عباس خبط بقبضته على الطاولة، ماذ في ذلك؟ وماذا بعد؟
نقلاً عن موقع التضامن الفرنسي الفلسطيني
مقابلة أجرتها صحيفة -نيو غيبوبليك الجزائرية الناطقة بالفرنسية مع جوليان سالانغ-أستاذ ودكتور في العلوم السياسية في جامعة باريس الثامنة
ترجمة مركز الإعلام
2/10/2011
بالنسبة لعباس و مقربيه، فالأمر يتعلق باستعادة مكانتهم على الساحة الدولية.
نيو غيبوبليك الجزائرية: في 23 أيلول قام محمود عباس بتقديم طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، وقد بُررت هذه الخطوة بأن المفاوضات متعثرة بين الطرفين وسياسية الاستيطان مستمرة للآن، برأيك هل هذا هو الحل الصحيح؟
جوليان سالانغ: الحل الصحيح لماذا؟ ذلك في حال تعلق الأمر بقضية استئناف المفاوضات مع إسرائيل أملاً في تغيير ميزان القوى، بالتالي لا نستطيع أن نكون مشككين بأن يكون هذا هو الحل الصحيح، والجميع على علم بتاريخ إسرائيل، هذه الدولة التي لم تعط أهمية لقرارات الأمم المتحدة سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة وأحياناً كانت تدين سياسة الأمم المتحدة، وبالنسبة للمؤسسة الإسرائيلية فإن الاعتراف بالدولة الفلسطينية حتى من جانب الأغلبية الساحقة من أعضاء الأمم المتحدة لا يشكل تهديداً بالنسبة إليها، ودعونا لا ننسى ما حصل في تشرين الثاني عام 1988 عندما اجتمع المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر العاصمة وأعلن من جهته استقلال دولة فلسطين، وإذا تتبعنا ما حصل من تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث اعترفت 100 دولة بشرعية النهج الفلسطيني ولم يكن هناك سوى صوتين ضد هذا النهج، هم إسرائيل والولايات المتحدة، والآن بعد 23 عاماً، إن الدولة الفلسطينية ليس لها أية حقيقة واقعية، وليس لديها أيضاً أي سبب يجعلها تعتقد بأن الأمور ستسير بشكل مختلف حتى لو أصبحت فلسطين دولة غير عضو.
نيو غيبوبليك الجزائرية: قلت في إحدى مقالاتك أن السعي للاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة هو تفكير تكتيكي من القيادة الفلسطينية التي تحاول إنقاذ أو إحياء المشروع الوطني الذي يضمن بقائها الاقتصادي والسياسي لعقود طويلة، ويضمن بقائها أيضاً في الطبقة السياسية والمجتمع المدني، برأيك كيف ستقوم السلطة الفلسطينية في هذه الحالة بإنقاذ وإحياء المشروع الوطني الذي حددته؟
جوليان سالانغ: برأيي، إن الهدف الحقيقي لعباس وإدارة السلطة الفلسطينية هنا أن عباس ومقربيه يشكلون الحزب الوطني الفلسطيني الذين راهنوا منذ أكثر من 30 عاماً على موضوع حل الدولتين عن طريق المفاوضات وتحت رعاية الولايات المتحدة. وحتى لو لم تحرز عملية السلام أي تقدم خلال سنوات 90 و 2000 نجد بأن اتفاقيات أوسلو وإنشاء الدولة الفلسطينية سجلت شيئاً في هذا المنظور، والسلطة الفلسطينية وجدت سبباً لكي تبقى وتعيش، هذه السلطة المؤقته استطاعت أن تنشيء طبقة اجتماعية جديدة في الأراضي الفلسطينية معتمدة سياسياً واقتصادياً على استمرار المفاوضات وعلى الحفاظ على فكرة الدولة المستقلة، ومن الجدير بالذكر أن السلطة الفلسطينية هي أداة للدولة دون وجود دولة، لكن لديها كم كاف من الوزراء والمستشارين والمسؤلين إلى آخره. يعتمد البقاء الاقتصادي والسياسي لهؤلاء الأشخاص على مشروع الدولة المستقلة، والآن يبدو بشكل ظاهر أن كل ما يحصل هو تصرف رمزي لإحياء الرؤية الدولية لحل الدولتين وإعادة الشرعية لقيادة عباس. ونتيجة لهذه الأسباب نجد بأنه تم انتقاد نهج قيادة السلطة الفلسطينية والطعن به من قبل البعض بما في ذلك في بعض المناطق الفلسطينية، وهناك قضية فلسطينية مهمة لا بد من الإشارة إليها، ألا وهي محنة اللاجئين الفلسطينيين الذين
يشكلون الأغلبية العظمى من الفلسطينيين، فقد أشار البعض بأنه إذا تم استبدال منظمة التحرير التي تمثل جميع الفلسطنيين سواء كانوا في الداخل أو في المنفى بالدولة الفلسطينية فإن ذلك سيعرض اللاجئين لخطر كبير أقله عدم القدرة على المطالبة بالجنسية الفلسطينية في أحسن الأحوال والحق في الحصول على تسهيلات داخل حدود هذه الدولة، وأنا لست محامياً ولست مختصاً بشكل كاف في هذه المسألة، لكن التركيز على مسألة الدولة يهمش مطالب اللاجئين وفلسطينيي إسرائيل.
وللرجوع إلى سؤالك، إن مشكلة عباس ومقربيه ليست كسب أية شرعية بين السكان أو بين أفراد المجتمع المدني الفلسطيني، إنما هي المشكلة في إعادة التواجد داخل الساحة الدولية وذلك لضمان استمرار عملية السلام، وكما تعلمون فإن عباس دستورياً لم يعد رئيس السلطة الفلسطينية منذ أكثر من سنتين ونصف، ورئيس الوزراء سلام فياض حصل على ما يزيد عن 2% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية لعام 2006، وإن معظم الشرعية التي تستمدها السلطة الفلسطينية مصدرها الدعم المقدم من الدول الغربية وبعض الدول العربية.
نيو غيبوبليك الجزائرية: هل ستكون هذه الخطوة ضارة على موضوع المصالحة بين الفصائل الفلسطينية؟
- جوليان سالانغ: حتى المصالحة بين الفصائل الفلسطينية كانت ظاهرية حتى بعد الاتفاق الموقع في القاهرة، حيث أن قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله استمرت باعتقال العشرات من قيادات حماس، وفي المقابل نجد بأن حركة حماس لم تتسامح مع التعبير العلني لحركة فتح في قطاع غزة، لم تنجح الحركتين في الوصول إلى اتفاق لإقامة حكومة الوحدة الوطنية أو الوصول إلى تقويم انتخابي، وقد اقترحت حركة فتح إبقاء سلام فياض في منصب رئيس وزراء، وقد جسد هذا المنصب على مرأى أعين قادة حماس، وحتى قبل موضوع الذهاب إلى الجمعية العامة فإن موضوع المصالحة لم يكن حقيقة واقعية، وإن خطوة عباس لم تقم سوى بتأزيم الوضع بين الطرفين، فحماس تتهم فتح بالتلاعب بالمصالحة وذلك لذهابها إلى الأمم المتحدة ولتحدثها باسم كل الفلسطينيين، وذلك كله لإعادة الشرعية لها وللإضرار بالحركة الإسلامية، وقد أوضحت بعض المنظمات اليسارية مثل الجبهة الشعبية بقولها أن الاستعجال ليس خطوة أخيرة نحو استئناف المفاوضات لكن نحو قيام وحدة وطنية حقيقة.
نيو غيبوبليك الجزائرية: في حال فشلت الخطوة الفلسطينية، ماذا سيحل بمستقبل السلطة الفلسطينية؟ هل سيكون هذا الفشل انتحاراً للأعمال؟
جوليان سالانغ: عندها لن يكون لديهم خيار، وهنا تكمن المفارقة في هذه القضية، فإذا كانوا لا يفعلون شيئاً لإحياء عملية السلام فإن المشروع الوطني سيستمر بالاحتراق ببطء، حيث أنهم يستخدمون في جولتهم الأخيرة ما لديهم من نفوذ لكي تضع وجودها على الميزان، وإن السلطة الفلسطينية هي الهيكل الذي يفكك نظام الاحتلال الإسرائيلي، ورغم ما تقول إسرائيل، فإن السلطة الفلسطينية تلعب دوراً لا غنى عنه لتقليل إدارة وسيطرة دولة إسرائيل على الخدمات المقدمة للفلسطنيين في الضفة الغربية وقطاع غزة سواء في قطاع الصحة والتعليم إلى آخره، وقبل كل شيء هنالك الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية والتي تسعلى إلى الحفظ على النظام في مناطق الحكم الذاتي، حيث أنه خلال أحداث القصف على غزة عام 2008-2009 قامت قوات الأمن الفلسطينية بمنع المظاهرت في الضفة الغربية وردع مهاجمة الأهداف الإسرائيلية.
في الولايات المتحدة وفي إسرائيل، هدد البعض بقطع التمويل عن السلطة الفلسطينية، وفي حال تم قطع التمويل فإن هذا يشكل خطراً على انهيار فلسطين ويؤدي إلى وضع إسرائيل في الموقع الذي كان يجب عليها البقاء به كما كانت قبل اتفاقية أوسلو عندما كانت تدير جميع الأراضي الفلسطينية، وإن الرسالة الأساسية لعباس هي ما يلي: "لا يمكننا تسوية الوضع الراهن الذي يولد الكثير من التحدي في صفوفنا، لكن في حال رفضتم استئناف المفاوضات ورفضتم إحياء فكرة الدولة المستقلة إذن سنتوقف عن لعب الدور الذي قمتم بتحديده وسيتوجب عليكم تحمل المسؤولية".
نيو غيبوبليك الجزائرية: قبل أن يقدم الرئيس عباس الطلب الفلسطيني كان قد اقترح مراراً بأنه على استعداد للتخلي عن الخطوة الفلسطينية في حال قامت إسرائيل باقتراح عرض جدي على الفلسطنيين، لماذا لم تقم إسرائيل والولايات المتحدة بالرد على هذا الاقتراح؟ وحالياً تسعى إلى ردع الخطوة الفلسطينية واستئناف محادثات السلام؟ هل هذا خطأ استراتيجي من جانبهم أو أنهم يعتقدون أنه مجرد خدعة؟
جوليان سالانغ: أعتقد بأنهم يرونها خدعة، وهم ليسوا الوحيدين الذين يرونها بهذا الشكل، فمن جانب القيادة الفلسطينية، البعض يرى بأنه يكفي لعباس بأن يثير تهديد النهج الفلسطيني في الأمم المتحدة لكي يلفت انتباه الولايات المتحدة، وقد اضطروا للاستمرار للوصول إلى نهاية النهج خوفاً من اتهامات الجمهور في حال خضعوا للضغط مرة أخرى، ولا يمكن القول بأن عباس ومقربيه سيخضعون لحل وسط لكي لا يسيئوا لأوباما الذي سيقترح على الأغلب القيام بجولة جديدة من المفاوضات، وقد تم تأكيد هذا الأمر في الأشهر الأخيرة، وهو أن الولايات المتحدة وإسرائيل ترفضان السماح للفلسطنيين بتقديم هذه المبادرة.
نيو غيبوبليك الجزائرية: أشارت الولايات المتحدة بوضوح إلى أنها ستستخدم حق النقض الفيتو ضد الخطوة الفلسطينية، هل ستلعب ورقة العلاقات مع العالم العربي دوراً في هذه القضية؟
جوليان سالانغ: لا أستطيع أن أتخيل بأن البعض لا يزال يعتقد بأن الولايات المتحدة لن تستخدم حق النقض الفيتو، وإذا كانت إدارة أوباما لا ترغب بخوض حرب ضد العالم العربي فإنها أعلنت في الثلاث سنوات الأخيرة عزمها عن اتخاذ موقف مؤيد اتجاه إسرائيل، هل نسينا ما حصل في شباط الماضي عندما قامت الولايات المتحدة باستخدام حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار الأمم المتحدة الذي يدين الاستيطان في الضفة الغربية، وإن الولايات المتحدة بعيدة كل البعد عن فكرة التخلي عن إسرائيل خوفاً من خسارة حليف إقليمي رئيسي، وأعتقد بأن هناك أوهام غربية حول الصورة المزعومة لباراك أوباما في العالم العربي الذي يؤيد إسرائيل على الدوام، وهذا ليس خافيا على الإطلاق، على الرغم من التطورات الإقليمية الراهنة، إلا أنه لن يكون هناك انقطاع في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ناهيك عن أن انتخابات الرئاسة الأمريكية ستكون بعد عام، وبالتالي لا يستطيع أحد الفوز دون الدعم الأكيد غير المشروط لإسرائيل.
نيو غيبوبليك الجزائرية: أتظن بأن هذا الاعتراف، حتى وإن لم يحصل، سيضع إسرائيل في موقف سيء أمام المجتمع الدولي؟
جوليان سالانغ: لا بد أن نشير إلى أن إسرائيل معزولة بشكل كبير عن المشهد الدولي، ولقد تسارعت هذه العزلة في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد القصف على غزة عام 2008- 2009، وبسبب الاعتداء على أسطول الحرية عام 2010، وإن الاضطرابات الراهنة في المنطقة تعزز هذه العزلة، وسيكون الأمر قاسياً أكثر فأكثر على الأنظمة العربية بأن تكون بعيدة عن العداء الشعبي لسياسة إسرائيل، وليس من الصدفة أن تشدد تركيا لهجتها اتجاه إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، ويعرف اوردغان جيداً أنه إذا أرادت تركيا أن تلعب دوراً على المستوى الإقليمي، يجب عليها تبني موقف أقل وفاقاً اتجاه إسرائيل، هذا ما يوجه رئيس الوزراء التركي، وبالتأكيد لا يوجد هناك حساسية مفاجئة اتجاه الشعوب المضطهدة، والأكراد على علم بهذا الأمر.
وكل هذا من أجل الإشارة إلى أن عزلة دولة إسرائيل كانت قبل نهج عباس في الأمم المتحدة، وينبغي أن نشير بأن إسرائيل قلقة جداً حيال التطورات الإقليمية الراهنة والتي أفقدتها حليفها الجوهري حسني مبارك، وفي حال قامت الحكومة الإسرائيلية بمهاجمة نهج عباس، فإن ذلك ليس مهما لأنه سيثبت أن إسرائيل لها حلفاء أقل فأقل.
نيو غيبوبليك الجزائرية: في هذه الحالة وبوجود الكثير من التحديات، من يملك زمام الامور؟
جوليان سالانغ: إن معظم الأوراق في أيدي الدول التي مازالت تدعم إسرائيل، دون الحاجة إلى الامتثال للقانون الدولي، وأنا لا أتحدث فقط عن الولايات المتحدة، الشريك التجاري الأول لإسرائيل، بل الاتحاد الأوروبي أيضاً، ففي الأونة الأخيرة تم قبول إسرائيل كعضو في منظمة التعاون والتنمية خلف قناع مبدأ النوايا الحسنة، وهناك سياسة (موجهة بالفعل) لا تتعارض مع المتطلبات الإسرائيلية، بحيث يجب أن يخرج شركاء إسرائيل في النهاية من نفاقهم، فلا نستطيع أن نفعل كما فعلت فرنسا، أن تصوت ضد الاستيطان في الضفة الغربية، وبعد عدة أسابيع تشتري طائرات بدون طيار من إسرائيل، وفي حال شجبنا السياسة الإسرائيلية، يجب أن نعمل على تغييرها، على سبيل المثال، بإمكاننا أن نقوم بفرض عقوبات على إسرائيل في حال لم تحترم القانون الدولي.
نيو غيبوبليك الجزائرية: ما الذي سيحصل لموازين القوى الجديدة في كلتا الحالتين (نجاح أو فشل المبادرة)؟
جوليان سالانغ: إن موازين القوى بالكاد تغيرت، فنحن نعرف من قبل أن فلسطين لن تقبل لدى الأمم المتحدة بسبب حق النقض، في أحسن الأحوال ستحصل فلسطين على دولة غير عضو، وقد شرح بعض الخبراء القانونيين لدى منظمة التحرير عن هذا الوضع أنه يمكن القيادة الفلسطينية من أن تقود المسؤولين الإسرائيليين إلى المحكمة الدولية، قانونياً هذا صحيح، لكن هل سيفعلون؟ هذا غير مؤكد، ويجب علينا أن لا ننسى أن إدارة عباس التي كانت تحت ضغط الولايات المتحدة وإسرائيل، كانت قد طلبت تأجيل النظر في تقرير غولدستون لدى مجلس الأمن في تشرين الأول عام 2009، لماذا فعلوا ذلك؟ لمواصلة اعتبارهم شركاء موثوق بهم للمفاوضات، حسناً، عباس هذه المرة، ضرب بقبضته على الطاولة، ماذا بعد؟ عاد إلى الضفة الغربية، وإذا أراد الذهاب من رام الله إلى بيت لحم فيجب عليه الحصول على تصريح إسرائيلي، وإذا أراد فياض أن يدفع رواتب الموظفين، فيجب على الولايات المتحدة أن تستمر بدفع الأموال للسلطة الفلسطينية، وأن تضمن تحويل الضرائب من إسرائيل، وإسرائيل تستمر في بناء المستوطنات دون أن يمنعها أحد، ولهذا السبب أيضا يقاس واقع موازين القوى.
نيو غيبوبليك الجزائرية: يعتقد بعض الفلسطينيين أن المقاومة هي الطريقة الوحيدة لاسترداد حقوقهم الجوهرية، لدرجة أنهم وصفوا هذه المبادرة الدبلوماسية بسياسة الغش، ما رأيك؟
جوليان سالانغ: أنا سأتحفظ عن إعطاء دروس للفلسطينيين، ولكن يبدو لي أن حلقة النقاش تتسارع في الأمم المتحدة من أجل تعديل استراتيجي للجانب الفلسطيني، أياً كان السيناريو (في الأمم المتحدة أو في الشارع الفلسطيني)، فإن التناقضات الكامنة في موقف القيادة الفلسطينية المسؤولة عن القانون والنظام على حد سواء في الأراضي الفلسطينية، والتي تمثل مصالح الشعب الفلسطيني، فضلاً عن الاستقطاب السياسي الواضح عن طريق المناقشات حول مبادرة أيلول الدبلوماسية، من المستبعد على المدى المتوسط، ألا يكون هناك رؤية سياسية قائمة للسلطة الفلسطينية، وحتى وعد الدولة المقدم للفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك فإن القضية الفلسطينية ليست قضية سياسية فوق الأرض، التحقت بسياق إقليمي مليء بالاضطرابات، والعمليات الثورية في العالم العربي والتي تتغير تدريجيا تظهر كل يوم أكثر فأكثر، لأولئك الذين نسوا أن القضية الفلسطينية جزء من القضية العربية، لكن ديمقراطية العالم العربي تعمل على تقليص الفجوة بين التضامن الشعبي مع الفلسطينيين والعداء التاريخي اتجاههم من قبل الدكتاتوريين، وذلك بتغيير موازين القوى، والسماح بالخروج من الحدود الضيقة للحلول المعروضة منذ ثلاثين عام. وينبغي أن نشير بأن الأحداث الأخيرة في مصر الناجمة عن الهجوم على حافلات إسرائيلية في سيناء والتدخل الإسرائيلي في الأراضي المصرية كشفت كثيرا من الأمور بهذا الصدد، وكما أكد علي أبو نعمة مؤسس الانتفاضة الألكترونية "يبدو أن إسرائيل، وحتى هذه اللحظة قد تنازلت إلى حد كبير عن حجم الهجمات على قطاع غزة بفضل الأحداث في مصر وشعور عام بأن إسرائيل "لديها نقص في الشرعية لمواصلة الهجمات بالرغم من الدعم الدبلوماسي من قبل الولايات المتحدة"، إن القضايا السياسية تتجاوز نتائج التصويت في الجمعية العامة، ومن المفارقات أن أحد المؤشرات الرئيسية هو أننا نشهد نهاية جيدة لهذه الدورة، والتي يمكن أن أطلق عليها (قوس أوسلو)، والتي اتخذت فيها القيادة الفلسطينية التحدي في حل الدولتين برعاية القوة العظمى (الولايات المتحدة)، لا أحد يستطيع القول على وجه اليقين عن خصائص الدورة الجديدة التي ستفتتح، ولكن لا أحد لديه شك في أن القيادة الفلسطينية قد استخلصت العبر من سنوات أوسلو وتأثرت بشكل كبير من العاصفة التي تهز العالم العربي.
نيو غيبوبليك الجزائرية: هل تعتقد شخصيًا أن يكون هناك فرصة للتعايش بين الدولتين في سلام واحترام متبادل؟ إذا كان كذلك فما هي المتطلبات اللازمة لنجاح مثل هذا المشروع؟
جوليان سالانغ: لا أعتقد ذلك تماما، فإن المطالبة بدولة فلسطينية مستقلة، على يد فصيل من منظمة التحرير، في إطار عزلة دولية وإقليمية أدى بدوره إلى النظر في حل "عملي" (تسوية واقعية)، ولكن بالنسبة لهذه الحركة الحاكمة لم تكن الدولة المستقلة غاية بحد ذاتها، كانت عبارة عن خطوة لتلبية جميع الحقوق الوطنية وخصوصاً (حق العودة وحق تقرير المصير)، نحو حل لجميع الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وغزة وإسرائيل أو في الدول التي لجؤوا إليها، ومن هذا المنظور، ففي الوقت الذي تدور فيه العمليات الثورية في العالم العربي، فإن المطالبة بدولة فلسطينية مستقلة تبدو مفارقة تاريخية، ما يعيشه العالم العربي الآن يمكن وصفه برأيي "بالمرحلة الثانية للاستقلال" بعد حصولها على الاستقلال الرسمي من المستعمر، والسيطرة على المناطق الإقليمية. أصبحت تطالب الشعوب العربية بالاستقلال الحقيقي، والذي يتمثل بالتخلص من الحكام المستبدين أو الذين لهم علاقة بالقوى الاستعمارية القديمة، أو القوى الإمبريالية الجديدة، فالمطالبة بدولة فلسطينية مستقلة هو في جوهر المطالب ذات المرحلة الأولى نظراً لحصولها على القبول والاعتراف من القوة الاستعمارية إسرائيل، الذي أُحرز في سياق الجمود الإقليمي الذي تلا حروب الـ 1967 و الـ 1973، تعبر هذه المطالبة في نهاية المطاف عن التكيف، وليس عن التكامل في القضية الفلسطينية بناء على النظام الإقليمي، ومن باب أولى إذا كنا نؤمن بمبدأ "عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية" وهذا الأمر كلف منظمة ياسر عرفات.
لا شيء يدعو للاستغراب، في ظل هذه الظروف، التي تأتي فيها منظمة التحرير بعد السلطة الفلسطينية، فهي ستحاكي الأنظمة العربية المحيطة بها، ورئيسها محمود عباس الذي دعم علناً حكومة حسني مبارك، وأثناء خطابه أمام الكونغرس قبل عامين أشاد بـ "زين العابدين بن علي" لاحتضان تونس لمنظمة التحرير ومشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، وهذا يبدو على نحو متزايد مع الأجيال السياسية الجديدة الناشئة التي تطالب باستقلال سياسي واقتصادي حقيقي.
وعلى خلفية فقدان الأسس المادية للدولة الفلسطينية، وفشل واضح في بناء الاستقلال، بسبب استمرار الاحتلال، كما يبدو أنه في ظل الأحداث الأخيرة لم ينج المجتمع الفلسطيني من رياح الثورة التي اجتاحت العالم العربي، والتي أعادت التشكيل السياسي أو تجاوزت تقاليد الحركة الوطنية، وأعادت صياغة الاستراتيجية والمشروع، ومن شأن هذه التطورات على المدى المتوسط، أن تجعل من طلب الدولة الفلسطينية البعيد المنال فضولا تاريخياً.


رد مع اقتباس