الجزء/ 2

نظرية جون ناش (ح 2): هكذا تتحضر أميركا لتكرار بابا عمرو في موسكو.

كتب خضر سعيد- عربي برس

عام 1997 أنتجت هوليوود فيلما بعنوان " واغ ذي دوغ" Wag the dog) )

الفيلم من بطولة روبرت دي نيرو وداستن هوفمان والمميز في الفيلم هو قصته، دي نيرو لعب دورمساعد للرئيس الأميركي يعمل في مجلس الأمن القومي بينما داستن هوفمان صانع أفلام من هوليوود.

الحبكة السينمائية ليست خيالية بتاتاً ولها أمثلة عديدة على أرض الواقع ، فمن حوّل نكبة الشعب الفلسطيني ومجازر الصهاينة ضده إلى فخر إنساني يحتفل به العالم الغربي سنوياً بما أسماه معجزة عودة شعب إسرائيل إلى أرضه لن يصعب عليه ابتكار حدث واقعي من خيال سينمائي وهل ينسى من يحترم نفسه وعقله كيف خدع وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول العالم من مجلس الأمن حين عرض صوراً لما أسماه صواريخ كيميائية عراقية تبين لاحقاً أنه هو نفسه كان يعرف بأنها أنابيب صدأة تستعمل في نقل البترول.

وفي الفيلم الأميركي ذاك شيء مشابه فما طلبه دي نيرو من هوفمان لم يكن سوى إنتاج حدث سينمائي سيقدمه البيت الأبيض للشعب الأميركي بوصفه حدثاً واقعياً في بلاد أجنبية ويتطلب تدخلاً بطولياً من جنود وحدة خاصة في الجيش الأميركي لإنقاذ جندي أسير وبعد تحرير الأسير من المفترض ان يظهر الرئيس بمظهر قائد الجيش البطل الذي حرر أسيراً بطلاً هو بدوره والإعلام الأميركي في الفيلم يتعامل مع تلك الحرب الوهمية السينمائية على قاعدة أنها حرب حقيقية وأن الأسير حقيقي والإذاعات تبدأ ببث أغنية وطنية تمجد تلك العملية البطولية بينما الحقيقة هي أن الحرب وهمية والأسير لا وجود له والعملية البطولية لم تحصل أبداً وكل التمثيلية تلك هدفها ضمان نجاح الرئيس في الانتخابات في وجه منافس قوي.

أمثولة الفيلم تفسر لماذا تحظى أي دعاية ضد القيادة السورية خاصةً وضد أعداء أميركا عامةً بتغطية غربية واسعة تنتقل بسرعة من مصاف التعامل المهني إلى عملية غسل أدمغة تمارسها بكل صلف وسائل إعلام كنا نعتقد أنها قد تحافظ على مهنيتها قبل انتمائها . والفيلم يقدم نموذج عن الإعلام الذي يقدم العون لإسرائيل لكي تحظى دوماً بدعم شعبي أميركي كاسح مع أنها دولة إجرام ودولة احتلال وتضطهد شعباً بكامله وتعامل الفلسطينيين بطريقة ظالمة جداً.

...

من أي جاء الأميركيون بهذه القسوة إلا من إعلامهم الإجرامي ؟

وكيف تحولت مجزرة صبرا وشاتيلا إلى حدث يدل على وحشية العرب لا دليلاً على وحشية إسرائيل لولا الإعلام الأميركي ؟ وكيف صار الشعب اللبناني معتدياً والفلسطيني إرهابيا وإسرائيل ضحية لجرائم العرب ضد الطفولة الإسرائيلية المعذبة في حرب 2006 وفي حرب غزة لولا الإعلام الغربي عامة والأميركي خاصة (ولولا قناة العربية التي سبقت الجزيرة في إظهار حقيقتها الصهيونية) ؟

إعلام يغير الواقع ويشوه ما يريد ويعلي من قدر من يريد كيف لا تعطيه أميركا جل إهتمامها وهو القادر على تغيير وجهة التاريخ في بلاد تعادي شعوبها قبل حكامها الإجرام الأميركي؟

تكرار التجربة الإعلامية الناجحة في أميركا على العقل الجمعي العربي...وعلى الشعب الروسي ؟

ما هي علاقة نظرية جون ناش في الرياضيات السياسية - الاقتصادية التي أسقطت الاتحاد السوفياتي بالحرب الإعلامية التي يتعرض لها الرئيس بشار الأسد والتي يتعرض لها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟

يؤكد ديبلوماسي روسي مقيم في عاصمة عربية بأن الأميركيين أعادوا الاعتبار لفريق عمل خبير بنظرية جون ناش ولكن هذه المرة المستهدف هو الرئيس بشار الأسد حيث يدخلون كل المعطيات التي تتعلق به وبقراراته وما يعرفونه عن حياته الخاصة إلى برنامج خاص مصمم لتحويل المعطيات إلى عملية رياضيات يلعب خلالها بديل أميركي متمرس دور الرئيس السوري بينما يلعب آخرون دور مساعديه وأركانه ويمارسون عملية حكم مسبق على القرارات التي قد تغير من تصرف الرئيس الأسد ويتوقعون تصرفاته بحسب ما يعتقدون ثم يضعون الخطط لنشر دعاية عنه وعن عائلته تؤدي برأيهم إلى التأثير عليه وإلى دفعه إلى مسار هم يريدونه أن يسير به ، ويضيف الرجل فيقول: هم فعلوا هذا مع بريجنيف ومع قادة روس آخرين وفعلوها مع تشافيز وبدأوا بفعل الأمر نفسه مع فلاديمير بوتين وكثفوه مؤخراً !

ويعتبر الرجل أن كل ما يصدر من دعايات ضد الرئيس السوري وضد الرئيس الروسي بوتين إنما مصدرها تلك الوحدة التي تدير مشروع جون ناش بطريقة مستحدثة يعتبر الأميركي من خلالها أنه قادر على توقع القرارات التي سيتخذها الرئيسان بشكل مسبق وهم يظنون أيضا أنهم قادرون بالدعاية والشائعات على التأثير على قرارات الرئيسين في الوقت عينه .

ويكشف المصدر الروسي عن رؤيته للعقلية الأميركية فيقول : هم مولعون بأمرين.... حلم السيطرة الأمبراطورية على العالم والتي يبررونها بالإيمان الخلاصي أي أنهم يقنعون أنفسهم بأن إجرامهم مباح لأنه يشبه ما فعله يوشع بأريحا (قصة توراتية تقول بأن يهوه الرب أمر النبي يوشع بقتل كل سكان أريحا من البشر والحيوان إلا عاهرة منهم ).

ويضيف الديبلوماسي الروسي فيقول : والأمر الآخر الذي يمثل ولعاً للسّاسة الأميركيين هو تقديم الحدث السياسي والعسكري والأمني المتعلق بهم أو بحروبهم على أعدائهم بطريقة الإخراج السينمائي ويضيف :

ألم يلفتكم كيف عمدت قناة العربية الأميركية الممولة سعودياً إلى تركيب استديو بمؤثرات سينمائية لعرض عملية دعائية مفبركة صممتها الإدارة الأميركية ضد الرئيس الأسد وأنتجتها وأخرجها سينمائيون كبار على طريقة الأفلام التشويقية التي تشد المشاهدين إلى إستكمال مشاهدها ، ويسأل الديبلوماسي فيقول :

ما أسمته قناة العربية " البريد الالكتروني للرئيس السوري" ليس سوى فيلم أميركي . ما يغضب المرء منه هو استخفاف الأميركيين من خلاله بعقول الرأي العام العالمي والسوري تحديداً ، فتفاصيله غير محبوكة وتثير السخرية لتفاهة ما ورد فيها مما لا يقنع عاقل .

الديبلوماسي الروسي الذي له باع في عالم المخابرات يقول :

لا يخلو أي مؤتمر صحافي للرئيس الأميركي من عملية تمثيل هوليوودية وكل القصص التي تنشرها الصحافة الأميركية عن الرئيس يخترعها منتجون لهم خبرة في الإخراج والإنتاج السينمائي، لذا فالخطط الأميركية السياسية والعسكرية الاستراتيجية أو التكتيكية لها دوماً جانب مفبرك وفقاً لقواعد السينما والإبهار النظري الذي تقدمه ، ويسأل المصدر :

لو قارنتم الدعاية السيئة التي تتعرض للرئيس الأسد وعقيلته وتلك التي تعرض لها الرئيس الفنزويلي وعقيلته وتلك التي يتعرض لها الرئيس فلاديمير بوتين وعقيلته وتلك التي تعرض لها زعماء عالميون قتلتهم السي آي أيه أو قلبت أنظمتهم مثل مصدق في إيران وسلفادور اللندي في تشيلي فسترى أن ما يقولونه اليوم عن الرئيس الأسد وعن " مراسلات مفبركة ومنسوبة إليه " تشبه إلى حد بعيد ما قالوه عن لرئيس فلاديمير بوتين وعن مصدق وعن تشافيز وعن شيفنارنادزة في جورجيا ...

الأسلوب واحد ويكاد يكون الكلام واحداً وإن اختلفت عمليات الإخراج ومتطلبات تبدل الزمن و تطور التقنيات والأساليب.

ويتابع : فهنا في سورية يتحدثون عن بريد ومراسلات لا يصدقها إلا الأغبياء وهناك في موسكو يخرجون الأمر على شاشات يورو نيوز والقنوات التي تتحدث بالروسية لا بالإنكليزية او العربية .

ويتساءل الرجل : لو كنت عضوا في المافيا الأميركية الحاكمة ورأيت بأن الإعلام الأميركي ضمن للمافيا الحاكمة التي تنتمي اليها السيطرة المطلقة على الثروة وعلى الحكم في بلاد بحجم الولايات المتحدة فلماذا لا تكرر التجربة في روسيا وفي الصين وفي بلاد أقل قوة مثل سورية وإيران ولبنان وفي العالم العربي بشكل عام؟

و لو كنت خاسراً لحرب العراق وفاشلاً في حرب أفغانستان وتقدم لك وسائل الإعلام السعودية والقطرية دعما مجانيا لقلب النظام في سورية فلماذا لا تفعل ؟ وإن كنت ممن دفعوا نصف مليار دولار في سنة واحدة لتشويه صورة حزب الله في الإعلام اللبناني فقط (شهادة جيفري فيلتمان أمام الكونغرس الأميركي) فكم تدفع لتشويه صورة الرئيس بشار الأسد في الإعلام العالمي وفي الغارديان والسي إن إن وفي العربية والجزيرة ؟

وكم تدفع لإسقاط الممانعة والمنافسة العالمية لروسيا العائدة بقوة إلى ساحة الفعل الدولي أمنياً وعسكرياً وديبلوماسياً وعسكرياً ؟

أميركا لم تكتشف قوة الحرب النفسية الدعائية اليوم ولكنها لم تكن قد استكملت عدة استخدامها في بلاد ترى فيها هدفاً يجب إسقاطه . فالتحضير لقلب الحكم في سورية ولسرقة آمال الشعب السوري بالتغيير والديمقراطية واستبدال النظام القائم بآخر تكفيري أصولي يقدس الديكتاتورية الدينية باسم الله، وهو أمر تطلب من الاميركيين تدريباً لألوف الناشطين الشبابيين السوريين . ولنا نحن الروس نصيب أكبر من عمليات التدريب على ما يسميه الأميركيون " التدريب على نشر الديمقراطية" عبر وسائل الإعلام الجديدة (نيو ميديا ) من انترنت وفضائيات.

كابوس الدب الروسي الذي يلاحق الأميركيين يدفعهم لشن حرب إستعمارية على موسكو؟

يقول مصدر صحافي من موسكو:

" لم يكن طريق عودة الرئيس فلاديمير بوتين إلى «البيت الأبيض» الروسي معبداً بالسجاد الأحمر حيث عرقلته مطبات سياسية استطاع بوتين تجاوز بعضها من خلال استمالة القوميين المتطرفين أمثال ألكسندر بروخانوف وألكسندر دوغين وسيرغي كوغينيان وجمهورهم الذي شارك في التظاهرة المؤيدة لبوتين والمعارضة للغرب في الرابع من شباط - فبراير. يومها، تداول مجلس الأمن مشروع قرار يدين سوريا، في وقت انشغل بوتين بتنظيم تظاهرة مؤيدة له للرد على نجاح المعارضة الروسية في حشد أعداد كبيرة في تظاهرة مناوئة في موسكو. ويرى مؤيدو بوتين أن المتظاهرين المعارضين هم «الطابور الخامس البرتقالي» الموكل إليه «تفكيك روسيا، وتعبيد الطريق أمام اجتياح قوات الناتو لها». ووزع المتظاهرون المؤيدون لبوتين مناشير تحمل خريطة للفيديرالية الروسية مقسمة 25 جزءاً، لفضح مخططات المعارضة الموالية للغرب.

كما دغدغ بوتين مشاعر اللاوعي السوفياتي القديمة. وهو قدم نفسه على أنه يدافع عن روسيا في وجه الاعتداء الخارجي. ويظهر لناخبيه أنه معادٍ للغرب، ولن يخون روسيا مهما بلغ عدد القتلى في سوريا، على قول الخبير في شؤون العالم العربي، ألكسندر شوميلين. "

ثلاثة من زعماء المعارضة اليمينية في روسيا هم بوريس نيمتسوف وفلاديمير ريجكوف وفلاديمير ميلوف يعتبرهم الغرب حلفاء طبيعيين له فهم من كبار المتعاونين معه منذ ما قبل سقوط الاتحاد السوفياتي ولكن حصان طروادة الأميركي في روسيا ليس هؤلاء بل هم شباب منظمات " فريدوم هاوس " ومتدربو معهد أوتبور الصربي وأشبال " مكتب الديبلوماسية العامة في وزارة الخارجية الأميركية" الذي يقول الروس أنهم بعشرات الآلاف وواجهتهم الحالية التي يقدمها الاعلام الغربي ويلمعها هو الكسي نافالي (35 ) عاما أحد المتدربين السابقين في فريدوم هاوس والذي تربطه بمنظمات " الأوتوبوريين" العميلة للأميركيين علاقات واسعة جدا .

الهدف الأميركي من إسقاط روسيا ليس فقط سحق منافس يملك القوة النووية المنافسة لأميركا بل هو أيضا حلم المستعمر الأميركي بالثروات الروسية التي ظن أنها أصبحت طوع بنانه حين سقط الإتحاد السوفياتي ويوم تمكنت المخابرات الأميركية من دس عملائها في مفاصل الدولة العسكرية والنفطية والإستثمارية والحزبية والإجتماعية إلى أن جاء بوتين بخلفيته المخابراتية وحد من ذاك التغلغل بالتحالف مع وارثي المؤسسة العسكرية والأمنية السوفياتية من الوطنيين الروس في شركات «غاز بروم» (عملاق الغاز الروسي) وشركة «أيروفلوت» (خطوط النقل الجوي الروسي) وشركة الألماس الروسية وشركة «روس تكنولوجي» وشركة السكك الحديد الروسية وغيرها, وبالإضافة إلى هذه الشركات فإن الحكومة الروسية تقود عدداً من كبريات الشركات الروسية التي تعتبر تابعة للدولة، وكل هذه الشركات تشكل قوة لا حدود لها بالنسبة للدولة الروسية كان الأميركي وعملائه قاب قوسين من إستكمال السيطرة عليها حين وصل بوتين إلى الرئاسة عام 2000.

أميركا وتجميع الأدوات للانقضاض على روسيا والتجربة السورية دليل المتآمرين:

يقدم كتاب روبرت كوبر ( كسر إرادة الأمم – الفوضى والنظام في القرن الواحد والعشرين) نظرة شاملة على طرق إسقاط الأنظمة المستقرة من خلال الفوضى الشعبية التي تستخدم من خلالها الإدارة الأميركية الإعلام العالمي والغربي تحديداً لدعم وسائل إعلام محلية (نيو ميديا) وناشطين من البلدان المستهدفة لكسر الأنظمة المعادية لها ولاستبدالها بأخرى موالية وهو الأسلوب الذي تتبعه أميركا في سورية حاليا وتريد اتباعه مع روسيا لإسقاطها من الداخل.

وتؤكد دراسة هولندية صادرة عن معهد نذرلاند للدراسات السياسية في " هاغ "

( لاهاي) أنجزتها الباحثة جان مايسن على ما يقوله " كوبر " في كتابه الصادر عام 2003 في لندن عن دار أتلنتيك للنشر.

وتؤكد شواهد من مصادر أميركية بينها خطابات علنية لمسؤولين حاليين وسابقين على أن ما جرى في مصر وتونس وليبيا وسورية ليس سوى استغلال أميركي لمطالب شعبية حقيقية في سبيل نشر الفوضى وعدم الإستقرار في البلاد التي لأميركا مصلحة في نشر الفوضى فيها أو لها مصلحة في إيصال سلطات جديدة موالية للأميركيين ، أنظمة وسلطات وثابتة وقادرة على تحقيق المصالح الأميركية في القرن الواحد والعشرين دون الحاجة الأميركية إلى التدخل عسكريا لحماية مصالحها في المدى المنظور.

لا يعني هذا أن الحراك الشعبي المصري التونسي والليبي والسوري ليس حراكاً حقيقياً له مطالب وغايات شريفة ومحقة ، ولكن الأمر يشبه زواج رجل فاسد (الناشطون الممولون من الأميركي المخترقين للثورات) بفتاة جميلة (الشعوب) وبعد الزواج يسعى الرجل الفاسد إلى تشغيل زوجته عاهرة عند الأميركي. هذا بالضبط مغزى تدريب وتمويل الأميركيين لمئات آلاف الناشطين الحقوقيين والمدونيين ومن يسمون أنفسهم بالمدربين على نشر الديمقراطية حول العالم.

هؤلاء هم بديل الطائرات والبوارج التي احتلت العراق وأفغانستان وهؤلاء سيغنون أميركا عن خوض حرب مع الصين وروسيا وإيران على النفط العالمي، وهؤلاء سيهزمون ،برأي الأميركي، مقاومي إسرائيل من الداخل وإن غد حكم الإخوان المسلمين في البلاد العربية لقريب وقد رأينا تباشيره في نأي حماس لنفسها عن المواجهات مع الصهاينة في غزة مؤخراً.


إضغط هنا لتحميل الملف المرفق كاملاً