ملف رقم (9)

اقلام واراء

 إسرائيل والمعادلات الجديدة في المنطقة القدس سعد محيو

 علامات على الطريق - هل هي مفاجأة حقاً؟ الحياه الجديده يحيى رباح

 سؤال عالماشي - «مشعل» اذ ينافس «شعبولا» الحياه الجديده موفق مطر

 خريطة طريق... فلنبدأ بالمجلس التشريعي وحكومة الوحدة القدس اياد السراج

 إنتاج الحمق السياسي الوطن السعودي سعد البلوي

 أنظمة العرب وثوراتهم الحياه اللندنيه الياس حرفوش

 كيف تحولت الشرطة إلى عدو للشعب؟ العربيه نت صبحي زعيتر

 درسان مختلفان من... ليبيا واليمن الوطن السعودي جورج سمعان

 لماذا حل أمن الدولة؟ الجريده الكويتيه غانم النجار

 ما ينجزه شباب العرب كحـدث تاريخـي السفير اللبنانيه سليمان تقي الدين

 دراسة استكشافية لواقع العالم العربي المستقبل ياسين الرفايعه

 في مرمى العاصفة الوطن السعودي علي موسى

(1)

إسرائيل والمعادلات الجديدة في المنطقة

القدس

الثلاثاء مارس 8 2011 - سعد محيو

البعد العسكري - الاستراتيجي من المعادلات الجديدة التي قد تنجبها ثورات المواطنة- الديمقراطية في المنطقة العربية، لن تكون في مصلحة إسرائيل .

فمصر ستتصرف كزعيمة للأمة العربية وكمناصر للقضية الفلسطينية، حتى من دون أن تلغي اتفاقات كامب ديفيد . وحين تفعل، سيكتمل صرح شرق أوسط عربي - إسلامي يتكون من تركيا وإيران ومصر، يعمل بشكل متسارع على وضع إسرائيل على هامش تفاعلات المنطقة وتاريخها الجديد .

وكما على الجانب العسكري - الاستراتيجي، كذلك على الجانب الثقافي - الإيديولوجي الذي لايقل أهمية البتة عن زميله الأول .

واستعادة سريعة للتاريخ ستكون مفيدة هنا أيضاً .

فطيلة ستة عقود، كانت الآلة الإعلامية الإسرائيلية فائقة القوة في العالم تصف العرب بأنهم شعب عنيف وغير عقلاني وانفعالي، وهم بالتالي غير قادرين على تحقيق أنظمة ديمقراطية ليبرالية فاعلة وحياة مدنية راقية . وفي مقابل هذه “الوقائع”، كانت اسرائيل تطالب الغرب ب”شيك على بياض” للحفاظ على أمنها في المنطقة ضد هذه القوى العربية اللاديمقراطية الهوجاء .

بيد أن أحداث مصر وتونس وليبيا واليمن نسفت هذه الركيزة من أساسها . فهذه الثورات كانت “حضارية ومتحضرة” وسلمية إلى حد بعيد، ولم ترفع فيها شعارات “الموت لأمريكا” ولا حتى شعارات واسعة النطاق ضد إسرائيل . والآن، إذا ما تحقق الانتقال إلى الديمقراطية بسلاسة في مصر وتونس، ولاحقاً في بقية السرب العربي، فستخسر اسرائيل نهائياً حجتها بأنها الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تشاطر الغرب قيمه الليبرالية والديمقراطية والإنسانية .

القاهرة حينذاك لن تبرز كقوة مدنية وأخلاقية في موازاة إسرائيل وحسب، بل هي ستمتلك السطوة السياسية لتحقيق ما عجزت عنه حتى الدول الكبرى في المنطقة: فرض التسوية العادلة في الشرق الأوسط .

كتب المؤلف الأمريكي بوب شيبرد أخيراً: “أخشى ما تخشاه اسرائيل الآن هو ترسّخ الديمقراطية في مصر وبقية الدول العربية، إذ إن ذلك سيجبر الولايات المتحدة في نهاية المطاف على وقف دعمها للسياسات التوسعية الإسرائيلية .

كل هذه المعطيات توضح لماذا إسرائيل تتخبط الآن خبط عشواء، وهي ترى كل صرح المنظومة الأمنية والإيديولوجية في الشرق الأوسط يتداعى الآن حجراً حجراً، وبالتالي، سيكون منطقياً في هذه الحالة أن تعيش حالة من الضياع والنزعات المتطرفة التي قد تكون أحياناً خطرة (راقبوا تهديداتها الجديدة باجتياح لبنان)

والأرجح الآن أن تستمر هذه الحالة طويلاً في اسرائيل . فكلما ازداد العرب ديمقراطية وحرية، كلما ازداد الاكتئاب والإحباط في إسرائيل .

(2)

علامات على الطريق - هل هي مفاجأة حقاً؟

الحياه الجديده

يحيى رباح

المفاجأة الكبرى، أو مفاجأة المفاجآت، كما أطلقت عليها وسائل الإعلام العربية، هو ما نشرته بعض الصحف الأميركية الشهيرة مثل الواشنطن بوست، أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، كان قد طلب من العديد من الأجهزة والمؤسسات الأميركية المختصة الاستعداد لمتابعة الأحداث التي ستجري في المنطقة العربية، وأن هذا الطلب أو الأمر الرئاسي حدث قبل ستة شهور من انفجار هذه الأحداث، الإعصار المتجول، في تونس ثم في مصر وليبيا والأردن واليمن وبقية أرجاء الوطن العربي في الجزائر والمغرب وعمان والبحرين والعراق ولبنان، والبقية آتية على الطريق.

لو حدث هذا الأمر الرئاسي فعلاً، فهل ستكون هذه مفاجأة فضلاً عن كونها مفاجأة المفاجآت؟؟؟

أنا أعتقد أن هذا الوصف هو من قبيل الإثارة وفيه قدر كبير من المبالغة، فهذه المنطقة العربية ومحيطها القريب، منطقة الشرق الأوسط، ليست جديدة على هذا النوع من التدخل السياسي الذي سرعان ما ينكشف لأنه يتناقض قليلاً أو كثيراً مع ما تم الإعلان عنه.

بل إن هذه المنطقة وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية كانت قد شهدت أحداثاً كبرى من هذا النوع، حدثت هنا وهناك وسرعان ما امتد تأثيرها إلى مسافات أوسع، واتضح بعد ذلك أن القائمين على تلك الأحداث ليسوا هم مدبروها الأصليون!!! فقد ثبت أن أهم الانقلابات العسكرية والجماهيرية التي حدثت في سوريا مثلاً أو العراق أو إيران، وشاركت فيها جيوش تلك الدول، ومئات الألوف من المتظاهرين كان وراءها شركات النفط التي تتصارع فيما بينها للحصول على امتيازات كبرى، وخاصة شركات النفط البريطانية والأميركية ثم شركات النفط الفرنسية، والأمثلة كثيرة عما جرى في حرب فلسطين وما جرى في الصحافة وتلميع بعض الكتاب وإشهارهم، وفي تشكيل العديد من الأحزاب الكبيرة وتأهيلها للحكم أو المعارضة، وكذلك حراك بعض الطوائف التي من خلال حراكها المنظم دخلت الدول الكبرى تبحث عن مصالحها وترسخ تلك المصالح.

ورغم ذلك، فأنا لست مع الذين يسارعون إلى إلحاق كل شيء بنظرية المؤامرة أو الأصابع الأجنبية، أو التآمر الصهيوني!!! صحيح أن كل ذلك وأكثر منه موجود، ومن الطبيعي أن الدول الكبرى بمصالحها الضخمة سواء الراهنة أو بعيدة المدى، لابد أن تكون عينها على كل ما يجري، وأن تقيم جسوراً مع كل اللاعبين، وأن تكون حاضرت في النخاع الشوكي لكل صانعي القرار!!! هذا شيء طبيعي، وإلا فلماذا هي دول كبرى؟؟؟

بل إنه حتى في إيقاع الحياة السياسية اليومية، فإن كثيراً ممن وصلوا إلى مواقع حساسة أو مناصب رفيعة أو وظائف مفيدة، حققوا ذلك بسبب ارتباطهم مع دول وأجهزة خارجية تحت مسميات متعددة!!! ومن ينكر هذه الحقائق يخدع نفسه أو يضع نفسه موضع الشبهة!!! ولكن كل ذلك قائم على قاعدة الحقائق الأصلية على الأرض، ففي واقعنا العربي هناك إحباط وهناك فساد، وهناك قدر كبير من أفول الشرعية وعجز المسؤولية والظلم والقهر والفقر واليأس، والاعتداء على الحصانة الوطنية والإنسانية، والتمييز العرقي والديني، ولولا ذلك، لما وجد المتدخلون منافذ يتدخلون من خلالها، ولما وجدوا استجابة بهذا القدر من الحشود التي قلة منها تعلم، بينما الغالبية الساحقة منها لا تعلم، أين يقودها الاندفاع التي هي منخرطة فيه.

الشيء المؤسف هنا، أن دولنا وشعوبنا ارتضت خداعاً أو عن طيب خاطر، التسليم في شؤون حياتها بمعايير الآخر، والآخر هنا هو الدول الكبرى، فهذه المعايير التي نطبقها في بلادنا بشأن التقدم أو التخلف، الديمقراطية أو الدكتاتورية، النزاهة أو الفساد، الحكم الرشيد أو الحكم المستبد، إنما نستند فيها إلى معايير أجنبية!!! ومن هذا المنطلق باعت هذه الدول والشعوب مقدراتها للغير، نفطها، موانئها، قواعدها، مشروعاتها الكبرى، وأرضها في بعض الأحيان، فعلت ذلك تحت شعارات الحرية الاقتصادية، واقتصاد السوق والانفتاح والخصصة، دون وازع من وعي وطني أو قومي، حتى إذا ثبت أن معايير الآخر كارثية، وخاطئة جداً، دفعت دولنا وشعوبنا الثمن، ولم تعد قادرة أن تخرج من اللعبة التي قبلت بها عن طيب خاطر بشروط الآخرين.

و ماذا بعد؟؟؟

هذا هو الإعصار يتجول، نتفق فيه على هدم كل شيء «الفوضى البناءة»، ولا نتفق على بناء أي شيء، لأن صاحب رؤية البناء مستقبلياً ليس هو الطرف الذي يصرخ في الساحات، بل هو الطرف الذي يمسك بعناصر اللعبة، اللعبة كلها، وأتحدى إن كان أحد في المنطقة كلها يعرف الآن أين ينتهي الشوط وماذا ستكون نتيجة الحصاد المر.

الإعصار الذي يتجول في المنطقة، أفرغ أحشاء هذه المنطقة بدولها وشعوبها على إسفلت الشارع، في العراء، أمام الجميع، مثلما يحدث الآن في وثائق أمن الدولة المصري على امتداد جميع المحافظات، وهذه واحدة من ديناميات العصر الذي نعيش فيه، حيث لم تعد هناك أسرار للآلهة!!! ولكن المطلوب سريعاً الآن الوصول إلى نقطة اتفاق أولى، لإعادة تركيب الصورة، وإعادة تجميع العناصر الأولية، وإعادة استقرار الوعي بأن التغيير له هدف، وأن قداسة وضرورة وحتمية التغيير هي من أجل هذا الهدف، ونقطة الاتفاق الأولى المطلوبة الآن هي إعلان هذا الهدف وتحديد هذا الهدف الذي يذهب إليه المنهمكون في قلب الإعصار.

(3)

سؤال عالماشي - «مشعل» اذ ينافس «شعبولا»

الحياه الجديده

موفق مطر

يحب الأشقاء السودانيون سماع كلمة الجهاد فينشدهم ابو الوليد ( خالد مشعل )، ويحب الأصدقاء السوفييت سماع الحديث عن دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران فيسمعهم إياها خالد مشعل مرفوقة بنسخة من تصريحات لصحفي فرنسي أو اميركي !!

أن يهبط رئيس سياسة حماس من مستوى قائد يتحدث بمسؤولية وأمانة عن المصالح العليا لشعبه, الى مستوى منشط برامج ما على شاكلة ما يطلبه المستمعون، فهذا تحول خطير، يحط من قدر القضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني ويجعل من أماني الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال مجرد مادة اذاعية تبث على الموجات القصيرة والطويلة والـ fm العربية والدولية .

هل نسي خالد مشعل الجهاد والمقاومة عندما بشر الفلسطينيين وأقسم أن المصالحة الفلسطينية قاب قوسين أو ادنى ؟! أم انه يتذكر في الخرطوم بحضرة البشير المصالحة الفلسطينية على اساس الجهاد، ويتناساه في القاهرة بحضرة عمر سليمان ؟!

عن اي جهاد يتحدث رئيس سياسة حماس فيما مسلحو جماعته في قطاع غزة يزجون في السجن قائد جماعة التوحيد والجهاد في القطاع مثلا، أم انه يخالف الدكتور محمود الزهار في وصفه مطلقي الصواريخ بالعملاء لاسرائيل، لكن اذا كان الأمر مجرد انشاد انشائي يبث في محطات وعواصم عربية ودولية، فلنبارك تحولا وتغييرا في فلسفة «جماعة الاخوان» اذ بات واضحا أن منافسا لشعبولا (شعبان عبد الرحيم) بات يهدد ملك الاغنية السياسية بكليبات «شعبوية مشعلانية» بكل اللهجات .

اسمع مشعل السودانيين موقف حماس من المصالحة فقال إنها يجب ان تقوم بين فتح وحماس على أساس الجهاد والمقاومة، لكنه يعلم أن صراعه وتيار جماعته الاخوانية ليس مع فتح وانما مع برنامج منظمة التحرير الفلسطينية وقواها الوطنية الديمقراطية والتقدمية، صراعهم مع السلطة التي انقلبت عليها حماس يوم كان رئيس حكومتها اسماعيل هنية، هو يدرك جيدا ان صراعه مع حركة فتح ليس لأنها منافس على السلطة, وانما لأنها حامية المشروع الوطني الفلسطيني، وانه اذا اراد تدمير هذا المشروع لا بد من انهاك قوة حاميتها والقضاء عليها، فالمعني بالجهاد والمقاومة لا يوجه سلاحه نحو صدور الفلسطينيين وأدمغتهم وركبهم، لايقمع الحريات، لايعتقل الشباب المنادين بإنهاء الاحتلال والانقلاب والانقسام، لا يسعى لنصرة ليبرمان ونتنياهو على أبو مازن ولا يعتمد روايتهم ومواقفهم ويخرجها بأبشع صور الشماتة في وسائل اعلامه التي يدعي انها وسائل «اعلام اسلامي».

أقام ياسر عرفات – رحمه الله - الدنيا ولم يقعدها عندما الغت منظمة المؤتمر الاسلامي مصطلح الجهاد من قراراتها، فأين كانت حماس حينها ؟!

أليس جهادا أكبر، تثبيت المواطن الفلسطيني في بيته وارضه، وتعزيز مقومات صموده ، وبناء مؤسسات دولته، أم أن للجهاد أحكاما لا يعرفها الا مشعل و«اخوانه» المتغيرون والمبدلون لمواقعهم ومواقفهم كتبديل مستمع لموجات الأثير.

(4)

خريطة طريق... فلنبدأ بالمجلس التشريعي وحكومة الوحدة

صحيفة القدس

الثلاثاء مارس 8 2011

الدكتور د. إياد السراج

الوضع الفلسطيني بات لا يحتمل التردد في اتخاذ القرار الوطني الحاسم باستعادة الوحدة بين الضفة الغربية وغزة وإعادة الاعتبار لكل منهما باعتباره أحد شقي الوطن الواحد.

وبينما يقوم الاحتلال بالإمعان في تقطيع أوصال هذا الوطن بالاستيطان والحصار والتهويد فإنه لم يعد أمام الشعب الفلسطيني سوى إعلان وحدته ليقف صفاً واحداً أمام هذا الاحتلال الظالم والسير قدماً على طريق الحرية والاستقلال، وذلك لن يتحقق إلا بالوحدة الوطنية.

إن هذا الشعب الذي قدم الكثير من دماء وشهداء وأسرى - ومازال - ينتظر من قيادته السياسية أن يعلو به وبالوطن والقضية العادلة إلى ما نستحق.

إن العقل الفلسطيني قادر إذا توفرت الإرادة لدى القيادات السياسية أن يشتق لنا طريقاً يخترق فيه الحصار المفروض علينا إسرائيلياً وعربياً ودولياً.

واليوم فإننا بحاجة أكثر من أي وقتٍ مضى لقيادة مرجعية لمنظمة التحرير الفلسطينية تدخل في عضويتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحركة الجهاد الإسلامي حتى تكتمل صورة التمثيل الصحيحة والديمقراطية، ويجب أن يتم ذلك بالاتفاق على لجنة تنفيذية انتقالية لمنظمة التحرير تحضر لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني ولنبدأ باعتبار أعضاء المجلس التشريعي - الذي تم انتخابه في 2006 - أول المنتخبين في المجلس الوطني الفلسطيني.

وباستعادة الحياة للمجلس التشريعي الفلسطيني يصبح من المنطق السليم أن يكون هذا المجلس هو المرجعية الأولى لحكومة فلسطينية واحدة التي أصبحت إقامتها أكثر إلحاحاً من أي وقت، وحتى دون الانتظار للتوقيع على أي أوراق أو الدخول في مفاوضات وحوارات. وهكذا فإن الطريق يبدأ بأن يستدعي الرئيس المجلس التشريعي للانعقاد ثم يكلف فوراً أحد الشخصيات المستقلة بتشكيل حكومة الوحدة التي يقوم رئيس الوزراء المكلف بالحوار لتشكيلها وحتى توافق حركة حماس وحركة فتح على أعضائها، ثم يقترع عليها المجلس التشريعي ويعطيها الثقة.

إن هذه الحكومة ستشرع فوراً بالحصول على تأييد العالم الذي أصبح راغباً بوجود حكومة فلسطينية واحدة وعلى الفور تطلب الحكومة من العالم دعمها وإجبار إسرائيل على فك الحصار عن غزة لنبدأ إعادة اعمارها، وبهذا الصدد فقد تمت الإشارة إلى احتمال قيام هذه الحكومة في تقرير المفوض السامي لعملية السلام أمام مجلس الأمن.

سيصبح لدينا من جديد وزارة واحدة للصحة وأخرى للتعليم وغيرهما، ونحل مشاكل الناس والأدوية والكتب وجوازات السفر ويُفرج عن المعتقلين وتطلق الحريات ونتهيأ لوضعٍ جديد. وبالنظر إلى حساسية الوضع الأمني الداخلي في كل من الضفة الغربية وغزة يبقى الوضع الأمني الداخلي في شطري الوطن على حاله، بحيث تبقى السيطرة الأمنية في قطاع غزة للأجهزة الأمنية الحالية، وكذلك يبقى الحال في الضفة الغربية. وأما بالنسبة للوضع الأمني مع إسرائيل فإنه لابد من التزام الجميع في الضفة وغزة الهدوء وعدم الانجرار وراء عمليات عسكرية ربما تنتظرها الحكومة الإسرائيلية لتدمير الوحدة والوطن الفلسطيني، وهذا ما يبدو أن القيادات الفلسطينية قد اعتمدته اليوم بوعيٍ ونضج كاملين حيث لا تسمح لأي عابث بالأمن أن يرمي بالناس والوطن في أتون الدمار، خاصةً في هذا الوقت الذي تنشغل فيه الأمة العربية والعالم بما يجري من مخاض ثوري عارم في المنطقة العربية.

إن تشكيل حكومة وحدة وطنية وإعادة الروح للمجلس التشريعي المنتخب هو بداية الطريق لوضع الأمور في نصابها من جميع جوانب القضية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وأمنياً ودولياً وشرعياً وهو الطريق الأقصر لتدمير حصار غزة، وهو الوعاء الذي يمكن لحوار فلسطيني جاد بين حركة حماس وفتح وغيرهم لصياغة المشروع الوطني وإعادة الحياة إلى منظمة التحرير.

لقد تواتر الحديث حول هذه الفكرة منذ عدة أسابيع وتصاعدت التصريحات بعد أن تقدم د. سلام فياض بمبادرة تسعى لتشكيل حكومة بعد أن انسدت كل الطرق أمام الوفاق والمصالحة واستعادة الوحدة، ولكنه أغفل من مبادرته مرجعية هذه الحكومة، واليوم فإننا نقترح أن يكون المجلس التشريعي بكامل هيئته وبرئاسة د. دويك هو المرجعية الفصل لهذه الحكومة.

ونرجو بهذا ألا يبقى للأطراف المتنازعة في طرفي المعادلة السياسية (فتح وحماس) إلا أن يوافقوا فوراً على البدء في تنفيذ ذلك، فهم بذلك ينفذون وعودهم للشعب بالعمل على الوفاق والمصالحة وإعلان الوحدة على طريق التحرير.

إن على القيادة الوطنية مسئولية جسيمة ولا نريد لقياداتنا السياسية أن يكونوا أسرى للفصائلية، أو يترددوا في اتخاذ قرار الوحدة الفلسطينية فذلك الأهم من كل الفصائل.

(5)

إنتاج الحمق السياسي

08 مارس 2011م

سعود البلوي

نقلا عن "الوطن" السعودية

نشهد اليوم تحولات اجتماعية وسياسية متسارعة في العالم العربي ولّى خلالها زمن الانقلابات العسكرية، التي سمّى فيها العسكر أنفسهم ثواراً ضد شعوبهم، مستلبين حريتهم وكرامتهم وحقهم في الاختيار. لقد ولّى ذاك الزمن وجاء زمن آخر يتحرك بفعل الكلمة والتواصل الاجتماعي الإلكتروني الذي صنعته الحضارة الحديثة.

لقد استفاقت الشعوب العربية على كلمة "ثورة" بعد انتهاء سنوات مقاومة الاستعمار، حين تشكلت معظم الكيانات السياسية للدول العربية كبنية قديمة ما تزال حاضرة في نطاق واسع من واقعنا العربي، غالباً ما يجسدها الحزب الأوحد، وسط مشكلات مجتمعية كبيرة لدى الشعوب وأهمها الفقر، وضعف الموارد، وغياب الشراكة السياسية.

وأستطيع القول إن الكثير من الدول العربية تنقلت بين ثلاثة خطابات سياسية هي: الخطاب الجهادي (التحرر من الاستعمار)، ثم الخطاب الانقلابي (الانقلاب العسكري على الحكم المدني)، ثم الخطاب الأيديولوجي الاستبدادي الذي ينافي أصلاً فكرة تداول السلطة في الجمهورية، وبذلك لم تتحقق قضايا صون الحريات بشكل واضح في العالم العربي طوال نصف قرن مضى، وظلت معظم الدول العربية في نسخ متكررة لبعضها خارج إطار الصفة المدنية المحضة، بعد أن أرهقتها شعارات الحرية والجمهورية، وبقي الإنسان العربي المقهور ضحية كبت الأنظمة المستبدة، تدعمها ثقافة مأزومة لتقنين الفساد والظلم والاستبداد، وبالتالي غاب الإنسان عقلاً وروحاً ومعنى، في ظل شيوع أنموذج ما يسمى في بعض الدول العربية بالدولة الأمنية (البوليسية) المعتمدة على القمع والعزل عن العالم الخارجي، في ظل تصور بأنه يقلل حدة التوتر ويوفر الاستقرار. وكأن بعض السلطات العربية انشغلت بتأمين نفسها، واعتقدت أنها ستبقى محصنة للأبد، متجاهلة بذلك الكثير من المنغصات القاتلة لدى فئة الشباب بشكل خاص، وأولها الكبت والتضييق على الحريات، وشيوع الفساد والبطالة، ووجود الفقر حتى لدى من يقال إنها الطبقة الوسطى، وفقدان الثقة بوعود الديموقراطية، فحين غابت الديموقراطية الموعودة لجأت أخيراً بعض المجتمعات العربية للانتقام لذاتها من خلال الثورة التي لم يكن أمامها خيار سواها. إلا أنه في الثورات الثلاث في تونس ومصر وليبيا غاب الفهم كلياً، فلم تستوعب أنظمتها السياسية الدرس من حصته الأولى، أي لم يتم استيعاب الدرس التونسي، حيث اعتبر النظام المصري أنه ليس نظام بن علي، وبدأ بإعادة إنتاج ظاهرة الحمق السياسي، فالنظام التونسي اعتقدَ -في بداية الثورة التونسية- أنه يستطيع السيطرة على الوضع من خلال القمع والقتل والتهديد وإغلاق منافذ المعلوماتية والفضاء الإلكتروني أمام الثائرين.

وحين اتضحت معالم الثورة في تونس بخروج الرئيس بما يشبه الحلم، لم يستوعب النظام المصري الدرس التونسي جيداً وقابل مطالب شباب التحرير بعدم الاكتراث، ويبدو أنه ساد اعتقاد في محيط السلطة المصرية حينها أن ما حدث في تونس استثناء لن يتكرر، غير أن التجمعات في ميدان التحرير كانت تكبر ككرة الثلج، فتنحى الرئيس، ولم تجدِ كل محاولات النظام إصلاح ما أفسده طوال عقود مضت، فكرر أخطاء السلطة التونسية ذاتها مضيفاً التلويح بورقتين إضافيتين: الجيش، والموالين للحزب الحاكم. لكن الجيش المصري وقف موقفاً وطنياً طالما اشتهر به على مدى تاريخه. بالتأكيد أن التاريخ لا يعيد نفسه رغم تشابه الأحداث، حيث انتهى الدرس المصري وبدأ الدرس الليبي الذي ما يزال جارياً، ولم يستفد نظام ليبيا من التجربة المصرية، معيداً إنتاج الحماقات السياسية بشكل مخيف، وزاد عليها أموراً لا تخفى على المتابع، فقد كرر محاولة تجميع الموالين، وزاد عليها بتجميع المرتزقة من دول وأناس شتى، واعتمد التشويش على القنوات الفضائية، وقطع وسائل الاتصال، فكان الأمر أشبه بمحاولة حجب ضوء الشمس بغربال.

ثار الليبيون ضد الاستبداد بعد أربعة عقود من الحكم بالحديد والنار، والتغييب الكامل للإنسان وتكريس سلطة الفرد الواحد، حتى إن الزعيم نفسه لم يصدق ما حدث فعزا الأمر إلى العين! وما زال الليبيون يدفعون دماء أبنائهم ثمناً للتحرر والثورة على الاستعباد السياسي والطغيان والعنف. وعن العنف السياسي يقول أستاذ القانون في جامعة شيكاغو (ريتشارد إيبستين): "العنف ينتج تأثيرات اجتماعية مختلفة جداً عن المنافسة، لأن مكسب أي فرد هو بالضرورة خسارة لآخر. العنف لا ينتج فوائد متبادلة. إضافة لذلك، فتأثير طرف ثالث على العنف هو نشر الخوف بين جميع السكان. ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن المستوى الكلي للثروة والسعادة في المجتمع سيبقى ثابتاً عندما يصبح تحمل الاعتداء على الحرية والملكية مسألة عادية. هناك موارد هائلة ينبغي إنفاقها على الهجوم والدفاع بحيث إن مستوى الثروة (الكعكة الاجتماعية) سيتقلص من خلال عملية إعادة توزيع الثروة بالإكراه. العواقب الاجتماعية السلبية للعنف تقف في ناحية مضادة تماماً للعواقب الإيجابية المنافسة".

(6)

أنظمة العرب وثوراتهم

- 08 مارس 2011م

*نقلا عن "الحياة" اللندنية

الياس حرفوش

لم تعد هناك حاجة إلى قدر عميق من التحليل لاستنتاج أن مسار الانتفاضة الليبية يسير في الاتجاه المعاكس لما سارت إليه الانتفاضتان المصرية والتونسية. لا علاقة لذلك طبعاً بما إذا كان معمر القذافي يستحق السقوط أم لا. فالجواب على هذا مفروغ منه، ليس الآن بل منذ سنوات طويلة من تسلط العقيد على الحكم في ليبيا. الأمر له علاقة بطبيعة الأنظمة في البلدان الثلاثة، وهو ما يمكن أن ينطبق أيضاً، وأن يكون درساً، لانتفاضات قد يحلم بها آخرون في المنطقة.

ما حافظ عليه حسني مبارك وزين العابدين بن علي، أو لنقل ما لم ينجحا في تدميره، هو تماسك الطبقة الحاكمة المستفيدة، وقدرة الأجهزة العسكرية والأمنية على الإمساك بالوضع الداخلي وتسهيل عمل النظامين الأوتوقراطيين في البلدين. وهكذا فعندما سقط الرئيسان، ظلّ معظم الأشخاص في أمكنتهم واستمرت المؤسسات الحاكمة تعمل، وكانت النتيجة أن البلدين لم يتفككا ولم يتعرضا لانهيارات. لهذا ترددنا سابقاً ولا نزال في وصف ما حصل في تونس ومصر بالثورة، لأنه لم يؤد إلى بروز طبقة حاكمة جديدة ولا إلى نظام حكم مختلف ولا إلى التغييرات العميقة الاجتماعية والاقتصادية التي ترافق ما هو متعارف عليه في الثورات. طبعاً هناك عمليات تجميل جرت وما تزال تجري. آخرها تغيير وجهَي رئيسَي الحكومة في البلدين. ولكن لنجلس ونفكر قليلاً في هوية القوة الضاربة التي تمسك اليوم بخيوط اللعبة الداخلية في كل من تونس ومصر! هل يمكن الشك في أن هذه القوة هي نفسها التي كانت تحمي نظامي حسني مبارك وزين العابدين بن علي بما لهما وما عليهما؟

في ليبيا الأمر مختلف تماماً. لو كان سقوط القذافي سيعني انهيار نظامه فقط وقيام نظام ديموقراطي مكانه، لكان ممكناً توجيه التهاني إلى الشعب الليبي على إنجازه العظيم، لأنه استطاع القضاء على النظام القديم من غير مواجهة تبعات ذلك وعواقبه. لكن سقوط نظام القذافي وعائلته في ليبيا لن يؤدي، مع الأسف، إلى هذا فقط، بل هو يهدد بتدمير الدولة الليبية بالكامل. فلعل «افضل» ما فعله القذافي كان القضاء على كل المؤسسات القادرة على تأمين استمرار الدولة وبقائها بعد تغيير النظام. لا يوجد في ليبيا جهاز بيروقراطي لضمان استمرار العمل الإداري في الدولة. كما أن القذافي قام عمداً بضرب كل الأجهزة العسكرية والأمنية، التي تلجأ إليها الدول كملاذ أخير للدفاع عن بقائها، وحوّلها إلى مجموعة من الميليشيات وما يسمى باللجان الثورية.

وقد ظهر ذلك جلياً من خلال ما يحصل في المناطق الشرقية من ليبيا، التي قيل إنها «تحررت» بالكامل من سلطة القذافي. في هذه المناطق تشير التقارير الإخبارية إلى محاولة الثوار هناك تنظيم لجان لسد الفراغ الأمني والإداري وتوفير ابسط الخدمات اليومية، كتسهيل حركة المرور وحماية المنشآت العامة. وقد ظهرت الفوضى في هذه المناطق بأجلى صورها من خلال اختطاف أفراد الوفد الأمني البريطاني، الذي كان مؤلفاً من أفراد من القوات الخاصة وجهاز الاستخبارات الخارجية، عندما كانوا في مهمة في بنغازي لإجراء اتصالات مع المجموعة الحاكمة في شرقي ليبيا، والتي ينتمي معظم رجالها إلى الفريق الذي كان إلى الأمس القريب يحيط بالقذافي ويتولى مسؤوليات في نظامه.

من الصعب قيام نظام ديموقراطي في دولة ما إذا لم تكن هناك دولة في الأساس. فالديموقراطية لا تولد من الفوضى بل من مؤسسات قادرة على العمل. من هنا إن الفرصة متوافرة في تونس ومصر لمثل هذا الانتقال. لكن السؤال يبقى حول قناعة الجهاز الذي يمسك بالمرحلة الانتقالية، وهو الجيش في الحالتين، بتوفير الشروط الضرورية للعمل الديموقراطي، فضلاً عن قناعة الأحزاب والهيئات المشاركة بعملية من هذا النوع واستعدادها للقبول بنتائجها، خصوصاً إذا لم تكن هذه النتائج في مصلحتها.

هل هناك في التجارب العربية أو الإقليمية التي من حولنا ما يبشّر باستعدادات من هذا النوع؟

(7)

كيف تحولت الشرطة إلى عدو للشعب؟

08 مارس 2011م

صبحي زعيتر

شعار الشرطة في خدمة الشعب ليس حكرا على دولة معينة، إنه شعار تستخدمه كل دول العالم، ولكن وزير الداخلية المصري السابق حبيب العادلي، غير الشعار إلى "الشرطة والشعب في خدمة الوطن"، مزاوجا بين الشرطة والشعب وجعلهما صنوين للمصلحة العامة.

ولكن ماذا حصل طيلة العقود الماضية؟ هل فعلا كانت الشرطة والشعب في خدمة الوطن أم كانت الشرطة في خدمة النظام على حساب الشعب؟

ما بينته الاحتجاجات الشعبية في مصر، بعد انهيار نظام الرئيس حسني مبارك، طرح بإلحاح مثل هذه الأسئلة، كون ما أقدمت عليه عناصر الشرطة، وتحديدا عناصر أمن الدولة، كان ملفتا لجهة إحراق وفرم الوثائق التي تحتوي على معلومات حجبت عن الكثيرين من المسؤولين وكانت ترسل إلى جهة معينة في النظام.

كان شعار "الشرطة في خدمة الشعب" في مصر، رد فعل على ما كان يقوم به "القلم السياسي" في فترة الاحتلال الإنجليزي ـ وهو الشرطة المصرية في حينه ـ من ملاحقات للفدائيين، وحاولت ثورة 23 يوليو ومن أتى بعدها تنقية صورة رجال الشرطة عن الشارع الذي عانى منهم، ولكن لا ثورة 23 يوليو ولا نظام الرئيس الراحل أنور السادات استطاعا تصفية هذا الإرث، لا بل ازداد ارتباط الشرطة بالنظام أكثر فأكثر، ونما هذا الارتباط بشكل كبير إبان حكم الرئيس حسني مبارك وأصبح الوضع كارثيا في ظل سيطرة الوزير العادلي الذي استخسر التسمية، وحاول أن يربط ليس الشرطة في خدمة المسؤول، وإنما الشعب أيضا

(8)

درسان مختلفان من... ليبيا واليمن

نقلا عن "الوطن" السعودية

07 مارس 2011م

جورج سمعان

بقدر ما اقتربت الثورتان في كل من تونس ومصر من نهايتهما السعيدة، تبدو الأوضاع في كل من ليبيا واليمن أكثر تعقيداً وصعوبة. وتتجه نحو نهايات غامضة أو ضبابية حتى الآن قد تطول معها عذابات الناس وآلامهم. الأسباب التي حركت وتحرك الشارع في هذه البلدان العربية تكاد تكون مشابهة. لكن الظروف في كل بلد تختلف. يختلف التاريخ والتركيبة الاجتماعية والعلاقات ومدى التجانس بين مكونات هذه التركيبة. تختلف الثقافة والعلاقات مع الإقليم والمجتمع الدولي... هذا ما يتضح في الجماهيرية واليمن. لذلك لا مبالغة في القول إن ما ستؤول إليه نتائج الحراك في كل من هذين البلدين سيترك آثاراً سلبية على أي حراك شعبي لدى جيرانهما. لن يكون سهلاً مثلاً على الجزائريين والمغاربة أو حتى على غيرهم أن يتلمسوا سلفاً نهاية أي انتفاضة أو ثورة، كما فعل التونسيون أو المصريون. يجب أن يتوقفوا أمام الدرس الليبي، واليمني أيضاً.

بات واضحاً أن النظام الليبي يستعصي على السقوط بسهولة، بسبب عوامل كثيرة، على رأسها الجهوية والقبائلية، وإن كابر الليبيون. تماماً كما فعل العراقيون الذين كانوا يغضبون حين يقال لهم إنكم تقتربون من المحاصصة على الطريقة اللبنانية. وها هم بعد سبع سنوات على سقوط نظام صدام حسين يغرقون في المحاصصة الطائفية والمذهبية.

الانقسام القائم في ليبيا اليوم بين الشرق والغرب، بين بنغازي وطرابلس، يعيد الذاكرة إلى تاريخ ليس ببعيد. إلى انقسام ثقافي وسياسي وتاريخي بين هاتين المنطقتين اللتين لم تعرفا الوحدة سوى منتصف القرن الماضي في ظل قيام المملكة الليبية المتحدة التي أعلنها الملك إدريس السنوسي وجمعت الأقاليم الليبية الثلاثة. لذلك استعجل أهل الشرق في استعادة علم المملكة تاركين لأهل الغرب والجنوب الغربي علم «الجماهيرية». هذا الانقسام أخرج الثورة من سلميتها. انتظم الليبيون في معسكرين متحاربين على نحو يصعب بعده أن يلتحموا من دون دماء. فإذا انتصرت كتائب معمر القذافي ومرتزقته - وهو أمر مستبعد - فإنها ستواصل أعمال القتل. أما إذا انتصر الثوار فإنهم أيضاً سيلجأون إلى الانتقام من أنصار القذافي الذين حكموا البلاد طوال 42 عاماً بالحديد والنار والإذلال... في كلا الحالين دم كثير سيراق في الجماهيرية على مذبح التغيير، خصوصاً أن الثوار باتوا يحملون السلاح ويتدربون مع فرق عسكرية انضمت إلى صفوفهم.

دخلت ليبيا مرحلة من العنف المتبادل الذي قد يأخذ شكل حرب أهلية إذا طالت هذه المرحلة من دون أن يحسم الثوار المعركة لمصلحتهم مدعومين بكل الإجراءات التي يتخذها المجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة والدول الأوروبية. والمشكلة مع الثوار الليبيين أنهم يريدون مساعدة دولية لكنهم لا يريدون هذه المساعدة كما في الحال العراقية. يريدون أن تدعمهم الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لكنهم يريدون هذه المساعدة بالقدر الذي لا يبدون فيه كمن استعانوا بالاجنبي في إزاحة القذافي. يريدون تدخلاً ولا يريدون! بل إن بعضهم يحذر من أن التدخل العسكري الأجنبي سيدفع بالوضع إلى وجهة معاكسة تماماً. أي أن الليبيين قد يلتفون مجدداً حول القذافي! وعلى رغم أن الأميركيين والأوروبيين عبروا بوضوح وصراحة عن رغبتهم في وجوب رحيل القذافي ويسعون إلى معاقبته ومحاصرته... إلا أنهم يعبرون أيضاً عن صعوبة إقامة مظلة فوق ليبيا تحول دون استخدام النظام قواته الجوية من دون تدخل عسكري مباشر جوي أو بري.

ليبيا قد تتحول إلى صومال آخر على شواطئ المتوسط... ما لم يحدث شرخ في جبهة النظام على مستوى القبائل التي لا تزال تقف إلى جانبه. فبعض الليبيين، مثلهم مثل اليمنيين، ليس سهلاً تخليهم عن نظام أقاموا فيه مراكز قوى ومصالح لأنصار وأبناء القبيلة والجهة والطائفة. ليس سهلاً أن يتخلى جميع هؤلاء المستفيدين عن مصالحهم. لهم مصلحة توازي مصلحة النظام في الدفاع عن «شرعية» لم يعد هذا النظام يحظى بها، لا في الداخل ولا في الخارج. هذا ما ورط أحياناً الرئيس زين العابدين بن علي وبعده الرئيس حسني مبارك اللذين حاولا الممانعة في الأيام الأولى من الثورة في بلديهما مدفوعين بمراكز القوى هذه وجيش المتنفعين. لكن ممانعتهما جاءت متأخرة. الوضع الآن في طرابلس شبيه بما يحدث في صنعاء. لن يترك العقيد معمر القذافي السلطة، ولن يترك علي عبدالله صالح السلطة... ما دامت هناك قوى لا تزال ترى مصلحة في بقاء كلا النظامين، أو على الأقل في تحسين شروط رحيلهما.

وإذا كانت ليبيا دخلت نفق العنف المتبادل، فإن الوضع في اليمن قد يظل في منأى عن السلاح. لا يبدو أن أحداً يرغب في اللجوء إلى السلاح في بلاد ليس فيها غير السلاح. ولا يبدو أن أحداً يرغب في تجربة من هذا النوع لئلا تستيقظ شياطين الثارات القبلية، قديمها وحديثها. وعندها لا يعود هناك أي معنى للتغيير أو الثورة. المسألة في اليمن لها خصوصيتها. لا تشبه ما حدث في تونس ومصر. ولا تشبه ما يحدث في ليبيا. الكلام على حرب أهلية في اليمن هو أقرب إلى التهويل منه إلى الواقع. وحتى التقسيم يبدو بعيداً. بل إن نزعة الانفصال التي ميزت حراك أهل الجنوب خفت لهجتها. الانفصاليون ينتظرون ماذا سيحمل التغيير الذي سيحصل في البلاد عاجلاً أم آجلاً. قد تتفاقم الفوضى إذا لم يتوصل النظام إلى إبرام صفقة مع خصومه. إذ حتى هؤلاء بات الشارع يسبقهم ويفاقم ضغوطه عليهم. أي أن الغاضبين باتوا يفرضون أجندتهم بعيداً من الأحزاب والقوى والقبائل. لذلك تبدلت هذه القوى وغيرت وتغير كل يوم مواقفها.

حتى الآن الرئيس علي عبدالله صالح يسمع فقط. لا يبدي أي تجاوب مع ما تطرحه هيئة العلماء. لا يبدو أنه يريد أن يساعد في إيجاد مخرج لإنقاذ البلاد من الفوضى. ولا يبدو أنه يريد مساعدة أحد على إيجاد صيغة تحفظ له خروجاً مشرفاً وتحفظ له ولأنصاره كرامته وكرامتهم. يمكنه بدل التمسك بإكمال ولايته، أن يقترح حلاً وسطاً، فيعلن تخليه قبل نهاية هذه الولاية. يكون بذلك تقدم خطوة نحو اقتراح هيئة العلماء تنحيه نهاية السنة، في إطار جدول زمني تتخلله إجراءات تنقل البلاد إلى أجواء أكثر صلاحاً وحريات ومشاركة في السلطة، وتمهد لانتخابات برلمانية ورئاسية. المعاندة لن تفيد الرئيس. ستطيل عذابات اليمنيين. وستفاقم متاعب السلطة التي لن تستطيع الحكم مهما فعلت ومهما قدمت من إغراءات لم تعد تغري أحداً. التغيير في اليمن حاصل لا محالة... ولكن في إطار صفقة. هذا ما يقره النظام نفسه. يبقى السؤال: متى يقع هذا التغيير وكيف؟

إن ما يشهده اليمن يحظى ربما باهتمام دولي أكبر مما هي حال ليبيا. فلا تمكن المجازفة بتداعيات ما يحصل وآثاره على كل المنطقة المجاورة، من شبه الجزيرة إلى القرن الأفريقي. خصوصاً أن البلاد تكاد تتحول القاعدة الأولى لتنظيم «القاعدة» بعد أفغانستان وباكستان. ولا يمكن الفوضى إلا أن تعزز مواقع التنظيم. وهو ما لا يمكن الذين يخوضون إقليمياً ودولياً حرباً على الإرهاب القبول به أو التسليم بحدوثه.

لا جدال في أن الشارع سيكسب الرهان في نهاية المطاف، ولكن بكلفة كبيرة. لن يستطيع العقيد القذافي ولا العقيد علي عبدالله صالح الوقوف في وجه الإرادة الدولية، وفي وجه إرادة الناس. والتركيبة الاجتماعية الدقيقة التي تفرض قواعدها على اللاعبين في كلا البلدين فتقيد حركتهم، وتضع شروطاً قاسية على مساعي التغيير، تبقى هي أيضاً جزءاً من موازين قوى تتجاوز التركيبة الداخلية لتشمل الإقليم أيضاً... هذا الإقليم الذي يتعرض لعاصفة عاتية من التغيير الذي لن تقف في وجهه عقبات أو اعتبارات مهما طالت الأيام.

(9)

لماذا حل أمن الدولة؟

نقلا عن (الجريدة) الكويتية

07 مارس 2011م

غانم النجار

قبل ثلاثة أسابيع تقريباً، وعندما اتضح أن الثورة المصرية ماضية في طريقها، كان أشخاص يقومون بأعمال على درجة عالية من الأهمية والسرية في ذات الوقت، ففي أحد المباني المعروفة تبعيتها لجهاز الأمن دون أن توضع عليه أي علامات كانت عربات محملة بكراتين تحتوي على أشرطة تأتي للمبنى الذي يحتوي على ساحة صغيرة بها حفرة أشعلت فيها النار، حيث يتم إلقاء تلك الكراتين والأشرطة فيها. من الواضح أن تلك «المحروقات» كانت تتضمن ما يمكن أن يشكل إدانة لأعمال قام بها جهاز الأمن، وأن الهدف كان إخفاءها عن عيون الثوار وعن الثورة.

لعل البعض قد استغرب التصعيد الملحوظ للمطالبة بحل جهاز مباحث أمن الدولة في مصر خاصة أن العديد من مطالب الثوار قد تم تحقيقها. بل إن البعض قد يتصور أن حل الجهاز الأمني المذكور يمثل تفكيكاً للمنظومة الأمنية في البلاد، وبالتالي تهديد الاستقرار وإشعال الفوضى، كما أنه بنفس المنطق فإن ذات البعض قد يظن أن المطالب الأساسية قد تحققت فلماذا يتم التركيز على موضوع قد يراه البعض جزئياً وهو قد يتحقق بالتبعية للتغييرات التي ستطال النظام السياسي كحل الحكومة واستبدالها بأخرى.

عبر قرابة العشرين سنة الماضية شاركت وعملت على العديد من قضايا انتهاكات حقوق الإنسان بمصر، وراقبت العديد من المحاكمات التي تمكن بعض المحامين المصريين الشجعان وبعض جمعيات حقوق الإنسان المصرية الجادة والمناضلة من إيصال تلك القضايا إلى أروقة المحاكم. وكان أن صدرت حول تلك القضايا العديد من البيانات والتقارير الصحافية من داخل مصر أو خارجها من منظمات دولية رصينة كالعفو الدولية أو الووتش أو الفدرالية الدولية أو اللجنة الدولية للحقوقيين وغيرها. ولعل أحد أشهر تلك القضايا وأقربها إلى الذاكرة قضية تعذيب وقتل الشاب خالد محمد سعيد على أيدي ضباط المباحث.

كل تلك الجهود كانت تذهب سدى أمام الحماية المطلقة من النظام والصلاحيات غير المحدودة لجهاز أمن الدولة، مما جعل من ذلك الجهاز دولة داخل دولة، يحكم بقواعد لعبته الخاصة ليتحول إلى وحش كاسر يستمرئ التعذيب والقمع والكبت كنوع من الدفع الذاتي.

إن المطالبات الشعبية في مصر بحل جهاز أمن الدولة في حقيقة أمرها تمثل البداية الفعلية لتغيير النظام والبدء بإصلاحات جادة دون أن يعني ذلك بأي شكل من الأشكال تفكيكاً أو انهياراً للمنظومة الأمنية للدولة، بل هي إعادة بناء وتأسيس بنية تحتية للأمن.

لقد أكدت التحولات التي حدثت في العالم منذ 1990 في أكثر من 60 دولة، أن التحدي الأكبر أمام بناء ديمقراطيات حديثة على أنقاض ديكتاتوريات سابقة كان في إعادة بناء الأجهزة الأمنية وإعادة تأهيلها لتتناغم مع النظام الديمقراطي، كما كان واضحاً أن أغلب الدول التي تعرضت ديمقراطياتها الوليدة لاختلالات وتراجعات كان بسبب الإبقاء على الأجهزة الأمنية القمعية على وضعها دون إعادة تأهيل وإعادة بناء الجهاز الأمني وبالذات جهاز أمن الدولة لكي يصبح بحق حامياً لأمن الدولة لا لأمن الحكومة وحاشيتهم.

(10)

ما ينجزه شباب العرب كحـدث تاريخـي

السفير اللبنانيه

سليمان تقي الدين

ما ينجزه شباب العرب الآن هو حدث تاريخي كبير. الثورة السياسية بأشكالها المختلفة تتفاعل من المحيط إلى الخليج. يتردّد المطلب نفسه من أجل التغيير والإصلاح ولو أنه يتحدّد حسب ظروف كل مجتمع ودولة. المشترك أكبر بكثير من اختلاف

الوسائل. هي «ثورة العرب» لإعادة تشكيل هويتهم الحديثة كمواطنين أحرار في أمة حرّة.

لا أحد يستطيع أن يهندس الثورة. هي فعل تجتمع فيه الكثير من العناصر الملهمة والمحرِّضة ويخرج كما لو أنه نشيد واحد. أهمية الحدث العربي الذي يعصف بالمنظومة السياسية التي كانت تبدو راسخة إما لقوتها وإما لاستكانة الشعوب، أنه يعكس وعياً وإرادة فيهما نقض لصورة العرب في نظرة الغرب ونظرة الكثير من العرب لأنفسهم. يريد شباب العرب التغيير ويريدونه بأفق معاصر. لا يقلّدون نموذجاً ولا يخضعون لشروط إيديولوجية. في كل مكان يحصل فيه حراك هناك لغة واحدة رغم تنوّع مكوّنات هذا الحراك. ما تقوله الثورات العربية أهم من أي نظرية عن التحرير والوحدة والاستقلال والتقدم. هي بذاتها فعل تحريري وحدوي استقلالي تقدمي. الثورة فعل صدام مع الماضي، فعل قطيعة مع الحاضر وبداية مسار نحو المستقبل.

يواجه شباب العرب أنظمة هي من ركائز السيطرة العالمية وأدواتها. لا نعرف بدقة وجوه الإدارة الغربية بتفاصيلها لاحتواء هذه الثورات وتطويعها، لكننا نعرف على وجه اليقين وما هو معلن من مراكز القرار الدولي، إن هذه الإدارة الغربية لا تحتمل أكثر من إسقاط الواجهات السياسية والرموز الفاقدة لصلاحية القيادة. خلال عشر سنوات من الحرب الأميركية المفتوحة على المنطقة وبعض تبريرها نشر الديموقراطية، حرص الغرب بكل دوله على حماية أنظمة الاستبداد والفساد ولم يستخدم لمرة واحدة معاييره الديموقراطية في التعامل مع هذه الدول. كان الاستبداد والفساد والتبعية في حلف طبيعي، وكانت أولوية هذا الحلف مواجهة أشكال المقاومة والتمرّد على إرادة الغرب. تمايزت مواقف الدول الصناعية المتقدمة بمقدار ما تنافست على بعض المصالح ومواقع النفوذ. لكننا لم نعد نسمع خطاباً متماسكاً في حق تقرير المصير والحرية والديموقراطية ولا حتى في المصطلح الجديد الرائج عن العدالة الدولية والقانون الدولي. لم يحترم المجتمع الدولي قراراته في فلسطين، ولا قرار محكمة العدل الدولية حول جدار الفصل العنصري، ولا حتى القوانين الإنسانية المنظمة للاحتلال. استبدل الغرب كل هذا التراث الإنساني بمقولة «صراع الحضارات» ليبرّر حربه على العرب والمسلمين بذريعة ثقافتهم المتخلّفة النازعة إلى العنف وعدم قبول الآخر وعدم الاستجابة لقواعد الحرية السياسية والديموقراطية.

هذه المفاهيم نفسها جرى تبنّيها من معظم النظام الرسمي العربي ومن الكثير من النخب المرتبطة به وبأوليائه، فصار العقل العربي قاصراً والإنسان العربي عاجزاً والمجتمع العربي مجموعة من الهويات الفئوية المتنافرة. لا شيء طبعاً يأتي من فراغ، فقد بنى مركز السيطرة العالمي على معطيات «التأخر العربي» ولو كانت مسؤوليته الأساسية تنبع من استلاب وعي المجتمعات وإرادتها.

هنا حاكم مصري يعلن عدم نضوج الشعب لممارسة الديموقراطية، وآخر يمني يرفع راية صندوقة الاقتراع وهو يدير حزبه القبلي في اليمن، وثالث يدّعي أنه يقيم جماهيرية بلا سلطات سوى سلطات الشعب ولا يُحجم عن استخدام المرتزقة لقمع شعبه في ليبيا وقهره، وآخرون من ملوك وأمراء يرفعون راية الشريعة ضد مطلب الحرية والعدالة والمشاورة والمشاركة، وجميعهم يهوّلون بتطرّف الحركات الدينية.

أما لبنان الذي استخدمه الغرب لافتة ديموقراطية فلم يترك له سبيلاً لإدارة شؤونه وفق ما تمليه مؤسساته ومكوّنات شعبه التي هي السلطة الشرعية الوحيدة. لم يحترم الغرب تعددية لبنان التي حاول تكوين مثالها في العراق ولو على نهر من الدماء. ولم يحترم حقه في خياراته السياسية الوطنية وشرعية مقاومته لعدو يتمادى في الحرب عليه كلما سنحت له فرصة. بل أن هذا الغرب عبث بأمن لبنان واستقراره بقرارات دولية فرضت عليه جدول أعمال لا يحتمله في وحدته وفي علاقته بجواره العربي. لكن التحديات ليست محصورة في الرغبات السياسية والمداخلات الأمنية التي لم تغب عن ميدان التحرير في القاهرة، ولا عن تونس واليمن وليبيا والبحرين، من سيارات السفارة الأميركية إلى استنفار الأسطول وتحريك الأدوات السياسية والإعلام والمواقف، فهناك السقف الاقتصادي الذي يتحرّك ويمارس فعله الخبيث على أي خيار سياسي، الذي يبدأ بالعقوبات والحصار ولا ينتهي عند التلاعب بأسعار النفط والتهديد بمصادرة الأموال ومراقبة حركتها.

إن تنمية ذات بُعد عربي أولاً وشرق أوسطي ثانياً هي الأفق الوحيد المتاح للجواب على أزمة البطالة وغياب فرص العمل وتدني مستويات التعليم والهجرة شمالاً ونزوح الثروات النقدية العربية إلى الأسواق الغربية واندراجها في أهداف التبعية والهيمنة الغربية. نحن في عالم عربي يجمع إلى جغرافيته الواسعة وتنوّع مناخه وثرواته ميّزات تفاضلية تتعلّق بالقدرة على الاندماج والتكيّف الاجتماعيين. إن حجم العمالة بين البلدان العربية وتنميتها هي جزء من مردود تنمية الهوية العربية المشتركة والتضامن بين مكوّناتها الإقليمية والكيانية الراهنة التي تواجه تحديات كبيرة في نطاقها القطري أو الجهوي الآن.

يبدو التغيير السياسي رغم التحديات والأهوال التي تفرضها أنظمة الاستبداد أكثر سهولة من معركة بناء البديل الذي يحفظ قيم التغيير وأهدافه. بدأ شباب العرب معركة لا تكتمل إلا بالمزيد من تجذير فعل النهضة بوجه عالم الهيمنة الذي يحكم ويتحكّ