أقلام وآراء (11)
الاربعاء 8/3/2011
دراسة استكشافية لواقع العالم العربي
المستقبل - مراجعة: ياسين رفاعية
تضخيم الدولة العربية السياسية والمجتمع في الشرق الأوسط، كتاب من ألف صفحة تأليف نزيه ن. الأيوبي وترجمه عن الانكليزية أمجد حسين، يتناول فكرة العروبة والوحدة والتشتت العربي، فـ: إذا كان الجميع يسمون أنفسهم عرباً، فما السر إذن في أن ثمة على صعيد الواقع، دولاً عربية كثيرة ومتفرقة؟ وما السبب الذي يجعل هذه الدول تنخرط في كم كبير من المحاولات الهادفة إلى التوحيد السياسي.
وقد انتهت كل واحدة منها إلى الفشل؟ ما الذي يبرر أن تكون الطبقات الحاكمة ذات قاعدة ضيقة جداً وغير تمثيلية. على الرغم من أن الخطاب السياسي في معظم هذه البلدان قائم على أفكار عريقة جامعة مثل القومية أو الاشتراكية؟ هذه هي بعض الأسئلة التي أثمرت هذه المقارنة لشؤون السياسة ودور الدولة في الوطن العربي، وجعلت منها كتاباً منهجياً للمهتمين بدراسة السياسة والنظرية السياسية والاقتصاد السياسي للشرق الأوسط.وبالفعل فإن هذا الكتاب يستهدف غرضين يبدوان متناقضين: الأول وضع الشرق الأوسط (وخصوصاً العالم العربي) ضمن إطار نظري ومقارن يتجنب الادعاء الاستشرافي - الأصولي بخصوصيته وفرادته الكاملين.
أما الغرض الثاني فهو الاعتماد قدر الإمكان على الأدبيات التي كرسها الباحثون العرب أنفسهم حول مجتمعاتهم وأشكال حكمهم هم. إن هذين الغرضين ليسا متناقضين على النحو الذي قد يظهران به
"هل ما زالت السياسة العربية عربية؟ ولماذا يتوجب على المرء دائماً أن يبحث عن أسباب خاصة لتفسير الأشياء التي تحدث في الشرق الأوسط؟ "
من النظرة الأولى: لذا نرى أن هدفنا في أن نُبين أن العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، على الرغم من امتلاكهما خصوصية خاصة بهما، قادران كذلك على أن يُفهما وفق المقولات النظرية "العلم اجتماعية" الجامعة.والملاحظ أن التغطية التي نهض بها هذا الكتاب تتقدم على هيئة دوائر متسعة. ويجري تصوير "اللّبْ" بتسعة أقطار تتم تغطيتها تفصيلياً في مجرى الكتاب بكامله، وقد اختيرت لتمثل "فئات" مهمة للدولة العربية وهي: "مصر، سوريا، العراق، المملكة العربية السعودية، الكويت، الإمارات العربية المتحدة، الأردن، تونس، الجزائر". ويجري التعامل مع أقطار عربية أخرى مثلاً: المغرب، لبنان، اليمن حينما يستدعي الموضوع الذي يدور النقاش حوله التطرق إليها بصفتها حالات ممثلة. أما من خارج العالم العربي فإن تركيا يُشار إليها بصفتها عاملاً مؤثراً من الناحية التاريخية (من خلال الصلة العثمانية). بالإضافة إلى كونها تشكل حالة مقارنة مثيرة للاهتمام بالنسبة إلى مواضيع مثل "الدولتية والشعبوية"، كما أشار الكتاب أيضاً إلى إيران بين الحين والحين، ولهذا فإن هذا الكتاب قائم على موازنة دقيقة بين دراسة الحالات من جهة، والمفارقات والتعميمات من الجهة الأخرى.والمقصود بحسب الكتاب بـ"تضخيم" الدولة العربية هنا أن ينطوي على مسألتين فطريتين تستهدف الأولى تبيان وتفسير توسع الدولة اللافت للنظر من الناحية الكمية الذي حصل خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة. وذلك من خلال التوسع لا في الرفاه الاجتماعي والتصنيع الحكوميين فقط، بل كذلك في مجال العاملين في القطاع العام والمؤسسات العامة والإنفاق العام "إلخ". إن عملية توسع كل حجم ماكنة الدولة ودور الدولة في الاقتصاد والمجتمع هي التي يصفها عادة مصطلح "الدولتية" واستخدام الكتاب لتعبير "تضخيم" في هذا السياق يماثل مفردة/ مفهوم "التضخم الوظيفي" الدارج. وهو قريب إلى حد مقبول من مفهوم الدولة مفرطة النمو. وفضلاً عن ذلك ففي أحيان كثيرة تكون الدولة العربية "مضخمة" بمعنى أنها مفرطة في الانتشار أو مفرطة في التمدد. ويصدق هذا بشكل خاص على الأنظمة الشعبوية التي تحاول أن تنتهج سياسات إنمائية وسياسات رفاه اجتماعي في الوقت نفسه.ومن باب المفارقة والتضاد، فالمقصود بـ"تضخيم" الدولة العربية كذلك أنه ينطوي على معنى أن ثمة مغالاة في تقدير هذه الدولة وفعاليتها وأهميتها الحقيقية. إن الدولة العربية ليست نمواً طبيعياً من رحم تاريخها الاجتماعي الاقتصادي أو تقاليدها الثقافية والفكرية الخاصة بها. إنها دولة "ضارية" كثيراً ما كانت تلجأ إلى القسر الفج في سبيل المحافظة على نفسها، لكنها ليست دولة "قوية" لأنها: (أ) تفتقر بدرجات متفاوتة طبعاً إلى قوة البنية التحتية التي تمكّن الدول من النفاذ في المجتمع بشكل فعال من خلال آليات على شاكلة الضرائب مثلاً، و(ب) تفتقر إلى الهيمنة الأيديولوجية التي من شأنها أن تجعلها قادرة على تشكيل كتلة اجتماعية "تاريخية" تتقبل شرعية الطبقة الحاكمة.
قراءة في كتاب (اللاجئون الفلسطينيون في سورية)
اللاجئون الفلسطينيون في سورية /دراسة متكاملة
بقلم علي بدوان - كاتب فلسطيني / دمشق
يشكّل الكتاب الجديد لتجمع العودة الفلسطيني (واجب) الذي يضم بين ثناياه مجموع أوراق العمل البحثية التي قدمت من قبل العديد من الباحثين الفلسطينيين والعرب، في حلقة النقاش التي أقامها تجمع (واجب) في القاعة الشامية في المتحف الوطني بدمشق في نيسان/ابريل 2010، خطوة ايجابية ومشكورة، في سياق خدمة الأغراض الوطنية التي حملها تجمع (واجب) وأعضاءه من شباب فلسطين على عاتقه، وفي المقدمة منها قضية اللاجئين الفلسطينيين/والدفاع عن آمالهم وأحلامهم الوطنية المشروعة، وخصوصاً في المرحلة الراهنة التي تتعرض فيها قضية اللاجئين الفلسطينيين لمحاولات تصفية وإنهاء في ظل عملية التسوية المأزومة، التي أريد من خلالها إهالة التراب على حق العودة وطمسه إلى الأبد.
كما تناولت حلقة النقاش أوراق وعناوين عديدة تخص واقع اللاجئين الفلسطينيين في سورية على مختلف الصعد والجوانب، ومنها الجوانب القانونية المتعلقة بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا بالنسبة للتشريعات والقوانين السورية ذات الصلة، ومنها أيضا الجوانب المتعلقة بأوضاعهم الاقتصادية والديمغرافية السكانية، وخدمات وكالة الأونروا المقدمة لهم بمناحيها الثلاثة الصحية والتعليمية وخدمات الإغاثة الاجتماعية، وصولاً إلى واقعهم السياسي ودورهم في صفوف العمل الوطني الفلسطيني منذ النكبة وحتى اللحظة الراهنة.
لذا فمادة الكتاب، استندت إلى المنهج العلمي، لتصبح مادة عالية القيمة باعتبارها حصيلة آراء عدد من الباحثين والمتخصصين في الشأن الفلسطيني في سورية، وقد بحثت الأوراق التي تضمها في أوضاع الفلسطينيين في سورية وأبعاد العلاقة الفلسطينية السورية من الناحية المدنية "يضم الكتاب بين طياته مادة بحثية غنية ومتنوعة، وتشكّل مادة طازجة لرؤية واقع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا موثقاً بشكل دقيق بعيداً عن التقديرات الارتجالية، وعن التخمينات البعيدة عن المنطق العلمي"
وطبيعة النشاط الفلسطيني في مخيمات اللاجئين،وانعكاس المعاملة الكريمة التي يحظى بها اللاجئ الفلسطيني في سورية على الحفاظ بهويته وجنسيته وانتمائه الوطني،وتعاطي اللاجئ الفلسطيني مع الهموم الوطنية والحقوق الثابتة وعلى رأسها حق العودة.
تبدأ مادة الكتاب بمقدمة هامة، تناولت تقديم لمحاور وعناوين الكتاب الرئيسية وأوراق العمل التي يضمها بين ثناياه، والتي غطت كامل أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ومن كافة جوانبها، كما تناولت بالخطوط العريضة وبالتكثيف أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وخصائص المجتمع الفلسطيني اللاجىء فوق الأرض السورية، في ظل المرونة العالية للإجراءات القانونية السورين، والمساواة التي نالها اللاجىء الفلسطيني أسوة بالمواطن السوري منذ عام النكبة، وهو أمر استولد خصوصية عالية للمجتمع الفلسطيني في سوريا، ففتحت أمامه طريق العيش الكريم، كما فتحت أمامه طريق الإسهام في العمل الوطني من اجل إعلاء شأن قضيته والمبادرة للإسهام في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية.بعد المقدمة،
تبدأ مادة الكتاب بعرض لوقائع الافتتاح الرسمي لحلقة النقاش، حيث يمكن القول بأن كلمات الافتتاح شكّلت بدورها مادة نقاشية لوحدها على ضوء ماتم تقديمه من خلال كلمات المتحدثين، العاملين أساسا في الوسط الوطني الفلسطيني، بدءاً من كلمة الأستاذ طارق حمود الأمين العام لتجمع واجب، إلى كلمة المدير العام للهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا الأستاذ علي مصطفى، وكلمة منظمة التحرير الفلسطينية التي ألقاها الدكتور طلال ناجي، وأخيرا كلمة المقاومة التي ألقاها عضو القيادة السياسية لحركة حماس أبو أحمد (جمال عيسى).
الجلسة الأولى وأوراقها الثلاثة
يضم الكتاب ثمانية أوراق عمل بحثية موثقة ومحكّمة، تمت معالجتها عبر ثلاث جلسات نقاش محكّمة. فقد تناولت الجلسة الأولى الأوراق التالية : الواقع القانوني للاجئين الفلسطينيين مقدمة من الدكتور إبراهيم دراجي، تناول فيها وعبر دراسة قانونية متكاملة عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين وفق منظور القانون الدولي، والمرجعية القانونية التي تنظم الحماية القانونية لهم وفق الاتفاقيات الدولية التي تناولها الدكتور دراجي واحدة واحدة، وشمول اللاجئين الفلسطينيين من ضمنها مع إيراد الخصوصية التي ميزت حالة اللجوء الفلسطيني طبقاً لخصوصية القضية الفلسطينية من حيث هي قضية اقتلاع وطني من قبل استعمار استيطاني إجلائي، وليس قضية لاجئين فروا من بلادهم لأسباب تتعلق بكوارث طبيعية مثلاً أو نتيجة حروب أهلية داخلية.
كما يعرج الدكتور دراجي على تناول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا من ناحية القوانين السورية التي ساوتهم بالكامل تقريباً مع حقوق المواطنة للمواطن السوري، مع تمسكهم بهوية الوطنية الفلسطينية.أما ورقة العمل الثانية، فقد قدمها مدير مركز الإحصاء الفلسطيني بدمشق الأستاذ يوسف ماضي تحت عنوان الواقع الديمغرافي والاقتصادي والاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في سوريا، حيث قدم الباحث وبناءاً على الدراسات الميدانية على الأرض، معطيات وأرقام جديدة تناولت كافة الجوانب المتعلقة بالفلسطينيين في سوريا، بدءاً من التوزع العمري والنوعي للسكان، ومعدلات الوفيات والولادات وبالتالي النمو السكاني، حيث أشار في استنتاجاته أن المجتمع الفلسطيني في سوريا، هو مجتمع فتي تتسع فيه القاعدة العمرية للسكان.
فيما أشار ايضاً عند تعرضه للخصائص الاجتماعية إلى واقع الخدمات التعليمية المتاحة أمام الفلسطينيين في سورية ودور وكالة الأونروا في هذا الميدان. وانتقل في نهاية ورقته لتناول الأوضاع الاجتماعية للفلسطينيين في سوريا من حيث حجم القوة العاملة وتركيبتها المهنية وقطاعاتها، والبطالة..الخ، وأرفق دراسته بعدد من الجداول الإحصائية التي تعطي صورة حسية وملموسة تجاه العناوين التي قدمها.أما الورقة الثالثة التي قدمت في الجلسة الأولى، فقد كانت للكاتب الفلسطيني علي بدوان وتحت عنوان (الواقع السياسي للاجئين الفلسطينيين في سورية،الواقع والتفاعل الشعبي وتحولاته) وقد بدا أنها مادة توثيقية تاريخية، تؤرخ لدور الفلسطينيين في سوريا في إطار العملية الوطنية والسياسية التي جاءت في السنوات القليلة التي تلت نكبة فلسطين، حيث لعب التجمع الفلسطيني اللاجىء إلى سوريا دوراً هاماً وملموساً في تفجير المقاومة الفلسطينية
وشق طريق العمل السياسي والتنظيمي والفدائي المسلح. كما ويشير الكاتب واستناداً للمعطيات الرسمية بأن المجتمع الفلسطيني اللاجىء في سوريا قدمت أكثر من (7000) آلاف شهيد في إطار العمل الوطني منذ انطلاقة العمل الفدائي الفلسطيني.
"يقدم الكاتب في دراسته معلومات تفصيلية بهذا الجانب متناولاً فيها إرهاصات نشوء البنى السياسية والحزبية والفصائلية الفلسطينية انطلاقاً من الأراضي السورية"
الجلسة الثانية والهيئات الراعية/ الهيئة العامة للاجئين والأونروا
أما الجلسة الثانية، فقد كانت زخمة ايضاً، وتناولت الهيئات الراعية للاجئين الفلسطينيين في سورية، وتحديداً الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، ووكالة الأونروا، ودورهما في دعم وخدمة المجتمع الفلسطيني في سورية. فقد تناول معاون المدير العامة للهيئة العامة للاجئين في سوريا عدنان منور المهام الملقاة على عاتق الهيئة العامة، والمتعلقة بمتابعة شؤون اللاجئين الفلسطينيين في سوريا من جوانب مختلفة، خصوصاً أحوالهم المدنية وسجلاتهم، وتنظيمها، وتكامل دورها مع وكالة الأونروا، إضافة لمسؤوليتها المباشرة عن تدعيم وإسناد الواقع الخدمي للفلسطينيين في سورية، ورعايتها لعدد من المدارس والمراكز الاجتماعية والتعليمية كالمدراس والمعاهد، ورياض الأطفال، وتعليم الكبار.. الخ، مع التطرق لإداراتها وفروعها المختلفة والمنتشرة في مناطق توزع الفلسطينيين في سورية.وتناولت الورقة الثانية المقدمة من قبل الباحث الفلسطيني إبراهيم العلي الواقع الصحي لخدمات وكالة الأونروا المقدمة لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سورية، وقد أحسن بعرضه للوقائع الإحصائية والرقمية في إسناد مادته العلمية، اعتماداً على العمليات المسحية الميدانية التي قام بها تجمع العودة الفلسطيني (واجب) في عموم المخيمات الفلسطينية في سوريا التي شملتها، وهو ما يضفي عليها الموضوعية و المصداقية، حيث تناول من خلاله الجانب الصحي للاجئين الفلسطينيين في سورية، ودور وكالة الأونروا في هذا المجال من خلال مراكزها الـ (23) المنتشرة في التجمعات الفلسطينية وبرامجها الصحية.
وتطرق لأهم الأمراض المنتشرة فيها سواء الوراثية أم المكتسبة بشقيها النفسي و الجسدي .وتعرض الكتاب إلى برامج التوعية الصحية المطبقة في المخيمات و إلى الطواقم الطبية من أبناء اللاجئين الفلسطينيين في سورية ومدى مساهمتها في تقديم الخدمات الطبية للمرضى من أبناء المجتمع المحلي، ومن ثم استقراء المعلومات والجزئيات وتسجيل النتائج التي تم الوصول إليها والتوصيات اللازمة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين صحياً. وقد سجل الباحث إبراهيم العلي في نهاية مادته البحثية استخلاصات إضافية منها وجود منغصات عديدة في عمل وكالة الأونروا بالرغم من خدماتها الكبيرة، ومنها مشكلة تتمثل بضعف التمويل مع تراجع ميزانية وكالة الأونروا من عام لعام أخر، ووجود خلل إداري ومحسوبيات. أما الورقة الثالثة المقدمة للجلسة الثانية، فقد أنجزها الباحث الفلسطيني سليمان دباغ، وقد تناول فيها دور وكالة الأونروا في الجانب التعليمي تحت عنوان (الواقع التربوي والتعليمي/مشكلات وطموحات)، ركز من خلالها على خصوصية هذا الجانب بالنسبة للفلسطينيين في سوريا، ذلك أن مسؤولية العملية التعليمية تقع على الدولة السورية ومعها وكالة الأونروا، إلى جانب القطاع الخاص.وقدم الباحث شروحاً إضافية في هذا المجال، مستندة إلى الأرقام والمعطيات، وتحديداً بالنسبة لدور وكالة الأونروا التي تدير ما مجموعه (110) مدارس في سوريا تعمل أغلبها وفق نظام الفترتين. كما تعرض للمشاكل التي تقع في هذا الجانب، ومنها الأساليب التربوية والاكتظاظ، وضعف الاستقرار، ونظام الفترتين .. الخ.، وقد أحسن في إرفاق دراسته ببعض الجداول الإحصائية الصادرة عن الأونروا.
الجلسة الثالثة واقع مؤسسات ولجان حق العودة
اقتصرت الجلسة الثالثة على ورقتي عمل تناولت واقع مؤسسات ولجان حق العودة العاملة في الوسط الفلسطيني في سورية، من حيث واقعها ونشوئها ودورها وآفاق عملها. وقد قدم الورقة الأولى، الأستاذ رجا ديب (منسق مجموعة عائدون) تحت عنوان (واقع لجان العودة ونشوئها)، فيما قدم الورقة الثانية الأستاذ أحمد الباش تحت عنوان (الواقع الحالي وآفاق المستقبل).وقد احتوت الورقتان على مقدمات سياسية لامست تاريخ ونشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين وماتعرضت لها إلى الآن من محاولات تصفية وإنهاء، خصوصاً بعد مؤتمر مدريد للتسوية منذ العام 1991، وهو مادفع باتجاه توليد العوامل التي سّرعت بنشوء لجان العودة وانتشارها في عموم التجمعات الفلسطينية داخل فلسطين وفي بلدان الشتات ومنها المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية.كما تعرض الباحثان إلى بعض التوصيات، التي تشير إلى أهمية تلك اللجان والدور المنتظر منها، مع ضرورة توحيد جهدها وعملها، وتجاوز بعض المشاكل التي اعترضت عملها، مع حدوث ظاهرة التضخم التي تعيشها (الشكل والاسم دون مضمون).
إنتاج الحمق السياسي
سعود البلوي - نقلا عن "الوطن" السعودية
نشهد اليوم تحولات اجتماعية وسياسية متسارعة في العالم العربي ولّى خلالها زمن الانقلابات العسكرية، التي سمّى فيها العسكر أنفسهم ثواراً ضد شعوبهم، مستلبين حريتهم وكرامتهم وحقهم في الاختيار. لقد ولّى ذاك الزمن وجاء زمن آخر يتحرك بفعل الكلمة والتواصل الاجتماعي الإلكتروني الذي صنعته الحضارة الحديثة.لقد استفاقت الشعوب العربية على كلمة "ثورة" بعد انتهاء سنوات مقاومة الاستعمار، حين تشكلت معظم الكيانات السياسية للدول العربية كبنية قديمة ما تزال حاضرة في نطاق واسع من واقعنا العربي، غالباً ما يجسدها الحزب الأوحد، وسط مشكلات مجتمعية كبيرة لدى الشعوب وأهمها الفقر، وضعف الموارد، وغياب الشراكة السياسية.
وبذلك لم تتحقق قضايا صون الحريات بشكل واضح في العالم العربي طوال نصف قرن مضى، وظلت معظم الدول العربية في نسخ متكررة لبعضها خارج إطار الصفة المدنية المحضة، بعد أن أرهقتها شعارات الحرية والجمهورية. وبقي الإنسان العربي المقهور ضحية كبت الأنظمة المستبدة، تدعمها ثقافة مأزومة لتقنين الفساد والظلم والاستبداد، وبالتالي غاب الإنسان عقلاً وروحاً ومعنى،
"إن الكثير من الدول العربية تنقلت بين ثلاثة خطابات سياسية هي: الخطاب الجهادي (التحرر من الاستعمار)، ثم الخطاب الانقلابي (الانقلاب العسكري على الحكم المدني)، ثم الخطاب الأيديولوجي الاستبدادي الذي ينافي أصلاً فكرة تداول السلطة "
في ظل شيوع أنموذج ما يسمى في بعض الدول العربية بالدولة الأمنية (البوليسية) المعتمدة على القمع والعزل عن العالم الخارجي، في ظل تصور بأنه يقلل حدة التوتر ويوفر الاستقرار. وكأن بعض السلطات العربية انشغلت بتأمين نفسها، واعتقدت أنها ستبقى محصنة للأبد، متجاهلة بذلك الكثير من المنغصات القاتلة لدى فئة الشباب بشكل خاص، وأولها الكبت والتضييق على الحريات، وشيوع الفساد والبطالة، ووجود الفقر حتى لدى من يقال إنها الطبقة الوسطى، وفقدان الثقة بوعود الديموقراطية، فحين غابت الديموقراطية الموعودة لجأت أخيراً بعض المجتمعات العربية للانتقام لذاتها من خلال الثورة التي لم يكن أمامها خيار سواها. إلا أنه في الثورات الثلاث في تونس ومصر وليبيا غاب الفهم كلياً، فلم تستوعب أنظمتها السياسية الدرس من حصته الأولى، أي لم يتم استيعاب الدرس التونسي، حيث اعتبر النظام المصري أنه ليس نظام بن علي، وبدأ بإعادة إنتاج ظاهرة الحمق السياسي، فالنظام التونسي اعتقدَ -في بداية الثورة التونسية- أنه يستطيع السيطرة على الوضع من خلال القمع والقتل والتهديد وإغلاق منافذ المعلوماتية والفضاء الإلكتروني أمام الثائرين.وحين اتضحت معالم الثورة في تونس بخروج الرئيس بما يشبه الحلم، لم يستوعب النظام المصري الدرس التونسي جيداً وقابل مطالب شباب التحرير بعدم الاكتراث، ويبدو أنه ساد اعتقاد في محيط السلطة المصرية حينها أن ما حدث في تونس استثناء لن يتكرر، غير أن التجمعات في ميدان التحرير كانت تكبر ككرة الثلج، فتنحى الرئيس، ولم تجدِ كل محاولات النظام إصلاح ما أفسده طوال عقود مضت، فكرر أخطاء السلطة التونسية ذاتها مضيفاً التلويح بورقتين إضافيتين: الجيش، والموالين للحزب الحاكم. لكن الجيش المصري وقف موقفاً وطنياً طالما اشتهر به على مدى تاريخه. بالتأكيد أن التاريخ لا يعيد نفسه رغم تشابه الأحداث، حيث انتهى الدرس المصري وبدأ الدرس الليبي الذي ما يزال جارياً، ولم يستفد نظام ليبيا من التجربة المصرية، معيداً إنتاج الحماقات السياسية بشكل مخيف، وزاد عليها أموراً لا تخفى على المتابع، فقد كرر محاولة تجميع الموالين، وزاد عليها بتجميع المرتزقة من دول وأناس شتى، واعتمد التشويش على القنوات الفضائية، وقطع وسائل الاتصال، فكان الأمر أشبه بمحاولة حجب ضوء الشمس بغربال.ثار الليبيون ضد الاستبداد بعد أربعة عقود من الحكم بالحديد والنار، والتغييب الكامل للإنسان وتكريس سلطة الفرد الواحد، حتى إن الزعيم نفسه لم يصدق ما حدث فعزا الأمر إلى العين! وما زال الليبيون يدفعون دماء أبنائهم ثمناً للتحرر والثورة على الاستعباد السياسي والطغيان والعنف. وعن العنف السياسي يقول أستاذ القانون في جامعة شيكاغو (ريتشارد إيبستين): "العنف ينتج تأثيرات اجتماعية مختلفة جداً عن المنافسة، لأن مكسب أي فرد هو بالضرورة خسارة لآخر. العنف لا ينتج فوائد متبادلة. إضافة لذلك، فتأثير طرف ثالث على العنف هو نشر الخوف بين جميع السكان. ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن المستوى الكلي للثروة والسعادة في المجتمع سيبقى ثابتاً عندما يصبح تحمل الاعتداء على الحرية والملكية مسألة عادية. هناك موارد هائلة ينبغي إنفاقها على الهجوم والدفاع بحيث إن مستوى الثروة (الكعكة الاجتماعية) سيتقلص من خلال عملية إعادة توزيع الثروة بالإكراه. العواقب الاجتماعية السلبية للعنف تقف في ناحية مضادة تماماً للعواقب الإيجابية المنافسة".
ومن بعد الثقة، ماذا بعد؟
حماده فراعنه
تخطت حكومة معروف البخيت الحاجز الأول في رحلة الجهاد الأصغر ، عبر حصولها على ثقة مجلس النواب ، بشق الأنفس ، وبقدرة عمل وجهد ملموسين أهّلها لأن تكون عن حق جديرة بالثقة ، وهي مقبلة على الخطوة التالية وتخطي الحاجز الثاني للحصول على ثقة مجلس النواب نحو الموازنة ، إنها خطوات رغم أهميتها ودستوريتها، ولكنها صغيرة وستكون متواضعة أمام حجم التحدي الأكبر والجهاد الأكبر المتمثل بتنفيذ مضامين كتاب التكليف ، وإنجاز مشروع التحول الديمقراطي السلمي نحو التعددية والحزبية والحكومات البرلمانية والملكية الدستورية التي تحفظ وفق الدستور صلاحيات جلالة الملك وتصونه ، وتحفظ ولاية الحكومة ومسؤولياتها ، وتحفظ لمجلس النواب مكانته المهدورة المتغول عليها من قبل الحكومات المتعاقبة وأجهزتها الأمنية المتسلطة، وكان ذلك قبل وبعد استئناف الحياة البرلمانية لبلادنا وحتى بعد أن استعاد شعبنا حقوقه الدستورية التي كانت معطلة ، مثلما تحفظ للأردنيين حقوقهم في التجمع والتنظيم وحرية الرأي وغيرها من الحقوق والقوانين الناظمة للحياة العامة السياسية والحزبية.
وفي حالة عدم تحقيق ذلك فان هذا يعني أيضاً انهيار مؤسسة الدولة والتوازن والفتح على ما لا تحمد عُقباه ، ولن ينجو أحد من الكارثة إذا فشلت مسيرة التحول الديمقراطي بسلاسة ورحابة صدر وبشكل سلمي وتدريجي ومقبول . والذين حجبوا الثقة ، ممن أعطوا الأرستقراطي سمير الرفاعي لا يحق لهم حجب الثقة عن معروف البخيت ،فهم أسرى الماضي ،
"الذين أعطوا الثقة ، أعطوها بوعي المصلحة الوطنية ، لإدراكهم خطورة فشل حكومة معروف البخيت ، لأن الفشل يعني إنتصار المتطفلين والمتطرفين ، ويعني شيوع الخراب والدمار والثورة والعصيان وكل أشكال الإحتجاج المشروعة وغير المشروعة"
وكان يفترض بهم أن يحفظوا ماضيهم ويحترموه ، وإما متورطين بالفساد من المقاولين ورجال الأعمال ، لأنهم يدركوا أن حكومة البخيت، لن تسكت ولن تقفز عن ملفات الفساد لسببين :
أولهما لأن القرار السياسي دوافعه واضحة نحو فتح هذه الملفات وتعرية الرشاوي.
وثانيهما لأن المطالب الشعبية الحزبية والجماهيرية والنقابية ، ملحة لتعرية واجتثاث الفاسدين ، وكبار المقاولين من النواب ليسوا بعيدين عن هذه الرشاوي الفاسدة ، فلا يتوهم أحدهم أن أمواله التي تحجز له مقعداً في مجلس النواب ستحفظه من المساءلة على فساده ورشاويه .
نفهم أن المسيسين من النواب حجبوا الثقة وهذا حقهم ، طالما أن لديهم مواقف سياسية يجب أن تُحترم ، وكان يفترض أن يمارسوها في عهد الارستقراطي سمير الرفاعي التي لم تكن تستحق ثقة 111 نائباً ، وقد سبق وأن ارتكب التجمع الديمقراطي خطيئة سياسية بانقسامه وعدم توحده في حجب الثقة عن حكومة الرفاعي وها هو يصحح موقفه في التعامل مع حكومة البخيت ويتخذ الموقف الشجاع الذي أخذه حزب الشعب وأمينه العام النائب عبلة أبو عبلة، بحجب الثقة عن حكومة البخيت وهذا مقدر ومطلوب لتمييز موقفه وسياساته كيساري ديمقراطي وكتيار قومي تقدمي ، فقد كسب التجمع نفسه واحترم انتماءه بحجب الثقة ، وانسجم بذلك مع شعاراته وتوجهاته ، ومع رهان الأردنيين عليه ، لما أطلق بسام حدادين " حراس الإصلاح الديمقراطي " .
وحزب التيار الوطني ، سقط في الامتحان مرتين ، الاولى حينما منح الثقة لحكومة سمير الرفاعي وهو غير شريك فيها ، فكان يفترض أن يميز نفسه عنها ولكنه أخفق في إبراز شخصيته المستقلة وثبت أنه مازال ينتمي لجيل المحافظين ، وأنه مازال مخلصا لتراثه وثقافته وتربيته ، ولم يستطع إتقان اللعبة الديمقراطية التي تقوم على أن الحكومة التي ليس عضوا فيها يجب أن يكون معارضاً لها ، ولكنه بدلا من أن يتعلم من الدرس الاول ويستفيد منه سقط في الامتحان الثاني حينما تمزق موقف نواب الحزب بين ثلاثة مواقف ، تمثلت بإعطاء الثقة والحجب والامتناع ، ولوتذكروا أن هنالك موقفا رابعا يقوم على مقاطعة الجلسة والتغيب عنها ، لغاب بعضهم وسجل موقفا رابعا ، ولكنهم التزموا بالمعايير الثلاثة المتاحة بالثقة والحجب والامتناع ، وهكذا سقط الحزب مرة أخرى في أول فرصة فتحت له ، بعد أن أكرمهم جلالة الملك ، واستقبل رئيس وقيادة الحزب ، أسوة بما فعله مع حركة الإخوان المسلمين ، ولكنهم مع الأسف سقطوا في الامتحان ومن الصعب استعادة الرهان عليه كحزب وطني موحد يستحق أن يحتل مكاناً رفيعاً في الحياة السياسية الأردنية .
أما ممدوح العبادي وعبد الله النسور وعبد الكريم الدغمي ، فجاء حجبهم لأسباب ذاتية، غير موضوعية ، ولكنها تعتمد على رهان كل منهم ليكون هو رئيساً للوزراء، كما يرغب ويتمنى ويعمل ، فإذا كان ضمن المعايير المحافظة السابقة فلا يحق لهم الحجب ، لأنهم كانوا في دوائر ومؤسسات وحكومات أسوأ مما هو قائم ، ولكن إذا جاء حجبهم لأسباب ذاتية وتطلعات نحو موقع رئاسة الحكومة ، فهذا جائز ومبرر ومقبول، ولذلك من تقدم منهم لمباركة رئيس الحكومة على ثقة المجلس وهو حاجب فهذا يدلل على صدق النوايا والترفع عن الأنانية ، والقبول باللعبة الديمقراطية ، فالحكومة التي ليس عضواً فيها مهما بدا أنها جيدة فهي مرفوضة ، والحكومة التي يشارك فيها مهما بدت سيئة فهي تضم خيرة الخيرة ، هذا هو المنطق الديمقراطي لدى الشعوب والأحزاب والحكومات والبرلمانات العصرية المتقدمة.
نجحت حكومة البخيت في نيل ثقة النواب ، وقد تفلح أيضاً في تمرير الموازنة في مجلس النواب ، ولكن يبقى موضوع القوانين والإجراءات والسياسات الدالة على التغير والتطور والتحول الديمقراطي ، هذا هو التحدي ، وهذا هو الرهان ، الذي يفصل يوم تشكيل الحكومة عن يوم رحيلها ، والفصل هنا ليس مكانياً وليس عاملاً زمنياً ، بل عامل النوع الذي يوفر لشعبنا ضمانات استعادة حقوقه الدستورية بدون عنف وتمرد وعصيان، ولذلك علينا جميعاً أن نقف إلى جانب الحكومة لتشجيعها على الإقدام على هذه التحولات التي دعا إليها كتاب التكليف ، وفي نفس الوقت الوقوف إلى جانب الحكومة لحمايتها من تعرضها للابتزاز من قوى نافذة تحاول الاستفادة من المرحلة الإنتقالية لتمرير مصالحها من جيوب الأردنيين وعلى حسابهم .
إنها التحدي لتحقيق غرضين أولهما الاستجابة للضرورات الأردنية وثانيهما الصمود في وجه الابتزازات وما أكثرها .
إنهاء الانقسام لا يعني اقتسام حكومة
زكريا محمد
كيف يكون إنهاء الانقسام؟ أيكون على أساس اقتسام (الحكومة!)، حكومة سلطة أوسلو من جديد؟ أهذا هو المقصود؟ إذا كان هذا هو المقصود فأنا ضد إنهاء الانقسام علنا. ذلك أن قصر المر على اقتسام الحكومة سيعني العودة إلى المربع الأول الذي أدى إلى الانقسام ذاته، أي مربع الاقتتال على حكومة تحت جزمة الاحتلال. فلا يمكن اقتسام الحكومة إلا على أساس أوسلو، وعلى شروط الرباعية، شروط بلير. أي شروط منع المقاومة أيا كانت. بهذا المعنى، يصبح عبثا الحديث عن اقتراح الدكتور سلام فياض القائم على أساس حكومة وفاق بين فتح وحماس. فالمشكلة تكمن في افتراض أن مصلحتنا تعني اقتسام حكومة تافهة تحت الاحتلال. عليه، فانتهاء الانقسام يجب أن يتم عبر تكوين جبهة وطنية على أساس نبذ السياسة القائمة بالذات- سياسة التفاوض والتفاوض والالتزام بشروط أوسلو وشروط الرباعية- أي عبر تغيير الطريق وتغيير السياسات. أما الحكومة (ومغانمها!) فيجب أن تكون آخر شيء نتحدث عنه. إذ يجب تحويلها إلى ما يشبه إدارة بلدية فقط، بحيث تكف عن أن تكون مركز حياتنا السياسية. فمركز الحياة السياسية هو الجبهة الموحدة ذات البرنامج المقاوم.
مع ذلك فإن إسرائيل وبوش أطاحا بها رغم سوئها. وأول شيء يتعلق بتغيير السياسات يجب أن يبدأ بالتالي: ممنوع الحديث عن أي مفاوضات ما لم يصدر عن مجلس الأمن قرار جديد يؤكد أن الضفة، بما فيها القدس، وغزة مناطق محتلة، وأن على إسرائيل أن تنسحب منها شبرا شبرا، ثم أن توافق إسرائيل بعد ذلك على هذا القرار. "إذا ما تم التوصل إلى إلى اقتسام الحكومة بين فتح وحماس فهذا ليس نهاية للانقسام، هذا تساكن مصالح. وقد شهدنا مثله في بداية تكوين حكومة حماس، فقد سمح للرئيس بأن يفاوض على الأسس المهينة ذاتها، وسمح لحماس أن تحكم ولو لشهور."
يعني أن على واشنطن أن تقدم، أولا، دليلا على أنها تريد حلا، قبل أن نتحدث في أي شيء. ومن يتحدث عن مفاوضات قبل ذلك- فما بالك بمن يتحدث عن تبادل أراض؟- فيجب أن يطرد من الإجماع الوطني. طبعا هذا لن يعجب عريقات وأمثاله، لأنه يعني أن لا مفاوضات إلى أمد بعيد مقبل. لكن الكارثة هي أننا سرنا على طريق عريقات وفاوضنا على أساس قرار 242 الذي يعتبر أراضي 67 أراض متنازع عليها. القبول بالتفاوض على هذا الأساس فتح الباب للمستوطنات. فما دامت أراض متنازع عليها، إذن يجوز لليهود المستوطنين البناء عليها. انتهى زمن الحكومة وزمن السلطة. انتهى. لا يجب العودة إليه. يجب العودة إلى زمن الكفاح الهادئ وطويل النفس. وكل التغيرات حولنا تجعل من هذه العودة ضرورة وإمكانا خصبا. إنهاء الانقسام لا يجب أن يعني مطلقا اقتسام حكومة، وإن كان كذلك فيجب أن نحاربه.
مصالحة فلسطينية بألحان مصرية
د. فايز أبو شمالة
ماتت التسوية مع إسرائيل وإلى الأبد، أو بمعنى أدق؛ ماتت التصفية للقضية الفلسطينية من خلال مفاوضات الدجل بين المُغْتَصِبِ والمُغْتَصَبِ، ماتت التسوية في المكان نفسه الذي ولدت فيه التصفية؛ فعندما أقدم "أنور السادات" على مغامرته الخطيرة، وادعائه أن الحرب مع إسرائيل هي السبب في فقر الشعب المصري، وأن السلام مع إسرائيل سيوفر الرفاهية للمصريين، اكتشف الشعب المصري بعد أكثر من ثلاثين عاماً، أنه وقع فريسة معاهدات أوصلته إلى الهاوية، وضربته بسياط الجوع والتخويف، حتى أجبرته على الثورة ضد نهج السادات، وخليفته حسني مبارك.
وإذا كان الانقسام الفلسطيني يخدم خط التسوية الذي رعاه نظام "مبارك السادات"، فإن المصالحة الفلسطينية تخدم الخط الرافض للخنوع الذي يرعاه نظام مصر الثورة، النظام الذي يرفض أن تظل مصر العربية رهينة البورصة السياسية الإسرائيلية، ويرفض أن يشعل مصالح الشعب المصري والفلسطيني شمعاً يضيء دهاليز التلمود المعتمة بالأحقاد.بعد انتصار الثورة المصرية،
"سقوط النظام المصري يعني سقوط ملف تصفية القضية الفلسطينية، وانكشف ذلك تحت أقدام شباب مصر، وهم يدوسون على جهاز أمن الدولة، الذي رعى ملفات تصفية القضية الفلسطينية، ومن ضمنها ملف الانقسام الفلسطيني بين التسوية أو مواصلة المقاومة"
لم يندحر الرهان الإسرائيلي على تصفية القضية الفلسطينية، بل اندحر نهج التسوية برمته، ولم يبق أمام الفلسطينيين إلا الرجوع على خطواتهم الأولى، وتدارك أكثر من ثلاثين سنة استخذاءٍ في الساحات الدولية، واستجداءٍ للحلول على نهج كامب ديفيد، واتفاقية أوسلو، واتفاقية وادي عربة، تلك الاتفاقيات التي أوصلت العرب جميعهم إلى ما هم عليه من تمزقٍ ووهنٍ، وأوصلت القضية الفلسطينية إلى حالة الانقسام الراهن، الحالة التي صار يجتمع فيها ضابط الأمن الفلسطيني مع ضابط الأمن الإسرائيلي في الصباح، ليقوم الضابط الفلسطيني في المساء باعتقال أخيه المقاوم الفلسطيني!.مع انتصار الثورة المصرية تحققت المصالحة الفلسطينية عملياً، ودون حاجة إلى ورقة مصرية رعاها نظام خان مصر وفلسطين، ودون حاجة إلى كل هذا الضجيج الذي نسمعه عن تباين في مواقف هذا الطرف الفلسطيني أو ذالك، لأن الساحة الفلسطينية تصالحت على طريق واحد يفضي إلى الحرية، وهو طريق ميدان التحرير في القاهرة، الميدان الذي دمر نهج التسوية الذي قاده "مبارك السادات"، وهو الذي يقود الآن خط التمسك بالثوابت الوطنية، وحماية البندقية العربية الفلسطينية.
عن إسرائيل والثورة القادمة
فادي أبو سعدى
قد تبدو إسرائيل للوهلة الأولى غير آبهة بما يجري في الوطن العربي، أو أنها تراقب باهتمام بالغ مع ديبلوماسية كبيرة في التصريحات العلنية، لكن حقيقة الأمر أن إسرائيل قد تكون الوحيدة في العالم التي ستتأثر بشكل مباشر مما جرى ويجري في الوطن العربي، سواء على صعيد الديمقراطيات الجديدة في الوطن العربي، أو العلاقات الثنائية منها، أو حتى العسكرية، أضف إليها اتفاقيات السلام، وارتباطها بما رفضت مسبقاً كمبادرة السلام العربية!
المشكلة الأساس في إسرائيل هي رئيس الوزراء الذي لم يقدم شيء لما كان يعرف بعملية السلام، لأنها متوقفة حالياً، ويقال أن نتنياهو سيعلن عن مبادرة جديدة خلال زيارته لواشنطن، رغم علمنا بأن حتى الولايات المتحدة لن تتجاوب معه لأنه معروف بمراوغته اللامحدودة وعدم صدقيته في الالتزام بأي شيء.
وتتمثل المشكلة الأخرى برأس الديبلوماسية الإسرائيلية، والتي تتمثل بشخص أفيغدور ليبرمان مثير المشاكل لإسرائيل، وصاحب التصريحات غير الاعتيادية بحق الفلسطينيين ما لن يخدم بالمطلق أي تطورات قادمة لعملية السلام أو العلاقات بين إسرائيل وفلسطين، كما عرف عنه توتير العلاقات الجيدة إلى حد ما مع من يسمون بأصدقاء إسرائيل فكيف سيصلح مثل هذا الرجل بخدمة بلده!
كما أن المؤشرات تسير باتجاه ثورة في الأفق داخل إسرائيل، سواء بسبب غلاء المعيشة التي اضطرت الحكومة على اتخاذ بعض الإجراءات، أو سواء على صعيد الفساد المستشري بين القادة بشكل خاص، أو على شكل الديمقراطية التي تعتقد إسرائيل أنها تمارسها، لكن الحقيقة أنها ديقمراطية بمقاييس خاصة لا تعد تصلح لا داخل إسرائيل ولا في العالم.
"لم نعد نعرف إن كان هناك سلام قادم في يوم ما، لكن الأمور لا تشير إلا أنها تبشر بذلك في ظل وجود هؤلاء الساسة الاسرائيليين وفي ظل الانشقاقات الحزبية المستمرة، وكذلك في ظل حكومة غير مستقرة بالمطلق وقد تنهار في أية لحظة."
أعتقد أن إسرائيل التي تعد من أكثر مستخدمي مصطلح "قرارات شجاعة" عليها إتخاذ مثل هذه القرارات الآن، وليس بعد حين، ليس لأن الوضع الداخلي لم يعد يحتمل وحسب، بل لأن الوضع على صعيد عملية السلام في طريقه للانفجار ما بعد أيلول القادم على أكثر تقدير، كما هو الحال بالنسبة لعزلة إسرائيل الدولية التي ازدادت بالفيتو الأمريكي الأخير وبدت الأكثر وضوحاً منذ زمن طويل.
لقد طال أمد هذا الصراع وبات من المحتم إنهاؤه، وعلى إسرائيل الاختيار ما بين السلام الحقيقي العادل، وما بين حالة غير مسبوقة من العزلة بوجود الديمقراطيات الجديدة المحيطة بها، والتي بكل تأكيد سيكون لها مواقف وتأثير تختلف بكثير عما كان عليه الوضع في السابق، وعلى الشعب الإسرائيلي أن يقول كلمته للمرة الأخيرة ويحسم الأمر باتجاه السلام، بعيداً عن التطرف المتعاظم داخل المجتمع الإسرائيلي.


رد مع اقتباس