ملف النكبة 10

ابرز المقالات في ذكرى النكبة

63 نكبة من صديق ونكبة من عدو!

د. فايز أبو شمالة / عرب اون لاين

متى تصبح النكبة مجرد ذكرى

د. مصطفى يوسف اللداوي/ المنار

الذكرى المأساوية للنكبة

علي الصفدي/ الرأي

ليست نكبة..إنما احتلال بغيض ومؤامرة

د.منذر زيتون/ السبيل

النكبة في ظل الربيع العربي

اسامة الشريف / الدستور

في ذكرى نكبة فلسطين..مصممون على العودة

عبد المجيد ابو خالد/الرأي

ذكرى النكبة في ضوء التحولات

عبد الوهاب بدرخان / الاتحاد الاماراتية

نصرٌ في ذكرى نكبة

رأي البيان

63 نكبة من صديق ونكبة من عدو!

د. فايز أبو شمالة / عرب اون لاين

سنة 1948 كانت النكبة الأولى على يد العصابات اليهودية، ولكن بعد ذلك توالت النكبات بأيدي الحكام العرب والفلسطينيين، فكان التآمر على عدم قيام دولة فلسطينية على ما تبقى من أرض فلسطين نكبة ثانية، وكان ضم الضفة الغربية إلى الأردن سنة 1950، نكبة فلسطينية ثالثة، وكان عدم اختيار القدس على أهميتها عاصمة للدولة الأردنية نكبة رابعة، وكان محاربة العمل الفدائي نكبة خامسة، وكانت الهدنة مع إسرائيل على كل الجبهات العربية نكبة سادسة، وكانت هزيمة 67 نكبة سابعة، وكانت تصفية الثورة الفلسطينية في أحراش جرش نكبة ثامنة، وكانت اتفاقية كامب ديفيد سنة 1978، نكبة تاسعة، وكانت تصفية الثورة من لبنان نكبة، وكانت مذابح المخيمات نكبة نفذت برعاية عربية، حتى جاءت سنة 1975، حين وافق المجلس الوطني الفلسطيني على مشاريع تسوية القضية الفلسطينية، ومن ثم نكبة إعلان قيام الدولة الفلسطينية الوهمية سنة 1988 في الجزائر، ثم جاءت نكبة اتفاقية أوسلو سنة 1993، ثم نكبة اتفاقية القاهرة 1994، ونكبة اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل في نفس السنة، ثم نكبة اتفاقية باريس الاقتصادية، ونكبة اتفاقية واي ريفر.. وهكذا توالت النكبات حتى صار توفير رواتب الموظفين آخر الشهر نكبة، وصارت المقاومة المسلحة للمستوطنين عملاً إرهابياً، وهذه نكبة للقضية الفلسطينية ما بعدها نكبة.

رغم تعدد النكبات، يتفاخر الفلسطينيون بأنهم من أدخل مصطلح النكبة إلى اللغة السياسية العالمية، وهذا بحد ذاته نكبة، لأنه يوحي بانتصار الفلسطينيين رغم نكباتهم، حتى صار إنجاز أكبر سدر كنافة فلسطيني نصراً، وصار نسج أطول كوفية نصراً، وصناعة أكبر علم، وإنجاز أكبر دست مفتول، كل ذلك صار نصراً، رغم أنها علامات ضعف، وعلامات نكبة ثقافية وسياسية وحضارية، حتى غدا الفلسطينيون يتفاخرون بعدد السنين التي يقضيها أسراهم في السجون، ودون خجل راحوا يطلقون لفظة عميد الأسرى على من أمضى في سجون إسرائيل أكثر من خمسة وعشرين عاماً، وكان يجب أن تمرّغ القيادة رأسها في الوحل من عار الصمت على هذه المذلة.

أما أحدث النكبات التي حطت على رأس الفلسطينيين فكانت الدعوة لزيارة المسجد الأقصى، وقد انتبه وزير العدل السابق الأستاذ فريح أبو مدين في مقاله "مفارقات زيارة رام الله" إلى خطورة ذلكِ، واستشهد بما قاله الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود لولي العهد سعود بن عبد العزيز حين زار المسجد الأقصى سنة 1932، في الوقت الذي كانت القدس تحت الانتداب البريطاني، ولم تكن تخضع للتهويد الإسرائيلي المنظم، فقال الشاعر:

المَسجِدُ الأَقصى أجئتَ تَـــزورُهُ أم جِئتَ مِن قَبلِ الضَياعِ تُوَدِّعُهْ

وَغَـداً وَما أَدناهُ لا يَبقى سِوى دَمـعٍ لَنـا يَهمي وَسِنٌّ نَقرَعُهْ

النكبة هي عدم قراءة السيد عباس لتاريخ فلسطين، وإلحاحه في الدعوة بعد سبعين سنة لزيارة المسجد الأقصى، كي يأتي المسلمون لتوديعه قبل أن يصير جبل الهيكل!!

أما النكبة رقم 64 فإنها تتمثل في دعوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الشعب الفلسطيني إلى إحياء ذكرى النكبة، وتؤكد أن هذا اليوم ومهما طال الزمن سيبقى في ذاكرة الأجيال الفلسطينية! فكيف سيكون هذا اليوم في ذاكرة الأجيال، وأنتم في اللجنة التنفيذية قد مسحتم الذاكرة الفلسطينية، حين اعترفتم بدولة إسرائيل على 78 بالمئة من أرض فلسطين؟!

إن ذاكرة الأجيال الفلسطينية ستردد ما قاله الشاعر محمود درويش، لليهودي الذي اغتصب الأرض، وسكن المدن والقرى والفلسطينية، قال له الشاعر:

سلّم على بيتنا يا غريب، فناجينُ قهوتنا ما تزالُ على حالها، هل تَشمُّ أصابعنا فوقها؟

سيغور اليهودي الغريب، وتغور أي قيادة اعترفت للغريب بما اغتصب سنة 1948، وستبقى ذاكرة الأجيال تدوس بحذاء الأمل على شوارب كل عربي وفلسطيني ساعد عدوها الإسرائيلي على الرقص مبتهجاً في يوم نكبتنا.

متى تصبح النكبة مجرد ذكرى

د. مصطفى يوسف اللداوي/ المنار

مضى على نكبة فلسطين أربعٌ وستون عاماً، وغاب من عمرها معاصرون كثيرون، وولد في ظلها أجيالٌ آخرون، وشاب في حبها عديدون، وفني دونها مقاتلون، ونشأ لأجلها مقاومون، وضحى في سبيلها أبناؤها المخلصون، وما زال حلم العودة إليها يسكن قلب كل فلسطيني، يعيش في نفوسهم، ويكبر مع أطفالهم، ويشتد مع ناشئتهم، ويترسخ عقيدةً لدى شيوخهم وعجائزهم، يرسمه الأطفال على أوراقهم، وينقشه الكبار في قلوبهم، وتطرزه النساء أثواباً وفساتين، وتلبسه العروس في يوم زفافها، ويحمله الشباب بندقية وعصا، وسكيناً ومدية، ويسعى لأجله الرجال والمقاومون بقنبلةٍ وعبوة، وصاروخٍ وقذيفة.

إنه حلمٌ أكبر من أن يشطبه بطش الاحتلال، وأعظم من أن يزيله من قلوب أصحابه ظلم السجان، مهما بلغت قوته وتعاظمت سطوته، وتآمر معه الحلفاء، وتعاون معه الأعداء، فهذا الأمل يتوارثه الفلسطينيون ويتواصون به، يشربونه مع حليب أطفالهم، ويتعلمونه مع آيات قرآنهم، ويؤمنون به يقيناً كفلق الصبح وكنور الشمس، وينتظرون يوم العودة ليكون حقيقة لا مجرد أماني وأحلام، ويكون واقعاً لا خيال.

فاليوم الذي سيطأ به الفلسطينيون بأقدامهم أرضهم من جديد، وسيفتحون بمفاتيحهم الحديدية الصدئة أبواب بيوتهم القديمة، قادمٌ لا محالة اليوم أو غداً، وسيعودون من جديد إلى بساتينهم وحقولهم، يقطفون البرتقال، ويجمعون أعشاب الزعتر وحبات الزيتون، وسيلتقون من جديد على شواطئ حيفا، وأحراش الكرمل، وأسوار عكا، وسيمرون على يعبد وجنين والقسطل وحطين، وسيصلون في مساجد فلسطين العتيقة ومسجدها الأقصى الأسير، وستقرع أجراس الكنائس في الناصرة، وسيسير المؤمنون في وادي القلط وسيعبرون إلى كنيسة المهد، وسيحيون قداس المسيح في بيت لحم.

لن يقتل إسرائيليٌ حلم العودة من قلوبنا، ولن يتمكن صهيوني من أن يغتال أحلامنا، أو أن يقتلعنا من جذورنا، ليزرع اللقطاء من أبناء جلدتهم مكاننا وعلى أرضنا الطاهرة، فهذه الأرض التي ينمو فيها الزعتر ويثمر فيها الزيتون، ولا تتوقف معاصرها الحجرية عن إنتاج الزيت، ويدندن فيها الرعاة وهم ينتقلون من جبلٍ إلى سهل، أن هذه الأرض لنا، عشبها وماؤها وسماؤها وهواؤها لنا، فهذه أرضٌ لا يعيش فيها إلا أصحابها الفلسطينيون، وملاكها العرب الأصليون، ولا يعمرها إلا أبناؤها المخلصون، ولن يكون فيها مكانٌ مهما طال الزمن لغير الفاتحين المسلمين والسابقين المسيحيين.

فإلى متى سنبقى نحيي ذكرى النكبة، ونراكم في عمرها سنيناً عاماً بعد عام، فتكبر معنا وتهرم مع شيوخنا، وتترك آثارها في نفوسنا، تؤلمنا وتحز في قلوبنا، يموت معاصروها ومن ولدوا أيامها، وتنفطر قلوب من لم يعيشوا فيها ولم يواكبوا نكبة بلادهم، ورحيل وشتات أهلهم، فهذا هو العقد السابع للنكبة، عمرها يكاد يفوق عمر أكبر عجوزٍ فلسطيني ممن شهدوا النكبة، وعاشوا بعضاً من طفولتهم في فلسطين.

إنها تتوالى في سنينها بسرعةٍ ككر الغداة ومر العشي، ننتظر ذكراها كل عام، ونتهيأ لإحياء مناسبتها بشتى أنواع الاحتفالات والمهرجانات، ونبتدع لها كل عامٍ شكلاً جديداً من أشكال الاحتفال، ونستعد في الأعوام المقبلة لتنفيذ أفكارٍ جديدة، نعد الصور والملصقات، ونجهز الأعلام والرايات، وننتقي أجمل العبارات وأفضل الشعارات، وندعو لإحيائها في كل البلاد والساحات أشهر الخطباء، وأبلغ المتحدثين، ورموز السياسيين، وأعلام المقاومين، ومن نبغ في الشعر والغناء، والنشيد والزجل وجميل الكلام، ونكتفي من الأرض بشذاها، ومن الحق باستذكاره.

يقف المنظمون والمشرفون على كل احتفالٍ ومهرجان، يهنئون بعضهم البعض بالنجاح الباهر، وبالتوفيق الكبير، وكأن المطلوب هو نجاحٌ في الاحتفال، وتميزٌ في المهرجان، وحسنُ إحياءٍ للمناسبة، وقدرة على إثارة الحضور ولفت انتباههم، وكأن الفلسطينيين يشبعون من الوطن بسماع اسمه، ويقتنعون بحصتهم فيه بالاستمتاع بأنشودة يذكر فيها اسم الوطن، وحواري الوطن، ومدنه وقراه وكثيرٌ من معالمه.

يتحمل المسؤولية الكبرى في استمرار الاحتفالات وتوالي المهرجانات وزيادة سنوات النكبة، وفقدان الأمل ومضاعفة اليأس، وتأخر العودة وانحباس النصر، وزيادة الخسائر ومضاعفة أعداد الضحايا، وتبذير الأموال وإهدار الطاقات، وإيهام الشعب وإشغال المواطنين، قادةُ الشعب ومن يتولى إدارة شؤونه، ويشرف على تسيير مصالحه وتوجيه مقاومته، الذين يشغلون الشعب بحاجاتهم، ويصرفون اهتمامات الأمة لمصالحهم، ولا يفكرون إلا في بقائهم، ولا يحرصون إلا على امتيازاتهم، ويحرصون على التشدق بخطاباتهم، والظهور أمام الشعب النازف بلباس الصدق والإخلاص.

فالشعب الفلسطيني وأجياله يحملون أصحاب الشأن من القادة العرب والفلسطينيين قديماً وحديثاً، المسؤولية الكاملة عما يجري لهم ولبلادهم، وعن شتاتهم وتعذر تحقيق أهدافهم، فالفلسطينيون قد نذروا حياتهم لهذا الوطن، ودفعوا أبناءهم فداءاً له، ولم يتوانوا يوماً عن تقديم المزيد من الضحايا في سبيله، ولن يتأخروا عن تحريره مهما كبدهم من ثمن، وحق لشعبٍ جرى دمه أنهاراً، وامتلأ جوف الأرض برفاة شهدائه، وغصت السجون بأعظم رجاله أن ينتصر، وأن يحقق ما يريد، وألا يكتفي من الوطن باحتفالٍ أو مهرجان، وألا تبقى نكبته مجرد مبكاةٍ سنوية، وذكراه مأساة دورية.

لا يريد الفلسطينيون أن يستبدلوا الوطن بخارطةٍ أو مجسم، ولا أن ينفقوا أموالهم على احتفالٍ أو مهرجان، ولا أن يضيعوا عمرهم وهم ينتظرون الذكرى السنوية التالية، ليقدموا فيها الجديد، ويعرضوا فيها المزيد، إنما حلمهم في أن تتوقف مظاهر إحياء يوم النكبة لتحل محلها مظاهر العودة، ومعالم النصر، وأن نلتقي على تراب الوطن، وعلى سواحله وشطئآنه، وفوق جباله ووهاده، وفي صحرائه وبساتينه الخضراء، بدلاً من أن تجمعنا ساحات الشتات والمنافي، فقد آن الأوان لهذا الشعب أن يعود إلى وطنه، ولهذه الأمة أن تنتصر على عدوها، وتحقق أحلامها، وتستعيد حقوقها، فنحن لسنا أقل من غيرنا من الشعوب، ولسنا أضعف من كثيرٍ سبقوا وقاوموا، فانتصروا على عدوهم وعادوا إلى بلادهم، فما لدينا أكثر مما لدى الآخرين، وأعظم مما كان متوفراً لكثيرين، إذ لا تنقصنا الحمية، ولا تعوزنا الشجاعة، ولا نشكو من نقصٍ في الرجال، ولا من عجزٍ في الطاقات، وتاريخنا يشهد لنا، وديننا يشحذ هممنا، ويقوي عزائمنا، وينهض بنا، ويعجل بخطواتنا نحو العودة والنصر.

الذكرى المأساوية للنكبة

علي الصفدي/ الرأي

تمر بنا هذه الأيام الذكرى المأساوية الرابعة والستين لنكبة فلسطين عام 1948، التي تراكمت أعوامها عاماً بعد عام وطال استمرارها بأكثر مما لها أن تطول، وتعمقت خلالها معاناة الفلسطينيين بأكثر مما لها أن تتعمق، جراء ديمومة الاحتلال الاستيطاني الصهيوني لوطنهم وحرمانهم من كامل حقوقهم الوطنية والإنسانية والسياسية في استعادة المحتل من اراضيهم وعودة اللاجئين إلى ديارهم وحق تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة على ثرى الوطن الفلسطيني، فبالرغم من العديد من قرارات الأمم المتحدة التي تعترف لهم بتلك الحقوق، وبالرغم من مرجعيات التسوية السلمية ومبادراتها وخارطة طريقها ورؤية حل الدولتين وتبنيها من قبل المجتمع الدولي، فقد حوصرت قضية الحقوق وبقيت حبراً على ورق دون أن تأخذ طريقها إلى التنفيذ، وأخذ يطويها النسيان، وتعثرت التسوية وتم تجميدها داخل نطاق المربع الأول بفعل إصرار المشروع الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني على مواصلة ابتلاعه لأرض فلسطين وتهويد مدينتها المقدسة، وتعمده سحب بساط أراضيها. من تحت أقدام أهاليها وأصحابها الشرعيين للحيلولة دون تمكينهم من إقامة دولتهم المستقلة على ثراها، وتشدده في فرض اشتراطات تعجيزية ضاغطة على السلطة الوطنية الفلسطينية لإجبارها على الإقرار بيهودية دولة إسرائيل كشرط لاستئناف المفاوضات دون أي وقف للاستيطان، وهذه الاشتراطات المعطلة كلياً لأي تحرك تفاوضي وضعها وانتهجها نتنياهو منذ تشكيلة لحكومته اليمينية المتشددة، وأعاد التأكيد عليها في رسالته الجوابية لرئيس السلطة التي نقلها له مبعوثه الخاص (اسحق مولخو) يوم السبت (12/أيار الجاري) رداً على رسالة عباس التي حملها صائب عريقات إلى نتنياهو في (17 نيسان الماضي)، ويتضح من مضمون تلك الرسائل أنها لم تحمل جديداً على صعيد التسوية، فبالنسبة لنتنياهو فإن الحل السلمي لا يعني سوى دولة يهودية تبتلع معظم أراضي فلسطين الانتدابية وإلى جانبها تقام مجموعة كانتونات مقطعة الأوصال تحت اسم دولة للفلسطينيين منزوعة السلاح ولا تضم القدس الشرقية ولا تشمل حدود العام 1967، مع تواصل مستمر في البناء الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي لا يمكن لأي فلسطيني أو عربي القبول به بأي حال من الأحوال مهما طال الزمن فالحق لا يمكن له أن يسقط مهما تقادم به الزمن.

إن الإمعان الإسرائيلي في طمس الحقوق الفلسطينية يرتكز إلى الفيتو الأمريكي المكرس لحماية إسرائيل من أية قرارات يتخذها مجلس الأمن الدولي بإلزامها تنفيذ مقررات الشرعية الدولية، كما يرتكز إلى المماطلات الدولية في وضع تلك القرارات موضع التنفيذ، وإحالتها إلى التجميد في أرشيف الأمم المتحدة، والأدلة على ذلك لا عد لها ولا حصر، منها ما اتخذه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أواخر آذار الماضي من قرار يقضي بتشكيل لجنة تحقيق دولية حول بناء المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية عام 1967 ومدى تأثيرها على حقوق الفلسطينيين المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ذلك القرار الذي رفضته إسرائيل والولايات المتحدة، وبضغط منهما جرى التغاضي عنه دون أن يطالب أحد بتنفيذه، ومنها أيضاً قرار محكمة العدل الدولية الذي اتخذته في (09/09/2004) واعتبرت فيه المستوطنات التي أقيمت في الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران 1967 تشكل انتهاكاً للقانون الدولي، وأن المساحات التي تشغلها مع مسار الجدار الفاصل تشكل عائقاً قوياً أمام حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.

تلك القرارات على أهميتها ووضوح بنودها جرى تسكينها وتجاوزها ونسيان أمرها لعدم توفر الجدية الدولية لتنفيذها، مما شجع إسرائيل على رفض التقدم خطوة واحدة تجاه الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وسعيها الدائم لطمس تلك الحقوق وتقليصها إلى أدنى حد ممكن، الأمر الذي يتطلب من الفلسطينيين التصدي للمخططات الإسرائيلية بموقف فلسطيني عربي قوي موحد يصر على التمسك تمسكاً كاملاً بعدم التنازل عن أي جزء من الحقوق الفلسطينية التاريخية في استعادة الأراضي المحتلة وبضمنها القدس والتمسك بأن تكون حدود الرابع من حزيران 1967 حدود دولتهم المستقلة وعدم التنازل بأي حال من الأحوال عن حق العودة، فتجاوز استمرارية تداعيات النكبة لا يتحقق إلا بالتشبث باستعادة الحق، وعدم التفريط بأي ذرة منه، فالحق لا بد أن ينتصر على الباطل إذا وجد من يصر على المطالبة به ومن يسعى إلى استعادته.

ليست نكبة..إنما احتلال بغيض ومؤامرة

د.منذر زيتون/ السبيل

منذ زمن طويل، منذ احتلال فلسطين عام 1948، ونحن نقول (نكبة)، ثم سماها البعض (نكبة 48)، ليفرّقوا بينها وبين ما وقع بعدها من تتمة الاحتلال الغاشم عام 1967 وقد سموها (نكسة)، ولكنني في الحقيقة لا أستسيغ هذه المصطلحات، وأرى أنّها مبتورة المعنى، وقد يكون إطلاقها كذلك مقصوداً، وحتى إن لم يكن مقصوداً فهو غير مستساغ أبداً، لأن كلمة نكبة، أولاً، تطلق على حوادث الدهر كما قال علماء اللغة، وفي لسان العرب لابن منظور: نكبة تعني مصيبة من مصائب الدهر أو نازلة من حوادث الدهر، وكأنه يشير إلى أنّ النكبة تطلق على الحوادث الطبيعية التي تصيب الناس من زلازل وبراكين ورياح عنيفة ونحوها، وينتج عنها بلاء كبير، وهذا ما لا ينطبق على احتلال فلسطين، فهي ليست أمراً طبيعياً، ولا حادثاً جيولوجياً أو فيزيائياً، وإنّما هي اعتداء صارخ على أرض مقدسة ذات قيمة اعتبارية عظيمة في ديننا، وهي اعتداء على شعب مسلم مسالم بتواطؤ عالمي واضح.

ثم إنّ إطلاق مسمى النكبة على احتلال فلسطين فيه إغفال لمصدر تلك النكبة، وكأن إطلاقه على هذا النحو يشي بأنّ المتكلم أو السامع يهتم بالحدث دون أن يهتم بالفاعل، وقد تكون النتيجة النفسية الطبيعية هي الاستغراق في مآسي تلك النكبة وظروفها وآثارها دونما التفكير بمن قام بها ومن سببها، وهو ما يعني توجيه الآخرين بمكر ودهاء لإغفال ذكر المحتل الصهيوني اليهودي، والفصل بينه وبين مأساة احتلال فلسطين، بما يعني التغاضي عنه ولو ذهنياً لثوان قليلة قد تمتد لثوان كثيرة، وقد تتطور مرة تلو مرة إلى جهالة بالحقائق أو إنكارها، وخاصة عند من لا يعرف مآسي النكبة أو من لا يهتم لها، وأرجو أن لا يحسب البعض أنّ في هذا الكلام مبالغة، فنحن نعلم خطورة إطلاق مصطلحات هلامية غير محددة، ومن ثم خطورة تفسيرها في اتجاهات متناقضة، وقد لعب المتفيهقون من أعداء الأمة ومنافقيها على هذا الوتر كثيراً، فسموا جيش الاحتلال الصهيوني جيش الدفاع الإسرائيلي، وسموا دفاع المسلمين عن أوطانهم في فلسطين والعراق والصومال وأفغانستان وغيرها إرهاباً، حتى صارت دول الإرهاب الكبرى كالولايات المتحدة وربيبتها «إسرائيل» يرمون غيرهم في مناسبة وغير مناسبة بتلك التهمة، بما يوهم السامع ببراءتهم هم وإدانة غيرهم، وكذلك سموا مستوطنات المغتصبين في فلسطين مستعمرات، كما كانوا في السابق قد سموا الاحتلال الغربي للبلاد العربية بأنّه استعمار، وما هو إلاّ هدم واستهدام، وما هو إلاّ احتلال بغيض كما نعلم!

بعض الناس ينكر ما يطلق عليه (مؤامرة)، ولكن انكشاف الحقائق كل يوم يفصح عن حقيقة تلك المؤامرة، بل حقيقة تلك المؤامرات وعن حقيقة من شارك فيها، كل يوم نكتشف أننا وديننا وأرضنا وقيمنا قد تعرّضنا لمؤامرات كبيرة إلى حد صعوبة تصديقها، وإلى حد الميل إلى إنكارها بما يريحنا من عناء ربط الأحداث ببعضها واستنباط ما نتج عنها، فنقول إنّها نظرية باطلة، لا مؤامرة.

يا من انطوت عليه الأحداث والمصطلحات والأفعال، هل احتلال قبلة المسلمين الأولى، الجزء الأقدس من بلاد الشام، والجزء الأسمى من قلب الوطن العربي الذي يحيط به أبناء يعرب من كل مكان تم بلا مؤامرة؟ وهل صمت العالم عربه قبل عجمه على مذابح اليهود بحق الفلسطينيين وتهجيرهم وسجنهم وتجويعهم تم بلا مؤامرة؟ وهل حصار غزة حدث واستمر هكذا بلا مؤامرة؟ وهل لهاث «الملأ» من الفلسطينيين نحو أعدائهم عشرين عاماً بلا معنى يسير بلا مؤامرة؟ وهل صلح العرب مع عدوهم وفتح سفارتهم في بلادهم وودهم وحبهم وتقديمهم لم يكن مؤامرة؟ هل صمت العالم على مآسي الأسرى إلاّ مؤامرة!

أيها الغافلون، أما تصدقون، لقد كان احتلال فلسطين مؤامرة، وكان بعض قومكم هم المؤامرة؟!

النكبة في ظل الربيع العربي

اسامة الشريف / الدستور

تمر الذكرى الرابعة والستون لنكبة فلسطين والعرب منشغلون بتداعيات ربيعهم الذي فجر ازمات محلية واقليمية وفتح مستقبل المنطقة على المجهول. يؤكد القادة العرب في مؤتمر القمة الأخير مركزية القضية الفلسطينية ويكرر السياسيون مقولة ان الصراع العربي الاسرائيلي هو صراع وجود. لكن الحقيقة الماثلة امامنا تقول غير ذلك. حتى قبل هبوب رياح الربيع العربي كانت القضية الفلسطينية تعاني من اهمال اقليمي وتقاعس دولي في ظل جمود عملية السلام وتجاهل اسرائيل لحل الدولتين ورفضها التعامل مع قضايا الوضع النهائي.

تجميد دور العراق واخراجه من المعادلة السياسية في تسعينات القرن الماضي كان اشبه بتحييد مصر بعد كامب ديفيد. خسر الفلسطينيون كثيرا بعد ان انهمكوا في مفاوضات طويلة وعبثية مع اسرائيل برعاية اميركية. والانكى ان هذا الانهماك قطع صلة الشعوب العربية بالحدث الفلسطيني. لم تعد القضية الفلسطينية مسؤولية عربية وقضية قومية، بل ترك المفاوض الفلسطيني وحده يستجدي دعم الراعي الاميركي المنحاز اصلا الى اسرائيل.

ولا يبدو ان الربيع العربي سينهي هذه الاشكالية في المدى المنظور. فمصر مشغولة بقضاياها الداخلية في ظل استعصاء سياسي خطير. وكذلك الأمر بالنسبة لليبيا وباقي دول المغرب العربي، والعراق يمر بأزمة حكم قد تفضي الى نزاعات طائفية ومذهبية تقوض النظام السياسي وتدفع باتجاه التفكك. اما الأزمة السورية فانها تزداد تعقيدا متأثرة باستقطابات دولية ما يرجح كفة تحولها الى حرب اهلية خاصة بعد ظهور مؤشرات على تورط القاعدة في التفجيرات الأخيرة.

اما دول الخليج العربي فانها ترى في الخطر الايراني اولوية بالنسبة لأمنها القومي ويتقاطع ذلك مع الحملة الدولية ضد برنامج طهران النووي وتهديد اسرائيل بشن ضربة وقائية؛ من شأنها ان تعقد الامور في منطقة الخليج.

كما ان صعود الاسلاميين في مصر وغيرها وتخوف الكثيرين من برنامجهم واهدافهم، خاصة فيما يتعلق بتطبيق الشريعة وهوية الدولة مدنية أكانت ام دينية وموقفهم من الغرب ومن اسرائيل سيشغل المنطقة لسنوات طويلة. وكذلك الأمر بالنسبة للتيار السلفي الذي بات اليوم لاعبا اساسيا في العملية السياسية، كما راينا في مصر وتونس. وفوق ذلك كله هناك مسألة الديمقراطية ونظرة الشعوب اليها في الوقت الذي يزادا فيه نفوذ التيارات المحافظة والتقليدية.

كل هذه الامور تجعل من القضية الفلسطينية امرا ثانويا لا مركزيا بالنسبة لدول المنطقة. ويتزامن ذلك مع فشل الفلسطينيين في انجاز المصالحة الوطنية والاتفاق على حكومة وحدة واجراء انتخابات جديدة. يجري هذا بينما تستمر اسرائيل في اجراءاتها الاحادية من ضم للقدس الشرقية وتسمين لمستوطنات الضفة ومصادرة للاراضي وهدم للبيوت غير عابئة بالاحتجاجات والادانات.

في ذكرى النكبة يقف الفلسطينيون وحدهم امام الهجمة الصهيونية والصلف الاسرائيلي والانحياز الاميركي. ولننظر الى ردود الفعل العربية الرسمية والشعبية تجاه محنة الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام منذ اسابيع لندرك تماما ان القضية الفلسطينية تمر اليوم في اصعب مراحلها.

الربيع العربي لم يكن حنونا على الفلسطينيين حتى الآن، ولا اظن ان انشغال المنطقة بقضاياها الداخلية وتحديات المستقبل سينعكس ايجابا على هذا الشعب المظلوم منذ اكثر من ستة عقود!

في ذكرى نكبة فلسطين..مصممون على العودة

عبد المجيد ابو خالد/الرأي

اربعة وستون عاما تمر على ذكرى نكبة فلسطين الحبيبة واقامة الدويلة الصهيونية على انقاضها وما زال الشعب الفلسطيني يعيش في معاناة وظلم دولي رهيب .. معاناة البعد عن الارض والبيت والوطن والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة والدائمة .

وعلى الرغم من التشرد والماساة الانسانية الرهيبة فان الشعب الفلسطيني ومن ورائه امته العربية والاسلامية اشد اصرارا على ازالة الورم السرطاني الاسرائيلي من الجسم العربي .. فالنكبة شردت االفلسطينيين واصبح وجود اسرائيل يثقل كاهل الجسد العربي بالالام والمصائب والكوارث .

في ذكرى النكبة لا بد من الوقوف مستذكرين ومذكرين بان فلسطين التي سرقت في اكبر سرقة عالمية عرفها التاريخ المعاصر لا يمكن ان تنسى ابدا بل ان الاجيال ستظل تحمل المعاناة والذكرى حتى يتم تحرير كامل التراب الفلسطيني .. وهنا لا بد من التأكيد في هذه الذكرى المؤلمة على ان ارض فلسطين غير قابلة للتفاوض ابدا وهي ارض عربية لا بد ان تعود لاصحابها ولا بد للغزاة العابرين ان ينتهوا ويعبروا كما عبر غيرهم من المحتلين كالصليبيين .

تاريخ الخامس عشر من ايار تاريخ مشؤوم حيث كان اعلان دويلة المسخ الاسرائيلية على انقاض فلسطين العربية .. هذه الدويلة التي تضرب كل القرارات الدولية بعرض الحائط وتعربد عربدة الزنادقة مستندة الى الطغيان والظلم الاميركي والغربي الذي يحتضنها ويزودها بكل مقدرات الحياة .

المشروع الصهيوني الذي زرع في الجسد العربي ما جاء الا بفعل الاطماع الصهيونية لمنع أي تقدم للامة العربية .. وان كل ما نشاهده الان على الساحة العربية من تفكك وتخلف ما هو الا نتاج الوجود الاسرائيلي في المنطقة .

نكبة فلسطين التي شردت شعب فلسطين من دياره واراضيه وبياراته وحقوله وسواحله وقراه وجباله وسهولة والتي كانت بمؤامرات دولية تفوق طاقة الشعب الفلسطيني لن تكون في يوم من الايام عقبة امام تحرير فلسطين وان طال الزمن .. فالشعب الفلسطيني وكل العرب لا يمكن ان ينسوا يافا التي كانت قبلة الحضارة والشعراء والمثقفين والفنانين .. ولا حيفا اجمل مدن العالم ولا القدس الشريفة ولا واللد والرملة وغزة وطبريا وصفد .. لا يمكن نسيان الخليل وبيسان واريحا والسبع ولا نسيان كل المدن والقرى الفلسطينية الطاهرة .. هذه هي فلسطين ارض كل العرب والمسلمين الاحرار .. و لا يمكن للنكبة ان تثني العزيمة عن استرداد الحقوق وان طالت العودة .. واسرائيل مولود غير طبيعي لا يمكن له الاستمرار في العيش والحياة .

الفلسطينيون وهم يحيون ذكرى النكبة سيحفظون الجميل لكل من وقف ويقف مع قضيتهم العادلة كما انهم لا يمكن ان ينسوا كل الذين تآمروا وتاجروا بقضيتهم التي هي انبل قضية عربية عادلة .. ولا بد لفلسطين ان تعود عربية حرة .

ذكرى النكبة في ضوء التحولات

عبد الوهاب بدرخان / الاتحاد الاماراتية

أربعة وستون عاماً من العار الدولي في قلب العالم العربي. وليس آلم من ذكرى النكبة سوى ترك الشعب الفلسطيني يحييها وحده. قبل ذلك تُرك يدرك شيئاً فشيئاً أن قضيته باتت مهمته وحده، بعدما تكاثرت القضايا والنكبات عربياً. تضخّم إرث المعاناة والألم، وتضمّخ بدماء الأجيال المتعاقبة، وإذا بما حدث قبل ستة عقود كأنه حصل بالأمس، وأصبحت الوقائع المستنكرة من كل القوانين والأعراف مجرد ذكريات. ثمة دولة قامت على التطهير العرقي والجريمة، وأحلّت شعباً مكان شعب، فغيّرت الوقائع وصارت تنكر على الشعب الآخر أن يكون له عنوان وأن تكون له دولة.

عدا المآسي والمجازر، بماذا يذكرنا هذا اليوم الخامس عشر من مايو؟ أولاً، بأن النظام العالمي الذي ولد مسكوناً بهول الإبادة النازية لليهود، وتعهّد عدم تكرار مثل هذه الظاهرة اللابشرية، ما لبث أن عامل شعب فلسطين باعتباره الشعب المختار لدفع ثمن «الهولوكوست» وبالتالي الشعب المستثنى من قيم العدالة الإنسانية ومفاهيمها.

وثانياً، بأن سياسة الكيل بمكيالين عنت ولا تزال تعني، بتطبيقاتها الأميركية والأوروبية، أن ميثاق الأمم المتحدة الذي يحرّم غلبة القوة على إرادة الشعوب فقد كل مصداقية له إذ كافأ إسرائيل ودعم نشوءها وسرقاتها المتوالية للأرض الفلسطينية، ولم يباشر أي محاسبة لها على تجبرها وإجرامها. ويذكرنا اليوم، ثالثاً، بالتخلف والعجز والقصور التي ميّزت رد الجسم العربي على السم الإسرائيلي الذي حقن في شرايينه ووجدانه فبقي إزاءه بلا مناعة ولا استراتيجية، فلا حروبه أنجزت ولا سلامه تمكن من ردع استمرار الوحشية الإسرائيلية.

لم تبدأ النكبة كـ»نظرية مؤامرة»، كانت مؤامرة رتبتها تسويات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وها هي لا تزال حية تسعى. فحتى ما لم ينجز بالحرب وموازين القوى والتفوق العسكري يجري تحقيقه الآن تحت غطاء أن ثمة «عملية سلام». تدرج عدو العرب من استجداء أي اعتراف إلى الاستهزاء بأي تطبيع معه، ومن خشية الحروب رغم أن يكسبها إلى خشية السلام لأنه يناقض طبيعة ولادة دولته. بل تدرج من ترويض العالم العربي وتحييده، وهو ماض الآن في ترهيب الشعب الفلسطيني لإخضاعه بقتل كل الخيارات أمامه، فلا «حل الدولتين» ممكن ولا وهم «الدولة الواحدة للشعبين» متاح، وكل ما بينهما لا يطرح سوى بقاء الاحتلال ودوام الصراع.

كان التدمير الصهيوني المنهجي لأكثر من ثلاث مدن فلسطينية وقراها، خلال أعوام ما قبل التقسيم وما بعده، هو الذي أسس لواقع الظلم في الشرق الأوسط وأصاب العالم العربي بضرية قاضية وهو على عتبة الخلاص من الوجود الاستعماري والانتدابي للشروع في تجربة الاستقلال، ولعلها بقيت مجرد «تجربة» إذ لم ترتق إلى مصاف إنشاء دولة أو دول متصالحة مع شعوبها.

وبدت المذابح المتنقلة في تلك الأعوام بمثابة تأسيس إسرائيلي- صهيوني لنهج الشدة والبطش في منطقة مقبلة على إنشاء «أنظمة» حكم جديدة أغراها الانزلاق المبكر إلى التعسكر تحت راية استعادة الأرض السليبة أو تحريرها. شيء كثير من النكبة لا يزال يدبّ في أوصال العالم العربي، أو أنه يتراءى الآن في غمرة الثورات والانتفاضات الراهنة.

تبدو التحولاّت الجارية وكأنها برد وسلام لإسرائيل، إذ أن المراحل الانتقالية المرشحة لأن تطول لا تحتم عليها الهجس بأي حروب لسنوات مقبلة، وإن كانت لا تعفيها من القلق على المستقبل. واقعياً، يمكن تصوّر أن هذه التحولاّت العربية لم تكن ضرورية فحسب وإنما تأخرت بضعة عقود من الزمن، ولعلها كانت متوقعة لو قدّر لـ»السلام» أن يتحقق في المنطقة، لأن الصراع مع إسرائيل قدّم دائماً على أنه أحد كوابح التغيير الداخلي.

لكن أي سلام متصور للمستقبل، بمعزل عن أشكال الأنظمة الآتية، لا يمكن أن يقترب مما يتخيله الإسرائيليون من قبول بالأمر الواقع الذي أمضوا كل العقود السابقة في فرضه بالقوة.

النكبة، اليوم، هي قبل كل شيء شعب فلسطيني محكوم بانقسام نخبته «الحاكمة» التي تبحث عن «مصالحة» لا تريدها ولا تستطيعها وباتت عاجزة عن تحمل مسؤوليتها.

والنكبة، اليوم، كمصطلح تضغط إسرائيل لإلغائه -بالقوة أيضاً- يعني أولاً وأخيراً أن خمسة ملايين لاجئ فلسطيني لا يزالون مسجلين لدى وكالة الغوث (الأنروا) وأن تسعة وخمسين مخيماً للاجئين لا تزال قائمة بين الدول العربية والضفة والقطاع.

والنكبة، اليوم، هي أن الإسرائيلي لا يزال فالتاً من أي محاسبة ولا يزال يسرق الأرض، فجدار الفصل العنصري وحده ابتلع 13 في المئة من مساحة الضفة، والسيطرة على الغور تسلب 28 في المئة منها.

والنكبة، اليوم، أن حكومة «اليمين المتطرف» لا ترى موجباً لإقحام إضراب الأسرى الفلسطينيين عن الطعام على جدول أعمالها، فهذه بالنسبة إليها مجرد مسألة أمنية تعالجها الأجهزة المختصة.

نصرٌ في ذكرى نكبة

رأي البيان

بأمعائهم الخاوية، وعزيمة لم تكسرها سطوة وظلم سجانهم، حقق الأسرى الفلسطينيون نصراً تاريخياً يُدون لهم في سجلات معاركهم الممتدة مع المحتل منذ عقود.. نصرٌ جاء عشية ذكرى أليمة يحييها الفلسطينيون في الخامس عشر من مايو من كل عام، ربما كان تحقيقه في هذه الليلة بالذات مصادفة، أو عن سبق إصرار، أو إحياء لذكرى نكبة توارثتها أجيال منذ العام 1948، ولا تزال مستمرة وحاضرة في أذهاننا جميعاً..

وفيما الأنظار تتجه نحو معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، وبلوغ القلوب الحناجر خوفاً على حياة أسرى باتت الشهادة قريبة منهم بسبب تدهور صحتهم وعدم قدرة أجسادهم الهزيلة على تحمل مزيد من الألم ومن الإضراب، وافق الأسرى الفلسطينيون على إنهاء إضرابهم المفتوح، الذي خاضه بعضهم أكثر من شهرين ونصف، ووقعوا اتفاقاً مع مصلحة السجون الإسرائيلية في سجن عسقلان، يقضي بإخراج جميع الأسرى المعزولين من العزل الانفرادي، وحل ملف المعتقلين إدارياً إما من خلال تقديم لوائح اتهام بحقهم أو إطلاق سراحهم مع انتهاء حكمهم الإداري، فضلاً عن السماح لأهالي قطاع غزة بزيارة أبنائهم في السجون، وإنهاء تطبيق ما يسمى «قانون شاليط» الذي فرض بعد أسر المقاومة الفلسطينية الجندي جلعاد شاليط، وتحسين وضع الأسرى في سجون المحتل، وإعادة الحياة هناك إلى ما كانت عليه قبل العام 2000.

نصرٌ.. رأى فيه البعض دافعاً لبقاء قضية الأسرى أولوية وطنية وصولاً للحظة الفرحة الكبرى بالإفراج عنهم جميعاً، فيما اعتبره آخرون «نموذجاً مضيئاً أمام العالم بأسره» أثبت للجميع جدوى معركة الكرامة، التي أكدت أن الحقوق «تنتزع بالقوة لا بالاستجداء»، تنتزع بالمقاومة والعزيمة والإصرار، والصبر أيضاً.

نصرٌ.. رافقته موجة عارمة من الفرح سادت المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، زينتها أصوات زغاريد من أمهات الأسرى المتواجدات في خيام الاعتصام دعماً ومساندة لفلذات أكبادهن، وكللتها هتافات تكبيرات متتالية تعالت في مختلف البيوت والخيام، كتلك التي يجري ترديدها في الأعياد. فرحة عشناها جميعاً، ابتهالاً بإنجاز أبطال فلسطين، الذين أعلوا صوت المقاومة من خلف القضبان، وخففوا بعزيمتهم وطأة حزن الفلسطينيين في ذكرى نكبة ألمت بهم، ومازالت جراحهم منها تدمي قلوبهم وقلوبنا.


إضغط هنا لتحميل الملف المرفق كاملاً