أقلام وآراء (26)
الاربعاء 23/3/2011
في هذا الملف
نزَال حماس .. والهاربون
لماذا الخوف من زيارة الرئيس عباس لغزة؟!
الخيار بين السلام مع حماس أو السلام مع إسرائيل
الآفاق المرعبة والمذهلة للثورة العربية
العلاقات السورية ــ المصرية وإحياء العقد التاريخي
فزعة حوران وسوريا مستقبلا' !!!
نزَال حماس .. والهاربون
شبكة العهد للاعلام
موفق مطر
ماكانت حماس بحاجة لحملة رصاص اسرائيلي مصبوب جديدة و استدراج هجمات الجيش الاسرائيلي بقطاع غزة ، اذ تكفي مواقفها المعلنة بلسان محمد نزال عضو مكتبها السياسي ليعلم أهل البلد بفلسطين ، أي منزلة واي مصير تريده حماس للناس في القطاع ... ، فالمتخصص بازاحة التفاؤل لصالح التشاؤم ، والاستقرار لاحلال المصائب ، واغتيال الوحدة لمبايعة الانقسام قد نطق كفرا ، فاعتقدنا بعد سكوته دهرا ، أن رشدا وبعضا من رياح العقلانية قد اصابت مكتب رئاسة سياسة حماس ، فاذا بنا أمام جماعة مفتولة رؤوسهم ، مفتونين بعضلات وسلاح وزنود وهراوات وتكشيرات واقتحامات وانتهاكات عسكرهم في قطاع غزة الذين لم يوفر قمعهم حتى ازواج الشهداء ، فأطاحوا بالصحافة المحلية الفلسطينية والعربية ومعتمدي وكالات الأنباء العالمية وحاولوا اسقاطها بالضربة القاضية حتى لاتشهد " صور رسل الحقيقة" على جرائم " المجالدين " الذين يريدون بقاء الاحتلال وادامة حياة الانقلاب الأب الروحي للانقسام . وحتى لايرى العالم عجائب وغرائب تحول (مجاهدين ) في ظل سلطة الحكم الاسلامي الرشيد لاخوان حماس الى (جلادين ) يسلخون جلود شباب الخامس عشر من آذار , ويعتدون بكل ما ملكت قلوبهم السوداء من حقد على الطالبات العفيفات في حرم بيوت العلم والمعرفة" فاستغاثت وصرخت حجارة مباني جامعات : الأزهر ، القدس المفتوحة والأقصى .. لعل احدا يسمع نداءها فينقذ أبناء فلسطين المستقبل من جحيم عنف المعادين للحرية والديمقراطية واماني وطموحات الشباب ، من ارعاب عسكر حماس المصبوب ارهابهم على رؤوس وأطراف وقلوب الطلبة الاناث قبل الذكور!!..
ترق قلوبنا لحال اهلنا في غزة ، فهم بين نارين ، نار حماس المنفوخة في وجوههم قمعا وعنفا مفرطا وانتهاكات منظمة لحقوقهم في التعبير , ونيران دبابات جيش الاحتلال .
يستدرج الدكتاتوريون حروبا وهجمات لشرعنة اغتصابهم للسلطة ، وهكذا يفعل عسكر حماس الآن ، مع اضافة نوعية وهي انهم يمتطون دبابات جيش اسرائيل للهروب من مبادرة الرئيس ابو مازن ، وصوت الشعب المنادي بانهاء الانقلاب ، يهربون من النظام والقانون الى الفوضى الأمنية والتحرش بالاحتلال – بالأمس القريب جدا قالوا أن التهدئة مصلحة وطنية !!- يهربون من مواجهة ارادة الشعب عند صناديق الاقتراع ، الى توريط الشعب بمواجهات دامية والتكسب من تجارة صناديق الرصاص ومشاهد توابيت الضحايا !!.
لماذا سكت هنية وذهب في صمت اعمق من صمت أهل القبور ، اثر اعلان الرئيس ابو مازن امام المجلس المركزي استعداده للذهاب الى غزة فورا للقائه والاتفاق على تشكيلة حكومة تكنوقراط تهيء لانتخابات تشريعية ورئاسية وللمجلس الوطني ، هل تراه قد صعق بمبادرة ابو مازن فانعقد لسانه ، فأوكل عسكر حماس -خاطفو قطاع غزة- لمحمد نزال بفتح النار على النوايا الطيبة , وآمال وأماني الناس , ونسف الجسور ، فاتقن عضو مكتب سياسة حماس عملية القرصنة ، فأطلق لسانه بكلام ، عبّر بحروفه عن المدفون المعروف ، المخزون المعلوم من الحقد والكراهية ليس لأبو مازن كرئيس حركة التحرر الوطنية الفلسطينية وحسب ، بل للشعب الفلسطيني وللشباب الذين نذروا انفسهم وكرسوا جهودهم وطاقاتهم من اجل استعادة وحدة وطنية سياسية تليق بثقافة هذا الشعب الحضارية ، قرر ومن معه اغراق سفينة المبادرة الرئاسية ، صافعا رئيس حكومة حماس بغزة ومن والاه ، فكلام نزال لم يكن موجها للرئيس أبو مازن وانما لاسماعيل هنية ، فنزال أراد افهام بأن اللعبة انتهت ، وأن قواعدها قد تغيرت .
لم يكن هجوم نزال على الرئيس المصري محمد حسني مبارك وأركان الحكم في مصر الذين تمت برعايتهم جولات الحوار الفلسطيني الفلسطيني حيث تم التوصل الى وثيقة المصالحة ، لم يكن الا رسالة علنية من حماس بأن المصالحة صارت في خبر كان .
انحدر بكلامه عن الرئيس فنزل بهبوط سريع الى قاع المصطلحات السوقية حتى انه لم يأخذ بالاعتبار ما أعلنه "اخيه في الجماعة" دكتور عزيز الدويك بوسائل الاعلام عن أمنيته مرافقة الرئيس الى غزة .. فنال تقريعا لايقل عما ناله اسماعيل هنية .
نحسب أن نزال قد قصد الشيخ اسماعيل هنية والدكتور عزيز الدويك , ونحسب أن الرئيس ابومازن الذي لم يابه للحملات المبرمجة " التخوين" و " التكفير" من شيوخ حماس ومتنفذي الجماعة الاخوانية في مكتب رئاسة سياستها على مدى السنوات الماضية سيشكر نزال على جهره بعقلية حماس الانفصالية الاستبدادية , ونظرتها الفوقية واستكبارها على الشركاء في الوطن , وتحقير قياداتها السياسية والعسكرية للمصالح العليا للشعب الفلسطيني .
لماذا الخوف من زيارة الرئيس عباس لغزة؟!
معا
الكاتب: المحامي زياد ابو زياد
الشعب الفلسطيني متواضع جداً وقنوع جداً. فهو لا يريد تغيير النظام ولا يريد حتى إصلاح النظام...وكل ما يريده هو انهاء الانقسام.
لم تكن هناك حاجة للانتظار كل هذا الوقت وكل هذه السنين حتى يخرج الشباب الى ساحة المنارة وامام مبنى وكالة الغوث في غزة ليعلنوا...الشعب يريد انهاء الانقسام، بالرغم من ان هذا العمل بحد ذاته يعتبر مؤشراً على حيوية الشباب الفلسطيني وتفاعله مع ما يدور من حوله.
لقد كان الجميع يعرف ان الشعب يريد انهاء الانقسام...وقد بذلت الجهود الكثيرة لانهاء هذا الانقسام المؤسف وكتبت الاف بل عشرات الالاف من المقالات والاعمدة التي دعت الى انهاء الانقسام.
كان هناك واقع جديد يتبلور وكانت هناك فئات وافراد استفادوا من هذا الانقسام واعتادوا عليه واصبح انهاؤه اقل رغبة عندهم من استمراره.
واستدرك قبل ان امضي فأقول بأنني لا زلت غير متفائل وخائف من اي فشل جديد في محاولة انهاء الانقسام. خائف وغير متفائل لان هناك بالتأكيد من سيسعى الى افشال جهود انهاء الانقسام والدوافع متعددة.
لقد أعلن الرئيس محمود عباس استعداده للذهاب الى غزة ليس للتحاور وانما للبدء فوراً في تشكيل حكومة وحدة وطنية من شخصيات مستقلة تتولى مهمة ادارة شؤون البلاد والاعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني في غضون ستة اشهر.
وفي رأيي انه ليس بالامكان ربط الانتخابات الرئاسية والتشريعية بانتخاب مجلس وطني جديد ذلك لاننا نملك وتتوفر لدينا كل الفرص لاجراء انتخابات تشريعية ورئاسية دون اي تأخير في حين ان انتخاب مجلس وطني وخاصة في الشتات سيكون عملية دقيقة وحساسة وتخضع لاعتبارات داخلية في الدول المضيفة وبالتالي يجب الفصل بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية من جهة وانتخاب المجلس الوطني.
ولما كان المفصل الرئيسي للمرحلة المستقبلية هو البرنامج الوطني الذي يلتف حوله الجميع فإن المدخل لوضع مثل هذا البرنامج هو اعادة الصلاحية الى الشعب ليختار الرئيس والبرلمان الذي يريد بحرية ونزاهة وشفافية، وبعد ذلك يستطيع من يحظى بثقة الشعب ان يتوافق على البرنامج الوطني الذي يلبي مصالح الشعب ورغباته.
لا اعتقد ان هناك حاجة لاية حوارات جديدة تبدأ تدق الماء في الهاون فنحن لا نملك ترف اضاعة المزيد من الوقت في الحوارات البيزنطية رغم ان كل واحد منا يعرف ما يريد وما يريد الاخر وكيف يمكن الجسر بينهما.
لقد اعلن الرئيس عباس عن رغبته بالذهاب الى غزة وشكل وفداً طلائعياً للاعداد للزيارة التي جاءت متأخرة عن موعدها اربع سنوات على الاقل، ومع ذلك فإنه لا يجوز أن يتجاوز هذا الاعداد الشؤون اللوجستية ذلك لأن الرئيس عباس ذاهب الى شطر من الوطن كان قد اختطف ولا بد ان يعود الى مكانه ومكانته الطبيعية.
وبالتأكيد فإن المباشرة في تشكيل حكومة وحدة وطنية من شخصيات وطنية مستقلة لن تتم في فراغ لأن هناك كماً هائلاً من العمل والأسس التي تضمنتها وثيقة آذار 2005 ووثيقة الحوار الوطني في حزيران 2006 وسائر القضايا التي تم الاجماع عليها في الورقة المصرية وما تلاها من تفاهمات حول الانتخابات وتشكيل لجنة الانتخابات المركزية ومحكمة الانتخابات، وكل هذه ستعني العمل في اطار القوى الوطنية بمجملها وليس فتح وحماس فقط، لتضع الأسس وتنطلق في مسيرة ما بعد الانتخابات.
ليس من الحكمة القول بأن أمر زيارة الرئيس عباس لغزة ما زال في اطار الدراسة، وان الاتفاق بشأن زيارة الرئيس لفترة ما يزال بحاجة الى بعض الوقت بحجة ان الاعداد الجيد يؤدي الى نتائج جيدة!!.. ولا داعي ايضاً للتهرب من استحقاق اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بأقرب وقت ممكن والالتفاف من ورائها بحجة اننا بحاجة الى اطار قيادي مؤقت لمرحلة انتقالية وصولاً الى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية..
هذه الاقوال هي التي تبعث الخوف في النفوس وتدعو الى الاعتقاد بأن هناك من يحاول الهروب من استحقاق اجراء الانتخابات ويحاول تغليف ذلك بعبارات تعني بأبسط الاحوال الدخول مجدداً في حوارات بيزنطية تدور كلها حول مواضيع تم اجهاضها، واستنفادها في الحوارات السابقة.
لقد أضعنا الكثير من الوقت، ولحق بغزة الكثير من الدمار، ودفع ثمن الانقسام خيرة الشباب المناضلين الشرفاء في غزة والضفة الذين انعكس الانقسام عليهم فأصبحوا هدفاً للملاحقة، ولقد استغل الاحتلال هذا الانقسام للمضي في برامجه الاستيطانية والتهرب من استحقاق انهاء الاحتلال.
فليكن هذا العام هو عام انهاء الانقسام واستكمال الجاهزية الوطنية لاقامة الدولة ودحر الاحتلال، ولا يجوز لأحد أن يخاف من زيارة الرئيس عباس لغزة أو يتهرب من المطلب الجماهيري بانهاء الانقسام والعودة الى الشعب ليقول كلمته ويمارس حقه في اختيار من يمثله من خلال صناديق الاقتراع.
الخيار بين السلام مع حماس أو السلام مع إسرائيل
امد للاعلام
م. عماد الفالوجي
هل وقاحة سياسية من رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي نتنياهو أم هي الواقعية السياسية المفروضة على الأرض ؟ وهل فعلا هناك تناقض حقيقي بين السلام مع حماس والسلام مع الكيان الإسرائيلي أم كلاهما مكمل لبعضهما ؟ وهل يمكن تحقيق سلام واستقرار حقيقي أو الوصول الى تسوية بدون تحقيق كلا السلامين ؟
كثير من الأسئلة ليست بحاجة الى أجوبة صريحة ومحددة بل تقودنا الى دراسة تحليلية عميقة الى طبيعة الوقائع على الأرض وتسلسل الأحداث وربطها بالمجريات العامة , والنظر الى الأمور تحت نظرية تحقيق المصالح لكل الأطراف المعنية بخيارات نتنياهو ' السلطة برئاسة محمود عباس , حركة حماس , الكيان الإسرائيلي ' , ولكل طرف حساباته ومصالحه التى يسعى لتحقيقها من كل خطوة يخطوها , ولاشك أن لكل طرف رؤيته الخاصة لمجريات الأحداث , وكل طرف يسعى بكل ما يملك من قوة للاستفادة من المتغيرات الحادثة فى المنطقة العربية لتحقيق رؤيته الخاصة بمشروعه .
الكيان الإسرائيلي يسعى من خلال هذا الإعلان قطع الطريق أمام محاولات الرئيس محمود عباس لتحقيق المصالحة مع حركة حماس وإغلاق ملف الانقسام الفلسطيني الداخلي , وهذه الخطوة فى هذا الوقت لا تخدم المخطط الإسرائيلي أو لابد أن تتم بطريقة تتوافق مع المصلحة الإسرائيلية صاحبة اليد الطولى – كما تعتقد بحكم قوتها العسكرية - فى رسم أي سياسة فى المنطقة ويجب عدم السماح بأي خطوة سياسية على الأرض دون عرض تفاصيلها على القيادة الإسرائيلية , ولعل التحركات السياسية المتواصلة الهادئة التى يقوم بها الرئيس محمود عباس شكلت حالة من التوتر والقلق لدى الكثيرين من قادة الكيان الإسرائيلي وهم يراقبون تراكم الانجازات وتسجيل بعض النقاط على الساحة الدولية لصالح القضية الفلسطينية وهذا ما زاد من وتيرة الحساسية الكبيرة لكل خطوة يقوم بها الرئيس سواء كانت على المستوى الداخلي أو الخارجي .
ولكن فى ذات الوقت وبحكم أن الكيان الإسرائيلي الأكثر إدراكا لبواطن الأمور وحقيقة القوى على الأرض , هل يعتقد أنه بالإمكان تحقيق سلام أو استقرار فى المنطقة بدون حركة حماس ؟ أليست حركة حماس اليوم لاعب أساسي حقيقي فاعل ومؤثر فى أحداث المنطقة وخاصة على المستوى الأمني ؟ وهل يعتقد قادة هذا الكيان أنه يمكن لأي قائد فلسطيني تجاهل قوة حماس فى الشارع الفلسطيني ؟ وأليس هناك قادة داخل الكيان يضغطون باتجاه فتح قنوات تفاوضية مباشرة مع حركة حماس لتحقيق مصالح إسرائيل فى المنطقة ؟ ألم تبدأ منذ فترة سياسة فتح قنوات سياسية بين أطراف غربية دولية وحركة حماس بمستويات مختلفة بهدف دفع عملية السلام وتحقيق الاستقرار فى المنطقة بمشاركة حركة حماس ؟ كثيرة هي الشواهد التى حدثت تؤكد أنه لا تناقض بين الأطراف الثلاثة فى السعي لتحقيق السلام , فلا يمكن تحقيق سلام واستقرار حقيقي بدون حركة حماس ولا يمكن للرئيس محمود عباس لتحقيق السلام مع الكيان الإسرائيلي بدون مصالحة وتوافق مع حركة حماس ولا يمكن لحركة حماس أن تستمر كشريك سياسي بدون تحقيق السلام مع الكيان الإسرائيلي , ولذلك يجب أن تكون هذه المعادلة فى المدى الزمني المنظور هي سيدة الفعل السياسي .
أما الرئيس محمود عباس فهو يسير وفق رؤية واضحة وصريحة وتنسجم مع السياسة الدولية والإقليمية فهو يريد تحقيق السلام مع الكيان الإسرائيلي دون التنازل عن الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية المتفق عليها وفى ذات الوقت فهو يقوم بخطوات لتحقيق المصالحة الداخلية باعتبارها ضرورة وطنية لا يمكن تحقيق أي إنجاز سياسي على الأرض بدونها , وهو يسعى لتعزيز مؤسسات السلطة الفلسطينية من جديد عندما يصر على ضرورة الإسراع فى إنجاز الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتعزيز مبدأ الشراكة السياسية بعد أن خاضت القوى الأساسية – فتح وحماس – تجربة السلطة والحكم وأدرك كل طرف استحقاقات ومتطلبات الحكم لتحقيق المصالح العليا للشعب الفلسطيني , ولعل مبادرته الجريئة لزيارة قطاع غزة تأتي فى السياق , وتأكيده بأنه لن يقوم بترشيح نفسه لولاية جديدة يصنع مرحلة جديدة فى تاريخ الشعب الفلسطيني والأمة العربية بانتهاء والى الأبد مصطلح الزعيم الخالد أو الأوحد بل هناك فى الشعب الفلسطيني من يستطيع التقدم لقيادة هذا الشعب , وليس هناك هدف من هذا الموقف إقصاء أي طرف لأنه ببساطة لا يملك هذا الحق ولا يستطيع فعل ذلك , والشعب هو الحكم فى اختيار قيادته , والقضية التى يجب التركيز عليها كيف يمكن إجراء هذه الانتخابات بكل نزاهة وشفافية لمعرفة إرادة الشعب الحقيقية .
أما حركة حماس فأمامها الخيارات محدودة فهي اليوم تقف أمام مرحلة جديدة ومتغيرات إقليمية يمكن الاستفادة منها ولكن بشكل جماعي يخدم القضية الفلسطينية ولا يمكن أن تخدم حركة حماس بمفردها وسيبقى الانقسام عامل ضعف وليس قوة للمستقبل الفلسطيني , ولابد من النظر الى قلب تلك المتغيرات الإقليمية وليس الى ظاهرها , لازالت السياسة الدولية هى اللاعب الأساس فى المنطقة , وأمام حماس الفرصة لالتقاطها وهي فى حالة من النجاح على الأرض قبل أن تبدأ هذه المرحلة فى الانحدار فنحن نقف على أرض متحركة وليست ثابتة كما يعتقد البعض , الفرصة السانحة قد تكون لمصلحة الجميع دون استثناء , ولعل تصريحات نتنياهو تحمل فى طياتها الكثير الذي يجب فهمه .
الآفاق المرعبة والمذهلة للثورة العربية
الجزيرة نت
منصف المرزوقي
بدايةً نقطة نظام: ثمة من يستعملون مصطلح الثورات العربية وهو أمر لا يجوز، حيث لا مجال للحديث إلا عن الثورة العربية بالمفرد، فمما لا جدال فيه:
- أن أسبابها واحدة وهي تسلط الفرد وحق أهله في الفساد، وحكم الأجهزة البوليسية، وخصخصة مؤسسات الدولة لخدمة الأفراد والعصابات بدل خدمة الوطن والشعب. "
يجب أن نقول الثورة العربية بالمفرد وليس الثورات العربية، وذلك لأن أسبابها واحدة وأهدافها واحدة ووسائلها واحدة، وحتى طبيعتها واحدة.. وأمام هذه القواسم المشتركة، لا أهمية لأي فوارق طفيفة"
-أن أهدافها واحدة، حيث لم يرفع أحد مطلب بناء دولة العمال والفلاحين أو إقامة الخلافة، وإنما اتفقت كل الشعوب على الشعار الذي رُفع في تونس وصنعاء والمنامة والقاهرة وبنغازي "الشعب يريد إسقاط النظام"، وعلى مطلب مجلس تأسيسي ودستور يضمن بناء الدولة المدنية والمجتمع الحرّ ويقطع نهائيا مع الاستبداد.
- أن وسائلها واحدة، فكل الانتفاضات كانت سلمية وإن ووجهت برصاص المجرمين.
- أن طبيعتها واحدة: شعبية، مدنية، شبابية، بلا قيادة مركزية وبلا أيدولوجية.
أمام هذه القواسم المشتركة، أيُّ أهمية لفوارق طفيفة؟
ليكفّ إذن البعض عن استعمال مصطلح الثورات العربية، فالأمر إما خطأ غير مقصود يصلّح، وإما موقف وإصرار واعٍ على تجزئة أمتنا ولو على صعيد التسميات كما تفعل الإدارة الأميركية، عندما ترفض للأمة وجودها متعاملة مع "الشرق الأوسط" و"شمال أفريقيا".
السؤال الآن -حتى لو كانت الثورة لا تشمل لحظة كتابة هذا النص إلا ثلث الأمة- هو: إلى أين تتجه؟ وما هو مآلها في الأمد القصير والمتوسط والبعيد؟
يمكننا التوقع بأن آثارها ستنتشر خارج حدود الوطن، وما عصبية الحكومة الصينية هذه الأيام إلا الدليل على توسّع دائرتها إلى حيث لا نتوقع. والثابت أنها ستمتد إلى كل أقطار الوطن، ولكل من يحاول مغالطة نفسه في المغرب والسعودية وسوريا أو الجزائر باستقرار نظامه، أن يتذكر أن أنظمة تونس ومصر وليبيا كان كل منها هو أيضا "مستقرا". كم صدقت الفيلسوفة الألمانية هانا أرندت عندما قالت إن خاصية الدكتاتورية أن كل شيء فيها يبدو على ما يرام إلى حدّ الربع الأخير من الساعة الأخيرة.
الثابت أيضا أننا مثل ركاب باخرة كانت تطفو ساكنة على سطح مستنقع نتن، ثم وجدت نفسها وسط أعتى العواصف، ولا أحد قادر على التكهن في هذه اللحظة بأننا سنغرق جميعا أم سنصل برّ النجاة، ولا بطبيعة ذلك البر. هل يمكن لتجارب الشعوب التي قامت قبلنا بثورات أن تعيننا على تصور ما الذي ينتظر الثورة العربية؟ المشكلة أن هذه التجارب لا تبعث على التفاؤل، وهي تصف لنا مستقبلا قاتما وربما أخطر وأقسى مما عرفنا.
لنتأمل بعض الثوابت التي تتردّد عبر التاريخ حتى تكاد تكون قوانين.
لا بد أحيانا من زمن طويل حتى تحقق الثورة أهدافها.. هذا إن حققتها.
قامت الثورة الفرنسية عام 1789 بهدف بناء مجتمع الأخوة والحرية والمساواة، أي إنشاء نظام جمهوري وديمقراطي. إلا أنه مرت أربع سنوات قبل الإطاحة بالملك، ثم عادت الدكتاتورية عبر نابليون الذي نصّب نفسه عام 1804 ليس ملكا فقط وإنما إمبراطورا، وبعده عادت الملكية عام 1814 ممثلة في لويس الثامن عشر، ثم من بعده شارل العاشر عام 1824 والذي قامت عليه ثورة 1848، ومع هذا عادت الدكتاتورية مجددا في ثوب نابليون الثالث عام 1852، ولم تنشأ الجمهورية إلا بعد هزيمة نظامه في الحرب ضد بروسيا عام 1870. قرابة قرن إذن قبل أن تتحقق أهداف الثورة الفرنسية، والأمر ليس شاذا وإنما قاعدة، وإن تباينت مدة الجزر وتوقيت عودة المدّ. "
من يفقدون السلطة لا يتبخرون ولا يذوبون كالسكر في الماء، وإنما يتراجعون خلف الستار للتآمر على قلب النظام الذي انقلب عليهم، وإن عجزوا عن الأمر بذلوا كل ما في وسعهم لعرقلة المسار الثوري وتشويهه"
لاتقوم ثورة إلا و قامت لها ثورة مضادة.
من يفقدون السلطة لا يتبخرون ولا يذوبون كالسكر في الماء، وإنما يتراجعون خلف الستار للتآمر على قلب النظام الذي انقلب عليهم، وإن عجزوا عن الأمر بذلوا كل ما في وسعهم لعرقلة المسار الثوري وتشويهه.. هذا بالضبط ما نشاهده في تونس حيث فلول المافيات التي تركها نظام بن علي تتعاون مع فلول البوليس السياسي والحزب المنحلّ لبث الفوضى والعنف في البلاد، على أمل أن يزرعوا اليأس والندم في قلوب الناس ليترحموا حسرة على زمن الأمن في عهد دولة البوليس. أخبث الأعداء طبعا من يلتحقون بالثورة في آخر لحظة لتقويضها وإفراغها من مضمونها من الداخل، وهؤلاء داء بلا دواء.
لكل ثورة ثمن باهظ.
بغضّ النظر عن القوى الهدامة التي تحركها الثورة المضادة، فإن هناك في الثورة نفسها قوى جبارة تدفع إلى الفوضى والعنف وعدم الاستقرار. فلا بدّ بالنسبة للثوريين من مجابهة الأعداء بالمقاصل والمشانق والسجون، وآنذاك تعود الآلة الجهنمية للقمع السياسي إلى العمل مع كل مضاعفاتها الكلاسيكية، ومن أولها الالتفاف على الثوريين أنفسهم.
عرفت الثورة الفرنسية فترة الرعب التي شهدت فيها قطع آلاف الرؤوس، ثم انتهت بقطع رؤوس القاطعين ومن أشهرهم روبسبيار ودانتون.. إنها لعنة القطة التي تأكل أطفالها. ثمة أيضا تفجر المطالب الاجتماعية والسياسية المعلقة تحت الاستبداد، وهي مطالب يستحيل على أي نظام سياسي تلبيتها.. كل هذا في ظروف تفجّر المطامح الشخصية والجهوية والحزبية -المشروعة منها وغير المشروعة- والصراعات الشريفة وغير الشريفة على السلطة.
الثوار ليسوا من يجنون ثمار الثورة.
بعد الثوريين يأتي عهد الانتهازيين، وبعد الملحمة يأتي عهد خيبة الآمال، إذ يعود فقراء سيدي بوزيد إلى فقرهم، ويعود سكان المقابر في القاهرة لمقابرهم. فلا حلول جذرية لمشاكلهم وإنما كثير من الوعود التي قد تتحقق وقد لا تتحقق. أما من تغنم الغنيمة الكبرى ففي حالتنا هي البرجوازية التي كانت تتنعم تحت الاستبداد بمستوى مادي مقبول، لكن الاستبداد بقمعه للحريات وبفساده كان يسمم حياتها.
وبتخلص الوطن من الاستبداد، ها هي تضيف -بفضل تضحيات المغلوبين والمساكين- إلى حقوقها الاقتصادية والاجتماعية حقوقَها السياسية التي كانت ممنوعة منها، بينما تجد الطبقات الفقيرة نفسها حائزة على حريات سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع.
لقائل أن يقول "فال الله ولا فالك"، هل يجب أن ننتظر نحن أيضا قرنا من الزمن لنحقق أهداف ثورة تعِدنا بأنها ستكون زمنا طويلا من الفوضى والعنف وخيبة الأمل، والمزيد من الفرص الذهبية للانتهازيين؟
لا تعجل عليّ باللوم فهذه قراءة النصف الفارغ من الكأس. والآن لرفع المعنويات هذه قراءة النصف الملآن وفيها المنجزات الثلاثة العظمى للثورة العربية، وهي لم تتجاوز بعدُ شهرَها الثاني.
الإنجاز العظيم الأول هو إعادة بناء الإنسان العربي، إذ فجأة وبدون مقدمات -أو هكذا يبدو- قطع الإنسان العربي مع حقبة كان فيها رعية لراعٍ. ولسائل أن يسأل: أين ذهب ذلك العربي العاجز الجبان الرعديد المحبط السلبي؟ ومن أين خرج هذا الشباب الثائر بكل شجاعته ووقاحته وتحديه؟ قد تكون الإجابة أن شطط النظام الفاسد في القمع والفساد والتزييف والاحتقار وضع الإنسان العربي أمام تحدٍّ وجودي: أكون أو لا أكون، فقرّر أن يكون. "
نظرا لموازين القوى اختار الإنسان العربي أن يسكت دهرا مستبطنا ومفكرا ومقيّما لحظة الانقضاض على جلاديه، وكان الأغبياء يأخذون طول ترقبه لهم على أنه استكانة نهائية واستسلام شامل"
ونظرا لموازين القوى اختار أن يسكت دهرا مستبطنا ومفكرا ومقيّما لحظة الانقضاض على جلاديه، وكان الأغبياء يأخذون طول ترقبه لهم على أنه استكانة نهائية واستسلام شامل. يا حكام العرب الذين ما زلتم تحكمون بعقلية الماضي، ويا حكام العرب في المستقبل انتبهوا، أمامكم إنسان جديد استرجع كرامته وثقته في نفسه وشعبه ولن يسمح لأحد أن يحتقره مجددا، ولا تنسوا أن السيد من هنا فصاعدا هو من يعطي المثل لا من يعطي الأوامر.
الإنجاز العظيم الثاني هو إعادة بناء الشعوب العربية، فالدكتاتورية لا تعيش إلا إذا نجحت في خلق غبار من الأفراد يخافون منها ويخافون من بعضهم البعض، ويمرّ الأمر بمنع كل تواصل لا تتحكم فيه الدكتاتورية. ذلك ما حاوله استبدادنا البغيض، لكن الثورة صهرت في بوتقتها الأفراد المعزولين عن بعضهم البعض وخلقت منهم مجموعة بشرية متلاحمة تثق في بعضها البعض وتواجه الموت جنبا إلى جنب، لفرض حقها في العيش الكريم.
الأخطر من هذا أن هذه المجموعة التي نحتها لهيب الثورة اكتشفت قوتها وأنها قادرة على سحق الطغاة وكنسهم كما لو كانوا كدسا من القاذورات. عن هذا الاكتشاف الهائل يتولد الشعور بالفخر والاعتزاز بالانتماء.. هكذا أصبحت الثورة لحظة تأسيس جديد ستبقى في ذاكرة الأجيال القادمة عنصرا أساسيا في تكوين هوية ذلك المارد النائم بعين واحدة طوال الحقبة المظلمة: الشعب.
الإنجاز العظيم الثالث هو إعادة بناء الأمة العربية، ولنتذكر أن الدكتاتورية بغّضت العربي إلى العربي باصطناعها خصومات الجزائري ضد المغربي والكويتي ضد العراقي واللبناني ضد السوري.. إلخ, والحال أنها لم تكن إلا معارك بين أنظمة شرسة غبية تتخاصم حول تقاسم النفوذ الشخصي، دون أدنى انتباه إلى المصلحة العامة.
هي بغّضت إلى العرب حلم الوحدة العربية عندما ربطته بهذا النظام الاستبدادي أو ذاك، وهي جعلت كل عملية تقارب مستحيلة لأن الدكتاتوريات لا تتحد وإنما تتحارب، وكل دكتاتور لا همّ له إلا منع الدكتاتور الآخر من التعدي على مزرعته وقطيعه. الأخطر من هذا كله أنها بغضت إلى العرب أنفسَهم وهم يشاهدون تفككهم وعجزهم وتخلفهم وتواصل مأساتهم في ظل الاحتلال الداخلي والاحتلال الخارجي.
كل هذا انفجر مع الثورة المباركة.. هذه الأيام لا أحد ينتبه في تونس إلى ما يجري في تونس رغم دقة الأوضاع، وكل الأعين موجهة إلى ما يجري في ليبيا الحبيبة، وقبلها كانت أيادينا على قلوبنا خوفا من انتكاسة الثورة في مصر، وفي اليمن مشى المتظاهرون ينشدون النشيد الوطني التونسي لأن فيه الأبيات الخالدة لشاعر الأمة أبو القاسم الشابي.
من ينكر اليوم أننا أمة يخفق قلبها بنبض واحد، وأن قناة الجزيرة هي اليوم من يعدّل النبض على نفس الإيقاع؟! أما أن يكون لهذا المعطى تداعيات بالغة الخطورة -ومنها عودة المشروع الوحدوي بقوة- فأمر لا شك فيه.
نعم الأحداث حبلى بدول عربية ديمقراطية تحررت من الاحتلال الداخلي وأحرزت استقلالها الثاني. وبانهيار الدكتاتوريات ستُرفع أكبر عقبة ضد التوحيد السياسي لأمة متحدة ثقافيا ووجدانيا، وستُرفع أيضا أوهام التوحيد الاستبدادي الذي كان دوما جزءا من المشكل لا من الحل.
كما استطاعت أوروبا أن تتحد بعد انهيار الدكتاتوريات النازية والفاشية والشيوعية، فإن الأمة العربية ستبني على غرارها -بل وأحسن منها- اتحاد الشعوب العربية الحرة، والذي سيجعل من العرب المجموعة البشرية الثالثة بعد الهند والصين، ويعيد إليهم مكانهم في هذا الزمان.
إن فتح الفضاء العربي من المحيط إلى الخليج لتحرك الإنسان والرساميل في ظل أنظمة تحارب الفساد والظلم، سيعطي لأمتنا حيوية ستفاجئ كل الأمم، وسيمكننا من تفادي المستقبل المظلم الذي تنبأ لنا به تقرير 2009 لمنظمة الأمم المتحدة للإنماء، بل وقد يجعلنا لاعبا أساسيا بين القوى العظمى الخمس أو الست. "
صحيح أننا معرضون لأخطار الفوضى والثورة المضادة وعودة الاستبداد مرة أخرى, لكن صحيحٌ أيضا أننا اليوم قاب قوسين أو أدنى من مريخ الحرية والديمقراطية والتقدم"
هذا ما سيعيد ترتيب شؤون العالم بكيفية لم يحسب لها كبار المخططين حسابا.
منذ ثلاثين عاما وتحديدا عام 1981، صدر لي في تونس أول كتبي وعنونته "لماذا ستطأ الأقدام العربية أرض المريخ؟"، تحديا لكل من يحتقرون أمتنا سواء أكانوا من أبنائها أو من أعدائها، ودعوة للإيمان بما تزخر به من طاقات جبارة ستنفجر عاجلا أو آجلا.
صحيح أننا معرّضون لأخطار الفوضى والثورة المضادة وعودة الاستبداد مرة أخرى وطول الآجال لتحقيق أهدافنا، لكن صحيح أيضا أننا اليوم قاب قوسين أو أدنى من هذا المريخ الذي بدا لنا يوما أملا حتى الحلم به جسارة مضحكة: مريخ الحرية والديمقراطية والتقدم، ولم لا في يوم من الأيام سنطأ المريخ الكوكب بأقدامنا وليس فقط بأحلامنا، وقد أصبحنا كما كنا أمة لا تضحك من جهلها الأمم.
كان القرن الثامن عشر قرن الثورة الفرنسية والأميركية، وكان القرن العشرون قرن الثورة الروسية والصينية. أما القرن الواحد والعشرون فسيقول عنه المؤرخون إنه كان قرن الثورة العربية.
هل سترفعنا هذه الثورة إلى القمم أم سترمينا في بؤر ربما تجعلنا نتحسر على ما فات كما يتحسر الشيوخ والعجائز في قرى روسيا على عهد ستالين؟
إنه التحدي الجبار المرفوع في وجوهنا ونحن أمام واحد من أخطر مفترقات الطريق الذي تمشي عليه هذه الأمة العظيمة منذ 15 قرنا.
قال أحمد شوقي:
وما استعصى على قومٍ منالٌ إذا الإقدامُ كان لهم ركابا
فلندر الظهر لطريق الفوضى والإحباط والعنف، وليكن الإقدام لنا ركابا نحو قمم المجد, فكونوا يا عربُ جديرين بمستقبلكم، وعلى موعد مع الملحمة المتجددة، محركها الثقة في الله وفي النفس وفي قدرتنا نحن أيضا على أن نأتي بما لم تستطعه الأوائل.
العلاقات السورية ــ المصرية وإحياء العقد التاريخي
معا
الكاتب: علي بدوان
مما لاشك فيه بأن غياب مصر الفاعل والمؤثر عن ساحة العمل العربي المشترك خلال العقود الثلاثة الماضية، أفضى لبروز أدوار إقليمية لدول صديقة مجاورة (وشقيقة بالمعنى التاريخي العميق) كتركيا وإيران، التي باتت كل منها أوسع حضوراً وتأثيراً وفعلاً في ميدان الساحة الإقليمية وحتى الدولية من باقي الدول العربية، وأكثر تقريراً في مسائل محددة ذات صلة بما يجري في الشرق الأوسط خصوصاً منذ انطلاق العملية «التسووية» السياسية منذ العام 1991 .
ومن نافل القول ايضاً، بأن حالة التردي في العلاقات المصرية/السورية وعلى مستوياتها الرسمية، والتي سادت طوال السنوات الطويلة الماضية هبوطاً وتعثراً وتقلباً، أدت لانتكاسات كبرى في مسار العمل العربي المشترك، وأعطت نتائجها السلبية على أكثر من قضية وعنوان سياسي في المنطقة وتحديداً بالنسبة للقضية الفلسطينية بكافة جوانبها وعناصرها، إضافة للمسائل العربية المتعلقة بلبنان على سبيل المثال، بالرغم من المحاولات والوساطات التي قامت بها أكثر من جهة عربية وفي مقدمها المملكة العربية السعودية لإعادة وصل ما انقطع بين سوريا ومصر في فترات معينة، فبقيت العلاقات بين دمشق والقاهرة تمر في مرحلة صعود وهبوط تتخللها حال من «الهدنة» أحيانًا ما تلبث أن تتبخر.
عودة السلبية العربية
إن انتصار انتفاضة الشعب المصري في نقلتها النوعية الأولى، سيعيد بكل تأكيد تغيير الصورة السلبية في الواقع العربي التي سادت سابقاً بشكل أو بأخر مع عودة مصر إلى دورها الفاعل وبالتدريج، وهو الدور المفتقد منذ حوالي ثلاثة عقود خلت. كما سيعيد تغيير علاقات مصر العربية خصوصاً مع سوريا، التي تشكل مع مصر والمملكة العربية السعودية القوائم الأساسية لـ (السيبة) العربية الثلاثية، والتي كانت في سنوات معينة الأساس في بناء سياسات الإجماع الوطني العربي. فالتحول المصري الأخير كان بمثابة انتقال هائل، فتح المجال الآن أمام استعادة الحضور والحيوية لإحياء المسار الثلاثي (السوري/المصري/السعودي) والذي يفترض به أن يتحول إلى شراكة حقيقية في إطار العمل لتوحيد الجهد العربي، بأداء جديد لتعويض الغياب الاستراتيجي لبعض الدول العربية الكبرى التي مازالت غارقة بأزماتها الداخلية كالعراق أو حتى الجزائر، وبعضها الأخر محاصر بمجموعة من الأزمات في اليمن وليبيا وغيرهما.. وللمساعدة في انتشال أوضاع تلك البلدان من أزماتها، وإيقاظ الحالة العربية من سباتها وإنهاء المراحل السوداوية في تاريخ العلاقات العربية/العربية.
إن أول المؤشرات عن إمكانية إعادة بناء العلاقات السورية/المصرية، ووضع حد لدابر التباين والانقسام السياسي بين البلدين، لاحت الآن، مع سقوط نظام حسني مبارك، وانطلاق الإشارات الودية، والاتصالات الأولية، بين القيادة السورية وعلى أعلى مستوياتها وبين قادة المجلس العسكري الانتقالي، فقد جرت اتصالات مباشرة بين الرئيس بشار الأسد والمشير محمد حسين طنطاوي الذي أرسل برئيس المخابرات الحربية المصرية اللواء مراد محمد موافي إلى دمشق في زيارة تحمل معاني ايجابية عدة على هذا الصعيد.
إن الرسائل والاتصالات المتبادلة بين دمشق والقاهرة، تشي بالضرورة بأن هناك عقلية جديدة باتت الآن موجودة في أعلى سلم الهرم القيادي في مصر، حتى وهي في المرحلة الانتقالية، فالسلطة الآن للمجلس العسكري، وستشهد العملية السياسية في مصر ثلاث مراحل تبدأ بإعداد تعديلات دستورية وإجراء استفتاء عليها ثم إجراء انتخابات تشريعية وأخيرا الانتخابات الرئاسية، وإلى أن تنتهي فترة الانتقال إلى حكم مدني ديمقراطي، باتجاه بلورة المؤسسة القيادية الجديدة في مصر كتحصيل حاصل لانتفاضة رائعة هزت العالم بأسره، وقد سجلها شعب الكنانة بصورة حضارية أذهلت شعوب العالم كله.
وعليه، فالرسائل المتبادلة والاتصالات بين دمشق والقاهرة، تأتي بعد سريان المفعول المطلوب بـ «ذوبان الجليد المتحجر» بينهما وعودة الدفء إلى العلاقات بينهما بعد إسقاط النظام المصري السابق برئاسة حسني مبارك والذي شهد عهده حالة من التردي المتواصل للعلاقات السياسية بين القاهرة ودمشق، في ظل اتباع نظام مبارك لسياسته المعروفة والمعلومة بالنسبة لعملية «التسوية» في المنطقة وقضايا الصراع العربي/الصهيوني، في الوقت الذي اشتقت فيه سوريا سياسات وطنية وقومية مغايرة، قائمة على أعمدة ثابتة عنوانها التمسك بالحقوق العربية كاملة ورفض مقايضتها بحلول (جزئية مرحلية) مع الدولة العبرية الصهيونية، أو تمريرها على حساب الشعب العربي الفلسطيني، انطلاقاً من كون القضية الفلسطينية قضية قومية بامتياز، لا تخص الشعب الفلسطيني المظلوم وحده، بل تخص وتمس حاضر ومستقبل الأمة العربية والمنطقة بأسرها، بالرغم من سيادة (القُطري) وتغييب (القومي) في الحالة العربية على امتداد الثلاثين عاماً الماضية.
المتعجلون وغياب الرؤية
إن المتعجلين الذي يودون حرق المراحل بسرعة، وجني ثمار انتفاضة الشعب المصري، يعتقدون بأن عملية الانقلاب الكامل والتام على سياسات الرئيس السابق حسني مبارك ونظامه في مصر كان يجب لها أن تكون فورية وسريعة، بدءاً من إلغاء اتفاقية كامب ديفيد الأولى وطرد سفير العدو «الإسرائيلي»، وإلا فان لاشيء قد تغير من وجهة نظرهم.
إن أولئك المتعجلين، ومع سلامة نواياهم، وشعورهم القومي العالي، وهم وطنيون مخلصون وأشداء بكل الحالات، لكنهم في رؤيتهم بعيدون عن القراءة الموضوعية لمسار الأحداث ولطبيعة الوضع الخاص الذي كبّل مصر وقيّد حركتها خلال السنوات التي توقيع اتفاقية كامب ديفيد الأولى عام 1979 وإلى الآن. فالقيد الموروث في معصم مصر، هو قيد معقّد تم تركيبه وإنزاله خلال سنوات طويلة، وربما يظل القيد إياه ضاغطاً لمدى معين من الزمن، لكنه وبكل الحالات لن يدوم إلى مدى طويل.
ومع هذا، فان المجلس العسكري الانتقالي برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي أعطى مدلولات هامة على صعيد الانتقال السياسي لمصر من عهد إلى عهد جديد منتظر، فالمجلس العسكري لا يبدو مستعدا لخدمة «إسرائيل» كما كان نظام حسني مبارك، ولنا أكثر من مؤشر قوي على هذا الصعيد وفي هذا الميدان، منها السماح بعبور سفينتين حربيتين إيرانيتين لقناة السويس إلى ميناء طرطوس السوري رغم كثافة الضغوط الأميركية والإسرائيلية لمنع العبور، وذلك بعد أكثر من ثلاثين عاماً من الحظر المصري على عبور السفن الإيرانية التجارية أو الحربية على حد سواء لقناة السويس.
في هذا السياق، إن «إسرائيل» ترى من عودة الحياة للعلاقات الطبيعية بكل وديتها وحرارتها بين مصر وسوريا، مسألة مثيرة للقلق، ومثيرة للفزع، خوفاً من حدوث عملية انتقال متدرجة لمصر بالمعنى السياسي والتاريخي، من موقع إلى موقع معاكس تماماً، وهو ما دفع بقادة جيش الاحتلال وقادة الأذرع الأمنية «الإسرائيلية» للحديث عن احتمال عودة الصراع العسكري المباشر على الجبهة الجنوبية، وهو ما يرتب على «إسرائيل» إعادة بناء فلسفتها الأمنية والعسكرية، وإعادة بناء الإستراتيجية العسكرية على أساس العودة للحالة التي كانت سائدة قبل العام 1979 .
ونحن في هذا السياق نقول، إن مصر لن تقطع علاقاتها أو تلغي اتفاقياتها مع الجانب «الإسرائيلي» فوراً ودون بناء خيارات جديدة على طريق التخلص من قيود معاهدة كامب ديفيد الأولى، ودون وجود حالة عربية جديدة وغطاء عربي جديد، إلا أنها الآن أصبحت أكثر حرية بالتحرك، وبالتالي لن تكون مصر عراباً لتسويق وتمرير الرؤية الأميركية و«الإسرائيلية» بالنسبة لقضايا الصراع مع «إسرائيل» وتحديداً بالنسبة للقضية الفلسطينية.
وفي هذا الصدد، فان إشارات واجتهادات مختلفة خرجت من «إسرائيل» ومن داخل اطارت «جيشها» تطالب بتبني وجهة نظر مختلفة مفادها أن الحدث المصري بات يحتم على «إسرائيل» الاتجاه نحو مسار سلمي وفتح نوافذ التفاوض واسعة مع سوريا والفلسطينيين.
ومن بين من تحدث بهذا الرأي كان الجنرال غابي أشكنازي رئيس الأركان السابق لجيش الاحتلال الذي اعتبر أن الدفع باتجاه إخراج سوريا من دائرة الحرب مع «إسرائيل» سيكون بمثابة إنجاز استراتيجي وتعويضاً عن الخلل الذي سببه سقوط نظام حسني مبارك، ومعتبراً في الوقت نفسه أن «إسرائيل تقيم سلاماً اليوم مع الأردن ومصر ومن دون شك فهو سلام استراتيجي مهم لكنه غير كاف. والتطورات التي تشهدها المنطقة حالياً تتطلب من إسرائيل خطوات لضم أطراف عربية تالية لهاتين الدولتين وبالأساس سورية».
أخيراً، إن المحصلة النهائية التي بدت واضحة على الأرض بعد العواصف التي هبت على المنطقة، تبدو على النحو التالي : لقد افتتحت ثورة مصر عصراً جديداً في العالم العربي على كل المستويات، فقد التقطت نوراً وهاجاً من الشرارة التونسية، أشعل مصر ودفع باتجاه إحداث زلزال استراتيجي في عموم المنطقة، ولتصبح معه مصر العربية مهيأة للعودة التدريجية إلى دورها الإقليمي الذي يتناسب مع ثقلها وإرثها وتاريخها، وليعيد لها هيبتها ومكانتها التي غابت عنها طويلاً، كما سيعيد للمنطقة برمتها توازناً جديداً يحسب من خلاله لمصر ألف حساب. وفي هذا الصدد فان عودة الحياة الطبيعية إلى مسار العلاقات السورية/المصرية، وإعادة بناء العقد التحالفي التاريخي السوري/المصري هو الأمل المرتجى خلال الفترات القادمة.
فزعة حوران وسوريا مستقبلا' !!!
شبكة الكوفية برس
ماهر حسين
كما هو متوقع حدثت بعض المظاهرات في سوريا وسارعت قوات الأمن التابعة للدولة بقمع المظاهرات بعنف شديد فسقط في يوم واحد وبشكل عاجل وسريع أربعة شهداء من أبناء شعب سوريا وبدأت بعض وسائل الاعلام تتحدث عن محاكمات وتهم بحق المتظاهرين وهذا متوقع فلقد تجاوزوا ما هو مسموح به في جمهورية الصمت وحاولوا التظاهر أو التجمع للتعبير السلمي عن وجهة نظرهم .
التهم جاهزة في سوريا من الارتباط بجهات معادية للإخلال بالأمن الى المساس بهيبة الدولة السورية ويمكن أن تصل التهمه للمساس بالتوازن الإستراتيجي مع إسرائيل أو للمساس بحق الرد الذي تحتفظ به سوريا دوما' أمام أي اعتداء إسرائيلي ولكنها تسارع للرد وبقوه وبعنف أم أي تفكير أو فعل ولو بسيط للمواطن السوري الباحث عن الحرية .
في سوريا كما هو الحال بأغلب دول العرب والمسلمين هناك تطلعات مشروعه لدى المواطنين وهناك رغبه بتجاوز الحالة التي تمر بها البلد والمواطن السوري يعاني كما الأغلبية مصاعب مرتبطة بلقمة العيش بالإضافة إلى التحكم المفرط لأجهزة الأمن السورية ولرجالات الدولة بكل المصالح العامة والخاصة هنــــاك.
سوريا كذلك تعاني من فساد كبير وتعتبر سوريا من الدول التي بها مستوى تقديم الرشاوى مرتفع وكبير وشامل لعدة مستويات حيث يبدأ من رشاوى صغار الموظفين لتخليص المعاملات وصولا' إلى رشاوى إغلاق الملفات الأمنية وإقامة المشــــاريع السياحية والاقتصادية .
هذا الحال وكما يبدو لم يعد مقبولا' لدى المواطن السوري الذي يتطلع للأفضل وهذا حق مكتسب إنسانينا' ، فكل مواطن له حق أن يعبر عن رأيه وان يعمل على تطوير وطنه ليكون أفضل له ولا سرته لاحقا'.
بكل الأحوال بالنسبة لي ولأنسجم مع ما أؤمن به فأن الحال في سوريا هو شأن السوريين والقيادة السورية وكلنا أمل بان تحفظ الدولة هناك كرامة المواطن وان تمنحه حقه من التعبير عن نفسه وان تتوقف عن التفكير بمنطق (مجزرة حماة ) العنيف أو بمنطق (عمالة طل الملوحي ).
هذا شعب عظيم تفاخر به الخليفة معاوية أبن أبي سفيان رضي الله عنهما ووصف الشام وأهلها بما يستحقوا ولا يعقل أن تحولهم الأنظمة إلى شعب راضخ وراضي باحتلال أرضه منذ عام 1967 كما انه راضخ وراضي بما منح له من حريات من قبل النظام هناك .
سوريا وأهلها ليسوا أقل من الآخرين وقدرتهم على التغيير ستكون حتما' إضافة للمنطقة فمن حق شعب سوريا أن يتطلع إلى أحداث تغيير كبير في وطنه ونحن أيضا' بحاجه إلى سوريا متقدمه وسوريا حرة وسوريا الديمقراطية وسوريا التي تحمي أرضها وتدافع عن شرفها وشرف الأمة ...نحن بحاجه إلى أن نرى سوريا أحد أعمدة أمة العرب تعود إلى دورها الطبيعي راعية للعرب وحامية لهم لا تابعه للفرس ومعبره عن سياستهم .
في سوريا فجرت درعا بشهدائها مرحلة جديدة قد يتم قمعها وإيقافها من قبل النظام ولكنها ستكون مقدمة لثورة أكبر واعم فلقد هتفت الجماهير بدرعا والشام مطالبة بالحرية وهتفت تطلب الفزعة من أهل الفزعة ومن رجال عرف عنهم عروبتهم وكرمهم وشموخهم ...فما هو القادم ...هل تستجيب الدولة هناك لتطلعات الشعب وتتوقف عن الفساد وتمنح الشعب الحرية أم نرى سيناريو جديد !!!!!
كلنا أمل أن يكون هناك مستقبل أفضل لسوريا وأن يكون هناك تفاعل بين الجماهير والدولة للعبور إلى مستقبل واعد وحرية وديمقراطية يستحقها شعب سوريا كما أرجو أن يكون هناك فرصه للعبور مع سوريا إلى مستقبل أفضل بالمنطقة عبر تحقيق السلام .
حفظ الله امة العرب من كل مكروه .


رد مع اقتباس