أقلام وآراء (13)

السبت 12/3/2011

ملف يتضمن مجموعه من المقالات والتقارير والتحليلات في شؤون مختلفة لعدد من الكتاب والصحفيين كما وردت من مصادرها، وهي تعكس وجهات نظر كاتبيها والوسائل الاعلامية التي نشرت بها ، ولا تعبر بأي حال من الاحوال عن رأي مركز الاعلام .

لا يحك جلدك مثل ظفرك

صلاح الوالي

الشباب هم عماد البلاد ، ومجد حاضرها ، وروح نهضتها ، وأملها في مستقبل أفضل ، وهم نور الأمل الذي يسري في عتمة الجهل ، فإن صلحوا صلح المجتمع وازدهر ، وإن فسدوا فسد المجتمع وساده التخلف . ويشكل الشباب الفئة العمرية الأكبر داخل المجتمعات العربية وعلى عاتقهم مسؤولية النهوض والارتقاء ورفعة الأوطان ، وفي مجتمعنا الفلسطيني ، تمثل الفئة العمرية من 15إلى 25 ما نسبته 36,5% من المجموع العام للسكان في فلسطين ، وأن 75% من مجموع سكان الضفة وقطاع غزة هم دون الثلاثين من العمر.

إن الشباب الفلسطيني يعيش أوضاعًا مأساوية وضعتهم في حالة من الضياع لا يحسدون عليها ، حيث الإحساس بالتهميش

في الهموم المتعلقة بالقضايا السياسية والاجتماعية ، بالإضافة إلى الخوف من ممارسات السلطة الأبوية التعسفية التي تبدأ من الأسرة وتنتهي بنظام الحكم ، مرورا بالمدرسة والشارع والحزب السياسي . فعلى صعيد الأسرة يمر الشباب بحالة من الإحباط

واليأس ، لما يمارس عليهم من قيود العادات والتقاليد البالية ، وبخاصة فيما يتعلق بالدور الاجتماعي للفتاة ، وفي الأسرة أيضاً يعيشون مرحلة الصراع بين الآباء والأبناء ، لصعوبة مناقشة مشاكلهم مع أبائهم تحديدا في سن المراهقة ، وبسبب التباعد الثقافي بين ما يمثل القديم وما يمثل الحديث.

ومن الممارسات التعسفية أيضاً ، سياسة الضرب في المدارس التي زرعت العنف في نفوس الأطفال ، ليكبر معهم و يتعزز عبر التعبئة الفكرية داخل أحزابهم السياسية و القائمة أساسا على مبدأ نحن الصواب وغيرنا على خطأ (سياسة نفي الأخر) هذه السياسة تنتج باستمرار للمجتمع الفلسطيني شبابا متطرفين متعصبين لا يعرفون إلا لغة القوة للوصول إلى مرادهم ،لاسيما في طريقهم للسلطة ، فبالطبع يمارسون العنف للوصول إليها ، وهناك يعيدون ممارسة ما تربوا عليه من تنشئة خاطئة قائمة على الإقصاء ، وقمع الحريات ، وبناء السجون ، وفرض الضرائب التي لا ترتقي لحجم الخدمات ، وصناعة القوالب الفكرية الجامدة من خلال عدة عوامل أهمها التعليم ووسائل الإعلام الكاذب.

ومن أسباب هذه الحالة السوداوية القاتمة ، غياب الخطط والبرامج والاستراتيجيات التي تعمل على تمكين الشباب ، وكذلك اختفاء روح العمل التطوعي من تفكيرهم ، وعدم توفر القدرات المادية التي أصبحت سدا منيعا أمامهم ، وهاجسا خاصا بطلبة الجامعات ، ويضاف إلى ذلك كله مشكلات البطالة والفقر والحصار والانقسام .

وعن هذا الواقع المرير تغيب روح المشاركة التنموية البناءة ، حيث أضحى الشباب الفلسطيني يتحينون الفرص كي يطلقوا أجنحتهم من قيود القفص الكبير ، أو التسليم بالأمر الواقع والتعايش معه بوسائل المشاركة السياسية الغير مشروعة ، من خلال الانتماء لأحد الأحزاب الحاكمة سواء هنا في غزة أو في الضفة لكي يحصلوا على وظائف توفر لهم متطلباتهم الأساسية وبذلك ينضموا إلى قافلة المنتفعين التي تسير دائما عكس طريق التنمية. وفي المقابل هناك شبابا لم يأخذوا فرصتهم الانتفاعية الانتهازية ، فيلجئون إلى الانتماء لأحزاب تحمل شعارات براقة مثل الإسلام والمقاومة و التحرير الكامل للتراب المقدس ، فيعطيه هذا الانتماء البراق الحق في الشتم واللعن والحقد على من يمتلك موارد القوت ، و يعطيه أيضا الحق في انتزاع ما يريده بالقوة ، فمن أطلق بالأمس حجرا على المحتل الاسرائيلي ، أصبح اليوم يحمل بندقية في وجه أخيه الفلسطيني لكي يقاسمه لقمة عيشه.

في مواجهة هذه الصورة السوداوية المشوهة ، نقف أمام مسألة جدلية ، تجعلنا في حيرة من أمرنا من أين نبدأ الحل ؟ هل نبدأ من رأس الهرم أم قاعدته ؟ من الشباب أم من الأسرة ، هل نبدأ بالاشتغال على الأجنة ، ومع مراحل عمرها نراكم الانجازات وصولا إلى خلق جيل شبابي واع ومثقف قادراً على حل مشاكله والخروج من مأزقه أم نقوم بمحاولة لرفع الصوت عاليا في وجه أصحاب القرار علهم يراجعوا أنفسهم ويبحثوا في برامجهم الانتخابية عن بنود حقوق الشباب وتمكين الشباب وخلق فرص العمل للشباب ...

وسواء من رأس الهرم أم من قاعدته نبدأ ، المهم أن نبدأ قبل فوات الأوان ، أن نبدأ متأخرين خيرا من أن لا نبدأ ، وليبادر الشباب الفلسطيني بالتحرك وليأخذوا الدور الطليعي في محاولات الخروج من ذلك كله ، فالشباب هم من يمتلكون الإرادة والطاقة والعقل وهم ضحايا هذا الليل الطويل .

ولذلك كان لزاماً على من يمتلك الإرادة ، والطاقة ، والعقل ، أن يتحرك لحل مشكلته بيده وينتزع حقه ، ويأخذ دوره في المشاركة وصناعة القرار ، ولا ينتظر هبة يمنون بها عليه من هنا أو هناك ، فلا يحك جلدكم إلا ظفركم .

الشعب يريد إنهاء الانقسام... الاحتلال والانقسام وجهان لعملة واحدة

بسم الله الرحمن الرحيم " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا" صدق الله العظيم

يا أبناء شعبنا الفلسطيني البطل:

في الوقت الذي تستمر فيه آلة الحرب الصهيونية في تدمير البشر والشجر والحجر.. وفي الوقت الذي يحاصرنا فيه الاحتلال الصهيوني منعا لدخول الغذاء والدواء.. يحاصرنا علي مرآي ومسمع من العالم في المحافل السياسية لكي يثنينا عن إقامة الدولة الفلسطينية، وانجاز حلمنا بالعودة وتقرير المصير.

وفي الوقت الذي يحاول فيه الاحتلال خنقنا وإنهاء قضيتنا...نقدم نحن الفلسطينيون كل المبررات التي تديم الانقسام وتبرره، وفق المنظور الحزبي لكل فريق. وفي الوقت الذي يسعي الاحتلال لتقديم نفسه للعالم كدولة تسعي للسلام..

في الوقت عينه نقدم نحن الفلسطينيون أنفسنا للعالم بصورة المنقسمين المشرذمين.، حتى أصبحت العلاقات الإنسانية والاجتماعية تبني علي أساس الانتماءات التنظيمية، وللأسف تجد من أبناء جلدتنا من يدافع أو يبرر حالة الانقسام.

آلاف الشباب الخريجين عاطلين عن العمل بل وتوقفت عجلة التاريخ لديهم...آلاف العمال والأسر حرمت من الحد الأدني من العيش الكريم بسبب الانقسام... واستمرار الحصار..وغياب التنمية وإعادة الإعمار..وتدهور الحالة الاقتصادية.. كلها نتائج وإفرازات الانقسام.

يا أبناء هذا الشعب الصامد:

لقد أصبح الانقسام "أيديولوجيا فلسطينية" تجد من يفلسفها ويبررها ويدافع عنها، وكأن الانقسام قدر الفلسطينيين في الوطن والشتات، وبغض النظر عن أسباب الانقسام –التي يصيغها كل طرف حسب رؤيته-، فإننا اليوم نرفع أصواتنا عالية بان (الشعب يريد إنهاء الانقسام) ، وبأنه لم يعد مقبولا لدينا أن نستمر في هذه الحالة الشاذة، فالوطن في خطر، والقدس في خطر، والاحتلال رابض علي الحدود، والقضية برمتها في خطر. لم يعد بمقدور الناس أن يتحملوا كل هذه المعاناة، ولم يعد صمتنا مقبولا.

اليوم تُرفع الأعلام الفلسطينية، وتزغرد أمهاتنا فرحاً بعودتنا متحدين، وطناً وشعباً وقضية...اليوم نعلن الانتصار على هزيمتنا، ونعلن حُبنا وعشقنا لهذه الأرض، التي يستحق كل شيء فيها الحياة...اليوم نسعد بوحدتنا وألفتنا، ونمضي نحو تحرير كامل تراب فلسطين، برؤية وبرنامج وطني موحد، يشارك فيها كافة أطياف الشعب الفلسطيني، فمازال علي هذه الأرض ما يستحق الحياة.

أيها الشعب الفلسطيني البطل: نحن أبنائكم شباب فلسطين.. تنادينا وتداعينا نحو الوحدة والتحرر، بعد أن أعيتنا كل الحوارات والمبادات الداعية لإنهاء الانقسام الفلسطيني المهين، التي وصلت وأوصلتنا لطريق مسدود، بسبب ضيق الأفق وتغليب المصالح الحزبية الضيقة، مما افقدنا الثقة بقدرتنا على إنهاء الانقسام.

إننا اليوم كشباب فلسطين من كل أرجاء الوطن والشتات، لا نملك إلا حبنا وعشقنا لهذا الوطن العزيز، ولا نحمل في جعبتنا أي مصلحة شخصية أو حزبية، نتحد في هبة جماهيرية من اجل إنهاء هذا الانقسام. ليكون الخامس عشر من شهر آذار (مارس) 15/3/2011م هو موعد موحد للجميع، وبمشاركة الحملة الوطنية الشبابية لإنهاء الانقسام ممثلة بالأطر الطلابية في القوى الوطنية والإسلامية، وشبكة المنظمات الأهلية ومنظمة أنصار الأسرى وبرلمان شباب فلسطين، وفعاليات ومؤسسات المرأة والمجتمع المدني المختلفة، وبمشاركة الأسرى الأبطال الذين وجهوا لنا رسائل تأييد ومناصرة لحثنا على المضي قدما في تحركنا نحو إنهاء الانقسام.

فلنلبي نداء الوطن .. نداء الواجب

لنكون جميعاً في 15/3/2011م مشاركين بصناعة قرار الوحدة الوطنية

أحمد عرار 00972598702035

ساركوزي يقود أوروبا إلى «عمل عسكري محدّد»

بسّام الطيارة

باريس الاخبار باتت فرنسا أول دولة في العالم تعترف بالمجلس الانتقالي الوطني الليبي، بعد استقبال الرئيس نيكولا ساركوزي لمبعوثيه علي العيساوي ومحمود جبريل في الإليزيه أمس. ولكن لا يستطيع أحد تفسير موقف باريس المتقدم في الملف الليبي. فلا رابط استعمارياً بين البلدين، كما هي الحال مع إيطاليا، ولا زخم مهاجرين يضغط على السلطات الفرنسية، كما الوضع مع تونس أو الجزائر أو المغرب.

وحسب الأرقام التي بدأت تتكشف، فإن العلاقات التجارية بين فرنسا وليبيا تجعل من باريس الشريك الرابع من حيث أهمية التبادل التجاري الذي بلغ ٤ مليارات دولار، إذ إن «كل وعود القذافي» التي جاءت بعد تبادل الزيارات لم تنفّذ تماماً.

إلا أن ظهور «الفيلسوف الناشط» برنار هنري ليفي على درج الإليزيه، حيث تبيّن أنه رافق الموفدين وحضر الاجتماع مع ساركوزي، يفسر رغبة فرنسا في استعادة المبادرة، بعد التردّد الذي شاب مواقفها في بداية الثورة الليبية. وقد أعلن ليفي «أن فرنسا باتت أول دولة تقول إن القذافي لم يعد الممثل الشرعي لبلده». ووصف الأمر بأنه «عظيم»، وأن قاطن الإليزيه قد «أوضح هذا الأمر بقوة في بداية اللقاء». وأضاف أن المبعوثين «فوجئا بوضوح الموقف الفرنسي».

ويبدو أن «استعمال» ساركوزي لـ«وزن برنار هنري ليفي»، الذي عاد لتوّه من بنغازي، في هذه العملية، يرمي إلى سحب البساط من تحت أقدام منتقديه من الجمعيات الناشطة، إذ إن صور ليفي إلى جانب الثوار في مناطق القتال ملأت صفحات مجلات نهاية الأسبوع، وتتسابق الأقنية على استقباله ليتحدث «عن مشاهداته على الأرض».

من جهته، أكد العيساوي، على درج الإليزيه، مسألة الاعتراف، وأنه «سيُفتح مكتب تمثيلي دبلوماسي في فرنسا» بناءً على هذا الاعتراف. كذلك أوضح أن فرنسا سترسل سفيراً إلى بنغازي «مؤقتاً» ريثما تستتبّ الأمور. إلا أن مصادر مقرّبة من الإليزيه أفادت بأن هذا «الاعتراف سياسي وليس قانونياً، لأن الاعتراف يكون بين حكومات». وقد أشار جبريل إلى أن ساركوزي سيبحث اليوم في قمة بروكسل، المخصصة لليبيا، «وضع استراتيجية شاملة» من أجل «مساعدة المجلس الانتقالي وإنقاذ مستقبل ليبيا».

وفي بروكسل، جاء أكثر من تصريح على هامش اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ليدل على إجماع أوروبي على أن «العقيد قد فقد صفة المحاور الشرعي». وقد طالب وزراء، في تصريحات متفرقة، بـ«رحيله». وزير خارجية ألمانيا غيدو فيسترفيلد أكد عزم بلاده على العمل من أجل «مقاطعة القذافي». وقد ذكرت مصادر أوروبية أن الاتحاد يودّ «توجيه رسالة قوية» مفادها أنه «يجب تمكين الشعب من التحكم في مصيره». وأضاف أن أوروبا جاهزة للمساعدة.

ورأى عدد من الوزراء الأوروبيين أن «الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن عمل عسكري» ضد ليبيا، وأن الأهمية القصوى الآن هي لمتابعة المساعدات الإنسانية وتوفيرها. أما بالنسبة إلى إمكان حظر الطيران فوق البلاد، فقد أكد أكثر من وزير أن «موافقة الجامعة العربية ستأتي خلال أيام، وأن هذا من شأنه تسهيل قرار الأمم المتحدة، وخصوصاً إذا جاء الطلب من المجموعة العربية».

إلا أن هذا لم يخفف من نشاط بريطانيا وفرنسا في العمل على استصدار قرار. ويرى مراقبون أن «إعلان ساركوزي وقوفه مع الثوار»، قبل اجتماع بروكسل، هو نوع من «وضع حلفائه أمام الأمر الواقع»، ودفعهم إلى القبول بحدّ أدنى من مقترحاته. وعلمت «الأخبار» أن الوفد الفرنسي سيتطرق مع نظرائه إلى «خطر الهجرة الكثيفة»، بسبب عدم الاستقرار، واقتراح حلول لها، وهو مواكبة للمطالب الإيطالية التي تجد وقعاً وصدى في الساحة الداخلية الفرنسية. كذلك فإن ساركوزي يودّ التشديد على دعم المساعدات الإنسانية وجعلها «مهمة دولية تحت وصاية الأمم المتحدة».

ويرى الخبراء أن تثبيت حركة المساعدات الإنسانية في «المناطق المحررة» يجعل أي هجوم عليها بمثابة هجوم على الأمم المتحدة. كذلك تتداول مصادر مقرّبة من ساركوزي سعيه إلى «تقديم فكرة حظر تصدير النفط من المناطق التي يسيطر عليها القذافي». إلا أن عدداً من المراقبين يتخوفون من أن «تثبت هذه الخطط تقسيم ليبيا بين شرق وغرب»، إذ إن السماح بتصدير النفط من المناطق المحررة، وإعطاءها غطاءً دولياً، وحصر المساعدات الإنسانية فيها، يمكن أن يقود إلى تقسيم غير معلن، وخصوصاً أمام عجز الثوار عن التقدم غرباً، واعتراف القوى الغربية بأن حظر الطيران لن يساعد في ترجيح كفّتهم.

كذلك يتخوف هؤلاء من ظهور برنار هنري ليفي إلى جانب مندوبي المجلس الانتقالي في الإليزيه، ويذكّرون بأن كل مرة شارك فيها «الفيلسوف» الصهيوني في صراع، ذهب الأمر إلى حدّ تقسيم بلد الصراع. فهو «فعلها» من تيمور الشرقية إلى جنوب السودان، مروراً بكوسوفو.

ورغم أن مواقفه «الأدبية المعلنة» كانت معادية للديكتاتور القذافي، إلا أن له مواقف في صراعات أخرى، مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يمكن أن تنعكس سلباً على الثورة العربية الليبية، وتمثّل إشارة إلى انفصالها عن الثورات العربية الأخرى.

ثورة اللاجئين: فرص النجاح والفشل

بقلم: ياسين عز الدين

مع دخولنا عصر الثورات في العالم العربي بدأ الكل يروج لقضايا يؤمن بها، وبات الانترنت والفيسبوك مجالاً رحباً لهذه الدعوات، فهذه وسائل اتصال العصر التي لا تحدها قيود والتي أثبتت دوراً مهماً بنجاح الثورات العربية، فنجد على الساحة الفلسطينية من يحرض أهل غزة للثورة على حماس، ومن يحرض أهل الضفة للثورة على فتح، ومن يحرض أهل الضفة وغزة للثورة على حماس وفتح معاً، ومن يحرض الشعب للثورة على شركة جوال.

إلا أن أهم دعوة وأكثرها جدية هي ثورة اللاجئين، حيث أنها توحد الشعب الفلسطيني على هدف لا خلاف عليه، وما كانت الثورات في مصر وليبيا وتونس لتنجح لولا إجماع الشعوب في هذه البلدان على أن الإصلاح لا يأتي إلا برحيل الطغاة والأصنام.

كانت عودة اللاجئين مجرد حلم لسنوات طويلة، والكثيرين أصيبوا باليأس التام، إلا أن ثورات تونس ومصر وليبيا أعادت بث الأمل بين الناس، بأنه يمكن ترجمة هذا الحلم إلى حقيقة، فبدأت الدعوات لثورة اللاجئين بالظهور على الفيسبوك وبدأ الترويج لهذه الفكرة على الانترنت.

ويجب التأكيد هنا على أن الفيسبوك والانترنت ليست إلا وسائل اتصال وتواصل وتنسيق لا أكثر، ولا يجب أن نقع بوهم قدرة هذه الوسائل وحدها أن تغير موازين القوى على الأرض، لذا لا بد من وجود جهات وأفراد في الميدان يتبنون الفكرة وإلا فلن يكتب لها النجاح.

كما يجب أن ندرك اختلاف الحالة الفلسطينية عن الحالات العربية، فإن كان الشعب الليبي يعاني الأمرين من بضع آلاف من المرتزقة الذي يلتفون حول القذافي ففي فلسطين هنالك خمسة ملايين ونصف المليون مرتزق، هم الصهاينة الذين يقوم عليهم المشروع الصهيوني.

لذا يجب أن نتوقع عقبات كبيرة أمام فكرة ثورة اللاجئين، ولا نقول هذا بثاً للإحباط بل لنكون على علم بما يواجهنا، وفي المقابل فنجاح الفكرة ونجاح ثورة اللاجئين ستقلب معادلة الصراع مع الكيان الصهيوني رأساً على عقب، ولا نقول ستحرر فلسطين فهذه مهمة أكبر من أن نحققها من خلال ثورة أو انتفاضة، لكنها ستكون قفزة مهمة وكبيرة باتجاه هذا الهدف، وتجعل الكلام عن تحرير فلسطين أمراً واقعياً وليس مجرد حلم.

المعوقات أمام ثورة اللاجئين:

1- قوة الاحتلال الصهيوني: فجيش الاحتلال مستعد لاستخدام أعلى درجات القوة لقمع أي مسيرات لعودة اللاجئين، مهما كانت سلمية، فالجندي الصهيوني لا توجد لديه أي روادع أخلاقية تمنعه من قتل متظاهر فلسطيني أو عربي أعزل، والحجة دائماً جاهزة أنه يدافع عن نفسه ضد الإرهاب.

2- النزاع الحزبي: هنالك مخاوف من أن يصبح هنالك تشكيك بهذه الثورة من قبل فتح (أو حماس) في حال تبناها الطرف الآخر، ولذا من الضروري أن تبقى الدعوة لهذه الثورة بعيدة عن حماس وفتح في المراحل الأولى، وبعد أن يتبناها الجميع فليكن تنافساً بينهم من أجل خدمة الثورة.

3- خوف الناس وعدم اقتناعهم: الكثير من الناس لن يقتنع بالفكرة، وذلك لطول الأمد الذي مر على عدم حل قضية اللاجئين، و لطبيعة العدو الصهيوني واستعداده لاستخدام القوة الوحشية من أجل قمع الثورة، ولذا يجب توعية الناس بأهمية الثورة وما هي الإمكانيات التي يمكن أن تحققها بشكل واقعي وبعيداً عن لغة الأماني والخطابات العاطفية.

4- كلام المثبطين: إلى جانب غير المقتنعين أو المترددين سنجد مجموعات من المثبطين، التي تريد إفشال الثورة لأنها تتعارض مع أجنداتهم الخاصة، فسنجد من أبواق الأنظمة العربية أو الإعلام الغربي أو الصهاينة أنفسهم من يعمل على التثبيط من همم الناس، وسنجد طروحات كثيرة مثل: "كيف سيقبل اللاجئون بحمل هويات صهيونية في حال عادوا إلى أرضهم؟ وفلسطين لا يوجد فيها متسع لكل هؤلاء البشر؟ والصهاينة لن يقبلوا بعودة أحد ولا أحد يستطيع إجبارهم"، وما إلى ذلك.

مثل هذا الكلام سمعناه أثناء المطالبة بسقوط مبارك، وقيل الدستور لا يسمح وأمريكا لن تقبل، والناس كان جوابها واضح: "لا يهمنا كيف يرحل مبارك المهم أن يرحل"، وجوابنا يجب أن يكون واضحاً: "لا يهم كيف يعود اللاجئون المهم أن يعودوا".

الخطوات التي يجب السير عليها:

لكي تنجح ثورة اللاجئين يجب الأخذ بعين الاعتبار عدة خطوات نعرض أبرزها:

1- تبني فكرة واضحة وبسيطة: الشعب يريد عودة اللاجئين، لا نريد تعقيد الطرح، ولا الدخول بقرارات الأمم المتحدة التي ستدخلنا في نقاش بين مؤيد لتبنيها ومعارض لها، ولا نريد الكلام عن الانقسام أو من كان سبباً بتضييع قضية اللاجئين، فقط نريد عودة اللاجئين الذين طردوا ظلماً وعدواناً من أرضهم.

2- يجب أن تكون الفكرة متجاوزة للحزبية: لا نريد أن تكون مجداً لحماس ولا لفتح ولا لتنظيمات اليسار الفلسطيني أو غيرهم، هذه فكرة يتبناها الجميع من أجل مصلحة الجميع، ومثلما توحد كل الشعب التونسي وكل الشعب المصري وكل الشعب الليبي على تناقضاتهم واختلافاتهم الشديدة، يجب أن نتوحد من أجل هدف واحد ووحيد وهو عودة اللاجئين. إما ننجح جميعاً أو نفشل جميعاً.

3- تجذير الفكرة في نفوس الناس: يجب الخروج من فضاء الانترنت، والضغط على الفضائيات الفلسطينية والعربية لعرض الفكرة والترويج لها، والضغط على التنظيمات السياسية لقبولها (مع التأكيد على حرمة اختطاف أي تنظيم للفكرة)، والترويج لها بين الناس حتى يتبنى الفكرة أوسع قاعدة شعبية ممكنة، ولا يجب أن تقتصر الدعوة للمشاركة على اللاجئين أو على الفلسطينيين بل يجب أن تمتد إلى الشعوب العربية وكافة المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني، فالمعركة أكبر من طاقة الشعب الفلسطيني وحده.

4- بعد تبني الفكرة يتولى الجميع تنظيم فعاليات وكل من موقعه ووفق الإمكانيات المتاحة له، مع الاتفاق على خطوط عامة تكون دستوراً للجميع لا يخرج عنها أحد، مثل توحيد الشعارات حول حق العودة، وتحديد تاريخ التحركات (في 15/5 مثلاً)، ورفع العلم الفلسطيني وحده.

5- يجب فتح أكبر عدد ممكن من الساحات: تنظيم مظاهرات أمام السفارات الصهيونية في أوروبا والغرب والمطالبة بحق عودة اللاجئين. زحف اللاجئون إلى فلسطين المحتلة انطلاقاً من الضفة والقطاع، وربما تكون تحركات من داخل الضفة تجاه المستوطنات في الضفة، والانطلاق من لبنان والأردن وسوريا تجاه فلسطين المحتلة، مع وضع خطط بديلة في حال كان هنالك ممانعة رسمية وحكومية في هذه البلدان للتحرك.

ترتيب تحركات داخل فلسطين المحتلة عام 1948 مثل أن يذهب أهلنا هناك إلى القرى المهجرة وبناء وحدات سكنية للاجئين (للعلم يوجد ربع مليون لاجئ يعيشون داخل الكيان الصهيوني ويمنعوا من العودة إلى قراهم)، وأخيراً هنالك العودة من خلال أسطول السفن ومن المقرر أن تتحرك قافلة الحرية 2 إلى قطاع غزة في هذا التاريخ، ومن المجدي دراسة فكرة تحويل مسار القافلة (أو جزء منها) للعودة إلى فلسطين المحتلة حاملة عدداً من اللاجئين.

6- البناء على التحرك وإدامته: لا يجب أن يكون التحرك ليوم واحد وينتهي الأمر، يجب أن يكون هذا التحرك بداية لثورة حقيقية، وإلا فلن يكون أكثر من مجرد احتفالية للتذكير بحق عودة اللاجئين، يجب أن تكون البداية لسلسلة فعاليات وأن يكون واضحاً للقاصي والداني أن التحركات لن تنتهي إلا بحل مشكلة اللاجئين وبشكل نهائي، لا نريد وعود ولا مفاوضات ولا مجلس أمن، لن تنتهي التحركات إلا بعد حل مشكلة اللاجئين.

7- خطوات عملية: حتى يشعر العالم بالثورة ويتحرك للضغط على الكيان الصهيوني، وحتى يشعر الكيان بالمأزق، لا يقبل الاكتفاء بالاعتصام عند الحدود، يجب اقتحامها وتحطيم الجدران والأسلاك الشائكة والدخول إلى فلسطين ولو لوقت مؤقت، فبدون أن يشعر الكيان بأزمة تقلقه وتهزه فلن نكون قد حققنا شيء.

الفرص التي تفتحها ثورة اللاجئين:

حتى لا نكون متفائلين أكثر من اللزوم، أو نكون واقعيين إلى حد الإحباط سنحاول رسم الآفاق التي تفتحها مثل ثورة اللاجئين في حال نجحت وتبناها الناس ومضوا إلى أقصى ما يمكنهم تحقيقه:

• إعادة الصراع مع الكيان إلى جذوره: أي فتح قضية اللاجئين، وبدلاً من أن تكون جهود العالم والوسطاء والإعلام منصباً على إنهاء الاحتلال للضفة والقطاع ستصبح قضية اللاجئين هي قضية العالم التي يريد إنهاءها، وحل قضية اللاجئين يعني موت المشروع الصهيوني العنصري.

• فتح آفاق جديدة للحراك: بدلاً من وجود جبهتي الضفة والقطاع والتي تنضم لهم بين الحين والآخر جبهة الداخل الفلسطيني، يصبح أمام الصهاينة جبهات جديدة تستنزفهم، وإن كان فتح جبهات خارجية في السنوات الأخيرة يسبب حرجاً للتنظيمات الفلسطينية بسبب عدم الرغبة بالدخول في صدام مع الأنظمة العربية فاليوم تغيرت المعادلة.

فالأنظمة العربية لم تعد تجرؤ على طرح نفس مطالبها المتعجرفة إياها، وربما نشهد تغييراً في بعض الأنظمة المجاورة لفلسطين حتى تاريخ 15/5 فتتابع الأحداث أسرع مما يمكن توقعها، والشعوب العربية أصبح سقف مطالبها مرتفع، وحلفاء الكيان الصهيوني في المنطقة بدؤوا بالتساقط وأبرزهم نظام حسني مبارك.

• توحيد الشعب الفلسطيني: فمثلما وحدت انتفاضة الأقصى الشعب الفلسطيني والفصائل الفلسطينية، فمن الممكن جداً أن تنهي ثورة اللاجئين الخلافات الفلسطينية الداخلية في حال استطاعت كسر قواعد اللعبة مع الكيان الصهيوني.

• تخفيف الضغوط الغربية والدولية على الشعب الفلسطيني: فكما نرى اليوم غزة محاصرة والسلطة في الضفة تخضع لضغوط تجبرها على السير وفق خطوات مرسومة أمريكياً، وفي حال استطاعت ثورة اللاجئين كسر قواعد اللعبة مع الكيان الصهيوني فسيزول الحصار ولن يعود مجدياً الضغط على سلطة الضفة.

في الختام:

ثورة اللاجئين اليوم مجرد فكرة وفرصة، تحتاج لمن يحملها ويتبناها، وتحتاج لأن تتفاعل معها جموع الشعب الفلسطيني، وإلا فإن مصيرها الفشل مثل باقي الأفكار التي ولدت وماتت على الانترنت.

القواعد الأمريكية في قطر

المرجع: قسم الدراسات- دار الجليل

الحقيقة ان هناك اكثر من قاعدة عسكرية امريكية في قطر ، وهما قاعدة العديد الجوية و قاعدة السيلية العسكرية.

- قاعدة العديد الجوية Al-Udeid airbase :

تقع قاعدة العديد الجوية الي الجنوب الغربي من العاصمة الدوحة ، ويوجد بالقاعدة ممر اقلاع بطول 4.5 كيلومتر يتيح اقلاع القاذفات الثقيلة .

وتعتبر القاعدة اول قاعدة عسكرية امريكية في الخليج العربي كله ، وتضم القاعدة ما يكفي لاكثر من 100 قاذفة ومقاتلة وطائرات الاستطلاع والاواكس ، وموجود حاليا بالقاعدة سرب طائرات F-16 ، وسرب طائرات تزود بالوقود ، وسرب طائرات استطلاع وبالاضافة الي طائرات اخري ، ويقيم في القاعدة حاليا قرابة 4000 جندي امريكي .

تستضيف القاعدة أهم بنية تحتية عسكرية أمريكية في عموم المنطقة، وفيها يوجد المقر الميداني للقيادة العسكرية المركزية للمنطقة الوسطى من العالم CENTCOM الممتدة من آسيا الوسطى للقرن الأفريقي، بينما المقر الرئيسي لتلك القيادة في قاعدة ماك دِل MacDill الجوية في ولاية فلوريدا الأمريكية ، وكانت قد انتقلت القيادة الجوية للقيادة العسكرية المركزية الأمريكية CENTCOM من السعودية إلى قطر ما بين عامي 2002 و2003، ومقرها قاعدة العديد الجوية التي تفتخر بأطول وأفضل المدرجات في عموم المنطقة. ويزعم أن قطر أنفقت ما يزيد عن مليار دولار لتحديث العديد وغيرها من القواعد مقابل "الحماية" العسكرية الأمريكية.

وبدأت قطر منذ 1995 تستضيف بعضاً من القوات الجوية المكلفة بالإشراف على منطقة حظر الطيران في جنوب العراق. وتحولت الجزيرة خلال التسعينات إلى واحدة من أكبر مخازن الأسلحة والعتاد الأمريكي في المنطقة، وبنت على نفقتها مجمعاً يضم سبعاً وعشرين مبنىً لتخزين الآليات والقوات الأمريكية استعداداً للعدوان على العراق.

انتقل المقر الميداني للقوات الخاصة، التابعة للقيادة العسكرية المركزية الأمريكية للمنطقة الوسطى، إلى قاعدة السيلية القطرية عام 2001. وحضنت السيلية بعدها المقر الميداني للقيادة المركزية الأمريكية للمنطقة الوسطى المذكورة أعلاه، وقد تمت عملية نقل المقر الميداني تحت ستار التمرين العسكري "نظرة داخلية" Internal Look، الذي كان في الواقع تمريناً على خطة قيادة العدوان على العراق Operation Iraqi Freedom، وليلاحظ القارئ أن هذا التمرين جرى عام 2002، أي بغض النظر عن أية خطوات سياسية قامت أو لم تقم بها القيادة العراقية آنذاك، فقد كانت خطة العدوان رهن التنفيذ.

وكان للقيادة المركزية الأمريكية في المنطقة الوسطى CENTCOM قبل أحداث 11 سبتمبر أربعة مرافق خاصة بها في قطر، بالإضافة إلى حقها باستخدام أربعاً وعشرين مرفقاً تابعة للقوات المسلحة القطرية، وكانت معدات فرقة مدرعة ثقيلة قد خزنت في موقعين منفصلين، الأول في السيلية، والثاني في مكانٍ ما على بعد 531 ميلاً جنوب غرب الدوحة.

والطريف أن الرمز العسكري المشفر للنشاطات العسكرية الأمريكية في قطر هو "معسكر سنوبي" Camp Snoopy، وسنوبي شخصية كرتونية مألوفة تمثل كلباً أبيض ظريفاً جداً، تجده في المسلسلات والرسوم الكرتونية في الصحف والمجلات، ويأتي أحياناً على شكل ألعاب للأطفال. ويضم معسكر سنوبي اليوم: 1) مطار الدوحة الدولي، 2) معسكر السيلية، 3) قاعدة العديد الجوية، 4) نقطة تخزين ذخيرة في قاعدة فالكون-78، تقول مراجع على الإنترنت أنها موجودة في منطقة تسمى صلنة، أو صلنح، وأخيراً، 5) محطة أم سعيد للدعم اللوجستي، وأم سعيد اسم مكان بالطبع لا اسم إنسان...

هذا، وقد سبق واستضافت قاعدتا مطار الدوحة الدولي والعديد الجويتين أسراباً كثيرة من الطائرات الأمريكية المقاتلة وطائرات الشحن والحاملة للدبابات وغيرها. فالدوحة تعتبر محور النقل الجوي العسكري الأمريكي إلى دجيبوتي، ودوشنبي في طاجيكستان، والمصيرة في عمان، وقندهار في أفغانستان، وشمسي في باكستان.

- قاعدة السـيلية العسكرية :

تقع قاعدة السيلية العسكرية خارج العاصمة القطرية الدوحة بنحو 30 كم فقط ويتم تقدير الكلفة المادية لتلك القاعدة بحوالي 110 مليون دولار باسعار عام 2000 ، وتستطيع القاعدة دعم لواءين مدرعين كاملين بمعداتهما ، وكانت القاعدة بدأت استقبال القوات الامريكية فيها بداية من عام 1995 .

وتم تطوير القاعدة لاستضافة قيادة الجيش الثالث الامريكي والقيادة المركزية الامريكية ، وبتلك القاعدة مع قاعدة العديد وعدة مراكز اخري ، اصبحت القواعد الامريكية في قطر اكبر قواعد امريكية في العالم خارج حدود الولايات المتحدة في كافة انحاء العالم .

وتضم القاعدة اسوارا محصنة بمواقع مدافع عيار 0.50 ، وبداخلها مباني القاعدة ومنشأتها التي تتسع لحوالي 11000 جندي امريكي متواجدين فيها ، وتحوي القاعدة علي عدد 150 دبابة M1 Abrams ، وكذلك عدد 116 مدرعة M2 Bradley ، وبالاضافة الي 112 ناقلة جند ومشاة مختلفة الطراز .

وفي الاجمالي تبلغ مساحة القاعدة 1.6 مليون قدم مربع او حوالي 37 فدان من المساحة المخصصة للتخزين ، وبها طرق تصل طولها الي اكثر من 10 كيلومترات ، وتضم منشأت ومراكز القيادة وثكنات الجنود ومستلزمات المعيشة لهم .

مثلت قطر باتفاقيتها الأخيرة مع أمريكا والتي ضمنت وجودا دائما للقوات الأمريكية في قطر نقلة كبيرة في الوجود العسكري ، ونريد أن نبين حقيقة دولية وهي أنه من المفترض هي أن تسعى الدول لإنشاء قواعد في الدول الأخرى ومن أجل ذلك فإنها تقدم تنازلات ومصالح وتدفع أموالا من أجل أن توافق الدولة على تأجير قاعدة للدولة الأخرى ، فمثلاً أمريكا تدفع أموالا لليونان وكوريا الجنوبية نظير تأجير قواعدها هناك ، إلا أن الجديد في المسألة القطرية هي أن تكون الدولة المستضيفة هي التي تحملت كامل النفقات ، ففي ديسمبر الماضي [ 2002 ] تم في مقر وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني التوقيع علي الاتفاقية التنفيذية للتعاون العسكري المشترك بين الولايات المتحدة وقطر ، وقد وقع الاتفاقية كل من حمد بن جاسم ورونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي ، وقال الشيخ حمد بن جاسم بخصوص هذه الاتفاقية : إن الاتفاقية التي وقعت مع الجانب الأمريكي التي تنظم الوجود العسكري الأمريكي في قاعدة العديد كانت موضع نقاش بين الجانبين منذ فترة طويلة تصل إلي أكثر من سنة ، وهو أمر حقيقي ، فقطر بدأت تبني قاعدة 'العُديد' العسكرية التي يبلغ طول مدرج إقلاع مطارها 15000 قدم - وهو أطول مدرج في الخليج - ، وتجهيزها بمرائب تسع لأكثر من 100 طائرة منذ أكثر من سنة وهو الأمر الذي أثار أكثر من تساؤل حول المغزى السياسي والعسكري الذي دفع قطر لبناء هذه القاعدة الكبيرة على الرغم من أن عدد طائرات قطر لا يتجاوز الـ 12 طائرة .

والجواب الذي صدر عن أكثر من مسؤول قطري يكمن في فلسفة قطرية تهدف إلى استقطاب القوات الأمريكية انطلاقاً من مبدأ 'ابنها وسيأتون' أي ابن القاعدة على أحدث المواصفات وسيكون ذلك كافياً لجذب القوات الأمريكية وقوات الحلفاء إلى قطر، وقد ذكر مسؤولون أمريكيون أن أمير قطر في عام 1999م عبر عن رغبته في رؤية ما لا يقل عن 1000 جندي أمريكي يتمركزون بشكل دائم في قطر كما أشار بذلك أحد التقارير العسكرية الأمريكية.

وكما هو متوقع حققت الفلسفة القطرية مغزاها ، ففي شهر أبريل من عام 2000م ناقش وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ويليام كوهن مع المسؤولين القطريين الطرق المناسبة للاستفادة من قاعدة 'العُديد' في الأوقات الحرجة واستمرت المحادثات بين قطر والبنتاجون حول اتفاق يهدف إلى تمكين الطائرات الحربية الأمريكية من استخدام قاعدة قطرية في وقت الحاجة، وهو ما سيعطي القوات الأمريكية شبكة أوسع في المنطقة لمواجهة تهديدات محتملة من إيران أو ' مزعومة ' من العراق ، وكان ضمن الموضوعات التي تمت مناقشتها هو من سيدفع لتطوير قاعدة 'العُديد' بالتحديد التي تقع جنوبي العاصمة الدوحة على بعد حوالي 35 كلم .

وفي خريف عام 2001م بدأت الولايات المتحدة في تركيب الكمبيوترات وأجهزة الاتصال والمعدات الاستخباراتية وغيرها في هذه القاعدة ، وفي بداية عام 2002م ازدادت أعداد الطائرات الحربية الأمريكية والجنود بشكل كبير.

وفي أواسط شهر مارس عام 2002م كان الآلاف من الجنود الأمريكيين متمركزين في قاعدة 'العُديد'، وبحلول شهر أبريل كان هناك ما يقارب 2000 جندي يعيشون في مدينة خيام كبيرة عرفت باسم 'كامب أندي'.

ثم في أواسط شهر يونيو وصل العدد إلى أكثر من 3000 جندي أمريكي ، كما تعتزم الولايات المتحدة تخزين حوالي 50 طائرة حربية في القاعدة وآلاف الجنود الأمريكيين بصفة دائمة، وقد عرضت الحكومة القطرية مبلغ 400 مليون دولار لإنفاقها في تحديث وتطوير القاعدة ، ومن ضمنها مبانٍ سكنية ثابتة ، وبناء مخازن للوقود تتسع لمليون جالون من وقود الطائرات ومعدات لغرفة العمليات والتحكم .

هذا ما ذكره تقرير عسكري أمريكي عن القاعدة . غير أن الأهم هو الهدف من التمركز الأمريكي في قطر، وفي هذه القاعدة العملاقة بالذات ، فقد ذكر الكاتب العسكري روبرت بورنز في صحيفة 'كريستيان ساينس مونيتور' بتاريخ 2 يوليو 2002 :لو أمر الرئيس بوش بتوجيه ضربة للعراق فإن هذه القاعدة ستكون محور انطلاق مهماً للطائرات العسكرية الأمريكية ولمعداتها وعتادها '.

بينما يقول المحلل العسكري الخاص ويليام أركن ' إن هذه القاعدة هي أكفأ قاعدة في الخليج ' .

وقد ذكر بورنز في مقاله إن الحكومة القطرية - بعد أحداث 11 سبتمبر بوقت قصير - سمحت للطائرات الحربية الأمريكية باستخدام قاعدة 'العُديد' وأن هذه الطائرات قامت بمهمات هجومية على الأراضي الأفغانية .

وقد سلط الكاتب العسكري بورنز بعض الأضواء على إمكانيات هذه القاعدة والعاملين فيها فذكر الآتي

- هناك حوالي 3300 جندي من القوات الأمريكية في قطر معظمهم في قاعدة 'العُديد' حيث لا يخفى التنامي العسكري الأمريكي على أحد ، وقد أنشئت مدينة خيام في هذه المنطقة الصحراوية، كما أنشئت المستودعات وأحيطت بأميال من عوائق الحماية تحسباً لأية هجمات إرهابية .

- مرائب جديدة بنيت للطائرات المقاتلة بطريقة فنية تضمن سلامة الطائرات التي بداخلها عند التعرض لهجمات جوية.

- على بعد قريب من مدرج الإقلاع البالغ طوله 15000 قدم بنيت مخازن محصنة ربما لاستخدامها للعتاد والتخزين التمويني .

- توجد بقاعدة 'العُديد' فصيلة 'الحصان الأحمر' التابعة للقوات الجوية الأمريكية ، وهي فرقة من المهندسين المدنيين مهيأة للمهمات العاجلة مثل بناء وإصلاح المنشآت ، كبناء المدرجات والطرق في المناطق النائية .

إلا أن أهم ما يميز قطر كقاعدة أمريكية هو ضعف التأثير والغضب الشعبي ، وهو ما أشار إليه كينيث بولاك المحلل العسكري السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في كتاب بعنوان ' نذر العاصفة الوشيكة' ، حيث أكد أن شعوب دول الخليج مستاءة بشكل عام من وجود القوات الأمريكية .

ويقول بولاك في كتابه : البعض يراه شرا لابد منه والبعض الأخر يدينه باعتباره شكلا من أشكال الاحتلال الامبريالي ، ولا تؤيده سوي قلة لا تذكر ، ولكن يبدو أن قطر استثناء ، فيعتقد حكامها انه بترحيبهم بالقوات الأمريكية يمكن لقطر أن تحظي ببعض الاهتمام خلافا للسعودية والكويت حيث أثار الاستياء من الوجود الأمريكي عمليات إطلاق للنار علي القوات ، ونظرا لأن نحو 90 % من أراضي قطر منبسطة تماما ولقلة عدد السكان ووجود كثير من المنشآت العسكرية علي درجة عالية من الأمان على أراضيها التي تبلغ مساحتها 80 في 160 كيلومترا فإنها يمكن أن تصبح بمثابة حاملة طائرات أرضية مثالية ، والحذر الذي يتوخاه أفراد القوات التي يبلغ قوامها حاليا نحو خمسة آلاف جندي في قطر يبدو واضحا ، فهم لا يظهرون بالزي الرسمي في شوارع العاصمة الدوحة ، وحتى داخل القواعد العسكرية القطرية يحتاج المرء للتدقيق ليلمح النجوم والأشرطة على أكتاف الجنود الأمريكيين الذين يستخدمون هذه القواعد ، ولولا التقارير الإخبارية وطائرات إف (18( التي تحلق أحيانا في سماء الدوحة وناقلات الجنود الرمادية القابعة في مطار العاصمة لما شعر سكان قطر وعددهم 600 ألف نسمة بأي شيء

ويقول مسئول قطري : لا نواجه مشكلة مع جماهير الشعب كما هو الحال في دول أخرى .

ويرى بولاك أن الكثيرين لا يعتقدون أن واشنطن يمكنها الإبقاء على هذا الوجود الضخم بخمس قواعد كبيرة في الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي لعقد آخر.

فقد كان غضب الإسلاميين من استمرار الوجود العسكري الأمريكي في السعودية بعد مرور عشر سنوات على حرب الخليج سبباً من الأسباب التي حركت تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن .

وتبدو قطر العضو في مجلس التعاون الخليجي الأقل قلقا إزاء احتمالات بقاء القوات الأمريكية لأجل غير مسمى .

وذكر 'روعي نحمياس' مراسل الشؤون العربية بصحيفة 'يديعوت أحرونوت' عن مصادر مطلعة القول:

إن القنابل الذكية والفسفورية التي قررت واشنطن تسريع تسليمها إلى 'إسرائيل' للحرب على لبنان في عام 2006 وحرب غزة 2008 نقلت من قاعدة 'العديد' في قطر مقر القيادة الوسطى الأمريكية في الخليج.

وهي نفسها التي قتلت مئات الآلاف من العراقين في حرب العراق، وقطر أعطت لأمريكا حق التصرف بالقاعدة العسكرية وبشكل دائم !! .. وقد لعبت دوراً هاماً في الحرب على العراق.

** هذه القواعد تعتبر اكبر قواعد لأمريكا فى العالم خارج امريكا .

** يوجد باحدى هذه القواعد اكبر مدرج جوي فى العالم .

** تحتوى على حوالى 1000 طائرة .

** بها أكبر مستودع لذخائر الجدام ( أسلحة غير تقليدية) فى شرق العالم بالاضافة الى بعض الاسلحة الاخرى.

** حصلت اسرائيل عام 2006 ( أثناء حرب لبنان ) على شحنة عاجلة من قنابل G BU-28 )قنابل ذكية ) من هذه القاعدة وفى 2008 ( أثناء حرب غزة ) حصلت على قنابل GBU-39 ايضا من هذه القاعدة .

**عندما اشتد القتال فى حرب غزة وبدأ يتحرك الشارع العربى بشكل غاضب بالاضافة الى تصريحات بعض القادة العرب واطلاق الصواريخ من لبنان على اسرائيل وضعت هذه القواعد فى حالة التأهب القصوى وهى اعلى درجة تأهب وهذه الدرجة تعنى الاستعداد للتدخل فى اى وقت وبشكل مباشر لحماية اسرائيل فى حالة شاركت احدى الدول العربية ضرب اسرائيل وهذه الاجراءات لاتتم الا بموافقة وتوقيع وبصمة أمير قطر على اتفاق يمنح امريكا استخدام هذه القواعد للتدخل فى اى عمل عسكرى ضد اى دولة فى المنطقة.

**يوجد ايضا فى هذه القاعدة اكبر مركز لل CIA فى شرق العالم وهو الذى وفر الدعم الأستخباراتى لضرب قافلة السلاح فى جنوب السودان.

واخيرا نقول كيف اجتمعت على أرض واحدة قناة الجزيرة القطرية المناصرة والمساندة للحقوق العربية والإسلامية، مع قاعدة الشر الأمريكية المهاجمة والغازية والمستبيحة للحقوق العربية!

رسالة إلى مستبد عربي

أحمد دلباني

1

سيّدي،

أكتبُ إليك هذه الرسالة َ وأنت تشهدُ خريفَ مُلكك وسُلطانك. أكتبُ إليك وأنت تشهدُ يوم دينونتكَ الرَّهيب ونداءاتِ عوالم وادي النسيان السُّفلية. أكتبُ إليك مُباشرة بعد أن كتبتُ، طويلا، عن نظامكَ وعن فلسفة القوَّة الرَّعناء التي جعلتَ منها مفتاحًا سحريا لإخضاع الرعية وتطويع الشرعية كي تنزلَ من علياءِ الحق وتصبحَ جارية ً في فراش أهوائك ونزواتك. أكتبُ إليك بعدَ أن فرغتُ من قراءةِ كتابٍ لفتَ انتباهي بقوَّته الأخلاقية وهدير إنسانيتهِ العالية وهي تتدفقُ شآبيبَ على صحراء العالم الحديث الذي فقد العلوّ. قرأتُ، سيّدي، كتاب " رسائل إلى صديق ألماني " للمُؤلف الفرنسيّ ألبير كامي فما لبثتُ أن فكرتُ في الكتابة إليك على مِنواله. ولكن عُذرًا إن لم أرَ فيك صديقا وقد نسفتَ كل الجُسور بينك وبين الحياةِ العربية التي تطلَّع إليها الجميعُ في كنف الكرامة والحُرية والعدالة. عُذرًا إن لم يكن بمقدور هابيل أن يصفحَ هذه المرَّة. لقد كتب كامي رسائلهُ الشهيرة إلى صَاحب الفكر النازيّ البربريّ قبيل انتهاءِ الحرب العالمية الثانية، وأوروبا مُنهكة من مُغامراتها في تجربةِ القوَّةِ وجُنون التدمير والفتح بعدَ أن أفاق العالمُ الغربيُّ على خواءِ السَّماء وأفول التعالي الذي كان يضمنُ عصمة القيم.

أعتقدُ أن ما يشدُّني، سيّدي، في كامي هُو، تحديدًا، ما ظل يقضّ مضجعك منذ بوَّأك كابوسُ التاريخ المُعاصر عرشَ خيباتنا ومآسينا: ظمأ ٌ لا تخبُو جذوتهُ إلى الحُرية والعدالة، ونفورٌ من كل ما يسحقُ الإنسانَ حتى لو استندَ إلى منطق الثورة التاريخية. فأما الثورة فقد جرَّبناها معك، سيّدي، وعرفنا أنها لم تكن إلا حاكميَّة أخرى خلعت على التاريخ جُبة مُقدَّسة وفوَّضتهُ كي يكونَ سجَّانا باسم التقدم. لم تكن ثوراتك تحريرًا وإنما ترويضا للقطيع على الطاعة وعلى ترديدِ غنائية إنجازاتك في القمع وفي تحويل المُجتمع إلى مُحتشدٍ من المحكوم عليهم بالتشابه. لم تكن ثوراتك عِتقا لصبواتِ الإنسان العربيِّ وطاقاتهِ في الإبداع بقدر ما كانت لجمًا لصهيل الذات التي ادَّعيت، مِرارًا، أنك تعملُ من أجل تقدّمها وتحريرها.

وأمَّا الحُرية والعدالة فلا أستطيعُ أن أتحدَّث عنهُما لأنهما سقطتا من قامُوس سياستكَ منذ حرَّرتَ ماردَ الطغيان القديم من قمقمهِ. رُبما اعتقدنا، طويلا، أننا ندخلُ معكَ التاريخ ونهجرُ زمنَ الاغترابِ في آلة القوة العمياء. رُبما اعتقدنا أننا أصبحنا أصدقاءَ الأرض والإنسان وصارَ بإمكاننا أن نفجّرَ ينابيعَ المعنى الذي يُشبهنا من صخرة الحياةِ الجديدة. رُبما أخذتنا العِزة بأكثر الآثام سحرًا: أن نشهدَ زمن الإنسان المُتأله وخالق المعنى والجدارة في سَديم الغبار الكونيّ. ولكن هيهات سيّدي. فقد كنتَ لنا بالمرصاد كهاويةٍ تبتلعُ أشواقنا التي لا توصفُ إلى الانعتاق من حمأةِ الماضي، وكنتَ تفاحة الغواية التي أسقطتنا من جنة الحلم إلى جحيم الاستبداد منذ مددنا أيدينا إليها بالتحيّة والتأييد.

2

سيّدي،

من المُحيط إلى المُحيط امتدَّ ظلك. ومن الصحراء إلى الصحراء تطاولَ صولجانك. وتحت ظل سَوطك نبتت في حياتنا شجرة الخوف والذلة. كان علينا ونحنُ نرتعُ في فردوسك أن نقتُلَ فينا شيطان الشهوة إلى ما يجعلُ الإنسانَ إنسانا. كان علينا أن نشنقَ الشبقَ الطبيعيّ إلى الحرية وأن نزجرَ وسواسَ اللعب الكيانيّ الأبهى الذي نسمّيه الإبداع. كان علينا أن نتفيَّأ ظلالَ رحمتك القاسيةِ التي وسِعت كلَّ شيءٍ وألا نقرب شجرة المُغامرة بطرح سُؤال الجدوى والمصير تحتَ سقفِ جنتك الموعودةِ للطائعين. كان علينا ألا نثورَ وأن نلعن إبليسَ التطلّع الذي علم الإنسانَ ما لم يعلم من أمر الخروج واستراق السَّمع إلى هدير التاريخ وهُو يتمرَّدُ على الآلهة ويُحرّرُ الأرض. كان علينا، أيضا، ألا نعرفَ شيئا عن أخبار فاوست.

وشهدنا معك مسرحَ القسوة الفعليّ: كانت الأرضُ تئنُّ تحت سوطِ لاهُوتك السياسيّ وقد جعلتهُ لغة ً أولى وتنزيلا لا يأتيهِ الباطل. وكانت حياتنا مليئة ً بمشانقَ تتدلّى منها أحلامٌ صغيرة وُلدت من نزق البحث عن المعنى خارجَ أسفارك المُقدَّسة. رأينا كيف تُسفحُ الكرامة ُ البشريَّة وأنت ترجُو أن يكونَ الإنسانُ عبدًا مُتطهّرًا من خطيئة التمرُّد على الظلم والطغيان. أردت أن تجعل من حُكمك طريقا إلى جنةٍ قيل إنك الوحيدُ العارف بأسرارها وكنوز خيراتها. رأيتَ في المُفكر والمُثقفِ النقديّ أفاعيَ يجبُ طردُها من فردوسك قبل أن تغويَ الطائعين المُسبِّحين بحمدك. كنت، سيّدي، مأخوذا بالآلهة ومسكونا بشبق لا يرتوي إلى الواحدية والاستبداد فيما ظللتَ تدَّعي الثورة وتحريرَ الشعب. اخترتَ أن تكونَ فعَّالا لما تريدُ، ولم تدرك أنّ الثورة انتصارٌ على زمن الآلهة وعلى سَحق الإنسان باسم المُطلق. لم تدرك أن الثورة إيقاظ ٌ لكوكب الإنسان النائم في غابةِ التاريخ كأمير أسطوريّ.

وكنت تتحرَّقُ شوقا إلى معرفة أسرار قدرةِ سيرسه على تحويل البشر إلى خنازير. هكذا كانت سياستك. كأنك كنت تطمحُ إلى أن تسُودَ على عرش الهباء. لم يكن هيكلك المُقدَّسُ يحتملُ صخب العالم أو حفيفَ أشجار الحلم البرية أو نشيدَ الطيور المُهاجرة. لم تحبَّ الحركة ولم تعترف يوما ببصيرةِ هيراقليطس وهُو يشرحُ لك عدمَ قدرتك على أن تستحمَّ في النهر ذاتهِ مرَّتين. أحببتَ المُطلقَ ولم تحبَّ التاريخ. اخترتَ أن تكونَ إلهًا بعدَ أن بشَّرتَ بالثورة والخروج من شرنقةِ الأب الرمزيّ ووصاياه. لم نكن نعلمُ أنَّ تحت خوذتك العسكريَّةِ طحلبًا يشي بمجيئك من الماضي الأمبراطوريّ وبسُقوطك من عرش الآلهة الآفلة. أنت آخرُ إلهٍ أيها الحاكمُ العربيّ وقد أزفت ساعتك الوشيكة. لقد حكمَ عليك التاريخ بالسُّقوط في جبَّانةٍ مهيّأةٍ لمن اغتالوا الحياة ونتفوا ريشَ عصافير الأحلام. سوف ننسى أمجادك التي قدَّمتَ بها طبعة ً مزيدة ومُنقحة من أمجادِ أسلافك وقد فرشوا خِوانهُم على الجَماجم وصنعوا من عظام الأطفال أساورَ لعشيقاتهم. سوف ننسى أنك كنت بيننا نبيًّا