ملف الاستيطان

4

الاستيطان جوهر نهج العدوان وإرهاب الدول

سعيد مضية*

كاتب فلسطيني

وقف الاستيطان أولاً

تكشف الوتائر العالية للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي، كما تنشرها الهيئات الفلسطينية والدولية المختصة، فداحة الخطر المحدق بالقضية الوطنية للشعب الفلسطيني. فالحركة التي تمضي مع مطلع كل شمس تقوض ركائز الوجود العربي الفلسطيني الاقتصادية والسياسية والثقافية. وليس غير تصفية الوجود العربي في فلسطين هي المحطة التي ستتوقف عندها عملية التهويد التدريجي المثابر للأرض الفلسطينية. والتي تواترت منذ احتلال الضفة والقطاع، بل منذ بداية النشاط الصهيوني في فلسطين. هذا إذا بقيت قضية الاستيطان على هامش المسار الرئيس للخطاب السياسي الفلسطيني. الاستيطان عدوان متواصل أداته إرهاب الدولة، وغايته تهويد كامل فلسطين. وحيال المصير الكارثي القابع في طيات الممارسات الإسرائيلية فإن التركيز على العناوين الكبيرة مثل تحرير كامل التراب الفلسطيني واستمرار المزاودة في هذا المجال إنما تلهي عن المهمة الأساس، أو الحلقة المركزية كما يقول علم السياسة، والمتمثلة في وقف الاستيطان. إن إيقاف الاستيطان يشكل الحلقة المركزية التي يسهل حلها حل بقية السلسلة المتمثلة في الاحتلال.

فإسرائيل تنكر قيامها باحتلال أراضي الغير وتزعم أنها تتصرف بأرض إسرائيل التاريخية. وعندما تحمل على وقف عملية الاستيطان فذلك إقرار قسري بأنها دولة محتلة. هذا أولاً. وثانياً إن قضية الاستيطان تشكل القضية الحارة والمستقطبة للاهتمام الدولي، باعتبارها العقبة بوجه التسوية السلمية. والتركيز عليها في الخطاب السياسي الفلسطيني يستقطب الدعم والمساندة. وثالثاً، يمكن، من خلال التركيز على الاستيطان والمستوطنين، عزل هذه الشريحة عن بقية المجتمع الإسرائيلي والاستحواذ على دعم التيار الرئيس داخل المجتمع الإسرائيلي. وهذه القضية، التي ينظر إليها البعض باستخفاف، ينبغي أن تكون إحدى ركائز العمل السياسي والإعلامي للفلسطينيين. ورابعاً، إن حشر الذات داخل قفص التحرير الشامل، وهي مهمة لم تنضج شروط إنجازها، إنما تجعل النضال الراهن جهداً عبثياً. فالمهمات الملموسة تنجز وفق الملابسات والظروف الملموسة المتشكلة في حينه.

انشغل العمل السياسي الفلسطيني في بواكيره بقضايا عامة ومواقف جذرية، حسب تعبير أصحابها، وتمترس عندها. استثمرت الدولة العبرية هذه المواقف لتبرير حروبها العدوانية وتشريد عرب فلسطين من ديارهم واحتلال قراهم ومدنهم فزادت من تعقيد قضيتهم. ورغم ذلك ألصقت المحافظة الثقافية والسياسية تهمة الخيانة بكل مراجعة نقدية لهذه المواقف الأعباء على النضال الوطني. وبات الهدف السياسي الاستراتيجي في هذه المتاهة مغلفاً بضباب أساطير الخلاص المنتظر، نقعد ونكتف الأيدي بانتظار قدوم التحرير بمعجزة خارقة. أسفرت المتاهة عن فك ارتباط التكتيك بالاستراتيجية، وغيب تقليد اختبار الطروحات والأفكار السياسية في الممارسة العملية، وتم نبذ مبدأ محاسبة الخطط السياسية طبقاً للمردود دون هالة القداسة المزيفة. ورغم النكسات المتواترة ظل معيار سلامة النهج السياسي يكمن في خطابه البلاغي وليس بمدى مطابقته لموازين القوى.

في ظل العمل المسلح ثم الانتفاضة ومفاوضات التسوية السلمية ثم الانتفاضة الثانية مضى الاستيطان دون توقف. كان عملية غير مشروعة في العرف الدبلوماسي وهبطت مكانته الاعتبارية إلى مجرد "عقبة في طريق السلام!!"، عقبة يمكن تخطيها ولا تتعارض مع التسوية السلمية، كما تبين بصورة عملية في مجرى المفاوضات. وهذا أخطر منزلق وقع فيه العمل السياسي الفلسطيني. تم الانزلاق بموازاة استقالة الفصائل السياسية وكوادرها وجمهورها من مسؤولية الدفاع عن الأرض وإسناد المسؤولية إلى جمعيات أبحاث ودراسات تصدر التقارير الدورية كي تحفظ على الأرفف وتتوارى تحت الأغبرة. وترافقت عمليات النهب والبناء الاستيطاني فوق الأرض الفلسطينية مع ممارسة العنف والإرهاب من جانب المستوطنين المدججين بالأسلحة ومن الجيش. تواصل العنف والإرهاب طوال سنوات المفاوضات، مما ولد حالة إحباط لدى الجماهير الفلسطينية وحال دون توليد مناخ الثقة والأمل في نتيجة إيجابية لعملية التفاوض. تعمدت إسرائيل شق الطرق الالتفافية ومصادرة الأراضي إثر توقيع الاتفاقات، ناشرة بذلك التشكيك في السلطة الوطنية، كون هذه الإجراءات متضمنة في بنود سرية. وفي مذكرة وجهتها اللجنة العامة للدفاع عن الأرض في 29/7/1995 طالبت السلطة الوطنية "الإعلان بأن الطرق الالتفافية تتم بدون علمها وموافقتها ومطالبة راعي عملية السلام بوقف العمل فيها لأنها تنسف السلام نفسه". وناشد المؤتمر الوطني الثالث للدفاع عن الأراضي "الخليل 30 تشرين ثاني 1995" السلطة الوطنية دعم النشاطات المناهضة للاستيطان والطرق الاستيطانية من أجل وقف عمليات نزع أراضي المزارعين الفلسطينيين بالقوة المسلحة، أضيف لهذه التداعيات السياسية المخلة تطور مناخ اقتصادي وثقافي نشأ في ظل الاحتلال وكنتيجة لنهجه المتبع طوال عقود، كان من شأنه الهبوط بنصيب الأرض والعمل الزراعي في الدخل الأسري والاجتماعي، مما جرد عمليات نهب الأرض من قيمتها الاقتصادية في نظر المزارعين. وبتنا نشاهد التضحيات الهائلة والعمليات الاستشهادية والاستعراضات الإعلامية المصورة تتوجه لغير هدف وقف نهب الأراضي وتصفية المستوطنات فوق الأرض الفلسطينية المحتلة.

إحصائيات ودلالات

في تقرير أصدره بمناسبة يوم الأرض هذا العام مكتب الدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان "الحياة الجديدة، 30 آذار 2001، ص 7" كشف النقاب عن تواصل عملية نهب الأرض وتوسيع المستوطنات وبناء مستوطنات جديدة في عهود حكومات الليكود والعمل خلال مفاوضات التسوية السلمية. حدث هذا رغم نص اتفاق أوسلو على "الامتناع عن الإجراءات أحادية الجانب التي تؤثر أو تجحف بالاتفاق النهائي على الوضع النهائي للضفة والقطاع". ارتفع حجم النشاط الاستيطاني منذ توقيع اتفاق أوسلو بمعدل 52% وعدد المستوطنين بنسبة 63%. إنفضح زيف التوجه إلى السلام بالحفاظ على الميزانية العسكرية وميزانية الإسكان على رأس قائمة النفقات الرسمية في إسرائيل. وتقديم المعونات المالية وأشكال الدعم المعنوي إلى اليهود لإغرائهم بالانتقال إلى المستوطنات والإقامة فيها. ومنذ أوسلو تم بناء ثلاث مستوطنات جديدة هي لبيد، كريات سيفر ومنورا، كما أورد التقرير. وأورد المؤتمر الثالث لمواجهة الاستيطان "30 أيار 1999" في بيانه الختامي "من المفارقات العجيبة أن يستشري الاستيطان في عهد السلام، فمنذ اتفاق أوسلو وحتى الآن تمت مصادرة 222 ألف دونم منها 170 ألف دونم منذ تولي بنيامين نتنياهو الحكم في إسرائيل "أيار 1996" ونحو 31 ألف دونم تمت مصادرتها منذ توقيع مذكرة واي ريفر في 23/10/1998، ومضى البيان ليقول، "وتم بناء 65 ألف وحدة سكنية للمستوطنين منذ عام 1993، وخلال نفس الفترة تم هدم 578 منزلاً فلسطينياً فيما تم قطع 83 ألف شجرة مثمرة منذ توقيع اتفاق أوسلو، وشق 34 طريقاً التفافياً بطول 180 كم من أجل ربط المستوطنات اليهودية ببعضها البعض وتحويل المناطق الفلسطينية إلى جزر معزولة".

وبالنتيجة عزلت مواقع الفلسطينيين بين المستوطنات وتشظت وباتت في حالات الحصار تخضع لأوامر جيش الاحتلال في شؤون الحياة كافة. لم يعد خافياً اندماج مخططات الاستيطان وسيرورته باستراتيجية تمدد الدولة العبرية. وطبيعي أن يخضع ذلك لتوجهات الصراع المنتظر مع الشعب الفلسطيني وطابع هذا الصراع. فالعلاقة تفاعلية بين الاستيطان وبناء القدرة العدوانية للكيان العبري في فلسطين. وهذا ما أوضحه بجلاء ييغئال ألون، الشخصية العسكرية والسياسية الإسرائيلية البارزة في كتابه "بناء الجيش الإسرائيلي".

وأصدرت المجموعة الفلسطينية لمراقبة حقوق الإنسان تقريراً شاملاً موثقاً حول الاستيطان والمستوطنين قدر عدد المستوطنين في الأراضي المحتلة بأربعمائة ألف نصفهم في القدس الشرقية. وهم متعصبون يدعمون الأحزاب الدينية واليمين ويمارسون الضغوط على الحكومات الإسرائيلية وبث الكراهية للعرب داخل المجتمع الإسرائيلي. والتوجه البارز لحركة الاستيطان يمضي عبر محاور تهويد القدس الشرقية والتمركز بجانب الخط الأخضر بهدف إلغائه وبناء جدار من المستوطنات في الأغوار. ونقل التقرير عن افتتاحية هآرتس 27/2/2001 دعوة الحاخام المتطرف زالمان ميلاميد، رئيس مجلس يشع "مجلس المستوطنات" إلى استخدام كل الوسائل القانونية وغير القانونية لإفشال عملية السلام والمفاوضات. وينقل التقرير عن جاليا جولان من حركة السلام الآن، لقد كان توسيع المستوطنات عنصراً أساسياً في فشل إسرائيل في تحقيق الحد الأدنى من المصداقية بين الفلسطينيين، وسبباً دائماً في تصعيد النزاع معهم، وتتجلى جدلية المستوطنات والنزعة العدوانية الإسرائيلية في الدور الذي تقوم به المستوطنات والمستوطنون كقوة مواجهة مندمجة في الاستراتيجية العربية العامة، بموجبها تسند للمستوطنين مهمات شبه عسكرية.

قوة ضاربة إرهابية

يقول البرفيسور إسرائيل شاحاك، رئيس لجنة حقوق الإنسان في إسرائيل، "يجب اعتبار المستوطنين جزءاً حيوياً من النظام الأمني الإسرائيلي، أسوة بالجيش والشاباك". (واشنطون ريبورت، عدد شباط/ آذار 94).

توفرت الشروط للقيام بالدور من خلال نصوص قانونية اتبعها النظام القضائي في إسرائيل. نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية (15 آذار 1993) أن تعديلاً أدخل على قانون العقوبات في إسرائيل يوم 17 ديسمبر 1992 "لإعفاء الرعايا الإسرائيليين من مسؤولية أفعال يقترفونها بوجه أخطار تهدد الحياة أو الجسم أو الشرف أو الملكية". ولدى الجنود أوامر "بعدم إطلاق النار في أي ظرف كان ضد فرد يهودي" (هآرتس 9/1/1994). وبهذا أطلقت أيدي المستوطنين لممارسة أعمال الشقاوة ضد العرب. وفرضت إسرائيل داخل الأراضي المحتلة نظامين حقوقيين وقضائيين يميزان ضد العرب من حيث الحقوق الأساسية للإنسان وأثناء الاعتقال والتحقيق والمحاكمة والسجن. ومع توقيع اتفاق أوسلو قام المستوطنون بتصعيد الهجمات البشعة ضد الفلسطينيين على نطاق واسع، بموجب خطط مدبرة سلفاً شملت أعمال القتل والضرب والنهب ومحاولات الخطف وحرق وتدمير البيوت والمحلات التجارية وإغلاق الطرق وقذف السيارات بالحجارة. ونظراً لعدم إخضاعهم لنظام المساءلة والتحقيق العسكري كانوا في أغلب الحالات المبادرين لتنفيذ العمليات الإرهابية بصد ترويع المواطنين الفلسطينيين ومنع احتجاجاتهم. كما يبادرون بنهب الأراضي وإقامة البيوت عليها. وتماطل الشرطة الإسرائيلية في قبول الشكوى بصدد ممارسات المستوطنين العدوانية. وبينما تعتقل قوى الأمن العرب بموجب الشبهة وتخضعهم للتعذيب بقصد انتزاع الاعترافات فإن الشرطة الإسرائيلية تكتفي بتسجيل جرائم المستوطنين ضد مجهول. وحفلت التقارير بعدد وفير من الشواهد. وكثيراً ما شوهد المستوطنون يوجهون الأوامر إلى الجنود بجلب الجرافات وقطع الأشجار وتدمير المزارع والحقول. وفي تقرير المجموعة الفلسطينية لمراقبة حقوق الإنسان إحصائية باعتداءات المستوطنين شملت حتى تاريخ نشر التقرير (أول نيسان 2001) 7 شهداء و67 جريحاً و47 حادثة إلقاء حجارة و23 حادثة ضرب مبرح و48 حادثة تخريب ممتلكات. ويخلص التقرير لدى تحليل المعطيات التي توصلت إليها التحقيقات الميدانية للمجموعة، هجمات واعتداءات المستوطنين تلقى دعماً وتشجيعاً من المستويين السياسي والأمني في إسرائيل.

تلتزم المحاكم المدنية في إسرائيل، شأن المحاكم العسكرية، بالقوانين والأوامر الصادرة عن جيش الاحتلال رغم تعارضها مع القوانين والقرارات الدولية، وهذا ما دفع بعض الهيئات الحقوقية الفلسطينية والمنظمات الصديقة بالتفكير بالدعوة لعقد مؤتمر دولي يناقش الخلل في نظام العدالة الإسرائيلي. في ضوء التنسيق بين الاحتلال والمؤسسة الحقوقية تراعى إجراءات نهب الأراضي وتوسيع الاستيطان "التقيد بالقوانين". تصدر قرارات عسكرية بإغلاق المناطق أو مصادرتها وتنشر في الصحف مقرونة بالدعوة للاعتراض، وقد تعلق على لوحة في بيت إيل، أو يخطر المالك بورقة تعلق على شجرة أو سلك. قد يلتقط أحد عناصر الدفاع عن الأراضي الإعلان الإنذار، ويبلغ المالك كي يتقدم باعتراضه، دون أن يضمن نجاح الاعتراض. فأسباب المصادرة عديدة وبالدزينات. وقد يبقى الإنذار طي الكتمان ليفاجأ المالك بفرق المساحة أو ورشة البناء تشرع بالعمل. هكذا يتم الالتزام بالقانون!

وما أكثر الأساليب الملتوية والمخاتلة التي يعتمدها المستوطنون لتوسيع رقعة الأرض التابعة للمستوطنة! فمستوطنة كرمي تسور أقيمت على حوالي العشرين دونماً، والآن تتمدد على ما يقرب السبعين دونماً. وفي إحدى مراحل التمدد اعترض مالكون على شق طريق عبر أراضيهم، واستجاب كل من الحاكم العسكري ومسؤول الشرطة ومسؤول الأراضي للاعتراض، وحضروا للإشراف على تجريف الطريق. وخلال نصف ساعة تمكن المستوطنون من إجراء اتصالاتهم التي نجحت في توجيه الأوامر بوقف عمل الجرافة.

ما العمل

تعمل لجان الدفاع عن الأراضي ومقاومة الاستيطان بإمكانية هزيلة. وتقتصر جهودها على مراقبة أوامر المصادرة وحث أصحاب الشأن على التحرك وإجراء عمليات المسح وإخراج القيد وتقديم الاعتراض والتوجه إلى المحكمة وطلب مساعدة المحامي. وتقدم اللجان المساعدة في هذه الأمور حسب إمكانياتها المحدودة. فقد فقدت عملية الدفاع عن الأرض طابعها الجماهيري بعد الشروع في تطبيق المبادئ العامة لاتفاق أوسلو. أدركت الجماهير حجم الانهيار في عائد تضحياتها الجمة عبر العقود، إذ كشفت اتفاقات القاهرة وطابا والخليل أن الجانب الفلسطيني يبدأ من الصفر ويفاوض بلا رصيد. وفي ظروف الإحباط وخيبات الأمل قد يسقط الفرد العادي في الشراك وينزلق مع إغراء المال. وقد يتخلف بسبب اليأس، وتختلط الأمور وتضيع الطاسة.

الاختلالات من هذا القبيل لا تعالج من خلال الأجهزة الأمنية وحدها، رغم أنها في مستوى الخيانة. فعندما تشيع الاختلالات الاجتماعية وعمليات الفساد والإفساد فذلك نذير بخلل جوهري في النهج العام ينبغي التصدي له وإجراء مراجعة جذرية، من شأنها إحلال الطمأنينة والثقة والتفاؤل لدى الجماهير.

إن مواصلة العدوان بوتائر متصاعدة في ظل ما سمي المسيرة السلمية حمل مفارقة محيرة. وأثناء الحملات الجماهيرية دفاعاً عن الأرض أو التصدي لممارسات المستوطنين التخريبية كانت الوحدات العسكرية تحضر على الفور وتبادر بإصدار أمر التفرق خلال دقائق. ولا تتم أعمال المصادرة بدون عنف وإرهاب يمارسه المستوطنون والجيش. ولم تتوقف الدعايات من جانب سلطات الاحتلال المشككة بمواقف السلطة الوطنية في هذا الشأن. وانتهجت سلطات الاحتلال سياسة تضييق اقتصادي على الأراضي الفلسطينية فتردت الأوضاع المعيشية والأمنية للمواطن الفلسطيني بصورة ملحوظة في مناطق الحكم الذاتي. وجاء مردود جهود مقاومة الاستيطان هزيلاً عبر السنين والعقود، حيث أن الأغلبية الساحقة من عمليات المصادرة وهدم البيوت تمت بمقتضى أوامر عسكرية. ولم تكن المحاكم والمحكمة العليا في إسرائيل نزيهة ومحايدة.

هذه الوقائع، مضافاً إليها تفهم حكومات العالم وشعوبه لخطورة الاستيطان، يوجب على السلطة الوطنية أن تضع وقف الاستيطان شرطاً مسبقاً لأي مفاوضات يستحيل تجاوزه ثم الضغط لتفكيك المستوطنات المقامة على الأراضي المحتلة. ويوجب هذا على الفصائل السياسية أن تضع قضية مقاومة الاستيطان وتصفية المستوطنات اليهودية في صلب النشاط اليومي في أوساط الجماهير. فالتجربة تعلم أن التوجه إلى الجماهير بمهمات يومية تتعلق بالمشاكل والهموم التي تؤرقها والعمل في أوساطها من أجل إنجاز المهمات شرط لا بد منه للإبقاء على العلاقة معها وتطويرها لإنجاز مهمات التغيير التقدمي والتحرر. أما قصر الصلة على توجيه البيانات فموقف نخبوي مترفع يثير غثيان الجماهير ونفورها، ويقيم سداً من العزلة بين الجماهير والفصائل السياسية يكون الطرفان فيها خاسرين. وتخسر أيضاً قضية التغيير والتحرر.


إضغط هنا لتحميل الملف المرفق كاملاً