ملخص مركز الاعلام
جال حماس المختطفين فى القاهرة؟
بقلم فهمي هويدي عن الرسالة نت
ثمة جدل فى الساحة الفلسطينية حول اختفاء أربعة أشخاص قدموا من غزة ومروا بمعبر رفح، لكنهم اختطفوا فى سيناء وهم فى طريقهم إلى مطار القاهرة. كان ذلك منذ خمسة أشهر تقريبا، ولكن قصتهم طفت على السطح فى منتصف شهر ديسمبر الحالى، عقب إقالة وزير العدل الفلسطينى السيد سليم السقا فى التعديل الوزارى الأخير الذى أجراه الرئيس محمود عباس، وقيل إن موضوع المختفين الأربعة كان السبب الرئيسى وراء إخراج الوزير من الحكومة.
كانت الضجة التى صاحبت إقصاء الوزير هى التى لفتت انتباهى إلى القصة، التى اكتشفت أنها مثارة على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعى، فى حين لم نسمع بها فى وسائل الإعلام المصرى المرئى منه والمقروء. ذلك أن التعديل الوزارى بدا عاديا لأول وهلة.
لأن إخراج ثلاثة وزراء كان السقا أحدهم واستبدالهم بغيرهم أمر مألوف ولا غرابة فيه، إلا أن التصريحات اللاحقة التى صدرت عن السيد عزام الأحمد رئيس كتلة فتح فى المجلس التشريعى الفلسطينى تضمنت إشارة صريحة إلى أن إخراج وزير العدل بالذات وراءه قصة غير عادية.
ذلك أن الرجل صرح للصحفيين وفى لقاء تليفزيونى محلى بأن السقا كان قد وجه خطابا إلى السلطات المصرية استفسر فيه عن مصير الفلسطينيين الأربعة.. وكان ذلك خطأ سياسيا لأن الإرسال تم دون علم رئيس السلطة أو رئيس الحكومة. وهو ما اعتبر تصرفا غير لائق من جانبه، وهو بذلك تجاوز اختصاصاته كما تجاوز أيضا القنوات المتعارف عليها فى التواصل بين الجانبين المصرى والفلسطينى (الذى كان يتم من خلال المخابرات العامة المسئولة عن الملف فى مصر).
أثارت القصة فضولى، الأمر الذى دفعنى إلى متابعة تفاصيلها التى حفلت بها تعليقات مواقع التواصل الاجتماعى. إذ وجدت ان أغلبها عبر عن الغضب والاحتجاج على تقاعس السلطة فى التعرف على مصير الأربعة، ولفت نظرى فيها أن أحدهم ذكر أن أبومازن بذل جهدا مشهودا للكشف عن مصير ثلاثة مستوطنين إسرائيليين كانوا قد اختفوا يوما ما فى الضفة الغربية، لكنه التزم الصمت إزاء اختفاء الغزاويين الأربعة.
إلا أن بعض التعليقات دافعت عن موقف الرئيس الفلسطينى باعتبار أن الوزير أخطأ حين تجاوزه وخاطب الحكومة المصرية مباشرة، وإقصاؤه من الوزارة فى هذه الحالة أمر منطقى يدخل ضمن المسئولية السياسية للرئيس، خصوصا فى ظل دقة وحساسية العلاقة مع القاهرة. ضاعف من فضولى لتحرى الأمر أن الساحة الفلسطينية تتفاعل فيها عوامل كثيرة، من انتفاضة السكاكين إلى محاولات اقتحام المسجد الأقصى، والجدل المثار حول انهيار السلطة فى رام الله إزاء عجزها عن تحقيق أى إنجاز سياسى، والحديث عن خلافة الرئيس محمود عباس الذى كشف استطلاع أخير للرأى العام الفلسطينى عن أن ٦٥٪ يطالبونه بالاستقالة من منصبه... إلخ.
إزاء ذلك قلت إن إقالة وزير فى هذه الأجواء تبدو إجراء هينا لا يستحق الضجة التى أثيرت بسببه. إلا أن التفاصيل التى وقعت عليها بدت محيرة ومدهشة، من غموض القصة والصمت المريب إزاءها طوال أربعة أشهر مع استمرار اختفاء الأربعة دون أن يظهر لهم أى أثر.
كما أن المعلومات التى تسربت عن ظروف اختطافهم بدت عوامل غير مفهومة، وربما أكثر إثارة من قصص الاختفاء القسرى المتداولة فى مصر.
حصيلة الجهد الذى بذلته لاستجلاء الموضوع ومحاولة فهمه كالتالى: الأشخاص الأربعة ينتمون إلى حركة حماس فى غزة.
وهم: ياسر زنون ــ حسين الزبدة ــ عبدالله أبوالجبين ــ عبدالدايم أبولبدة. وكانوا قد مروا بمعبر رفح قاصدين مطار القاهرة للسفر إلى الخارج للدراسة والعلاج.
بعد عبورهم استقلوا مع غيرهم حافلة مخصصة لنقل المسافرين إلى المطار، يفترض أن تكون تحت حراسة الأمن المصرى.
بعدما تحركت الحافلة بركابها، وعلى بعد ٣٠٠ متر من المعبر، اعترضت طريقها مجموعة من الملثمين المسلحين. وفى إحدى الروايات أنهم أطلقوا النار فى الهواء لإيقافها.
وذكر الشهود أن عناصر الأمن المصرى الذين يفترض وجودهم داخل الحافلة لتأمينها لم يكونوا بين الركاب، أحد الملثمين صعد إلى الحافلة ونادى على أسماء الأربعة من ورقة كانت معه. بعد التعرف عليهم تم إنزالهم وسمح للحافلة بمواصلة رحلتها. منذ ذلك الحين ١٩ أغسطس ٢٠١٥ اختفى الأربعة. ولم يعرف أحد أين ذهبوا ولا من الذى اختطفهم. وظل الموضوع يتفاعل فى غزة ولم يكن له صدى خارجها، ذلك أن أهالى المخطوفين والمسئولين فى حماس لم يتوقفوا عن المطالبة بالتعرف على مصير الأربعة.
وظلت تساؤلاتهم بغير إجابة حتى هذه اللحظة. ليس معلوما أين ذهبوا وما إذا كانوا لايزالون أحياء أم لا. لكن التكهنات لم تتوقف بخصوص هوية الخاطفين.
هل هم من عناصر التيار السلفى المشتبك مع حماس فى غزة ولهم ثأرهم معها؟.. أم أنهم من إحدى الجماعات الإرهابية فى سيناء التى أرادت أن تقايضهم ببعض رجالها فى القطاع؟ ــ أم أنهم من عملاء إسرائيل التى أرادت أن تصفى حسابها مع حماس؟ المشكلة ليست فقط أن هذه الأسئلة لا جواب لها، ولكن أن هناك صمتا إزاء الموضوع من جانب السلطات المصرية رغم أن عملية الخطف تمت على أرضٍ مصرية.
وحين أثير الموضوع أخيرا فقد كان بسبب الخطأ البروتوكولى الذى وقع فيه وزير العدل الفلسطينى وهو يستفسر عنه، وذلك صمت يبعث على الحيرة ويفتح الباب لإساءة الظن وإضافة سبب جديد للمرارة والضغينة، ولذلك صار استجلاؤه ضروريا.
ليون وديمستورا وسياسة الهجين
بقلم يوسف رزقة عن فلسطين اون لاين
تكليف ديمستورا المبعوث الأممي لسوريا بتشكيل وفد المعارضة السورية للمفاوضات مع النظام، يستدعي ما قام به برنارد ليون حين شكل وفود التفاوض الليبية، وحين فرض على الليبين مشروع الاتفاق عيهم، دون تحقيق توافق كامل بين الأطراف، ودون الحصول على (موافقة وتوقيع) جميع الأطراف المشاركة في اجتماعات الصخيرات وغيرها.
يبدو أن ليون قد خط طريقا لديمستورا يبدأ بجمع الأطراف المتنازعة التي يقبل المجتمع الدولي التعامل معها، ثم يتهيأ بعد مناقشات مطولة بينهم لإعداد مشروع اتفاق يتضمن نقاط الاتفاق والاختلاف ، ويعدلها وفق رؤية الدول الكبري، ويفرضها على المفاوضين، مستفيدا من حالة النزاع والاختلاف بينهم، ثم يتجه بالاتفاق إلى مجلس الأمن ليمنح الاتفاق المفروض شرعية دولية، ومن ثمة فإن مشروع الاتفاق يكون هجينا مما اتفقت عليه الأطراف الوطنية، ومما فرضه الممثل الأممي.
في هذا الاتجاه سار ليون، ثم خلفه الألماني، الذي فرض رؤيته على قيادة طبرق وقيادة طرابلس، مستفيدا من الخلافات الداخلية في كل من الجسمين المتخاصمين على الشرعية والسيادة. ما خطه ليون من منهج هجين، يسير الآن عليه ديمستورا بقوة تأييد دولية، حيث كلفه المجتمع الدولي بتشكيل وفد المعارضة السورية، وهو تكليف في غير محلة، لأنه يجافي المنطق والحقيقة ومقتضيات الميدان. إذ كيف لديمستورا أن يفرض على المعارضة السورية وفدا هي لم تختاره، ولم تتفق على مكوناته.
إن ما يقوم به ديمستورا الآن يذكرنا بمؤتمر فينا نفسه، حيث حضرته الدول الكبرى والإقليمية، ولم تحضره المعارضة السورية، وهو تمثيل مجحف ومخالف للواقع، إذ كيف يقضى في أمر سوريا ووممثلي سوريا ليسوا حضورا وليسوا شركاء.
ليس معقولا أن تحدد الدول الكبرى والإقليمية هوية المعارضة السورية، وأن تمييز بينها بحسب ولاءاتها للغرب أو لدول الإقليم، وليس لها أن تحدد من يقود المفاوضات، ومن هو خارجها؟! . ثمة توجه دولي لتنحية مخرجات مؤتمر الرياض الأخيرة، وتكليف ديمستورا بتشكيل وفد المعارضة في ضوء ورقة الأردن لتصنيف المعارضة السورية.
كل هذه المحاولات ربما تنتهي إلى الفشل لأنها تصطدم بما هو في الواقع والميدان، وربما يكون الفشل هدفا آخر لقوى دولية لإطالة أمد الحرب لسنوات قادمة.
إن ما يجري في هذه المسألة من تلاعب دولي وإقليمي من خلف ظهر الشعب السوري لا يختلف أبدا عما جرى ويجري منذ سنوات مع الثورة السورية في الميدان. الثورة السورية وإن كانت يتيمة ، فإنها لا تقبل الفشل، وبقاء الاستبداد، ولا تقبل الخروج من ظلم الأسد لظلم دول كبرى وإقليمية. وهنا يجدر بديمستورا أن يرجع إلى الشعب السوري وإلى أطياف المعارضة، وبالذات المعارضة ذات الثقل العسكري والشعبي لكي يظفر الشعب السورية بشيء من العدالة.
الهوة تتسع بين الرئاسة الفلسطينية وشعبها
بقلم نقولا ناصر عن فلسطين اون لاين
وزارة الصحة الفلسطينية تقول إن حصيلة الشهداء الذين سقطوا برصاص الاحتلال الإسرائيلي منذ تشرين الأول/ اكتوبر الماضي زادت على (133) شهيدا، منهم (26) طفلا وطفلة، وست سيدات، وأكثر من (15) ألف مصاب، وما زالت الرئاسة الفلسطينية تقول "إننا نمد أيدينا للطرف الإسرائيلي لنتعاون على إيجاد حل للقضية الفلسطينية".
ولا يحتاج المراقب إلى الكثير من الجهد للاستنتاج بأن الشعب الفلسطيني ورئاسته يسيران في اتجاهين متعاكسين تتسع الفجوة بينهما بوتيرة متسارعة، وهي فجوة تهدد كلا المسارين ما لم تتدارك الرئاسة نفسها لتنضم إلى شعبها في انتفاضته الحالية بعد فشل مشروعها التفاوضي.
إن التزامن بين مولد خاتم النبيين محمد (صلى الله عيه وسلم) وبين ولادة السيد المسيح هذه السنة هو "وصية العناية الإلهية" لتعزيز "الوحدة الوطنية" كما جاء في رسم كاريكاتيري لفنان لبناني الأسبوع الماضي، وهذه دعوة إلى الرئاسة الفلسطينية للانضمام إلى شعبها في انتفاضته المتجددة ضد الاحتلال بعد ما يزيد على عقدين من الزمن منحهما الشعب الفلسطيني كفرصة أكثر من كافية لقيادة منظمة التحرير لترجمة "حل الدولتين" الذي وصفته ب"المشروع الوطني" إلى واقع على الأرض.
في آخر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية من 10 – 12 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، قال المركز، ومقره في الضفة الغربية ولا يعد مسؤولوه من "المعارضين"، إن "الفجوة" بين المسارين زاد اتساعها وإن المؤيدين ل"انتفاضة مسلحة" زادوا بعشر نقاط بالمقارنة مع سبعة وخمسين في المائة في استطلاع السادس من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وإن آخر مرة سجل فيها مثل هذا التأييد للانتفاضة المسلحة كانت في أيلول/ سبتمبر عام 2004، وإن ثلثي المستطلعة آراؤهم فقدوا ثقتهم ب"حل الدولتين"، ومن العوامل المسؤولة عن هذا التحول في الرأي العام الفلسطيني فقدان الثقة في السياسات الرسمية الفلسطينية كما قال رئيس المركز د. خليل الشقاقي.
وقال الشقاقي إن نتائج استطلاعات المركز توضح بأن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" قد اصبحت أكثر شعبية من حركة "فتح" التي تقود منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وإن نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية سوف يتقدم على الرئيس الحالي محمود عباس في أي انتخابات رئاسية تجري اليوم.
في أوائل الشهر الجاري أصدر وزير الخارجية الأميركي جون كيري بعد زيارته لرام الله وتل أبيب تحذيرا قويا بالحاجة الملحة إلى استئناف المفاوضات المباشرة بين الرئاسة الفلسطينية وبين حكومة دولة الاحتلال لأن "السلطة الفلسطينية" تواجه خطر الانهيار.
وفي مقال له نشره في الحادي والعشرين من الشهر الجاري، وبعد أن أشار إلى أن "موقف عباس الضعيف في الضفة الغربية مكشوف تماما للجميع"، تساءل السفير الأميركي السابق جاري جرابو عما سيحدث لقوات الأمن الفلسطينية في حال انهيار السلطة فقال: "ماذا سيحدث لآلاف ضباط الشرطة الفلسطينية الذين تلقوا تدريبا ممتازا ... هل تود إسرائيل حقا ... ان تراهم خارجين في الشوارع؟"، مضيفا أن "الفلسطينيين فقدوا الثقة في قيادتهم، التي لم تحقق لا دولة فلسطينية ولا حتى أحوالا معيشية أحسن أو اقتصادا أفضل"، ليخلص إلى القول إن "الوقت قد حان للتغيير".
ومع أنه لا يوجد أي فلسطيني يفترض حسن النية في "تحذير" كيري أو في أي دعوة أميركية إلى "التغيير" في القيادات الفلسطينية، بعد أن فقدت كل القيادات الفلسطينية وأولها الرئاسة الفلسطينية الثقة في نزاهة وصدقية أي رعاية أميركية لأي عملية سلام عادلة، فإن تشخيص كيري وجرابو للوضع الفلسطيني يتفق مع نتائج استطلاعات الرأي الفلسطينية والعربية كذلك التي تؤكد اتساع الفجوة بين القيادات وبين الشعوب فلسطينيا وعربيا.
ففي تقرير "المؤشر العربي 2015" الذي أصدره مؤخرا "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" القطري أظهرت النتائج أن الرأي العام العربي ما زال "يعد إسرائيل هي الأكثر تهديدا لأمن بلدان المنطقة العربية"، بالرغم من كل الضخ الإعلامي الرسمي عن أولوية "الخطر الإيراني" الذي اضطر الرئاسة الفلسطينية إلى الانضمام إلى تحالفين عسكريين عربيين تقودهما العربية السعودية لمواجهة هذا الخطر في اليمن وغيره.
وبينما ينقسم النظام الرسمي العربي حول "الخطر الإيراني"، ما زال (75%) من الرأي العام العربي، حسب "المؤشر"، يرى في القضية الفلسطينية "قضية جميع العرب" و"ليست قضية الفلسطينيين وحدهم"، وما زال "الرأي العام في المنطقة شبه مجمع على رفض اعتراف بلدانهم بدولة إسرائيل" بنسبة (85%) مقابل (9%)، وبنسبة (74%) بين عرب مصر و(90%) بين عرب الأردن وفلسطين وهذه هي الأطراف العربية الثلاثة التي اعترفت بدولة الاحتلال ووقعت معه معاهدات واتفاقيات "سلام" منذ عام 1979.
فاتفاقيات منظمة التحرير مع دولة الاحتلال يعارضها (60%) من الفلسطينيين، واتفاقيات كامب ديفيد المصرية معها يعارضها (57%) من المصريين، واتفاقية وادي عربة الأردنية معها يعارضها (58%) من الأردنيين.
ومن الواضح أن العرب وأولهم الفلسطينيون في واد ورؤساؤهم في واد آخر.
في مقال له يوم الثلاثاء الماضي وصف مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات هاني المصري المرحلة التي يمر بها الوضع الفلسطيني بأنها "فترة انتقالية"، وإنها حقا مرحلة انتقالية بين التفاوض وبين المقاومة، وإذا كان جيل اتفاقيات أوسلو قد تمرد عليها بانتفاضته الراهنة فإن الكرة الآن موجودة في ملعب قيادة منظمة التحرير ورئاستها وعليها تقع مسؤولية تقصير مدة هذه المرحلة، بالانضمام إلى شعبها وشبابها، بعد أن لم يعد في جعبتها ما تقدمه لهم، أو تخلي مكانها التفاوضي للمقاومة بعد أن مُنحت مهلة طالت اكثر مما يجب كي تحقق بالتفاوض ما تسميه "المشروع الوطني" من دون طائل.
لكن قيادة المنظمة ورئاستها تطيل في أمد هذه المرحلة الانتقالية، وأسبابها ليست واضحة لشعبها، وهي بدلا من استغلال هذا الوقت الضائع بين التفاوض وبين المقاومة في ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي تحضيرا لمرحلة جديدة تعتمد الشراكة الوطنية على أساس المقاومة بكل اشكالها استراتيجية جديدة لشعبها فإنها ما تزال تماطل في عقد المجلس الوطني الفلسطيني، ومؤتمر حركة فتح، والإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، كمؤسسات يمكن الانتقال عبرها إلى الاستراتيجية الجديدة.
ويسجل للرئاسة أن دولة الاحتلال وحكومته تأخذ عليها عدم إدانتها لأشكال الانتفاضة الحالية وتتهمها لذلك بالتحريض عليها، لكن هل تستطيع الرئاسة غير ذلك ؟ فهذا هو أضعف الايمان المتوقع منها، وهو غير كاف ولا يرقى إلى مستوى تضحيات شعبها.
يقول هاني المصري إن "المطلوب" الآن هو "الشروع في حوار وطني شامل ... والاتفاق أولا على عقد اجتماعي يجسد القواسم المشتركة ... ومن دون ذلك فكل ما يجري طحن ماء"، وهذه في الواقع وصفة للاستمرار في "طحن الماء"، فلم تعد توجد "قواسم مشتركة" بين التفاوض والمقاومة، بينما لم تُبق الحوارات الوطنية الشاملة السابقة ما يمكن التحاور عليه.
حين تبحث إسرائيل تفكيك السلطة الفلسطينيّة
بقلم عدنان أبو عامر عن المركز الفلسطيني للاعلام
تدخل الانتفاضة الفلسطينية شهرها الثالث، وتنشغل الأوساط السياسية الإسرائيلية والفلسطينية بمآلاتها المتوقعة، إذا ما قدّر لها أن تستمر حتى إشعار آخر، بما في ذلك الفرضية التي يتم تداولها في رام الله وتل أبيب عن انهيار السلطة الوطنية الفلسطينية.
لم يتفق الفلسطينيون والإسرائيليون بعد حول التسمية المرجحة للفرضية المقبلة، بين انهيار السلطة الفلسطينية، أو تفككها، أو سقوطها، لكن النتيجة، في النهاية، أننا أمام وضع سياسي وأمني جديد، يعيدنا إلى ما قبل العام 1994، حين بسطت أول سلطة وطنية فلسطينية أقدامها على أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بموجب اتفاق أوسلو.
هناك دوافع للحديث عن هذه الفرضية غير المستبعدة، المتمثلة بغياب السلطة الفلسطينية، أو بعض أدوارها السياسية عن المشهد الفلسطيني، لعل أهمها مواصلة السلطات الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول إجراءاتها الأمنيّة والعسكريّة المتمثّلة في اعتقالات الفلسطينيّين، وتقطيع أوصال مدنهم، وهدم منازلهم، لمحاولة وقف العمليّات الفلسطينيّة ضدّ الإسرائيليّين، وتمثّلت بالطعن والدهس وإطلاق النار.
وفي ذروة هذا الحال الفلسطينيّ-الإسرائيليّ، جاء مفاجئاً أن تسرّب الصحافة الإسرائيلية أواخر نوفمبر/تشرين الثاني وأوائل ديسمبر/كانون الأول، أنّ المجلس الوزاريّ الإسرائيليّ المصغّر للشؤون الأمنيّة والسياسيّة ناقش سيناريو انهيار السلطة الفلسطينيّة، وسبل التعامل الإسرائيليّ مع هذا الاحتمال في حال حصوله، مع وجود وزراء إسرائيليّين مؤيدين ذلك، في ظل اعتبارهم أن انهيار السلطة فرصة تخدم مصالح إسرائيل، وطالبوا حكومتهم بعدم منع انهيارها، لكنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، أعلن أنّه لا يتمنّى انهيار السلطة، خوفاً من البدائل السيّئة على الأمن الإسرائيليّ.
وفيما توقّفت المداولات الصحافيّة في شأن نقاشات الحكومة الإسرائيليّة، عاود وزير الخارجيّة الأميركيّ، جون كيري، التحذير في خطاب له، في منتدى سابان لسياسات الشرق الأوسط التابع لمركز بروكينغز في واشنطن، من عواقب انهيار السلطة الفلسطينيّة، لأنّه سيشكّل تهديداً لإسرائيل، لكن تزامن تحذيرات كيري مع نقاشات الحكومة الإسرائيليّة قد لا يكون عفويّاً، بل ربّما ارتبط بتأزّم العلاقة بين إسرائيل والسلطة، بسبب عدم القدرة الإسرائيليّة على وقف موجة الهجمات الفلسطينيّة، على الرغم من إجراءاتها العسكريّة والأمنيّة، وتزايد تحريض إسرائيل ضدّ السلطة، واتّهامها بعدم وقف العمليّات، بلسان وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون.
وقد لا يتوافر لدى الفلسطينيّين، حتّى اللحظة، سيناريو تفصيليّ حول طبيعة الانهيار المتوقّع للسلطة الفلسطينيّة، لكن التقديرات تتراوح بين المعطيات التالية:
أن تنفذ إسرائيل عمليّة عسكريّة كبيرة تجتاح الضفّة الغربيّة بصورة شاملة، كما حصل إبّان "السور الواقي" في العام 2002، وتسفر عن تقييد حركة الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس، كما حصل مع الرئيس الراحل ياسر عرفات في عام 2002. أن تذهب إسرائيل إلى استهداف تدريجيّ للأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة، واعتقال بعض عناصرها، لانخراطهم في هجمات ضدّ إسرائيل، آخرها دهس ضابط مخابرات فلسطيني، أوائل ديسمبر/كانون الأول، جنوداً إسرائيليين في شمال القدس، حيث أطلق عليه الجنود الإسرائيليون النار، وقتلوه. وربّما يؤدي إيقاف تحويل أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينيّة إلى حصول تفكّك تدريجيّ لها، وليس انهياراً مفاجئاً، لأن السلطة، في هذه الحالة، ستكون عاجزة عن توفير مرتبات موظفيها، وبالتالي، عجزهم عن القيام بمهامهم الوظيفية تجاه الفلسطينيين، خصوصاً عناصر الأجهزة الأمنية، ما قد يؤدي إلى غياب الضبط الأمني في الضفة الغربية. وقد تذهب إسرائيل إلى تقسيم الضفّة إلى وحدات جغرافيّة عدّة، لكلّ وحدة قائد عسكريّ إسرائيليّ له الحريّة في معالجة الوضع الأمنيّ لوقف العمليّات الفلسطينيّة بوسائل الضغط العسكريّ والاقتصاديّ، وإقامة حواجز إسمنتيّة حول القرى، ومنع الجيش الإسرائيليّ مرور السيّارات بين المدن الفلسطينيّة. وهذه إجراءات قد تقلّص سيطرة السلطة على الضفّة الغربيّة، ولا يعود لها نفوذ فعليّ، تمهيداً لإسقاطها تدريجيّاً.
ولذلك، يبدو أن خيار انهيار السلطة الفلسطينية بات سيناريو قابلاً للتحقق، في ظل المواقف اليمينية الإسرائيلية، ما يعني أن إسرائيل قد تواجه صعوبات جدية في إدارة شؤون الفلسطينيين في الضفة الغربية، ويعيدها إلى مرحلة ما قبل قيام السلطة الفلسطينية عام 1994، بما يعني ذلك من تحملها أعباء إدارية واقتصادية وأمنية.
لم تعقّب السلطة رسميّاً على التسريب الإسرائيليّ، على عكس المتوقّع، مع أنّه يمسّ مصيرها، والنقاش الإسرائيلي حول مصيرها لم يقم به أكاديميون في محاضرة جامعية، بل خاضه صنّاع القرار من القيادات السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة، مكتفية بما تحدث به بعض ناطقيها بصفة غير رسمية، أن هذه النقاشات إنما تأتي فقط نوعاً من التهديدات الإسرائيليّة للضغط على القيادة الفلسطينيّة.
يبدو، حتى اللحظة، أن هناك عدم توافق إسرائيليّ داخليّ على فرضيّة انهيار السلطة الفلسطينيّة، في ضوء تشجّع وزراء يمينيّين، ومعارضة الأجهزة الأمنيّة والجيش الإسرائيليّ، التي تعتبر أنّ أيّ خيار آخر غير السلطة الفلسطينيّة يعني مزيداً من الفوضى الأمنيّة، وهو ما لا تحبّذه الأجهزة الأمنية والجيش الإسرائيليان، نظراً لتوفر قناعات لديها بأن انهيار السلطة الفلسطينية، خطوة بعد خطوة، يعني إمكانية الذهاب إلى حالة من الفوضى في الضفة الغربية.
لا تسلم الأوساط الفلسطينية، على ما يبدو، بتفسير النقاشات الإسرائيلية بشأن مستقبل السلطة الوطنية تهديدات إعلامية فقط، بل هناك من يراها جدّيّة، وليس مبالغاً فيها، لأنّ هناك تعويلاً إسرائيليّاً على ما بات يعرف بالحلّ الإقليميّ، في ضوء ما تقوله إسرائيل عن تحسّن علاقاتها مع بعض الدول العربيّة، عبر الدعوة لعقد مؤتمر إقليمي بمشاركة الدول العربية، وإمكان تجاوز السلطة الفلسطينيّة، وهو ما يطرحه اليمين الإسرائيليّ الذي يريد ضمّ كلّ المناطق في الضفّة الغربيّة إلى إسرائيل.
تشير هذه السيناريوهات مجتمعةً إلى أن الخليفة المتوقّع في حال انهيار السلطة الفلسطينيّة، سيكون منسّق عمليّات الحكومة الإسرائيليّة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، الجنرال يوآف مردخاي، مع أن المشكلة الأكبر التي ستواجه إسرائيل، في حال تحقّق سيناريو انهيار السلطة الفلسطينيّة، المصير المجهول لأفراد الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة، والذين يحملون عشرات الآلاف من البنادق والأسلحة، وربّما تقع في أيدي منفّذي العمليّات المسلّحة ضدّ الإسرائيليّين.
قد يجعل ذلك كله إسرائيل تفكّر مرّات عدّة، قبل الإقدام على إسقاط السلطة الفلسطينيّة، لاسيما في ضوء استمرار الانتفاضة، وإمكانية توسعها إلى حالة من المواجهات والاضطرابات المستمرة، في حين لا يعرف كيف سيكون رد فعل الفلسطينيين على مثل هذا التطور، المتمثل بحصول الانهيار التدريجي للسلطة الفلسطينية.
صحيح أنّ موقف السلطة من الانتفاضة ما زال متردّداً، فلا هي داعمة لها كليّاً، خشية ردود الفعل الإسرائيليّة، ولا تقف ضدّها خوفاً من غضب الفلسطينيّين، لكنّ هذا الموقف لا يكفي صنّاع القرار الإسرائيليّ على ما يبدو، ما قد يجعلهم يقومون بسياسة تدريجيّة نحو حافّة الهاوية، للضغط على السلطة الفلسطينيّة، وإشعارها بأنّها قد تكون آيلة إلى الانهيار، إنْ لم تتّخذ موقفاً رافضاً للانتفاضة، ولا يبدو أنّ السلطة في صدد أن تعلن موقفاً على هذا النحو قريباً.
وكعادتهم في قضايا كثيرة، الإسرائيليون منقسمون بشأن مستقبل السلطة الفلسطينية، على الرغم من قناعات معظمهم بأن هذه السلطة تحولت، مع مرور الوقت، وفي ظل جمود العملية السياسية إلى مجرد وكيل أمني لإسرائيل، وبقاؤها يمنح إسرائيل أمناً، من دون أن تدفع ثمناً له، بما يجعلها أرخص احتلال في العالم على غرار الاحتلال "سوبر ديلوكس". لكن الانزياح اليميني للحكومة الإسرائيلية الحالية يجعلها تفكر بصورة بعيدة عن الواقعية السياسية، وتذهب إلى حد طي صفحة "أوسلو" كلياً، بما يعنيه ذلك من إسقاط السلطة الفلسطينية.


رد مع اقتباس