؤكد من جديد حقوق الشعب الفلسطيني غير قابلة للتصرف وخاصة: (أ) الحق في تقرير مصيره دون تدخل أجنبي، (ب) الحق في الاستقلال وسيادة الوطنيين..." وفي 10 -11-1975، أصدرت الجمعية العامة القرار رقم 3376، والذي وافقت بموجبه الجمعية العامة على إنشاء لجنة خاصة لتعنى بمتابعة ممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة وغير قابلة للتصرف وأولها بالطبع حقه في تقرير مصيره دون تدخل أجنبي. ولتأكيد حق الشعب الفلسطيني في السيادة على أرضه المحتلة، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار رقم 43/ 176و 177 الصادر في 15-12-1988، والذي أبدت فيه موافقتها على القرار الذي اتخذ من قبل المجلس الوطني الفلسطيني في 15-11-1988، الداعي إلى قيام دولة فلسطين.

إذن قضيتنا ليست بحاجة إلى المزيد من تراكمية القرارات بقدر ما هي بحاجة إلى إرادة سياسية لتطبيقها وهذه الإرادة لا تأتي من فراغ وإنما من الاستفادة من دروس الآخرين وان كانوا أعداءنا، فالحركة الصهيونية حينما عقدت العزم على إنشاء كيانها في فلسطين لم تتجه في ذلك الوقت إلى عصبة الأمم وإنما إلى المملكة المتحدة بوصفها الدولة ذات الثقل الكبير في بنية النظام الدولي آنذاك. فأصدرت لها وعد بلفور في 2-11-1917، وصادق الكونغرس الأمريكي عليه في عام 1922، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وبوادر انتصار دول الحلفاء بها، تزايد حجم النفوذ الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، لإدراكها بأنها ستكون إحدى القوى الرئيسية في بنية النظام الدولي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لذلك حينما اكتمل مشروع الكيان الصهيوني على أرض فلسطين ولم يبق سوى الاعتراف القانوني لجأ زعماء الحركة الصهيونية للجمعية العامة للأمم المتحدة ومعهم الدولتان العظميان- آنذاك- الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، للاعتراف به.

فالأولى اعترفت بالكيان الصهيوني اعترافاً واقعياً تحول - فيما بعد- قانونيا، أما الثانية فمنذ البداية اعترفت به اعترافا قانونيا. وأصبح الكيان الصهيوني "دولة" بالمعنى القانوني والسياسي. وبإسقاط التجربة الصهيونية على السلطة الفلسطينية نتساءل، هل هي لديها نفوذ في مراكز صنع القرار في مؤسسات الدول الكبرى أو الإقليمية أو حتى دول عربية تمكنها من فرض الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية؟

وإن جاز لنا الافتراض، ولكي لا نسيء الظن - كعادتنا - بالكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، وخلافاً لما أعلناه عن رفضهما بشأن إعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومن منطلق تفاءلوا بالخير منهما تجدوه!، اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية في أيلول المقبل، بذلك ستصبح أول دولة في تاريخ الجماعة الدولية تخضع لاحتلال كامل، لكنها مستقلة! بالنسبة للقيادة الفلسطينية ليس مهما أن تدخل القرارات الخاصة بالقضية الفلسطينية موسوعة "جينس" للعجائب السياسية، لكنني أسأل الهيئة الحاكمة في الدولة الفلسطينية المفترضة بوصفها إحدى أركان الدولة وتمارس عمل السيادة القانونية والسياسية على المستويين الداخلي والخارجي، هل قرار الاعتراف سيعمل على تغيير سياسة الأمر الواقع وهي سياسة الاحتلال؟

هل تستطيع هذه الدولة أن تمارس مظهراً من مظاهر السيادة، منها على سبيل المثال، سفر رئيس الدولة ووزرائه ومواطنيه من دون موافقة الكيان الصهيوني، هل تستطيع الدولة الفلسطينية استقبال البعثات الدبلوماسية؟ في 9-7-2011، انفصل رسمياً جنوبي السودان عن دولة السودان، وفي 15- 7- 2011، أصدرت دولة جنوبي السودان عملتها النقدية الخاصة بها، هل الدولة الفلسطينية قادرة على فعل ذلك؟ والقائمة تطول.

كان المفروض أمام التعنت الصهيوني والتحيز الأمريكي في الوقوف ضد طموحات الشعب الفلسطيني المحتل في تقرير مصيره، وإعمالاً لمبادئ القانون الدولي العام وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الأمم المتحدة، أن تعلن السلطة الوطنية الفلسطينية إن من حق الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال الصهيوني ممارسة ثقافته المقاومة المدنية والمسلحة من أجل تحرير أرضه، فالاحتلال ولا سيما الصهيوني لا يفهم إلا لغة الكلفة بالمعنى السياسي والاقتصادي وليس لغة القرارات.

أردوغان وزيارة غزة

مصطفى الصواف

ضجة مفتعلة ومبالغ فيها تحاول دولة الاحتلال إثارتها حول الحديث عن إمكانية قيام رئيس الوزراء التركي الطيب رجب أردوغان بزيارة قطاع غزة بشكل رسمي مهددين أن هذه الزيارة لو تمت فإنها ستؤثر كثيراً على إعادة العلاقات الطبيعية بين تركيا والاحتلال والتي تأثرت كثيراً في أعقاب مجزرة سفينة مرمرة واستشهاد تسعة من الأتراك.

لن نناقش التهديدات الإسرائيلية وهذه الضجة على الزيارة قبل أن تحدث، أو يؤكدها أحد سواء هنا في الحكومة الفلسطينية أو هناك في أروقة السياسة التركية، ورغم ذلك هناك إحساس بإمكانية حدوث هذه الزيارة وقدوم أردوغان إلى غزة خاصة لو أخذنا في الاعتبار وجود وفد رفيع من الحكومة في زيارة خاصة لتركيا قد يكون الحديث عن الزيارة، وإمكانية حدوثها واحد من الأجندة التي طرحت بين وفد الحكومة الفلسطينية والحكومة التركية.

هذه الزيارة لو حدثت ستكون أول اختراق سياسي للحصار على مستوى عال جداً، وهي زيارة في القياسات السياسية قنبلة ستنفجر ليس أمام الاحتلال الإسرائيلي، بل ستنفجر أمام الزعماء العرب الذين لم يتمكنوا من تطبيق قرار صادر من الجامعة العربية لكسر الحصار عن غزة اتخذ منذ سنوات، فكيف بزيارة رئيس وزراء دولة كبيرة إقليمية ومركزية كتركيا إلى قطاع غزة، نعتقد أنها ستشكل انتصاراً للشعب الفلسطيني وتحدياً للحصار وربما تفتح الباب واسعاً لحراك دبلوماسي عربي باتجاه غزة من قبل بعض الزعامات العربية.

ولكننا نعتقد أن الزيارة من قبل رئيس الوزراء التركي تحتل بؤرة التفكير لدى الحكومتين التركية والفلسطينية هنا في غزة، وأن إمكانية حدوثها واردة خاصة أن الممر لهذه الزيارة سيكون معبر رفح والحكومة المصرية معنية بالموافقة، وقد لا تتردد في الموافقة على طلب الحكومة التركية بتسهيل مرور أردوغان إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، في الفترة التي سيكون فيها في زيارة لمصر، وهي فرصة مناسبة للحكومة المصرية لتؤكد لقيادة الثورة أنها تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وربما تتعدى ذلك وتنتج تفكيراً من قبل الحكومة باتجاه تشكيل زيارة على مستوى وزير الخارجية المصري إلى قطاع غزة.

مهم جداً أن يكون التفكير في اتجاه أن تشكل زيارة رئيس الوزراء التركي اختراقاً سياسياً ودبلوماسياً للحصار وتكون هذه الزيارة عبارة عن تدشين للعديد من الزيارات العربية بعد أن يكون أردوغان قد كسر حاجز الوهم والجليد الذائب الذي صنعته السياسة العربية في لحظة من اللحظات، خاصة في أجواء التغيير الحادث في الساحة العربية.

غزة تنتظر أن يوافق أردوغان على زيارة غزة دون أن يعير اهتماماً للتخوفات الإسرائيلية والتدخلات من قبلها، أو محاولتها إثارة الولايات المتحدة وأوروبا في محاولة الضغط على أردوغان وثنيه عن زيارة غزة، ولكن الرجل يبدو أنه يسعى إلى إحداث نقلة نوعية في قيادة تركيا للعالم الإسلامي، وبوابة هذه القيادة هي القضية الفلسطينية، وأعتقد أن تركيا لو نجحت في استحواذ القضية الفلسطينية وفق الثوابت الفلسطينية والدفاع عنها وتبني إقامة الدولة وعودة اللاجئين والقدس كقضايا مركزية عندها تستطيع الحكومة التركية وبجدارة قيادة العالم الإسلامي، والعالم العربي جزء منه.

فكرة القيادة ليست بعيدة عن تفكير أردوغان والحكومة التركية في ظل عدم وجود دولة إقليمية عربية يمكن لها أن تقود المنطقة في ظل عدم الاستقرار الذي تشهده الساحة العربية، وخاصة أن مصر لم تتعاف بعد، وبحاجة إلى سنوات لتولي الأمر ويمكن في هذه الفترة أن تجد في تركيا ملاذاً لها يساعدها على إعادة زمام المبادرة إلى أيديها، والمساعدة على عودتها للمكانة القيادية للمنطقة، الأمر الذي يعزز التوجه التركي والرغبة المصرية بما يخدم القضية المركزية للعرب والمسلمين.

غزة ستلبس أبهى حللها وهي تستقبل أردوغان، وستخرج عن بكرة أبيها في استقبال الرجل ومن بصحته، وستسجل له هذه الشجاعة بأحرف من نور ليحفظها الشعب الفلسطيني في الذاكرة والقلب والتاريخ، لأن هذه الزيارة لها من المعاني والعبر ولها ما بعدها لو تمت بالفعل، وإن لم تتم سيحفظ الشعب الفلسطيني المواقف المشرفة للحكومة التركية في كثير من المحافل.